[ ص: 327 ] تنبيه آخر .
إن مما ينبغي أن يعلم : أن للمسجد في المجتمع الإسلامي رسالة عظمى ، ألزم ما يكون على المسلمين إحياؤها : وهي أن المسجد لهم هو بيت الأمة فيهم ، لجميع مصالحهم العامة والخاصة تقريبا مما يصلح له ، فكأن المسجد النبوي في أول أمر المسلمين المثال لذلك .
إذ كان المصلى الذي تتضاعف فيه الصلاة ، وكان المعهد لتلقي العلم منه - صلى الله عليه وسلم - ، ومن جبريل - عليه السلام - ومن الأئمة ورثة الأنبياء ، ولا يزال - بحمد الله - كما قال - صلى الله عليه وسلم - : " المدينة " . يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون عالما كعالم
وكما قال : " من راح إلى مسجدي لعلم يتعلمه أو يعلمه كان كمن غزا في سبيل الله " ، وكان فيه تعليم الصبيان للقراءة والكتابة ، وكان ولا يزال كذلك إلى اليوم - بحمد الله - ، وكان مقرا للإفتاء ، ومجلسا للقضاء ، ومقرا للضيافة ، ومنزلا للأسارى ، ومصحا للجرحى .
وقد ضربت لسعد فيه قبة لما أصابه سهم ليعوده - صلى الله عليه وسلم - من قريب ، ومقرا للقيادة ، فتعقد فيه ألوية الجهاد ، وتبرم فيه معاهدات الصلح ، ومنزلا للوفود : كوفد تميم وعبد القيس ، وبيتا للمال : كمجيء مال البحرين وحراسة له . أبي هريرة
ولما نقب بيت مال المسلمين ، قال عمر - رضي الله عنه - لعامله هناك : انقله إلى المسجد فلا يزال المسجد فيه مصلي ، أي : ليتولى حراسته ومقيلا للعزاب ومبيتا للغرباء . إلى غير ذلك مما لا يوجد في أي مؤسسة أخرى . ولا تتأتى إلا في المسجد ، مما يؤكد رسالة المسجد ، ويستدعي الانتباه إليه وحسن الاستفادة منه .