قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=28987_29494أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون .
أنكر الله - جل وعلا - على الذين يعملون السيئات من الكفر والمعاصي ، ومع ذلك يأمنون عذاب الله ولا يخافون أخذه الأليم ، وبطشه الشديد ، وهو قادر على أن يخسف بهم الأرض ، ويهلكهم بأنواع العذاب . والخسف : بلع الأرض المخسوف به وقعودها به إلى أسفل ; كما فعل الله
بقارون ، قال الله تعالى فيه :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=81فخسفنا به وبداره الأرض الآية [ 28 \ 81 ] ، وبين هذا المعنى في مواضع كثيرة ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في [ ص: 381 ] السماء الآية [ 67 \ 16 ، 17 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=68أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا [ 17 \ 68 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=99أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون [ 7 \ 99 ] ، وقد قدمنا طرفا من هذه في أول " سورة الأعراف " .
واختلف العلماء في إعراب : " السيئات " [ 16 \ 45 ] ، في هذه الآية الكريمة ; فقال بعض العلماء : نعت لمصدر محذوف ، أي : مكروا المكرات السيئات ، أي : القبيحات قبحا شديدا ; كما ذكر الله عنهم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك الآية [ 8 \ 30 ] ، وقال بعض العلماء : مفعول به لـ " مكروا " على تضمين " مكروا " معنى فعلوا . وهذا أقرب أوجه الإعراب عندي . وقيل : مفعول به لـ " أمن " ، أي : أأمن الماكرون السيئات ، أي : العقوبات الشديدة التي تسوءهم عند نزولها بهم . ذكر الوجه الأول :
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، والأخيرين
ابن عطية . وذكر الجميع
أبو حيان في " البحر المحيط " .
تنبيه .
كل ما جاء في القرآن من همزة استفهام بعدها واو العطف أو فاؤه ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=5أفنضرب عنكم الذكر صفحا [ 43 \ 5 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=9أفلم يروا إلى ما بين أيديهم [ 34 \ 9 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=31أفلم تكن آياتي تتلى عليكم [ 45 \ 31 ] ، إلخ ، وفيه وجهان معروفان عند علماء العربية : أحدهما : أن الفاء والواو كلتاهما عاطفة ما بعدها على محذوف دل المقام عليه ; كقولك مثلا : أنمهلكم فنضرب عنكم الذكر صفحا ؟ أعموا فلم يروا إلى ما بين أيديهم ؟ ألم تأتكم آياتي أفلم تكن تتلى عليكم ؟ وهكذا وإلى هذا الوجه أشار
ابن مالك في الخلاصة بقوله :
وحذف متبوع بدا هنا استبح وعطفك الفعل على الفعل يصح
ومحل الشاهد في الشطر الأول دون الثاني .
الوجه الثاني : أن الفاء والواو كلتاهما عاطفة للجملة المصدرة بهمزة الاستفهام على ما قبلها ; إلا أن همزة الاستفهام تزحلقت عن محلها فتقدمت على الفاء والواو ; وهي متأخرة عنهما في المعنى ، وإنما تقدمت لفظا عن محلها معنى ; لأن الاستفهام له صدر الكلام .
[ ص: 382 ] فبهذا تعلم : أن في قوله تعالى في هذه الآية التي هي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=45أفأمن الذين مكروا السيئات الآية [ 16 \ 45 ] ، الوجهين المذكورين ; فعلى الأول : فالمعنى أجهل الذين مكروا السيئات وعيد الله بالعقاب ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=45أفأمن الذين مكروا السيئات ، إلخ . وعلى الثاني فالمعنى فأأمن الذين مكروا السيئات ; فالفاء عاطفة للجملة المصدرة بالاستفهام ، والأول : هو الأظهر . والعلم عند الله تعالى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=28987_29494أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ .
أَنْكَرَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - عَلَى الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي ، وَمَعَ ذَلِكَ يَأْمَنُونَ عَذَابَ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ أَخْذَهُ الْأَلِيمَ ، وَبَطْشَهُ الشَّدِيدَ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْسِفَ بِهِمُ الْأَرْضَ ، وَيُهْلِكَهُمْ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ . وَالْخَسْفُ : بَلْعُ الْأَرْضِ الْمَخْسُوفَ بِهِ وَقُعُودُهَا بِهِ إِلَى أَسْفَلَ ; كَمَا فَعَلَ اللَّهُ
بِقَارُونَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=81فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ الْآيَةَ [ 28 \ 81 ] ، وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي [ ص: 381 ] السَّمَاءِ الْآيَةَ [ 67 \ 16 ، 17 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=68أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا [ 17 \ 68 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=99أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [ 7 \ 99 ] ، وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْ هَذِهِ فِي أَوَّلِ " سُورَةِ الْأَعْرَافِ " .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إِعْرَابِ : " السَّيِّئَاتِ " [ 16 \ 45 ] ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ; فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ : مَكَرُوا الْمَكَرَاتِ السَّيِّئَاتِ ، أَيْ : الْقَبِيحَاتِ قُبْحًا شَدِيدًا ; كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ الْآيَةَ [ 8 \ 30 ] ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : مَفْعُولٌ بِهِ لِـ " مَكَرُوا " عَلَى تَضْمِينِ " مَكَرُوا " مَعْنَى فَعَلُوا . وَهَذَا أَقْرَبُ أَوْجُهِ الْإِعْرَابِ عِنْدِي . وَقِيلَ : مَفْعُولٌ بِهِ لِـ " أَمِنَ " ، أَيْ : أَأَمِنَ الْمَاكِرُونَ السَّيِّئَاتِ ، أَيِ : الْعُقُوبَاتِ الشَّدِيدَةَ الَّتِي تَسُوءُهُمْ عِنْدَ نُزُولِهَا بِهِمْ . ذَكَرَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ :
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، وَالْأَخِيرَيْنِ
ابْنُ عَطِيَّةَ . وَذَكَرَ الْجَمِيعَ
أَبُو حَيَّانَ فِي " الْبَحْرِ الْمُحِيطِ " .
تَنْبِيهُ .
كُلُّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ هَمْزَةِ اسْتِفْهَامٍ بَعْدَهَا وَاوُ الْعَطْفِ أَوْ فَاؤُهُ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=5أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا [ 43 \ 5 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=9أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ [ 34 \ 9 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=31أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ [ 45 \ 31 ] ، إِلَخْ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ مَعْرُوفَانِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْفَاءَ وَالْوَاوَ كِلْتَاهُمَا عَاطِفَةٌ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَحْذُوفٍ دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهِ ; كَقَوْلِكَ مَثَلًا : أَنُمْهِلُكُمْ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا ؟ أَعَمُوا فَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ؟ أَلَمْ تَأْتِكُمْ آيَاتِي أَفَلَمْ تَكُنْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ؟ وَهَكَذَا وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ
ابْنُ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ :
وَحَذْفُ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا اسْتُبِحْ وَعَطْفُكَ الْفِعْلَ عَلَى الْفِعْلِ يَصِحْ
وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ فِي الشَّطْرِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْفَاءَ وَالْوَاوَ كِلْتَاهُمَا عَاطِفَةٌ لِلْجُمْلَةِ الْمُصَدَّرَةِ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى مَا قَبْلَهَا ; إِلَّا أَنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ تَزَحْلَقَتْ عَنْ مَحَلِّهَا فَتَقَدَّمَتْ عَلَى الْفَاءِ وَالْوَاوِ ; وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُمَا فِي الْمَعْنَى ، وَإِنَّمَا تَقَدَّمَتْ لَفْظًا عَنْ مَحَلِّهَا مَعْنًى ; لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَهُ صَدْرُ الْكَلَامُ .
[ ص: 382 ] فَبِهَذَا تَعْلَمُ : أَنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=45أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ الْآيَةَ [ 16 \ 45 ] ، الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ; فَعَلَى الْأَوَّلِ : فَالْمَعْنَى أَجَهِلَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ وَعِيدَ اللَّهِ بِالْعِقَابِ ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=45أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ ، إِلَخْ . وَعَلَى الثَّانِي فَالْمَعْنَى فَأَأمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ ; فَالْفَاءُ عَاطِفَةٌ لِلْجُمْلَةِ الْمُصَدَّرَةِ بِالِاسْتِفْهَامِ ، وَالْأَوَّلُ : هُوَ الْأَظْهَرُ . وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .