المسألة الخامسة عشرة : اعلم أن ، فلا يجوز نفي أحدهما ، دون الآخر ، فإن أقر الزوج بأحدهما لزمه قبول الآخر ، والظاهر أنه إن نفى أحدهما مع اعترافه بالثاني حد لقذفه ; كما قاله كل ولدين بينهما أقل من ستة أشهر فهما توأمان مالك وأصحابه ، ومن وافقهم .
وقد أوضحنا في سورة " الرعد " ، في الكلام على قوله تعالى : الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار [ 13 \ 8 ] ، أن ستة أشهر ، وذكرنا الآيات الدالة على ذلك ، ويعلم منه أن كل ولدين بينهما أقل من ستة أشهر ، فهما توأمان . أقل مدة الحمل
وقال في " المغني " : وإن ولدت امرأته توأمين وهو أن يكون بينهما دون ستة أشهر ، فاستحلق أحدهما ، ونفى الآخر لحقا به ; لأن الحمل الواحد ، لا يجوز أن يكون بعضه منه ، وبعضه من غيره ، فإذا ثبت نسب أحدهما منه ثبت نسب الآخر ضرورة ، فجعلنا ما نفاه تابعا لما استلحقه ، ولم نجعل ما أقر به تابعا لما نفاه ; لأن النسب يحتاط لإثباته لا لنفيه ، ولهذا لو أتت امرأته بولد يمكن أن يكون منه ، ويمكن أن يكون من غيره ألحقناه به احتياطا ، ولم نقطعه عنه احتياطا لنفيه ، إلى أن قال : وإن استلحق أحد التوأمين ، وسكت عن الآخر لحقه ; لأنه لو نفاه للحقه ، فإذا سكت عنه كان أولى ، ولأن امرأته متى [ ص: 477 ] أتت بولد لحقه ما لم ينفه عنه بلعان ، وإن نفى أحدهما وسكت عن الآخر ، لحقاه جميعا . ابن قدامة
فإن قيل : ألا نفيتم المسكوت عنه ; لأنه قد نفى أخاه ، وهما حمل واحد .
قلنا : لحوق النسب مبني على التغليب ، وهو يثبت لمجرد الإمكان ، وإن كان لم يثبت الوطء ولا ينتفي الإمكان للنفي فافترقا ، فإن أتت بولد فنفاه ولاعن لنفيه ، ثم ولدت آخر لأقل من ستة أشهر لم ينتف الثاني باللعان الأول ; لأن اللعان تناول الأول وحده ، ويحتاج في نفي الثاني إلى لعان ثان ، ويحتمل أن ينتفي بنفيه من غير حاجة إلى لعان ثان ; لأنهما حمل واحد وقد لاعن لنفيه مرة ، فلا يحتاج إلى لعان ثان ، ذكره القاضي ، اهـ .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : وهذا الأخير هو الأظهر ; لأن الحمل الواحد لا يحتاج إلى لعانين ، ثم قال في " المغني " متصلا بكلامه الأول : فإن أقر بالثاني لحقه هو والأول لما ذكرناه ، وإن سكت عن نفيه لحقاه أيضا ، فأما إن نفى الولد باللعان ثم أتت بولد آخر بعد ستة أشهر فهذا من حمل آخر ، فإنه لا يجوز أن يكون بين ولدين من حمل واحد مدة الحمل ، ولو أمكن لم تكن هذه مدة حمل كامل ، فإن نفى هذا الولد باللعان انتفى ، ولا ينتفي بغير اللعان ; لأنه حمل منفرد ، وإن استلحقه أو ترك نفيه لحقه ، وإن كانت قد بانت باللعان ; لأنه يمكن أن يكون قد وطئها بعد وضع الأول ، وإن لاعنها قبل وضع الأول ، فأتت بولد ثم ولدت آخر بعد ستة أشهر لم يلحقه الثاني ; لأنها بانت باللعان ، وانقضت عدتها بوضع الأول ، وكان حملها الثاني بعد انقضاء العدة في غير نكاح فلم يحتج إلى نفيه ، ثم قال في " المغني " أيضا : ، وبهذا قال وإن مات أحد التوأمين فله أن يلاعن لنفي نسبهما ، وقال الشافعي أبو حنيفة : يلزمه نسب الحي ، ولا يلاعن إلا لنفي الحد ; لأن الميت لا يصح نفيه باللعان ، فإن نسبه قد انقطع بموته ، فلا حاجة إلى نفيه باللعان ، كما بعد موتها لكون النكاح قد انقطع ، وإذا لم ينتف الميت لم ينتف الحي ; لأنهما حمل واحد ولنا أن الميت ينسب إليه ، ويقال ابن فلان ويلزمه تجهيزه وتكفينه ، فكان له نفي نسبه وإسقاط مؤنته كالحي ، وكما لو كان للميت ولد ، اهـ كلام صاحب " المغني " . لو ماتت امرأته فإنه لا يلاعنها
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الأظهر أنه إن كان للولد الميت الذي يراد نفيه بعد الموت ولد كان حكمه في اللعان كحكم الحي ; لأن ولده الحي لا ينتفي إلا بنفي أبيه ، فله اللعان لنفي نسب الميت لينتفي عنه ولده ، وهذا إن قلنا إن له أن يلاعن بعد هذه [ ص: 478 ] المدة الطويلة ; لأنه لم ينف الولد الميت إلا بعد أن عاش عمرا يولد له فيه ، وقد يكون معذورا بالغيبة زمنا طويلا ، وكذلك عند من يقول : إن السكوت لا يسقط اللعان مطلقا كما تقدم ، وكذلك إن أريد إلزامه بتكفين الولد الميت وتجهيزه ، فالأظهر أن له أن ينفيه عنه بلعان ليتخلص من مئونة تجهيزه وتكفينه ، والظاهر أنه إن نفى ولدا بعد موته ، فإن كانت أمه حية فلا بد من اللعان ; لأنه قاذف أمه ، وإن كانت الأم ميتة جرى على الخلاف في حد من قذف ميتة ، فعلى القول بالحد فله اللعان ، وعلى القول بعدمه فلا لعان ، وقد قدمنا الخلاف في ذلك ، ويعتضد ما ذكرنا بما تقدم قريبا من أن له اللعان لنفي الولد ; لأنه يجتمع به موجبان للعان ، وهما إسقاط الحد ونفي الولد ، وبه تعلم أن الأظهر عدم النظر إلى الولد الميت هل ترك مالا أو لا ؟ والعلم عند الله تعالى .
تنبيه .
اعلم أن أهل العلم اختلفوا في توأمي الملاعنة المنفيين باللعان ، هل يتوارثان توارث الشقيقين أو الأخوين لأم ؟ وقال من المالكية : هما شقيقان ، وقال ابن الحاجب خليل في " التوضيح " ، وهو شرحه لمختصر في الفقه المالكي : إن كونهما شقيقين هو مشهور مذهب ابن الحاجب مالك ، وقال المغيرة من المالكية : يتوارثان توارث الأخوين لأم ، كالمشهور عند المالكية في توأمي الزانية والمغتصبة .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لنا أن توأمي الملاعنة يتوارثان توارث الأخوين لأم ، وأنهما لا يحكم لهما بحكم الشقيقين ; لأنهما لا يلحقان بأب معروف ، وإذا لم يكن لهما أب معروف فلا وجه لكونهما شقيقين ، ويوضح ذلك أنهما إنما ينسبان لأمهما ، وبه تعلم أن مشهور مذهب مالك في هذه المسألة خلاف الأظهر . وأما قول ابن نافع من المالكية : إن توأمي الزانية شقيقان ، فهو خلاف التحقيق ; لأن الزاني لا يلحق به نسب حتى يكون أبا لابنه من الزنى ، والرواية عن ابن القاسم بنحو قول ابن نافع ظاهرها السقوط ، كما ترى . وأما ما قاله ابن رشد في " البيان " من أن توأمي المسبية ، والمستأمنة شقيقان ، فوجهه ظاهر ، والعلم عند الله تعالى .