تنبيه
nindex.php?page=treesubj&link=28906لفظة " لما " ترد في القرآن وفي كلام العرب على ثلاثة أنواع :
الأول : لما النافية الجازمة للمضارع ، نحو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم [ 2 \ 214 ] ، وقولـه :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=142أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم الآية [ 3 \ 142 ] ، وهذه حرف بلا خلاف ، وهي مختصة بالمضارع ، والفوارق المعنوية بينها وبين لم النافية مذكورة في علم العربية ، وممن أوضحها
ابن هشام وغيره .
الثاني : أن تكون حرف استثناء بمعنى إلا ، فتدخل على الجملة الاسمية ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=4إن كل نفس لما عليها حافظ [ 86 \ 4 ] ، في قراءة من شدد " لما " أي : ما كل نفس إلا عليها حافظ ، ومن هذا النوع قول العرب : أنشدك الله لما فعلت ; أي : ما أسألك إلا فعلك ، ومنه قول الراجز :
قالت له بالله يا ذا البردين لما غنثت نفسا أو نفسين
[ ص: 320 ] فقولها " غنثت " بغين معجمة ونون مكسورة وثاء مثلثة مسندا لتاء المخاطب ، والمراد بقولها " غنثت " تنفست في الشرب ، كنت بذلك عن الجماع ، تريد عدم متابعته لذلك ، وأن يتنفس بين ذلك ، وهذا النوع حرف أيضا بلا خلاف ، وبعض أهل العلم يقول : إنه لغة
هذيل .
الثالث من أنواع " لما " هو النوع المختص بالماضي المقتضي جملتين ، توجد ثانيتهما عند وجود أولاهما ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=59لما ظلموا ، أي : لما ظلموا أهلكناهم ، فما قبلها دليل على الجملة المحذوفة ، وهذا النوع هو الغالب في القرآن وفي كلام العرب ، " ولما " هذه التي تقتضي ربط جملة بجملة اختلف فيها النحويون : هل هي حرف ، أو اسم ، وخلافهم فيها مشهور ، وممن انتصر لأنها حرف
nindex.php?page=showalam&ids=13110ابن خروف وغيره ، وممن انتصر لأنها اسم
ابن السراج والفارسي nindex.php?page=showalam&ids=13042وابن جني وغيرهم ، وجواب " لما " هذه يكون فعلا ماضيا بلا خلاف ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67فلما نجاكم إلى البر أعرضتم الآية [ 17 \ 67 ] ، ويكون جملة اسمية مقرونة بـ " إذا " الفجائية ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون [ 29 \ 65 ] ، أو مقرونة بالفاء كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=32فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد الآية [ 31 \ 32 ] ، ويكون جوابها فعلا مضارعا كما قاله
ابن عصفور ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=74فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط الآية [ 11 \ 74 ] ، وبعض ما ذكرنا لا يخلو من مناقشة عند علماء العربية ، ولكنه هو الظاهر .
هذه الأنواع الثلاثة ، هي التي تأتي لها " لما " في القرآن وفي كلام العرب .
أما " لما " المتركبة من كلمات أو كلمتين فليست من " لما " التي كلامنا فيها ; لأنها غيرها ، فالمركبة من كلمات كقول بعض المفسرين في معنى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=111وإن كلا لما ليوفينهم ربك [ 11 \ 111 ] ، في قراءة
ابن عامر وحمزة وحفص عن
عاصم بتشديد نون " إن " وميم " لما " على قول من زعم أن الأصل على هذه القراءة : لمن ما بمن التبعيضية ، وما بمعنى من ، أي : وإن كلا لمن جملة ما يوفيهم ربك أعمالهم ، فأبدلت نون " من " ميما وأدغمت في ما ، فلما كثرت الميمات حذفت الأولى فصار لما ، وعلى هذا القول : فـ " لما " مركبة من ثلاث كلمات : الأولى الحرف الذي هو اللام ، والثانية من ، والثالثة ما ، وهذا القول وإن قال به بعض أهل العلم لا يخفى ضعفه وبعده ، وأنه لا يجوز حمل القرآن عليه ، وقصدنا مطلق التمثيل لـ " لما " المركبة من كلمات على
[ ص: 321 ] قول من قال بذلك ، وأما المركبة من كلمتين فكقول الشاعر :
لما رأيت أبا يزيد مقاتلا أدع القتال وأشهد الهيجاء
لأن قوله : " لما " في هذا البيت ، مركبة من " لن " النافية الناصبة للمضارع و " ما " المصدرية الظرفية ، أي : لن أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلا ، أي : مدة رؤيتي له مقاتلا .
تَنْبِيهٌ
nindex.php?page=treesubj&link=28906لَفْظَةُ " لَمَّا " تَرِدُ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ :
الْأَوَّلُ : لَمَّا النَّافِيَةُ الْجَازِمَةُ لِلْمُضَارِعِ ، نَحْوَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [ 2 \ 214 ] ، وَقَوْلِـهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=142أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ الْآيَةَ [ 3 \ 142 ] ، وَهَذِهِ حَرْفٌ بِلَا خِلَافٍ ، وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُضَارِعِ ، وَالْفَوَارِقُ الْمَعْنَوِيَّةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ لَمِ النَّافِيَةِ مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَمِمَّنْ أَوْضَحَهَا
ابْنُ هِشَامٍ وَغَيْرُهُ .
الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ حَرْفَ اسْتِثْنَاءٍ بِمَعْنَى إِلَّا ، فَتَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=4إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ [ 86 \ 4 ] ، فِي قِرَاءَةِ مَنْ شَدَّدَ " لَمَّا " أَيْ : مَا كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ قَوْلُ الْعَرَبِ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ لَمَّا فَعَلْتَ ; أَيْ : مَا أَسْأَلُكَ إِلَّا فِعْلَكَ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ :
قَالَتْ لَهُ بِاللَّهِ يَا ذَا الْبُرْدَيْنِ لَمَّا غَنِثْتَ نَفَسًا أَوْ نَفَسَيْنِ
[ ص: 320 ] فَقَوْلُهَا " غَنِثْتَ " بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَنُونٍ مَكْسُورَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مُسْنَدًا لِتَاءِ الْمُخَاطَبِ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهَا " غَنِثْتَ " تَنَفَّسْتَ فِي الشُّرْبِ ، كَنَتَ بِذَلِكَ عَنِ الْجِمَاعِ ، تُرِيدُ عَدَمَ مُتَابَعَتِهِ لِذَلِكَ ، وَأَنْ يَتَنَفَّسَ بَيْنَ ذَلِكَ ، وَهَذَا النَّوْعُ حَرْفٌ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ : إِنَّهُ لُغَةُ
هُذَيْلٍ .
الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ " لَمَّا " هُوَ النَّوْعُ الْمُخْتَصُّ بِالْمَاضِي الْمُقْتَضِي جُمْلَتَيْنِ ، تُوجَدُ ثَانِيَتُهُمَا عِنْدَ وُجُودِ أُولَاهُمَا ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=59لَمَّا ظَلَمُوا ، أَيْ : لَمَّا ظَلَمُوا أَهْلَكْنَاهُمْ ، فَمَا قَبْلَهَا دَلِيلٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ ، وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، " وَلَمَّا " هَذِهِ الَّتِي تَقْتَضِي رَبْطَ جُمْلَةٍ بِجُمْلَةٍ اخْتَلَفَ فِيهَا النَّحْوِيُّونَ : هَلْ هِيَ حِرَفٌ ، أَوِ اسْمٌ ، وَخِلَافُهُمْ فِيهَا مَشْهُورٌ ، وَمِمَّنِ انْتَصَرَ لِأَنَّهَا حَرْفٌ
nindex.php?page=showalam&ids=13110ابْنُ خَرُوفٍ وَغَيْرُهُ ، وَمِمَّنِ انْتَصَرَ لِأَنَّهَا اسْمٌ
ابْنُ السَّرَّاجِ وَالْفَارِسِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13042وَابْنُ جِنِّيٍّ وَغَيْرُهُمْ ، وَجَوَابُ " لَمَّا " هَذِهِ يَكُونُ فِعْلًا مَاضِيًا بِلَا خِلَافٍ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ الْآيَةَ [ 17 \ 67 ] ، وَيَكُونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً مَقْرُونَةً بِـ " إِذَا " الْفُجَائِيَّةِ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [ 29 \ 65 ] ، أَوْ مَقْرُونَةً بِالْفَاءِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=32فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ الْآيَةَ [ 31 \ 32 ] ، وَيَكُونُ جَوَابُهَا فِعْلًا مُضَارِعًا كَمَا قَالَهُ
ابْنُ عُصْفُورٍ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=74فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ الْآيَةَ [ 11 \ 74 ] ، وَبَعْضُ مَا ذَكَرْنَا لَا يَخْلُو مِنْ مُنَاقَشَةٍ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَلَكِنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ .
هَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ ، هِيَ الَّتِي تَأْتِي لَهَا " لَمَّا " فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ .
أَمَّا " لَمَّا " الْمُتَرَكِّبَةُ مِنْ كَلِمَاتٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ فَلَيْسَتْ مِنْ " لَمَّا " الَّتِي كَلَامُنَا فِيهَا ; لِأَنَّهَا غَيْرُهَا ، فَالْمُرَكَّبَةُ مِنْ كَلِمَاتٍ كَقَوْلِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=111وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ [ 11 \ 111 ] ، فِي قِرَاءَةِ
ابْنِ عَامِرٍ وَحَمْزَةَ وَحَفْصٍ عَنْ
عَاصِمٍ بِتَشْدِيدِ نُونِ " إِنَّ " وَمِيمِ " لَمَّا " عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَصْلَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ : لَمِنْ مَا بِمِنِ التَّبْعِيضِيَّةِ ، وَمَا بِمَعْنَى مِنْ ، أَيْ : وَإِنَّ كُلًّا لَمِنْ جُمْلَةِ مَا يُوَفِّيهِمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ، فَأُبْدِلَتْ نُونُ " مِنْ " مِيمًا وَأُدْغِمَتْ فِي مَا ، فَلَمَّا كَثُرَتِ الْمِيمَاتُ حُذِفَتِ الْأُولَى فَصَارَ لَمًّا ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ : فَـ " لَمَّا " مُرَكَّبَةٌ مِنْ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ : الْأَوْلَى الْحَرْفُ الَّذِي هُوَ اللَّامُ ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ ، وَالثَّالِثَةُ مَا ، وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ قَالَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَبُعْدُهُ ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ ، وَقَصْدُنَا مُطْلَقُ التَّمْثِيلِ لِـ " لَمَّا " الْمُرَكَّبَةِ مِنْ كَلِمَاتٍ عَلَى
[ ص: 321 ] قَوْلِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ ، وَأَمَّا الْمُرَكَّبَةُ مِنْ كَلِمَتَيْنِ فَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ :
لَمَّا رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ مُقَاتِلًا أَدَعُ الْقِتَالَ وَأَشْهَدُ الْهَيْجَاءَ
لِأَنَّ قَوْلَهُ : " لَمَّا " فِي هَذَا الْبَيْتِ ، مُرَكَّبَةٌ مِنْ " لَنِ " النَّافِيَةِ النَّاصِبَةِ لِلْمُضَارِعِ وَ " مَا " الْمَصْدَرِيَّةِ الظَّرْفِيَّةِ ، أَيْ : لَنْ أَدَعَ الْقِتَالَ مَا رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ مُقَاتِلًا ، أَيْ : مُدَّةَ رُؤْيَتِي لَهُ مُقَاتِلًا .