. في قوله تعالى : قوله تعالى : ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى وجهان من التفسير ، وكلاهما يشهد له قرآن :
الأول أن المعنى : ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى . أي لتتعب التعب الشديد بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم ، وتحسرك على أن يؤمنوا . وهذا الوجه جاءت بنحوه آيات كثيرة ، كقوله تعالى : فلا تذهب نفسك عليهم حسرات الآية [ 35 8 ] ، وقوله تعالى فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا [ 18 6 ] وقوله لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين [ 26 6 ] . والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا ، وقد قدمنا كثيرا منها في مواضع من هذا الكتاب المبارك .
الوجه الثاني أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بالليل حتى تورمت قدماه ، فأنزل الله ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى أي تنهك نفسك بالعبادة ، وتذيقها المشقة الفادحة . وما بعثناك إلا بالحنيفية السمحة . وهذا الوجه تدل له ظواهر آيات من كتاب الله ، كقوله : وما جعل عليكم في الدين من حرج [ 22 78 ] ، وقوله يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [ 2 185 ] . والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
ويفهم من قوله : لتشقى أنه أنزل عليه ليسعد . كما يدل له الحديث الصحيح : " " وقد روى من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين عن الطبراني ثعلبة بن الحكم رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله يقول للعلماء يوم القيامة : " إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي وقال ابن كثير : إن إسناده جيد ، ويشبه معنى الآية على هذا القول الأخير قوله تعالى : فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الآية [ ص: 5 ] [ 73 20 ] . وأصل الشقاء في لغة العرب : العناء ، والتعب ، ومنه قول أبي الطيب :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
ومنه قوله تعالى : فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى [ 20 117 ] .