هذه الآية تدل على طلب الانتقام ، وقد أذن الله في الانتقام في آيات كثيرة كقوله تعالى : ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس الآية [ 42 41 ] .
وكقوله : لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم [ 4 148 ] .
وكقوله ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله الآية [ 22 \ 60 ] .
وقوله : والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون [ 42 39 ] .
وقوله : وجزاء سيئة سيئة مثلها [ 42 40 ] .
[ ص: 224 ] وقد جاءت آيات أخر تدل على العفو وترك الانتقام ، كقوله : فاصفح الصفح الجميل [ 15 85 ] .
وقوله : والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس [ 3 134 ] .
وكقوله : ادفع بالتي هي أحسن [ 41 34 ] .
وقوله : ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور [ 42 43 ] .
وقوله : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين [ 7 199 ] .
وكقوله : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما [ 25 63 ] .
والجواب عن هذا بأمرين :
أحدهما : أن الله بين مشروعية الانتقام ، ثم أرشد إلى أفضلية العفو ، ويدل لهذا قوله تعالى : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين [ 16 126 ] ، وقوله : لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم [ 4 \ 148 ] ، فأذن في الانتقام بقوله : " إلا من ظلم " .
ثم أرشد إلى العفو بقوله : إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا [ 4 149 ] .
الوجه الثاني : أن الانتقام له موضع يحسن فيه ، والعفو له موضع كذلك ، وإيضاحه أن من المظالم ما يكون في الصبر عليه انتهاك حرمة الله ، ألا ترى أن من غصبت منه جاريته مثلا إذا كان الغاصب يزني بها فسكوته وعفوه عن هذه المظلمة قبيح وضعف وخور تنتهك به حرمات الله ، فالانتقام في مثل هذا واجب ، وعليه يحمل الأمر في قوله : فاعتدوا الآية .
أي كما إذا بدأ الكفار بالقتال فقتالهم واجب ، بخلاف من أساء إليه بعض إخوانه المسلمين بكلام قبيح ونحو ذلك ، فعفوه أحسن وأفضل ، وقد قال : أبو الطيب المتنبي
إذا قيل حلم فللحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل