المسألة الثانية : اختلف العلماء في ، هل هو كافر أو مسلم ، وهل يقتل كفرا أو حدا أو لا يقتل ؟ فذهب بعض أهل العلم إلى أنه كافر مرتد يستتاب ، فإن تاب فذلك ، وإن لم يتب قتل كفرا ، وممن قال بهذا : تارك صلاة عمدا تهاونا وتكاسلا مع اعترافه بوجوبها رحمه الله في أصح الروايتين ، وهو مروي عن الإمام أحمد رضي الله عنه ، وبه قال علي بن أبي طالب ، ابن المبارك ، وإسحاق بن راهويه ومنصور الفقيه من الشافعية ، ويروى أيضا عن أبي الطيب بن سلمة من الشافعية ، وهو رواية ضعيفة عن مالك ، واحتج أهل هذا القول بأدلة ، منها قوله تعالى : فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم الآية [ 9 \ 11 ] ، ويفهم من مفهوم الآية : أنهم إن لم يقيموا الصلاة لم يكونوا من إخوان المؤمنين ، ومن انتفت عنهم أخوة المؤمنين فهم من الكافرين ; لأن الله يقول : إنما المؤمنون إخوة الآية [ 49 \ 10 ] ، ومنها حديث جابر الثابت في صحيح مسلم عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريقين ، لفظ المتن في الأولى منهما : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " " ، ولفظ المتن في الأخرى : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " انتهى منه ، وهو واضح في أن تارك الصلاة كافر ; لأن عطف الشرك على الكفر فيه تأكيد قوي لكونه كافرا ، ومنها حديث بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ، وحديث أم سلمة الآتيين الدالين على قتال الأمراء إذا لم يصلوا ، وهما في صحيح عوف بن مالك مسلم مع حديث المتفق عليه ، قال : عبادة بن الصامت " ، فدل مجموع الأحاديث المذكورة أن ترك الصلاة كفر بواح عليه من الله برهان ، وقد قدمنا هذه الأحاديث المذكورة في سورة " البقرة " ، وهذا من أقوى أدلة أهل هذا القول ، ومنها حديث بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله ، قال : " إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بريدة بن الحصيب الأسلمي " أخرجه العهد الذي [ ص: 448 ] بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ، وأصحاب السنن ، الإمام أحمد وابن حبان والحاكم ، وقال الشوكاني في ) نيل الأوطار ( في هذا الحديث : صححه ، النسائي والعراقي ، وقال النووي في شرح ) المهذب ( : رواه الترمذي ، قال والنسائي الترمذي : حديث حسن صحيح ، وقال الحاكم في المستدرك بعد أن ساق هذا الحديث بإسناده : هذا حديث صحيح الإسناد ، لا تعرف له علة بوجه من الوجوه ، فقد احتجا جميعا عن أبيه ، واحتج بعبد الله بن بريدة مسلم ، ولم يخرجاه بهذا اللفظ ، ولهذا الحديث شاهد صحيح على شرطهما جميعا ، أخبرنا بالحسين بن واقد أحمد بن سهل الفقيه ببخارى ، حدثنا قيس بن أنيف ، حدثنا ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن بشر بن المفضل الجريري عن عبد الله بن شقيق ، عن قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ، وأقره أبي هريرة الذهبي على تصحيحه لحديث بريدة المذكور ، وقال في أثر ابن شقيق عن المذكور : لم يتكلم عليه وإسناده صالح . أبي هريرة
قال مقيده عفا الله عنه : والظاهر أن قول الحافظ الذهبي رحمه الله " لم يتكلم عليه " سهو منه ; لأنه تكلم عليه في كلامه على حديث بريدة المذكور آنفا ، حيث قال : ولهذا الحديث شاهد صحيح على شرطهما جميعا ، يعني أثر ابن شقيق المذكور كما ترى ، وقال النووي في شرح المهذب : وعن عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي المتفق على جلالته : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ، رواه الترمذي في كتاب الإيمان بإسناد صحيح . انتهى منه ، وقد ذكر النووي رحمه الله في كلامه هذا الاتفاق على جلالة ابن شقيق المذكور مع أن فيه نصبا ، وقال المجد في المنتقى : وعن عبد الله بن شقيق العقيلي : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . إلى آخره ، ثم قال : رواه الترمذي . اهـ ، ولا يخفى عليك أن رواية الحاكم فيها ورواية أبو هريرة الترمذي ليس فيها ، وحديث أبو هريرة ، وأثر بريدة بن الحصيب ابن شقيق المذكوران فيهما الدلالة الواضحة على أن ترك الصلاة عمدا تهاونا كفر ، ولو أقر تاركها بوجوبها ، وبذلك يعتضد حديث جابر المذكور عند مسلم .
ومن الأدلة الدالة على أن ترك الصلاة كفر ما رواه الإمام أحمد في الكبير والأوسط من حديث والطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه ذكر الصلاة يوما فقال : " عبد الله بن عمرو بن العاص قارون وفرعون وهامان وأبي بن [ ص: 449 ] خلف " اهـ ، وهذا الحديث أوضح دلالة على كفر تارك الصلاة ; لأن انتفاء النور والبرهان والنجاة ، والكينونة مع من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة ، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف يوم القيامة أوضح دليل على الكفر كما ترى ، وقال الهيثمي في ) مجمع الزوائد ( في هذا الحديث : رواه أحمد في الكبير والأوسط ، ورجال والطبراني أحمد ثقات . اهـ . وفي الباب أحاديث غير ما ذكرنا ، منها ما هو ضعيف ومنها ما هو صالح للاحتجاج ، وذكر طرفا منها الهيثمي في مجمع الزوائد ، وفيما ذكرناه كفاية .
وذهبت جماعة من أهل العلم إلى أن تارك الصلاة عمدا تهاونا وتكاسلا إذا كان معترفا بوجوبها غير كافر ، وأنه يقتل حدا - كالزاني المحصن - لا كفرا ، وهذا هو مذهب مالك وأصحابه ، وهو مذهب وجمهور أصحابه ، وعزاه الشافعي النووي في شرح المهذب للأكثرين من السلف والخلف ، وقال في شرح مسلم : ذهب مالك رحمهما الله تعالى والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب ، فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزاني المحصن ، ولكنه يقتل بالسيف . اهـ . والشافعي
واعلم : أن هذا القول يحتاج إلى الدليل من جهتين ، وهما عدم كفره ، وأنه يقتل ، وهذه أدلتهم على الأمرين معا ، أما أدلتهم على أنه يقتل :
فمنها قوله تعالى : فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم [ 9 \ 5 ] ، فإن الله تعالى في هذه الآية اشترط في تخلية سبيلهم إقامتهم الصلاة ، ويفهم من مفهوم الشرط أنهم إن لم يقيموها لم يخل سبيلهم وهو كذلك .
) ومنها ( ما رواه الشيخان عن رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ابن عمر " اهـ . أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها
فهذا الحديث الصحيح يدل على أنهم لا تعصم دماؤهم ولا أموالهم إلا بإقامة الصلاة كما ترى .
ومنها : ما أخرجه الشيخان عن رضي الله عنه قال : أبي سعيد الخدري علي رضي الله عنه وهو باليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهبية فقسمها بين أربعة فقال رجل : يا رسول الله ، اتق الله ، فقال : " ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله " ؟ ثم ولى الرجل ، فقال : يا رسول الله ، ألا أضرب عنقه ؟ فقال : " لا ، لعله أن [ ص: 450 ] يكون يصلي " فقال خالد بن الوليد خالد : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم " مختصر من حديث متفق عليه ، فقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح " لا " يعني لا تقتله ، وتعليله ذلك بقوله " لعله أن يكون يصلي " فيه الدلالة الواضحة على النهي عن قتل المصلين ، ويفهم منه أنه إن لم يصل يقتل ، وهو كذلك . بعث
ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أم سلمة " هذا لفظ إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن كره فقد برئ ، ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع " قالوا : يا رسول الله ، ألا نقاتلهم ؟ قال : " لا ما صلوا مسلم في صحيحه ، و " ما " في قوله " ما صلوا " مصدرية ظرفية ، أي : لا تقاتلوهم مدة كونهم يصلون ، ويفهم منه أنهم إن لم يصلوا قوتلوا ، وهو كذلك ، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال في حديث المتفق عليه : " عبادة بن الصامت " ، فحديث إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان هذا ونحو حديث أم سلمة الآتي يدل على قتل من لم يصل ، وبضميمة حديث عوف بن مالك إلى ذلك يظهر الدليل على الكفر بترك الصلاة ; لأنه قال في حديث عبادة بن الصامت : " عبادة بن الصامت . " الحديث ، وأشار في حديث إلا أن تروا كفرا بواحا أم سلمة : إلى أنهم إن تركوا الصلاة قوتلوا ، فدل ذلك على أن تركها من الكفر البواح ، وهذا من أقوى أدلة أهل القول الأول ، وحديث وعوف بن مالك المذكور هو ما رواه عوف بن مالك مسلم في صحيحه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ : قال : " . " الحديث ، وفيه الدلالة الواضحة على قتالهم إذا لم يقيموا الصلاة كما ترى . خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم " قيل : يا رسول الله ، أفلا ننابذهم بالسيف ؟ قال : " لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة
ومن أدلة أهل هذا القول على قتل تارك الصلاة ، ما رواه الأئمة الثلاثة : مالك في موطئه ، ، والشافعي وأحمد في مسنديهما ، عن : عبيد الله بن عدي بن الخيار الأنصار حدثه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس يساره يستأذنه في قتل رجل من المنافقين ، فجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أليس يشهد ألا إله إلا الله " ؟ قال الأنصاري : بلى يا رسول الله ، ولا شهادة له ، قال : " أليس يشهد أن محمدا رسول الله " ؟ قال : بلى ولا شهادة له ، قال : " أليس يصلي " ؟ قال : بلى ولا صلاة له ، قال : " أولئك الذين نهاني [ ص: 451 ] الله عن قتلهم " اهـ . وفي رواية : عنهم . أن رجلا من
هذا هو خلاصة أدلة أهل هذا القول على قتل تارك الصلاة ، واعلم أن جمهور من قال بقتله يقولون إنه يقتل بالسيف ، وقال بعضهم : يضرب بالخشب حتى يموت ، وقال ابن سريج : ينخس بحديدة أو يضرب بخشبة ، ويقال له : صل وإلا قتلناك ، ولا يزال يكرر عليه حتى يصلي أو يموت .
واختلفوا في ، فقال بعضهم : يستتاب ثلاثة أيام ، فإن تاب وإلا قتل ، وقال بعضهم : لا يستتاب ; لأنه يقتل حدا والحدود لا تسقط بالتوبة ، وقال بعضهم : إن لم يبق من الضروري إلا قدر ركعة ولم يصل قتل ، وبعضهم يقول : لا يقتل حتى يخرج وقتها ، والجمهور على أنه يقتل بترك صلاة واحدة ، وهو ظاهر الأدلة ، وقيل : لا يقتل حتى يترك أكثر من واحدة ، وعن استتابته روايتان : إحداهما أنه لا يقتل حتى يضيق وقت الصلاة الثانية المتروكة مع الأولى ، والأخرى : لا يقتل حتى يضيق وقت الرابعة . الإمام أحمد
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : أظهر الأقوال عندي أنه يقتل بالسيف ، وأنه يستتاب ، للإجماع على قبول توبته إذا تاب ، والأظهر أنه يستتاب في الحال ، ولا يمهل ثلاثة أيام وهو يمتنع من الصلاة لظواهر النصوص المذكورة ، وأنه لا يقتل حتى لا يبقى من الوقت الضروري ما يسع ركعة بسجدتيها ، والعلم عند الله تعالى .
وأما أدلة أهل هذا القول على عدم كفره ، فمنها قوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [ 4 \ 116 ] ، ومنها حديث رضي الله عنه الذي رواه عبادة بن الصامت مالك في الموطأ عن ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان : أن رجلا من ابن محيريز بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلا بالشام يكنى أبا محمد يقول : إن الوتر واجب ، فقال المخدجي : فرحت إلى فاعترضت له وهو رائح إلى المسجد فأخبرته بالذي قال عبادة بن الصامت أبو محمد ، فقال عبادة : كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " " . انتهى منه بلفظه ، وفي سنن خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة أبي داود : حدثنا عن القعنبي مالك ، عن ، عن يحيى بن سعيد محمد بن حبان ، إلى آخر الإسناد ، والمتن كلفظ الموطأ الذي ذكرنا ، وفي سنن : أخبرنا النسائي قتيبة عن مالك عن ، عن يحيى بن سعيد ، إلى آخر الإسناد والمتن كاللفظ المذكور ، وفي سنن محمد بن يحيى بن حبان : حدثنا ابن ماجه ، ثنا محمد بن بشار عن [ ص: 452 ] ابن أبي عدي شعبة ، عن ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز المخدجي ، عن قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " عبادة بن الصامت . . . " إلى آخر الحديث المذكور بمعناه قريبا من لفظه ، ومعلوم أن رجال هذه الأسانيد ثقات معروفون إلا خمس صلوات افترضهن الله على عباده المخدجي المذكور وقد ذكره في الثقات ، وبتوثيقه تعلم صحة الحديث المذكور ، وله شواهد يعتضد بها أيضا ، قال ابن حبان أبو داود في سننه : حدثنا محمد بن حرب الواسطي ، ثنا ، ثنا يزيد يعني ابن هارون ، عن محمد بن مطرف ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار عبد الله الصنابحي قال : زعم أبو محمد : أن الوتر واجب ، فقال كذب عبادة بن الصامت أبو محمد ، أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " . " إلى آخر الحديث بمعناه ، خمس صلوات افترضهن الله وعبد الله الصنابحي المذكور قيل إنه صحابي مدني ، وقيل : هو عبد الرحمن بن عسيلة المرادي أبو عبد الله الصنابحي ، وهو ثقة من كبار التابعين ، قدم المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام ، مات في خلافة عبد الملك ، وعلى كلا التقديرين فرواية الصنابحي المذكور إما رواية صحابي أو تابعي ثقة ، وبها تعتضد رواية المخدجي المذكور ، ورجال سند أبي داود هذا غير عبد الله الصنابحي ثقات ، معروفون لا مطعن فيهم ، وبذلك تعلم صحة حديث المذكور . عبادة بن الصامت
وقال الزرقاني ) في شرح الموطأ ( : وفيه يعني حديث عبادة المذكور أن تارك الصلاة لا يكفر ولا يتحتم عذابه ، بل هو تحت المشيئة بنص الحديث ، وقد أخرجه أحمد ، وأبو داود ، ، والنسائي ، من طريق وابن ماجه مالك ، وصححه ، ابن حبان والحاكم ، ، وجاء من وجه آخر عن وابن عبد البر عبادة بنحوه في أبي داود ، ، والنسائي والبيهقي ، وله شاهد عند من حديث محمد بن نصر . انتهى منه . عبد الله بن عمرو بن العاص
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في ) نيل الأوطار ( : ولهذا الحديث شاهد من حديث أبي قتادة عند ، ومن حديث ابن ماجه عند كعب بن عجرة أحمد ، ورواه أبو داود عن الصنابحي . انتهى محل الغرض منه .
وقال النووي ) في شرح المهذب ( بعد أن ساق حديث المذكور : هذا حديث صحيح ، رواه عبادة بن الصامت أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة ، وقال : هو حديث صحيح ثابت ، لم يختلف عن ابن عبد البر مالك فيه ، فإن قيل : كيف صححه مع أنه قال : إن ابن عبد البر المخدجي المذكور في سنده مجهول ؟ فالجواب عن هذا من جهتين : الأولى : أن [ ص: 453 ] صحته من قبيل الشواهد التي ذكرنا ، فإنها تصيره صحيحا ، والثانية هي ما قدمنا من توثيق ابن حبان المخدجي المذكور ، وحديث عبادة المذكور فيه الدلالة الواضحة على أن ترك الصلاة ليس بكفر ; لأن كونه تحت المشيئة المذكورة فيه ، دليل على عدم الكفر لقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [ 4 \ 116 ] .
ومن أدلة أهل هذا القول على أن تارك الصلاة المقر بوجوبها غير كافر ما رواه وأصحاب السنن عن الإمام أحمد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أبي هريرة " اهـ . إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة المكتوبة ، فإن أتمها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع ، فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك
وقال الشوكاني رحمه الله في ) نيل الأوطار ( : الحديث أخرجه أبو داود من ثلاث طرق : طريقين متصلين ، والطريقة الثالثة متصلة بأبي هريرة ، وكلها لا مطعن فيها ، ولم يتكلم عليه هو ولا بتميم الداري المنذري بما يوجب ضعفه ، وأخرجه من طريق إسنادها جيد ورجالها رجال الصحيح كما قال النسائي العراقي وصححها ، وأخرج الحديث ابن القطان الحاكم ) في المستدرك ( وقال : هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وفي الباب عن عند تميم الداري أبي داود بنحو حديث وابن ماجه ، قال أبي هريرة العراقي : وإسناده صحيح ، وأخرجه الحاكم ) في المستدرك ( وقال : إسناده صحيح على شرط مسلم . انتهى محل الغرض منه .
ووجه الاستدلال بالحديث المذكور على عدم كفر تارك الصلاة أن نقصان الصلوات المكتوبة وإتمامها من النوافل يتناول بعمومه ترك بعضها عمدا ، كما يقتضيه ظاهر عموم اللفظ كما ترى .
وقال المجد ) في المنتقى ( بعد أن ساق الأدلة التي ذكرنا على عدم كفر تارك الصلاة المقر بوجوبها ، ما نصه : ويعضد هذا المذهب عمومات ، ومنها ما روي عن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عبادة بن الصامت محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " متفق عليه ، وعن من شهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن أنس بن مالك ومعاذ رديفه على الرحل : " يا معاذ " ، قال : لبيك يا رسول الله وسعديك ، ثلاثا ، ثم قال : " ما من عبد يشهد ألا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله [ ص: 454 ] إلا حرمه الله على النار " ، قال : يا رسول الله أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا ؟ قال : " إذا يتكلوا " فأخبر بها معاذ عند موته تأثما ، أي : خوفا من الإثم بترك الخبر به ، متفق عليه ، وعن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبي هريرة " رواه لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا مسلم ، وعنه أيضا : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " " رواه أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه . انتهى محل الغرض منه . البخاري
وقالت جماعة من أهل العلم ، منهم الإمام أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه ، وجماعة من أهل الكوفة ، ، وسفيان الثوري والمزني صاحب : إن تارك الصلاة عمدا تكاسلا وتهاونا مع إقراره بوجوبها لا يقتل ولا يكفر ، بل يعزر ويحبس حتى يصلي واحتجوا على عدم كفره بالأدلة التي ذكرنا آنفا لأهل القول الثاني ، واحتجوا لعدم قتله بأدلة ، منها حديث الشافعي المتفق عليه الذي قدمناه في سورة " المائدة " وغيرها : " ابن مسعود " ، قالوا : هذا حديث متفق عليه ، صرح فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث ، ولم يذكر منها ترك الصلاة ، فدل ذلك على أنه غير موجب للقتل ، قالوا : والأدلة التي ذكرتم على قتله إنما دلت عليه بمفاهيمها أعني مفاهيم المخالفة كما تقدم إيضاحه ، وحديث لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة دل على ما ذكرنا بمنطوقه والمنطوق مقدم على المفهوم ، مع أن المقرر في أصول الإمام ابن مسعود أبي حنيفة - رحمه الله - أنه لا يعتبر المفهوم المعروف بدليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة ، وعليه فإنه لا يعترف بدلالة الأحاديث المذكورة على قتله ; لأنها إنما دلت عليه بمفهوم مخالفتها ، وحديث دل على ذلك بمنطوقه ، ومنها قياسهم ترك الصلاة على ترك الصوم والحج مثلا ، فإن كل واحد منهما من دعائم الإسلام ولم يقتل تاركها ، فكذلك الصلاة . ابن مسعود
أما الذين قالوا بأنه كافر وأنه يقتل ، فقد أجابوا عن حديث بأنه عام يخصص بالأحاديث الدالة على قتل تارك الصلاة ، وعن قياسه على تارك الحج والصوم بأنه فاسد الاعتبار لمخالفته للأحاديث المذكورة الدالة على قتله ، وعن الأحاديث الدالة على عدم الكفر بأن منها ما هو عام يخصص بالأحاديث الدالة على كفره ، ومنها ما هو ليس كذلك كحديث ابن مسعود الدال على أنه تحت المشيئة ، فالأحاديث الدالة [ ص: 455 ] على كفره مقدمة عليه ; لأنها أصح منه ; لأن بعضها في صحيح عبادة بن الصامت مسلم وفيه التصريح بكفره وشركه ، ومنها حديث المتفق عليه ، مع حديث عبادة بن الصامت أم سلمة في صحيح وعوف بن مالك مسلم كما تقدم إيضاحه .
ورد القائلون بأنه غير كافر أدلة مخالفيهم بأن المراد بالكفر في الأحاديث المذكورة كفر دون كفر ، وليس المراد الكفر المخرج عن ملة الإسلام ، واحتجوا لهذا بأحاديث كثيرة يصرح فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالكفر ، وليس مراده الخروج عن ملة الإسلام ، قال المجد ) في المنتقى ( : وقد حملوا أحاديث التكفير على كفر النعمة ، أو على معنى قد قارب الكفر وقد جاءت أحاديث في غير الصلاة أريد بها ذلك ، فروى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ابن مسعود " متفق عليه ، وعن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر أبي ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " " متفق عليه ، وعن ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ، ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبي هريرة " رواه اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب ، والنياحة على الميت أحمد ومسلم ، وعن رضي الله عنهما قال : ابن عمر عمر يحلف : " وأبي " فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " من حلف بشيء دون الله فقد أشرك " رواه كان أحمد ، وعن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ابن عباس " انتهى منه بلفظه ، وأمثاله في السنة كثيرة جدا ، ومن ذلك القبيل تسمية الرياء شركا ، ومنه الحديث الصحيح في مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " البخاري " هذا لفظ رأيت النار فلم أر منظرا كاليوم أفظع ، ورأيت أكثر أهلها النساء " قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : " بكفرهن " قيل : يكفرن بالله ؟ قال : " يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا ، قالت : ما رأيت منك خيرا قط في بعض المواضع التي أخرج فيها الحديث المذكور ، وقد أطلق فيه النبي صلى الله عليه وسلم اسم الكفر عليهن ، فلما استفسروه عن ذلك تبين أن مراده غير الكفر المخرج عن ملة الإسلام . البخاري
هذا هو حاصل كلام العلماء وأدلتهم في مسألة ترك الصلاة عمدا مع الاعتراف بوجوبها ، وأظهر الأقوال أدلة عندي : قول من قال إنه كافر ، وأجرى الأقوال على مقتضى الصناعة الأصولية وعلوم الحديث قول الجمهور : إنه كفر غير مخرج عن الملة لوجوب الجمع بين الأدلة إذا أمكن ، وإذا حمل الكفر والشرك المذكوران في الأحاديث على الكفر الذي لا يخرج عن الملة حصل بذلك الجمع بين الأدلة والجمع واجب إذا أمكن ; لأن [ ص: 456 ] إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما كما هو معلوم في الأصول وعلم الحديث ، وقال النووي ) في شرح المهذب ( بعد أن ساق أدلة من قالوا إنه غير كافر ، ما نصه : ولم يزل المسلمون يورثون تارك الصلاة ويورثون عنه ولو كان كافرا لم يغفر له ولم يرث ولم يورث .
وأما الجواب عما احتج به من كفره من حديث جابر وبريدة ، ورواية ابن شقيق فهو أن كل ذلك محمول على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه وهو القتل ، وهذا التأويل متعين للجمع بين نصوص الشرع وقواعده التي ذكرناها . انتهى محل الغرض منه .