قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29066_32412_28661لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم .
وهذا هو المقسم عليه ، والتقويم التعديل كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1ولم يجعل له عوجا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2قيما [ 18 \ 1 - 2 ] ، وأحسن تقويم شامل لخلق الإنسان حسا ومعنى أي شكلا وصورة وإنسانية ، وكلها من آيات القدرة ودلالة البعث .
وروي عن
علي رضي الله عنه :
دواؤك منك ولا تشعر وداؤك منك ولا تبصر
[ ص: 6 ] وتزعم أنك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الكبير
وقد بين تعالى خلقه ابتداء من نطفة فعلقة إلى آخره في أكثر من موضع ، كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=37ألم يك نطفة من مني يمنى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=38ثم كان علقة فخلق فسوى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=39فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=40أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى [ 75 \ 34 - 40 ] .
وكذلك في هذه السورة التنبيه على البعث بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=7فما يكذبك بعد بالدين [ 95 \ 7 ] .
أما الجانب المعنوي فهو الجانب الإنساني ، وهو المتقدم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=7ونفس وما سواها على ما قدمنا هناك ، من أن النفس البشرية هي مناط التكليف ، وهو الجانب الذي به كان الإنسان إنسانا ، وبهما كان خلقه في أحسن تقويم ، ونال بذلك أعلى درجات التكريم :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70ولقد كرمنا بني آدم [ 17 \ 70 ] .
والإنسان وإن كان لفظا مفردا إلا أنه للجنس بدلالة قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=5ثم رددناه أسفل سافلين nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=6إلا الذين آمنوا [ 95 \ 5 - 6 ] ، وهذا مثل ما في سورة :
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1والعصر nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=2إن الإنسان لفي خسر nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=3إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [ 103 \ 1 - 6 ] ، فباستثناء الجمع منه ، علم أن المراد به الجنس .
والتأكيد بالقسم المتقدم على خلق الإنسان في أحسن تقويم يشعر أن المخاطب منكر لذلك ، مع أن هذا أمر ملموس محسوس ، لا ينكره إنسان .
وقد أجاب الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب على ذلك : بأن غير المنكر إذا ظهرت عليه علامات الإنكار ، عومل معاملة المنكر ، كقول الشاعر :
جاء شقيق عارضا رمحه وإن بني عمك فيهم رماح
وأمارات الإنكار على المخاطبين ، إنما هي عدم إيمانهم بالبعث ; لأن العاقل لو تأمل خلق الإنسان ، لعرف منه أن القادر على خلقه في هذه الصورة ، قادر على بعثه .
وهذه المسألة أفردها الشيخ في سورة الجاثية بتنبيه على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=4وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون [ 45 \ 4 ] ، وتكرر هذا البحث في عدة مواضع ، وأصرح دلالة على هذا المعنى ما جاء في آخر يس :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [ 36 \ 78 - 79 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29066_32412_28661لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ .
وَهَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ ، وَالتَّقْوِيمُ التَّعْدِيلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2قَيِّمًا [ 18 \ 1 - 2 ] ، وَأَحْسَنُ تَقْوِيمٍ شَامِلٌ لِخَلْقِ الْإِنْسَانِ حِسًّا وَمَعْنًى أَيْ شَكْلًا وَصُورَةً وَإِنْسَانِيَّةً ، وَكُلُّهَا مِنْ آيَاتِ الْقُدْرَةِ وَدَلَالَةِ الْبَعْثِ .
وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
دَوَاؤُكَ مِنْكَ وَلَا تَشْعُرُ وَدَاؤُكَ مِنْكَ وَلَا تُبْصِرُ
[ ص: 6 ] وَتَزْعُمُ أَنَّكَ جِرْمٌ صَغِيرُ
وَفِيكَ انْطَوَى الْعَالَمُ الْكَبِيرُ
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى خَلْقَهُ ابْتِدَاءً مِنْ نُطْفَةٍ فَعَلَقَةٍ إِلَى آخِرِهِ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=37أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=38ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=39فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=40أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [ 75 \ 34 - 40 ] .
وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ التَّنْبِيهُ عَلَى الْبَعْثِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=7فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ [ 95 \ 7 ] .
أَمَّا الْجَانِبُ الْمَعْنَوِيُّ فَهُوَ الْجَانِبُ الْإِنْسَانِيُّ ، وَهُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=7وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَا هُنَاكَ ، مِنْ أَنَّ النَّفْسَ الْبَشَرِيَّةَ هِيَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ ، وَهُوَ الْجَانِبُ الَّذِي بِهِ كَانَ الْإِنْسَانُ إِنْسَانًا ، وَبِهِمَا كَانَ خَلْقُهُ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ، وَنَالَ بِذَلِكَ أَعْلَى دَرَجَاتِ التَّكْرِيمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=70وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [ 17 \ 70 ] .
وَالْإِنْسَانُ وَإِنْ كَانَ لَفْظًا مُفْرَدًا إِلَّا أَنَّهُ لِلْجِنْسِ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=5ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=6إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [ 95 \ 5 - 6 ] ، وَهَذَا مِثْلُ مَا فِي سُورَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1وَالْعَصْرِ nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=2إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=3إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [ 103 \ 1 - 6 ] ، فَبِاسْتِثْنَاءِ الْجَمْعِ مِنْهُ ، عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ .
وَالتَّأْكِيدُ بِالْقَسَمِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى خَلْقِ الْإِنْسَانِ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ يُشْعِرُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ ، مَعَ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مَلْمُوسٌ مَحْسُوسٌ ، لَا يُنْكِرُهُ إِنْسَانٌ .
وَقَدْ أَجَابَ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَلَى ذَلِكَ : بِأَنَّ غَيْرَ الْمُنْكِرِ إِذَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ عَلَامَاتُ الْإِنْكَارِ ، عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْمُنْكِرِ ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ :
جَاءَ شَقِيقٌ عَارِضًا رُمْحَهُ وَإِنَّ بَنِي عَمِّكَ فِيهِمْ رِمَاحُ
وَأَمَارَاتُ الْإِنْكَارِ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ ، إِنَّمَا هِيَ عَدَمُ إِيمَانِهِمْ بِالْبَعْثِ ; لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَوْ تَأَمَّلَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ ، لَعَرَفَ مِنْهُ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى خَلْقِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، قَادِرٌ عَلَى بَعْثِهِ .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَفْرَدَهَا الشَّيْخُ فِي سُورَةِ الْجَاثِيَةِ بِتَنْبِيهٍ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=4وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [ 45 \ 4 ] ، وَتَكَرَّرَ هَذَا الْبَحْثُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ ، وَأَصْرَحُ دَلَالَةٍ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا جَاءَ فِي آخِرِ يس :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [ 36 \ 78 - 79 ] .