قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=28990_31976قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا .
هذا الذي ذكره تعالى في هذه الآية الكريمة ذكره أيضا في " آل عمران " في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=40قال كذلك الله يفعل ما يشاء [ 3 \ 40 ] ، وقولـه في هذه الآية الكريمة
nindex.php?page=treesubj&link=28908 " كذلك " للعلماء في إعرابه أوجه :
[ ص: 370 ] الأول : أنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، الأمر كذلك ، ولا محالة أن تلد الغلام المذكور ، وقيل ، الأمر كذلك أنت كبير في السن ، وامرأتك عاقر ، وعلى هذا فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9قال ربك [ 19 \ 9 ] ، ابتداء كلام :
الوجه الثاني : أن " كذلك " في محل نصب بـ " قال " وعليه فالإشارة بقوله " ذلك " إلى مبهم يفسره قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9هو علي هين ، ونظيره على هذا القول قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=66وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين [ 15 \ 66 ] ، وغير هذين من أوجه إعرابه تركناه لعدم وضوحه عندنا ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9هو علي هين ، أي : يسير سهل .
وقولـه تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا أي : ومن خلقك ولم تك شيئا فهو قادر على أن يرزقك الولد المذكور كما لا يخفى ، وهذا الذي قاله هنا
لزكريا : من أنه خلقه ولم يك شيئا أشار إليه بالنسبة إلى الإنسان في مواضع أخر ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=67أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا [ 19 \ 67 ] ، وقولـه تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا [ 76 \ 1 ] .
وقولـه تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9ولم تك شيئا ، دليل على أن المعدوم ليس بشيء ، ونظيره قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39حتى إذا جاءه لم يجده شيئا [ 24 \ 39 ] ، وهذا هو الصواب ، خلافا
للمعتزلة القائلين : إن المعدوم الممكن وجوده شيء ، مستدلين لذلك بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون [ 36 \ 82 ] ، قالوا : قد سماه الله شيئا قبل أن يقول له كن فيكون ، وهو يدل على أنه شيء قبل وجوده ، ولأجل هذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في تفسير هذه الآية : لأن المعدوم ليس بشيء ، أو ليس شيئا يعتد به ، كقولهم : عجبت من لا شيء ، وقول الشاعر :
وضاقت الأرض حتى كان هاربهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
لأن مراده بقوله : غير شيء ، أي : إذا رأى شيئا تافها لا يعتد به كأنه لا شيء لحقارته ظنه رجلا ; لأن غير شيء بالكلية لا يصح وقوع الرؤية عليه ، والتحقيق هو ما دلت عليه هذه الآية وأمثالها في القرآن : من أن المعدوم ليس بشيء ؟ والجواب عن استدلالهم بالآية : أن ذلك المعدوم لما تعلقت الإرادة بإيجاده ، صار تحقق وقوعه كوقوعه بالفعل ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله فلا تستعجلوه [ 16 \ 1 ] ، وقولـه :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=99ونفخ في الصور [ 18 \ 99 ] ، وقولـه :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين الآية [ 39 \ 69 ] ،
[ ص: 371 ] وقولـه :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=71وسيق الذين كفروا الآية [ 39 \ 73 ] ، وقولـه :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وسيق الذين اتقوا ربهم ، وأمثال ذلك ، كل هذه
nindex.php?page=treesubj&link=28914الأفعال الماضية الدالة على الوقوع بالفعل فيما مضى أطلقت مرادا بها المستقبل ; لأن تحقق وقوع ما ذكر صيره كالواقع بالفعل ، وكذلك تسميته شيئا قبل وجوده لتحقق وجوده بإرادة الله تعالى .
وقولـه تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9وقد خلقتك من قبل ، قرأه عامة السبعة ما عدا
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " خلقتك " بتاء الفاعل المضمومة التي هي تاء المتكلم ، وقرأه
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " وقد خلقناك " بنون بعدها ألف ، وصيغة الجمع فيها للتعظيم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=28990_31976قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا .
هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ذَكَرُهُ أَيْضًا فِي " آلِ عِمْرَانَ " فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=40قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [ 3 \ 40 ] ، وَقَوْلِـهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=28908 " كَذَلِكَ " لِلْعُلَمَاءِ فِي إِعْرَابِهِ أَوْجُهٌ :
[ ص: 370 ] الْأَوَّلُ : أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، وَتَقْدِيرُهُ ، الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، وَلَا مَحَالَةَ أَنْ تَلِدَ الْغُلَامَ الْمَذْكُورَ ، وَقِيلَ ، الْأَمْرُ كَذَلِكَ أَنْتَ كَبِيرٌ فِي السِّنِّ ، وَامْرَأَتُكَ عَاقِرٌ ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9قَالَ رَبُّكَ [ 19 \ 9 ] ، ابْتِدَاءُ كَلَامٍ :
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ " كَذَلِكَ " فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِـ " قَالَ " وَعَلَيْهِ فَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ " ذَلِكَ " إِلَى مُبْهَمٍ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ، وَنَظِيرُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=66وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ [ 15 \ 66 ] ، وَغَيْرُ هَذَيْنِ مِنْ أَوْجُهِ إِعْرَابِهِ تَرَكْنَاهُ لِعَدَمِ وُضُوحِهِ عِنْدَنَا ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ، أَيْ : يَسِيرٌ سَهْلٌ .
وَقَوْلُـهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا أَيْ : وَمَنْ خَلَقَكَ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُرْزُقَكَ الْوَلَدَ الْمَذْكُورَ كَمَا لَا يَخْفَى ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُنَا
لِزَكَرِيَّا : مِنْ أَنَّهُ خَلَقَهُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا أَشَارَ إِلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=67أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا [ 19 \ 67 ] ، وَقَوْلِـهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [ 76 \ 1 ] .
وَقَوْلُـهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [ 24 \ 39 ] ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، خِلَافًا
لِلْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ : إِنَّ الْمَعْدُومَ الْمُمْكِنَ وُجُودُهُ شَيْءٌ ، مُسْتَدِلِّينَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ 36 \ 82 ] ، قَالُوا : قَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ شَيْءٌ قَبْلَ وُجُودِهِ ، وَلِأَجْلِ هَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ : لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ ، أَوْ لَيْسَ شَيْئًا يُعْتَدُّ بِهِ ، كَقَوْلِهِمْ : عَجِبْتُ مِنْ لَا شَيْءَ ، وَقَوْلِ الشَّاعِرِ :
وَضَاقَتِ الْأَرْضُ حَتَّى كَانَ هَارِبُهُمْ إِذَا رَأَى غَيْرَ شَيْءٍ ظَنَّهُ رَجُلًا
لِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ : غَيْرَ شَيْءٍ ، أَيْ : إِذَا رَأَى شَيْئًا تَافِهًا لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَأَنَّهُ لَا شَيْءَ لِحَقَارَتِهِ ظَنَّهُ رَجُلًا ; لِأَنَّ غَيْرَ شَيْءٍ بِالْكُلِّيَّةِ لَا يَصِحُّ وُقُوعُ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهِ ، وَالتَّحْقِيقُ هُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَمْثَالُهَا فِي الْقُرْآنِ : مِنْ أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ ؟ وَالْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ : أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْدُومَ لَمَّا تَعَلَّقَتِ الْإِرَادَةُ بِإِيجَادِهِ ، صَارَ تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ كَوُقُوعِهِ بِالْفِعْلِ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [ 16 \ 1 ] ، وَقَوْلِـهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=99وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [ 18 \ 99 ] ، وَقَوْلِـهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ الْآيَةَ [ 39 \ 69 ] ،
[ ص: 371 ] وَقَوْلِـهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=71وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةَ [ 39 \ 73 ] ، وَقَوْلِـهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ ، كُلُّ هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=28914الْأَفْعَالِ الْمَاضِيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُقُوعِ بِالْفِعْلِ فِيمَا مَضَى أُطْلِقَتْ مُرَادًا بِهَا الْمُسْتَقْبَلُ ; لِأَنَّ تَحَقُّقَ وُقُوعِ مَا ذُكِرَ صَيَّرَهُ كَالْوَاقِعِ بِالْفِعْلِ ، وَكَذَلِكَ تَسْمِيَتُهُ شَيْئًا قَبْلَ وُجُودِهِ لِتَحَقُّقِ وَجُودِهِ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَقَوْلُـهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ ، قَرَأَهُ عَامَّةُ السَّبْعَةِ مَا عَدَا
حَمْزَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيَّ " خَلَقْتُكَ " بِتَاءِ الْفَاعِلِ الْمَضْمُومَةِ الَّتِي هِيَ تَاءُ الْمُتَكَلِّمِ ، وَقَرَأَهُ
حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ " وَقَدْ خَلَقْنَاكَ " بَنُونٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ ، وَصِيغَةُ الْجَمْعِ فِيهَا لِلتَّعْظِيمِ .