وأما ما يسمونه المستطيع بغيره فهو نوعان :
الأول منهما : هو ، فهل يلزمه الحج نظرا إلى أنه مستطيع بغيره ، فيدخل في عموم : من لا يقدر على الحج بنفسه ، لكونه زمنا ، أو هرما ونحو ذلك ، ولكنه له مال يدفعه إلى من يحج عنه من استطاع إليه سبيلا [ 3 \ 97 ] ؟ أو لا يجب عليه الحج ; لأنه عاجز غير مستطيع بالنظر إلى نفسه ، فلا يدخل في عموم الآية ؟
وبالقول الأول قال وأصحابه ; فيلزمه عندهم أجرة أجير يحج عنه بشرط أن يجد ذلك بأجرة المثل . قال الشافعي النووي : وبه قال جمهور العلماء ، منهم ، علي بن أبي طالب ، والحسن البصري ، والثوري وأبو حنيفة ، وأحمد ، وإسحاق ، وابن المنذر ، وداود . وقال مالك : لا يجب عليه ذلك ، ولا يجب إلا أن يقدر على الحج بنفسه ، واحتج مالك بقوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ 53 \ 39 ] وبقوله تعالى : من استطاع إليه سبيلا [ 3 \ 97 ] ، وهذا لا يستطيع بنفسه ، فيصدق عليه اسم غير المستطيع ، وبأنها عبادة لا تصح فيها النيابة مع القدرة ، فكذلك مع العجز كالصلاة ، واحتج الأكثرون القائلون بوجوب الحج عليه بأحاديث رواها الجماعة .
منها : ما رواه في صحيحه : حدثنا البخاري أبو عاصم ، عن ، عن ابن جريح ، عن ابن شهاب ، عن سليمان بن يسار ، عن ابن عباس رضي الله عنهم : أن امرأة ( ح ) حدثنا الفضل بن عباس ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن ابن شهاب ، عن سليمان بن يسار رضي الله عنهما قال : ابن عباس خثعم عام حجة الوداع قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة ، فهل يقضي عنه أن أحج عنه ؟ قال : " نعم " . وفي رواية في صحيح جاءت امرأة من عن البخاري فقالت : ابن عباس ، وذلك في حجة الوداع . إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : " نعم "
وفي لفظ في صحيح ، عن البخاري : ابن عباس وذلك في حجة الوداع . اهـ . إن فريضة الله على عباده في الحج [ ص: 320 ] أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة ; أفأحج عنه ؟ قال : " نعم "
وقال مسلم في صحيحه : حدثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ، عن ، عن ابن شهاب ، عن سليمان بن يسار : عبد الله بن عباس الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءت امرأة من خثعم تستفتيه ، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر ، قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : " نعم " . وذلك في حجة الوداع . " أنه كان
وفي لفظ لمسلم . اهـ . قالت : يا رسول الله ، إن أبي شيخ كبير عليه فريضة الله في الحج ، وهو لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فحجي عنه "
وهذا الحديث الذي اتفق عليه الشيخان أخرجه باقي الجماعة ، إلا أن بعضهم يرويه عن ; وهو ابن عباس عبد الله ، وبعضهم يرويه عن أخيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . الفضل بن عباس
وقال أبو داود في سننه : حدثنا حفص بن عمر ، بمعناه قالا : حدثنا ومسلم بن إبراهيم شعبة ، عن النعمان بن سالم ، عن عمرو بن أوس ، عن أبي رزين - قال حفص في حديثه : بني عامر - أنه قال : يا رسول الله ، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ، ولا العمرة ، ولا الظعن . قال : " احجج عن أبيك واعتمر " وقال رجل من : حدثنا أبو عيسى الترمذي يوسف بن عيسى ، نا عن وكيع شعبة ، عن النعمان بن سالم ، عن عمرو بن أوس ، عن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن أبي شيخ كبير . إلى آخر الحديث كلفظ أبي داود الذي ذكرنا ، ثم قال : قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ، وإنما ذكرت العمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : أن يعتمر الرجل عن غيره ، وأبو رزين العقيلي اسمه لقيط بن عامر . انتهى منه .
وحديث أبي رزين هذا أخرجه عن ابن ماجه ، وعن أبي بكر بن أبي شيبة علي بن محمد ، قال : حدثنا ، عن وكيع شعبة به نحو ما تقدم . وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
وقال الترمذي بعد ذكره الحديث المتفق عليه في قصة استفتاء الخثعمية ما نصه : وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب غير حديث . والعمل على هذا عند أهل العلم من [ ص: 321 ] أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، وبه يقول ، الثوري ، وابن المبارك ، والشافعي وأحمد ، وإسحاق ، يرون أن يحج عن الميت .
وقال مالك : ، وقد رخص بعضهم أن إذا أوصى أن يحج عنه حج عنه ، وهو قول يحج عن الحي ، إذا كان كبيرا أو بحال لا يقدر أن يحج ابن المبارك . انتهى من سنن والشافعي الترمذي .
وقال في سننه : أخبرنا النسائي إسحاق بن إبراهيم ، قال : أنبأنا ، قال : حدثنا وكيع شعبة ، عن النعمان بن سالم إلى آخر السند والمتن ، كما ذكرناه آنفا عند الترمذي . اهـ .
وعن علي رضي الله عنه : خثعم فقالت : إن أبي كبير ، وقد أفند وأدركته فريضة الله في الحج ، ولا يستطيع أداءها فيجزئ عنه أن أؤديها عنه ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة شابة من أحمد ، وصححه . انتهى منهما بواسطة نقل المجد في المنتقى والترمذي والنووي في شرح المهذب .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار : وحديث علي أخرجه أيضا البيهقي . اهـ . وقوله في هذا الحديث : وقد أفند ؛ أي : خرف وضعف عقله من الهرم .
وقال في سننه : أخبرنا النسائي إسحاق بن إبراهيم ، قال : أنبأنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن يوسف بن الزبير ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الركوب ، وأدركته فريضة الله في الحج فهل يجزئ أن أحج عنه ؟ قال " أنت أكبر ولده ؟ قال : نعم ، قال : أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه ؟ قال : نعم . قال : فحج عنه " وفي لفظ جاء رجل من ، عن للنسائي قال : ابن عباس وفي لفظ عند قال رجل : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن أبي مات ولم يحج ، أفأحج عنه ؟ قال " أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه ؟ " قال : نعم ، قال : فدين الله أحق " ، عن النسائي : ابن عباس . اهـ من سنن أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : إن أبي أدركه الحج وهو شيخ كبير لا يثبت على راحلته ، فإن شددته خشيت أن يموت ، أفأحج عنه ؟ قال " أرأيت لو كان عليه دين فقضيته ، أكان مجزئا ؟ قال : نعم . قال : فحج عن أبيك " . النسائي
وحديث ابن الزبير الذي ذكرناه آنفا عند قال المجد في المنتقى : رواه النسائي الإمام أحمد بمعناه . والنسائي
وقال الشوكاني : قال الحافظ : إن إسناده صالح . انتهى . والأحاديث بمثل هذا كثيرة .
[ ص: 322 ] وأما النوع الثاني من نوعي المستطيع بغيره ، فهو من لا يقدر على الحج بنفسه ، وليس له مال يدفعه لمن يحج عنه ، ولكن له ولد يطيعه إذا أمره بالحج والولد مستطيع ، فهل يجب الحج على الوالد ، ويلزمه أمر الولد بالحج عنه لأنه مستطيع بغيره ؟ فيه خلاف بين أهل العلم .
قال النووي في شرح المهذب : فرع في مذاهبهم في ; قد ذكرنا أن مذهبنا وجوب الحج عليه . وقال المعضوب إذا لم يجد ما لا يحج به غيره ، فوجد من يطيعه مالك وأبو حنيفة وأحمد : لا يجب عليه ، وقد علمت أن مالكا احتج في مسألة العاجز الذي له مال بقوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ 53 \ 39 ] وبأنه عاجز بنفسه فهو غير مستطيع إلى الحج سبيلا ، إلى آخر ما تقدم ، وبأن وغيره رووا عن سعيد بن منصور بإسناد صحيح : أنه لا يحج أحد عن أحد ، ونحوه عن ابن عمر الليث ومالك ، وأن الذين خالفوه احتجوا بالأحاديث التي ذكرنا ، وفيها ألفاظ ظاهرها الوجوب ، كتشبيهه بدين الآدمي ، وكقول السائل : يجزئ عنه أن أحج عنه ؟ والإجزاء دليل المطالبة ، وفي بعض رواياتها أن السائل يقول : إن عليه فريضة الحج ، ويستأذن النبي في الحج عنه ، وهو صلى الله عليه وسلم لم يبين له أن الحج سقط عنه بزمانته وعجزه عن الثبوت على الراحلة ، وبقوله للولد " أنت أكبر ولده " وأمره بالحج عنه .
وأما الذين فرقوا بين وجود المعضوب مالا فأوجبوا عليه الحج ، وبين وجوده ولدا يطيعه فلم يوجبوه عليه ; فلأن المال ملكه ، فعليه أن يستأجر به ، والولد مكلف آخر ليس ملزما بفرض على شخص آخر ، ولأنه وإن كان له ولد فليس بمستطيع ببدن ، ولا بزاد وراحلة ، ولو وجد إنسانا غير الولد يطيعه في الحج عنه ، فهل يكون حكمه حكم الولد ؟ فيه خلاف معروف . وفي فروع الشافعية توجيه كل قول منها ، فانظره في النووي في شرح المهذب ، وأظهرها أنه كالولد .