أما الذي لا يكاد يخالف فيه أحد من المسلمين ، فهو تقليد العامي عالما أهلا للفتيا في نازلة نزلت به ، وهذا النوع من التقليد كان شائعا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا خلاف فيه . التقليد الجائز
فقد كان العامي يسأل من شاء من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حكم النازلة تنزل به ، فيفتيه فيعمل بفتياه .
وإذا نزلت به نازلة أخرى لم يرتبط بالصحابي الذي أفتاه أولا بل يسأل عنها من شاء من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يعمل بفتياه .
قال صاحب نشر البنود في شرحه لقوله في مراقي السعود :
رجوعه لغيره في آخر يجوز للإجماع عند الأكثر ما نصه
: يعني أن العامي يجوز له عند الأكثر الرجوع إلى قول غير المجتهد الذي استفتاه أولا في حكم آخر لإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، على أنه يسوغ للعامي السؤال لكل عالم ، ولأن كل مسألة لها حكم نفسها .فكما لم يتعين الأول للاتباع في المسألة الأولى إلا بعد سؤاله ، فكذلك في المسألة الأخرى . قاله الحطاب شارح مختصر الخليل .
قال القرافي : انعقد الإجماع على أن . من أسلم ، فله أن يقلد من شاء من العلماء من غير حجر
وأجمع الصحابة على أن من استفتى أبا بكر وعمر وقلدهما فله أن يستفتي أبا هريرة وغيرهما ، ويعمل بقولهم بغير نكير . ومعاذ بن جبل
فمن ادعى رفع هذين الإجماعين فعليه الدليل . انتهى محل الغرض منه .
وما ذكره من انعقاد الإجماعين صحيح كما لا يخفى ، فالأقوال المخالفة لهما من متأخري الأصوليين كلها - مخالفة للإجماع .
[ ص: 307 ] وبعض العلماء يقول : إن من الاتباع لا من التقليد . تقليد العامي المذكور للعالم وعمله بفتياه
والصواب : أن ذلك تقليد مشروع مجمع على مشروعيته .