المعصية خلاف الطاعة . فقوله وعصى آدم ربه فغوى أي : لم يطعه في اجتناب ما نهاه عنه من قربان تلك الشجرة .
وقوله : فغوى الغي : الضلال ، وهو الذهاب عن طريق الصواب . فمعنى الآية : لم يطع آدم ربه فأخطأ طريق الصواب بسبب عدم الطاعة ، وهذا العصيان ، والغي بين الله جل وعلا في غير موضع من كتابه أن المراد به : أن الله أباح له أن يأكل هو وامرأته من الجنة رغدا حيث شاءا ، ونهاهما أن يقربا شجرة معينة من شجرها . فلم يزل الشيطان يوسوس لهما ويحلف لهما بالله إنه لهما لناصح ، وإنهما إن أكلا منها نالا الخلود والملك الذي لا يبلى . فخدعهما بذلك كما نص الله على ذلك في قوله : وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور [ 7 \ 21 ] ، فأكلا منها . وكان بعض أهل العلم يقول : من خادعنا بالله خدعنا . وهو مروي عن عمر . وفي حديث عند أبي هريرة أبي داود ، ، والترمذي والحاكم : " " . وأنشد لذلك المؤمن غر كريم ، والفاجر خب لئيم : نفطويه
إن الكريم إذا تشاء خدعته وترى اللئيم مجربا لا يخدع
[ ص: 117 ] فآدم عليه الصلاة والسلام ما صدرت منه الزلة إلا بسبب غرور إبليس له . وقد قدمنا قول بعض أهل العلم : إنآدم من شدة تعظيمه لله اعتقد أنه لا يمكن أن يحلف به أحد وهو كاذب فأنساه حلف إبليس بالله العهد بالنهي عن الشجرة . وقول بعض أهل العلم : إن معنى قوله فغوى أي : فسد عليه عيشه بنزوله إلى الدنيا .
قالوا : والغي . الفساد ، خلاف الظاهر وإن حكاه النقاش واختاره القشيري واستحسنه القرطبي .
وكذلك قول من قال فغوى أي : بشم من كثرة الأكل . والبشم : التخمة ، فهو قول باطل . وقال فيه في الكشاف : وهذا وإن صح على لغة من يقلب الياء المكسورة ما قبلها ألفا فيقول في فني وبقي ، فنا وبقا ، وهم بنو طيئ تفسير خبيث ، ا ه منه . وما أشار إليه الزمخشري من لغة طيئ معروف . فهم يقولون للجارية : جاراة ، وللناصية ناصاة ، ويقولون في بقي بقى كرمى . ومن هذه اللغة قول الشاعر : الزمخشري
لعمرك لا أخشى التصعلك ما بقى على الأرض قيسي يسوق الأباعرا
وهذه اللغة التي ذكرها لا حاجة لها في التفسير الباطل المذكور ، لأن العرب تقول : غوى الفصيل كرضي وكرمى : إذا بشم من اللبن . الزمخشري
وقوله تعالى في هذه الآية : وعصى آدم يدل على أن معنى " غوى " ضل عن طريق الصواب كما ذكرنا . وقد قدمنا أن هذه الآية الكريمة وأمثالها في القرآن هي حجة من قال بأن الأنبياء غير معصومين من الصغائر . وعصمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم مبحث أصولي لعلماء الأصول فيه كلام كثير واختلاف معروف ، وسنذكر هنا طرفا من كلام أهل الأصول في ذلك . قال في مختصره في الأصول : ابن الحاجب