ومن هدي القرآن للتي هي أقوم هديه إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=28632الرابطة التي يجب أن يعتقد أنها هي التي تربط بين أفراد المجتمع ، وأن ينادى بالارتباط بها دون غيرها إنما هي دين الإسلام ،
[ ص: 42 ] لأنه هو الذي يربط بين أفراد المجتمع حتى يصير بقوة تلك الرابطة جميع المجتمع الإسلامي كأنه جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، فربط الإسلام لك بأخيك كربط يدك بمعصمك ، ورجلك بساقك ، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007958إن مثل المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم وتوادهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " . ولذلك يكثر في القرآن العظيم إطلاق النفس وإرادة الأخ تنبيها على أن رابطة الإسلام تجعل أخا المسلم كنفسه ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=84ولا تخرجون أنفسكم من دياركم الآية [ 2 \ 84 ] ، أي لا تخرجون إخوانكم ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=12لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا [ 24 \ 12 ] ، أي بإخوانهم على أصح التفسيرين ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11ولا تلمزوا أنفسكم الآية [ 49 \ 11 ] ، أي إخوانكم على أصح التفسيرين ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188ولا تأكلوا أموالكم بينكم الآية [ 2 \ 188 ] ، أي لا يأكل أحدكم مال أخيه ، إلى غير ذلك من الآيات ، ولذلك ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007959لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " .
ومن الآيات الدالة على أن الرابطة الحقيقية هي الدين ، وأن تلك الرابطة تتلاشى معها جميع الروابط النسبية والعصبية : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم [ 58 \ 22 ] ، إذ لا رابطة نسبية أقرب من رابطة الآباء والأبناء والإخوان والعشائر ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض الآية [ 9 \ 71 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم [ 49 \ 10 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103فأصبحتم بنعمته إخوانا الآية [ 3 \ 103 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
فهذه الآيات وأمثالها تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30580النداء برابطة أخرى غير الإسلام كالعصبية المعروفة بالقومية لا يجوز ، ولا شك أنه ممنوع بإجماع المسلمين .
ومن أصرح الأدلة في ذلك : ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه قال : باب قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون [ 63 \ 8 ] ، حدثنا
الحميدي ، حدثنا
سفيان قال : حفظناه من
nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007960كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ! وقال [ ص: 43 ] المهاجري : يا للمهاجرين ! فسمعها الله رسوله قال : " ما هذا " ؟ فقالوا : كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعوها فإنها منتنة " الحديث . فقول هذا الأنصاري : يا للأنصار ، وهذا المهاجري : يا للمهاجرين هو النداء بالقومية العصبية بعينه ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007762دعوها فإنها منتنة " يقتضي وجوب ترك النداء بها ; لأن قوله : " دعوها " أمر صريح بتركها ،
nindex.php?page=treesubj&link=21055والأمر المطلق يقتضي الوجوب على التحقيق كما تقرر في الأصول ; لأن الله يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [ 24 \ 63 ] ، ويقول لإبليس :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك [ 7 \ 12 ] فدل على أن مخالفة الأمر معصية . وقال تعالى عن نبيه
موسى في خطابه لأخيه :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=93أفعصيت أمري [ 20 \ 93 ] ، فأطلق اسم المعصية على مخالفة الأمر : وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=36وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [ 33 \ 36 ] فدلت الآية على أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم مانع من الاختيار ، موجب للامتثال ، لا سيما وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بالترك بقوله : " فإنها منتنة " ، وحسبك بالنتن موجبا للتباعد لدلالته على الخبث البالغ .
فدل هذا الحديث الصحيح على أن النداء برابطة القومية مخالف لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن فاعله يتعاطى المنتن ، ولا شك أن المنتن خبيث ، والله تعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=26الخبيثات للخبيثين الآية [ 24 \ 26 ] ، ويقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157ويحرم عليهم الخبائث [ 7 \ 157 ] وحديث
جابر هذا الذي قدمناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أخرجه أيضا
مسلم في صحيحه قال رحمه الله : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11997وزهير بن حرب ،
وأحمد بن عبدة الضبي ،
وابن أبي عمر ، واللفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12508لابن أبي شيبة ، قال
ابن عبدة : أخبرنا ، وقال الآخرون : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة قال : سمع
عمرو nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007961كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ! وقال المهاجري : يا للمهاجرين ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بال دعوى الجاهلية ! " قالوا : يا رسول الله ، كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار . فقال : " دعوها فإنها منتنة . " الحديث .
وقد عرفت وجه دلالة هذا الحديث على التحريم ، مع أن في بعض رواياته الثابتة في الصحيح التصريح بأن دعوى الرجل : " يا لبني فلان " من
nindex.php?page=treesubj&link=30580_30578دعوى الجاهلية . وإذا صح بذلك
[ ص: 44 ] أنها من دعوى الجاهلية فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007962ليس منا من ضرب الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية " . وفي رواية في الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007963ليس منا من ضرب الخدود ، أو شق الجيوب ، أو دعا بدعوى الجاهلية " ، وذلك صريح في أن من دعا تلك الدعوى ليس منا ، وهو دليل واضح على التحريم الشديد ، ومما يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007964nindex.php?page=treesubj&link=30580_30578من تعزى عليكم بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا " هذا حديث صحيح ، أخرجه الإمام
أحمد من طرق متعددة عن
عتي بن ضمرة السعدي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب رضي الله عنه ، وذكره صاحب الجامع الصغير بلفظ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007965إذا سمعتم من يعتزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا " وأشار لأنه أخرجه
أحمد في المسند ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الكبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=14679والضياء المقدسي عن أبي رضي الله عنه ، وجعل عليه علامة الصحة . وذكره أيضا صاحب الجامع الصغير بلفظ " إذا رأيتم الرجل يتعزى . . " إلخ ، وأشار إلى أنه أخرجه الإمام
أحمد في المسند
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وجعل عليه علامة الصحة . وقال شارحه
المناوي : ورواه عنه أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، قال
الهيثمي : ورجاله ثقات ، وقال شارحه
العزيزي : هو حديث صحيح . وقال فيه الشيخ
إسماعيل بن محمد العجلوني في كتابه ( كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس ) قال النجم : رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب رضي الله عنه . ومراده بالنجم : الشيخ
محمد نجم الدين الغزي في كتابه المسمى ( إتقان ما يحسن من الأخبار الدائرة على الألسن ) فانظر كيف سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك النداء " عزاء الجاهلية " وأمر أن يقال للداعي به " اعضض على هن أبيك " أي فرجه ، وأن يصرح له بذلك ولا يعبر عنه بالكناية ، فهذا يدل على شدة قبح هذا النداء ، وشدة بغض النبي صلى الله عليه وسلم له .
واعلم أن رؤساء الدعاة إلى نحو هذه القومية العربية :
أبو جهل ،
وأبو لهب ،
والوليد بن المغيرة ، ونظراؤهم من رؤساء الكفرة .
وقد بين تعالى تعصبهم لقوميتهم في آيات كثيرة ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=104قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا الآية [ 5 \ 104 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=170قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا الآية [ 2 \ 170 ] ، وأمثال ذلك من الآيات .
واعلم أنه لا خلاف بين العلماء - كما ذكرنا آنفا - في منع النداء برابطة غير الإسلام ، كالقوميات والعصبيات النسبية ، ولا سيما إذا كان النداء بالقومية يقصد من ورائه القضاء على رابطة الإسلام وإزالتها بالكلية ، فإن النداء بها حينئذ معناه الحقيقي : أنه نداء
[ ص: 45 ] إلى التخلي عن دين الإسلام ، ورفض الرابطة السماوية رفضا باتا ، على الله أن يعتاص من ذلك روابط عصبية قومية ، مدارها على أن هذا من العرب ، وهذا منهم أيضا مثلا . فالعروبة لا يمكن أن تكون خلفا من الإسلام ، واستبدالها به صفقة خاسرة ، فهي كما قال الراجز :
بدلت بالجمة رأسا أزعرا وبالثنايا الواضحات الدردرا
كما اشترى المسلم إذ تنصرا
وقد علم في التاريخ حال العرب قبل الإسلام وحالهم بعده كما لا يخفى .
وقد بين الله جل وعلا في محكم كتابه : أن الحكمة في جعله بني
آدم شعوبا وقبائل هي التعارف فيما بينهم ، وليست هي أن يتعصب كل شعب على غيره ، وكل قبيلة على غيرها ، قال جل وعلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13nindex.php?page=treesubj&link=29020_19865ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم [ 49 \ 13 ] ، فاللام في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13لتعارفوا لام التعليل ، والأصل لتتعارفوا ، وقد حذفت إحدى التاءين ; فالتعارف هو العلة المشتملة على الحكمة لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13وجعلناكم شعوبا وقبائل [ 49 \ 13 ] ، ونحن حين نصرح بمنع النداء بالروابط العصبية والأواصر النسبية ، ونقيم الأدلة على منع ذلك ، لا ننكر أن المسلم ربما انتفع بروابط نسبية لا تمت إلى الإسلام بصلة ، كما نفع الله نبيه صلى الله عليه وسلم بعمه
أبي طالب ، وقد بين الله جل وعلا أن عطف ذلك العم الكافر على نبيه صلى الله عليه وسلم من منن الله عليه ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=6ألم يجدك يتيما فآوى [ 93 \ 6 ] ، أي آواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب .
nindex.php?page=treesubj&link=30578_30579ومن آثار هذه العصبية النسبية قول
أبي طالب فيه صلى الله عليه وسلم :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا
كما قدمنا في سورة هود .
وقد نفع الله بتلك العصبية النسبية
شعيبا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، كما قال تعالى عن قومه :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=91قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك [ 11 \ 91 ] .
وقد نفع الله بها نبيه
صالحا أيضا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ; كما أشار تعالى لذلك بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=49قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون [ 27 \ 49 ] ، فقد دلت الآية على أنهم يخافون من أولياء
صالح ،
[ ص: 46 ] ولذلك لم يفكروا أن يفعلوا به سوءا إلا ليلا خفية . وقد عزموا أنهم إن فعلوا به ذلك أنكروا وحلفوا لأوليائه أنهم ما حضروا ما وقع
بصالح خوفا منهم ، ولما كان
لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لا عصبة له في قومه ظهر فيه أثر ذلك حتى قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=80لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد [ 11 \ 80 ] ، وقد قدمنا هذا مستوفى في " سورة هود " .
فيلزم الناظر في هذه المسألة أن يفرق بين الأمرين ، ويعلم أن النداء بروابط القوميات لا يجوز على كل حال ، ولا سيما إذا كان القصد بذلك القضاء على رابطة الإسلام ، وإزالتها بالكلية بدعوى أنه لا يساير التطور الجديد ، أو أنه جمود وتأخر عن مسايرة ركب الحضارة - نعوذ بالله من طمس البصيرة - وأن منع النداء بروابط القوميات لا ينافي أنه ربما انتفع المسلم بنصرة قريبه الكافر بسبب العواطف النسبية والأواصر العصبية التي لا تمت إلى الإسلام بصلة ، كما وقع من
أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007966إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " ولكن تلك القرابات النسبية لا يجوز أن تجعل هي الرابطة بين المجتمع ، لأنها تشمل المسلم والكافر ، ومعلوم أن المسلم عدو الكافر ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله الآية [ 58 \ 22 ] ، كما تقدم .
والحاصل أن الرابطة الحقيقية التي تجمع المفترق وتؤلف المختلف هي رابطة " لا إله إلا الله " ألا ترى أن هذه الرابطة التي تجعل المجتمع الإسلامي كله كأنه جسد واحد ، وتجعله كالبنيان يشد بعضه بعضا ، عطفت قلوب حملة العرش ومن حوله من الملائكة على بني آدم في الأرض مع ما بينهم من الاختلاف ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=9وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم [ 40 \ 7 - 9 ] . فقد أشار تعالى إلى أن الرابطة التي ربطت بين حملة العرش ومن حوله ، وبين بني
آدم في الأرض حتى دعوا الله لهم هذا الدعاء الصالح العظيم ، إنما هي الإيمان بالله جل وعلا ; لأنه قال عن الملائكة :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7ويؤمنون به [ ص: 47 ] [ 40 \ 7 ] فوصفهم بالإيمان . وقال عن بني
آدم في استغفار الملائكة لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7ويستغفرون للذين آمنوا [ 40 \ 7 ] ، فوصفهم أيضا بالإيمان ، فدل ذلك على أن الرابطة بينهم هي الإيمان ، وهو أعظم رابطة .
ومما يوضح لك أن الرابطة الحقيقية هي دين الإسلام قوله تعالى في
أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=3سيصلى نارا ذات لهب [ 111 \ 3 ] ويقابل ذلك بما
nindex.php?page=showalam&ids=23لسلمان الفارسي من الفضل والمكانة عند النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007967سلمان منا أهل البيت " ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني والحاكم في المستدرك ، وجعل عليه صاحب الجامع الصغير علامة الصحة ، وضعفه الحافظ
الذهبي ، وقال
الهيثمي فيه ، عند
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني كثير بن عبد الله المزني ضعفه الجمهور ، وبقية رجاله ثقات . وقد أجاد من قال :
لقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب
وقد أجمع العلماء : على أن
nindex.php?page=treesubj&link=13667الرجل إن مات وليس له من القرباء إلا ابن كافر ، أن إرثه يكون للمسلمين بأخوة الإسلام ، ولا يكون لولده لصلبه الذي هو كافر ، والميراث دليل القرابة ، فدل ذلك على أن الأخوة الدينية أقرب من البنوة النسبية .
وبالجملة ، فلا خلاف بين المسلمين أن
nindex.php?page=treesubj&link=28656الرابطة التي تربط أفراد أهل الأرض بعضهم ببعض ، وتربط بين أهل الأرض والسماء ، هي رابطة " لا إله إلا الله " ، فلا يجوز البتة النداء برابطة غيرها . ومن والى الكفار بالروابط النسبية محبة لهم ، ورغبة فيهم يدخل في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51ومن يتولهم منكم فإنه منهم [ 5 \ 51 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=73إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير [ 8 \ 73 ] ، والعلم عند الله تعالى .
وبالجملة ،
nindex.php?page=treesubj&link=21870_21878_21880فالمصالح التي عليها مدار الشرائع ثلاثة :
الأولى : درء المفاسد المعروف عند أهل الأصول بالضروريات .
والثانية : جلب المصالح ، المعروف عند أهل الأصول بالحاجيات .
والثالثة : الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات ، المعروف عند أهل الأصول بالتحسينيات والتتميمات . وكل هذه المصالح الثلاث هدى فيها القرآن العظيم للطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها .
فالضروريات التي هي درء المفاسد إنما هي درؤها عن ستة أشياء :
[ ص: 48 ] الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=21876الدين ، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله [ 2 \ 193 ] ، وفي سورة الأنفال :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39ويكون الدين كله لله [ الآية 39 ] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16تقاتلونهم أو يسلمون [ 48 \ 16 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007968أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله " الحديث ، وقال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007466من بدل دينه فاقتلوه " إلى غير ذلك من الأدلة على المحافظة على الدين .
والثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=21873النفس ، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليها بأقوم الطرق وأعدلها ، ولذلك أوجب القصاص درءا للمفسدة عن الأنفس ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب الآية [ 2 \ 179 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كتب عليكم القصاص في القتلى الآية [ 2 \ 178 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا الآية [ 17 \ 33 ] .
الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=21877العقل ، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه - إلى قوله -
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=91فهل أنتم منتهون [ 5 \ 90 ، 91 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007920كل مسكر حرام " وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007912ما أسكر كثيره فقليله حرام " ، كما قدمنا ذلك مستوفى " في سورة النحل " ، وللمحافظة على العقل أوجب صلى الله عليه وسلم حد الشارب درءا للمفسدة عن العقل .
الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=21875النسب ، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها ، ولذلك حرم الزنى وأوجب فيه الحد الرادع ، وأوجب العدة على النساء عند المفارقة بطلاق أو موت ، لئلا يختلط ماء رجل بماء آخر في رحم امرأة محافظة على الأنساب ; قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=32ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا [ 17 \ 32 ] ، ونحو ذلك من الآيات ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة الآية [ 24 \ 2 ] ، وقد قدمنا آية الرجم والأدلة الدالة على أنها منسوخة التلاوة باقية الحكم ، وقال تعالى في إيجاب العدة حفظا للأنساب :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء الآية [ 2 \ 228 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا [ 2 \ 234 ] وإن كانت عدة الوفاة فيها شبه تعبد لوجوبها مع عدم الخلوة بين الزوجين .
ولأجل المحافظة على النسب منع سقي زرع الرجل بماء غيره ; فمنع نكاح الحامل حتى تضع ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [ 65 \ 4 ] .
الخامس :
nindex.php?page=treesubj&link=21875العرض ، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها ، فنهى
[ ص: 49 ] المسلم عن أن يتكلم في أخيه بما يؤذيه ، وأوجب عليه إن رماه بفرية حد القذف ثمانين جلدة ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12ولا يغتب بعضكم بعضا [ 49 \ 12 ] ، وقبح جل وعلا غيبة المسلم غاية التقبيح بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه [ 49 \ 12 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون [ 49 \ 11 ] وقال في إيجاب حد القاذف :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إلا الذين تابوا الآية [ 24 \ 4 ، 5 ] .
السادس :
nindex.php?page=treesubj&link=21874المال ، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها ، ولذلك منع أخذه بغير حق شرعي ، وأوجب على السارق حد السرقة وهو قطع اليد كما تقدم ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [ 4 \ 29 ] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون [ 2 \ 188 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله الآية [ 5 \ 38 ] ، وكل ذلك محافظة على المال ودرءا للمفسدة عنه .
المصلحة الثانية : جلب المصالح ، وقد جاء القرآن بجلب المصالح بأقوم الطرق وأعدلها ، ففتح الأبواب لجلب المصالح في جميع الميادين ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=10فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله [ 62 \ 10 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم [ 2 \ 198 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله [ 73 \ 20 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [ 4 \ 29 ] .
ولأجل هذا جاء الشرع الكريم بإباحة المصالح المتبادلة بين أفراد المجتمع على الوجه المشروع ، ليستجلب كل مصلحته من الآخر ، كالبيوع والإجارات والأكرية والمساقاة والمضاربة ، وما جرى مجرى ذلك .
المصلحة الثالثة : الجري على
nindex.php?page=treesubj&link=18075_19473مكارم الأخلاق ومحاسن العادات ، وقد جاء القرآن بذلك بأقوم الطرق وأعدلها ، والحض على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات كثير جدا في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولذلك لما
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007969سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت : " كان خلقه القرآن " لأن القرآن يشتمل على جميع مكارم الأخلاق ; لأن الله تعالى يقول
[ ص: 50 ] في نبيه صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم [ 68 \ 4 ] .
فدل مجموع الآية وحديث
عائشة على أن المتصف بما في القرآن من مكارم الأخلاق : أنه يكون على خلق عظيم ، وذلك لعظم ما في القرآن من مكارم الأخلاق ، وسنذكر لك بعضا من ذلك تنبيها به على غيره .
فمن ذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم الآية [ 2 \ 237 ] .
فانظر ما في هذه الآية من
nindex.php?page=treesubj&link=19473الحض على مكارم الأخلاق من الأمر بالعفو والنهي عن نسيان الفضل ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا الآية [ 5 \ 2 ] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى [ 5 \ 8 ] . فانظر ما في هذه الآيات من مكارم الأخلاق ، والأمر بأن تعامل من عصى الله فيك بأن تطيعه فيه . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم [ 4 \ 36 ] فانظر إلى هذا من مكارم الأخلاق ، والأمر بالإحسان إلى المحتاجين والضعفاء ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون [ 16 \ 90 ] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية [ 7 \ 31 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن [ 6 \ 151 ] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وإذا مروا باللغو مروا كراما [ 25 \ 72 ] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=55وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين [ 28 \ 55 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ما يدعو إليه القرآن من مكارم الأخلاق ، ومحاسن العادات .
وَمِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ هَدْيُهُ إِلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28632الرَّابِطَةَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَرْبِطُ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ ، وَأَنْ يُنَادَى بِالِارْتِبَاطِ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا إِنَّمَا هِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ ،
[ ص: 42 ] لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَرْبِطُ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ حَتَّى يَصِيرَ بِقُوَّةِ تِلْكَ الرَّابِطَةِ جَمِيعُ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ كَأَنَّهُ جَسَدٌ وَاحِدٌ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ، فَرَبْطُ الْإِسْلَامِ لَكَ بِأَخِيكِ كَرَبْطِ يَدِكَ بِمِعْصَمِكَ ، وَرِجْلِكَ بِسَاقِكَ ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007958إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " . وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِطْلَاقُ النَّفْسِ وَإِرَادَةُ الْأَخِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ رَابِطَةَ الْإِسْلَامِ تَجْعَلُ أَخَا الْمُسْلِمِ كَنَفْسِهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=84وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ الْآيَةَ [ 2 \ 84 ] ، أَيْ لَا تُخْرِجُونَ إِخْوَانَكُمْ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=12لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا [ 24 \ 12 ] ، أَيْ بِإِخْوَانِهِمْ عَلَى أَصَحِّ التَّفْسِيرَيْنِ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ الْآيَةَ [ 49 \ 11 ] ، أَيْ إِخْوَانَكُمْ عَلَى أَصَحِّ التَّفْسِيرَيْنِ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ الْآيَةَ [ 2 \ 188 ] ، أَيْ لَا يَأْكُلُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ، وَلِذَلِكَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007959لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " .
وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الرَّابِطَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ الدِّينُ ، وَأَنَّ تِلْكَ الرَّابِطَةَ تَتَلَاشَى مَعَهَا جَمِيعُ الرَّوَابِطِ النِّسْبِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ : قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [ 58 \ 22 ] ، إِذْ لَا رَابِطَةَ نِسْبِيَّةً أَقْرَبُ مِنْ رَابِطَةِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَانِ وَالْعَشَائِرِ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ الْآيَةَ [ 9 \ 71 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [ 49 \ 10 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا الْآيَةَ [ 3 \ 103 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
فَهَذِهِ الْآيَاتُ وَأَمْثَالُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30580النِّدَاءَ بِرَابِطَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالْعَصَبِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْقَوْمِيَّةِ لَا يَجُوزُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .
وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ : مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ : بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [ 63 \ 8 ] ، حَدَّثَنَا
الْحُمَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ : حَفِظْنَاهُ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16705عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007960كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : يَا لِلْأَنْصَارِ ! وَقَالَ [ ص: 43 ] الْمُهَاجِرِيُّ : يَا لِلْمُهَاجِرِينَ ! فَسَمَّعَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ قَالَ : " مَا هَذَا " ؟ فَقَالُوا : كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : يَا لِلْأَنْصَارِ ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ : يَا لِلْمُهَاجِرِينَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ " الْحَدِيثَ . فَقَوْلُ هَذَا الْأَنْصَارِيِّ : يَا لِلْأَنْصَارِ ، وَهَذَا الْمُهَاجَرِيُّ : يَا لِلْمُهَاجِرِينَ هُوَ النِّدَاءُ بِالْقَوْمِيَّةِ الْعَصَبِيَّةِ بِعَيْنِهِ ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007762دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ " يَقْتَضِي وُجُوبَ تَرْكِ النِّدَاءِ بِهَا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ : " دَعُوهَا " أَمْرٌ صَرِيحٌ بِتَرْكِهَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=21055وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ عَلَى التَّحْقِيقِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ ; لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ 24 \ 63 ] ، وَيَقُولُ لِإِبْلِيسَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ [ 7 \ 12 ] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُخَالَفَةَ الْأَمْرِ مَعْصِيَةٌ . وَقَالَ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ
مُوسَى فِي خِطَابِهِ لِأَخِيهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=93أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي [ 20 \ 93 ] ، فَأَطْلَقَ اسْمَ الْمَعْصِيَةِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ : وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=36وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [ 33 \ 36 ] فَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ أَمْرَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَانِعٌ مِنَ الِاخْتِيَارِ ، مُوجِبٌ لِلِامْتِثَالِ ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَكَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْأَمْرَ بِالتَّرْكِ بِقَوْلِهِ : " فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ " ، وَحَسْبُكَ بِالنَّتَنِ مُوجِبًا لِلتَّبَاعُدِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْخُبْثِ الْبَالِغِ .
فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلَى أَنَّ النِّدَاءَ بِرَابِطَةِ الْقَوْمِيَّةِ مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّ فَاعِلَهُ يَتَعَاطَى الْمُنْتِنَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُنْتِنَ خَبِيثٌ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=26الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ الْآيَةَ [ 24 \ 26 ] ، وَيَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [ 7 \ 157 ] وَحَدِيثُ
جَابِرٍ هَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ أَخْرَجَهُ أَيْضًا
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11997وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ،
وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ ،
وَابْنُ أَبِي عُمَرَ ، وَاللَّفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=12508لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، قَالَ
ابْنُ عَبْدَةَ : أَخْبَرَنَا ، وَقَالَ الْآخَرُونَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ : سَمِعَ
عَمْرٌو nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007961كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : يَا لِلْأَنْصَارِ ! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ : يَا لِلْمُهَاجِرِينَ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ! " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ . فَقَالَ : " دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ . " الْحَدِيثَ .
وَقَدْ عَرَفْتَ وَجْهَ دَلَالَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى التَّحْرِيمِ ، مَعَ أَنَّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ دَعْوَى الرَّجُلِ : " يَا لِبَنِي فُلَانٍ " مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30580_30578دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ . وَإِذَا صَحَّ بِذَلِكَ
[ ص: 44 ] أَنَّهَا مِنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007962لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ " . وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007963لَيْسَ مِنَّا مِنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ ، أَوْ شَقَّ الْجُيُوبَ ، أَوْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ " ، وَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ دَعَا تِلْكَ الدَّعْوَى لَيْسَ مِنَّا ، وَهُوَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى التَّحْرِيمِ الشَّدِيدِ ، وَمِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007964nindex.php?page=treesubj&link=30580_30578مَنْ تَعَزَّى عَلَيْكُمْ بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِّ أَبِيهِ وَلَا تُكَنُّوا " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ
عُتَيِّ بْنِ ضَمْرَةَ السَّعْدِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007965إِذَا سَمِعْتُمْ مَنْ يُعْتَزَى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعَضُّوهُ وَلَا تَكْنُوا " وَأَشَارَ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ
أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14679وَالضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ عَنْ أُبَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ عَلَامَةَ الصِّحَّةِ . وَذَكَرَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ " إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَتَعَزَّى . . " إِلَخْ ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ عَلَامَةَ الصِّحَّةِ . وَقَالَ شَارِحُهُ
الْمُنَاوِيُّ : وَرَوَاهُ عَنْهُ أَيْضًا
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ ، قَالَ
الْهَيْثَمِيُّ : وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ ، وَقَالَ شَارِحُهُ
الْعَزِيزِيُّ : هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ . وَقَالَ فِيهِ الشَّيْخُ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَجْلُونِيُّ فِي كِتَابِهِ ( كَشْفُ الْخَفَاءِ وَمُزِيلُ الْإِلْبَاسِ عَمَّا اشْتُهِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ ) قَالَ النَّجْمُ : رَوَاهُ
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَمُرَادُهُ بِالنَّجْمِ : الشَّيْخُ
مُحَمَّدٌ نَجْمُ الدِّينِ الْغُزِّيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى ( إِتْقَانُ مَا يُحْسِنُ مِنَ الْأَخْبَارِ الدَّائِرَةِ عَلَى الْأَلْسُنِ ) فَانْظُرْ كَيْفَ سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ النِّدَاءَ " عَزَاءَ الْجَاهِلِيَّةِ " وَأَمَرَ أَنْ يُقَالَ لِلدَّاعِي بِهِ " اعْضَضْ عَلَى هِنِّ أَبِيكَ " أَيْ فَرْجِهِ ، وَأَنْ يُصَرَّحَ لَهُ بِذَلِكَ وَلَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْكِنَايَةِ ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ قُبْحِ هَذَا النِّدَاءِ ، وَشِدَّةِ بُغْضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ رُؤَسَاءَ الدُّعَاةِ إِلَى نَحْوِ هَذِهِ الْقَوْمِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ :
أَبُو جَهْلٍ ،
وَأَبُو لَهَبٍ ،
وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، وَنُظَرَاؤُهُمْ مِنْ رُؤَسَاءِ الْكَفَرَةِ .
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى تَعَصُّبَهُمْ لِقَوْمِيَّتِهِمْ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=104قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا الْآيَةَ [ 5 \ 104 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=170قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا الْآيَةَ [ 2 \ 170 ] ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ - كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا - فِي مَنْعِ النِّدَاءِ بِرَابِطَةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ ، كَالْقَوْمِيَّاتِ وَالْعَصَبِيَّاتِ النِّسْبِيَّةِ ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ النِّدَاءُ بِالْقَوْمِيَّةِ يُقْصَدُ مِنْ وَرَائِهِ الْقَضَاءُ عَلَى رَابِطَةِ الْإِسْلَامِ وَإِزَالَتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ ، فَإِنَّ النِّدَاءَ بِهَا حِينَئِذٍ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ : أَنَّهُ نِدَاءٌ
[ ص: 45 ] إِلَى التَّخَلِّي عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَرَفْضِ الرَّابِطَةِ السَّمَاوِيَّةِ رَفْضًا بَاتًّا ، عَلَى اللَّهِ أَنَّ يَعْتَاصَ مِنْ ذَلِكَ رَوَابِطَ عَصَبِيَّةً قَوْمِيَّةً ، مَدَارُهَا عَلَى أَنَّ هَذَا مِنَ الْعَرَبِ ، وَهَذَا مِنْهُمْ أَيْضًا مَثَلًا . فَالْعُرُوبَةُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ خَلَفًا مِنَ الْإِسْلَامِ ، وَاسْتِبْدَالُهَا بِهِ صَفْقَةٌ خَاسِرَةٌ ، فَهِيَ كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ :
بَدَّلْتُ بِالْجَمَّةِ رَأْسًا أَزْعَرًا وَبِالثَّنَايَا الْوَاضِحَاتِ الدُّرْدُرَا
كَمَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ إِذْ تَنَصَّرَا
وَقَدْ عُلِمَ فِي التَّارِيخِ حَالُ الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَحَالُهُمْ بَعْدَهُ كَمَا لَا يَخْفَى .
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ : أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي جَعْلِهِ بَنِي
آدَمَ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ هِيَ التَّعَارُفُ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، وَلَيْسَتْ هِيَ أَنْ يَتَعَصَّبَ كُلُّ شَعْبٍ عَلَى غَيْرِهِ ، وَكُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَى غَيْرِهَا ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13nindex.php?page=treesubj&link=29020_19865يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [ 49 \ 13 ] ، فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13لِتَعَارَفُوا لَامُ التَّعْلِيلِ ، وَالْأَصْلُ لِتَتَعَارَفُوا ، وَقَدْ حُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ ; فَالتَّعَارُفُ هُوَ الْعِلَّةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْحِكْمَةِ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ [ 49 \ 13 ] ، وَنَحْنُ حِينَ نُصَرِّحُ بِمَنْعِ النِّدَاءِ بِالرَّوَابِطِ الْعَصَبِيَّةِ وَالْأَوَاصِرِ النِّسْبِيَّةِ ، وَنُقِيمُ الْأَدِلَّةَ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ ، لَا نُنْكِرُ أَنَّ الْمُسْلِمَ رُبَّمَا انْتَفَعَ بِرَوَابِطَ نِسْبِيَّةٍ لَا تَمُتُّ إِلَى الْإِسْلَامِ بِصِلَةٍ ، كَمَا نَفَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَمِّهِ
أَبِي طَالِبٍ ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَنَّ عَطْفَ ذَلِكَ الْعَمِّ الْكَافِرِ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِنَنِ اللَّهِ عَلَيْهِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=6أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى [ 93 \ 6 ] ، أَيْ آوَاكَ بِأَنْ ضَمَّكَ إِلَى عَمِّكَ أَبِي طَالِبٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=30578_30579وَمِنْ آثَارِ هَذِهِ الْعَصَبِيَّةِ النِّسْبِيَّةِ قَوْلُ
أَبِي طَالِبٍ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
وَاللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينًا
كَمَا قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ هُودٍ .
وَقَدْ نَفَعَ اللَّهُ بِتِلْكَ الْعَصَبِيَّةِ النِّسْبِيَّةِ
شُعَيْبًا عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ قَوْمِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=91قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ [ 11 \ 91 ] .
وَقَدْ نَفَعَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ
صَالِحًا أَيْضًا عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ; كَمَا أَشَارَ تَعَالَى لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=49قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ [ 27 \ 49 ] ، فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُمْ يَخَافُونَ مِنْ أَوْلِيَاءِ
صَالِحٍ ،
[ ص: 46 ] وَلِذَلِكَ لَمْ يُفَكِّرُوا أَنْ يَفْعَلُوا بِهِ سُوءًا إِلَّا لَيْلًا خِفْيَةً . وَقَدْ عَزَمُوا أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ أَنْكَرُوا وَحَلَفُوا لِأَوْلِيَائِهِ أَنَّهُمْ مَا حَضَرُوا مَا وَقَعَ
بِصَالِحٍ خَوْفًا مِنْهُمْ ، وَلَمَّا كَانَ
لُوطٌ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا عُصْبَةَ لَهُ فِي قَوْمِهِ ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=80لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [ 11 \ 80 ] ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا مُسْتَوْفًى فِي " سُورَةِ هُودٍ " .
فَيَلْزَمُ النَّاظِرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، وَيَعْلَمَ أَنَّ النِّدَاءَ بِرَوَابِطِ الْقَوْمِيَّاتِ لَا يَجُوزُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْقَصْدُ بِذَلِكَ الْقَضَاءَ عَلَى رَابِطَةِ الْإِسْلَامِ ، وَإِزَالَتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِدَعْوَى أَنَّهُ لَا يُسَايِرُ التَّطَوُّرَ الْجَدِيدَ ، أَوْ أَنَّهُ جُمُودٌ وَتَأَخُّرٌ عَنْ مُسَايَرَةِ رَكْبِ الْحَضَارَةِ - نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ طَمْسِ الْبَصِيرَةِ - وَأَنَّ مَنْعَ النِّدَاءِ بِرَوَابِطِ الْقَوْمِيَّاتِ لَا يُنَافِي أَنَّهُ رُبَّمَا انْتَفَعَ الْمُسْلِمُ بِنُصْرَةِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ بِسَبَبِ الْعَوَاطِفِ النِّسْبِيَّةِ وَالْأَوَاصِرِ الْعَصَبِيَّةِ الَّتِي لَا تَمُتُّ إِلَى الْإِسْلَامِ بِصِلَةٍ ، كَمَا وَقَعَ مِنْ
أَبِي طَالِبٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007966إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ " وَلَكِنَّ تِلْكَ الْقَرَابَاتِ النِّسْبِيَّةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ هِيَ الرَّابِطَةَ بَيْنَ الْمُجْتَمَعِ ، لِأَنَّهَا تَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُسْلِمَ عَدُوُّ الْكَافِرِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْآيَةَ [ 58 \ 22 ] ، كَمَا تَقَدَّمَ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّابِطَةَ الْحَقِيقِيَّةَ الَّتِي تَجْمَعُ الْمُفْتَرَقَ وَتُؤَلِّفُ الْمُخْتَلَفَ هِيَ رَابِطَةُ " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " أَلَا تَرَى أَنَّ هَذِهِ الرَّابِطَةَ الَّتِي تَجْعَلُ الْمُجْتَمَعَ الْإِسْلَامِيَّ كُلَّهُ كَأَنَّهُ جَسَدٌ وَاحِدٌ ، وَتَجْعَلُهُ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ، عَطَفَتْ قُلُوبَ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَمَنْ حَوْلَهَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى بَنِي آدَمَ فِي الْأَرْضِ مَعَ مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=9وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ 40 \ 7 - 9 ] . فَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى إِلَى أَنَّ الرَّابِطَةَ الَّتِي رَبَطَتْ بَيْنَ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَمَنْ حَوْلَهُ ، وَبَيْنَ بَنِي
آدَمَ فِي الْأَرْضِ حَتَّى دَعَوُا اللَّهَ لَهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ الصَّالِحَ الْعَظِيمَ ، إِنَّمَا هِيَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ جَلَّ وَعَلَا ; لِأَنَّهُ قَالَ عَنِ الْمَلَائِكَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7وَيُؤْمِنُونَ بِهِ [ ص: 47 ] [ 40 \ 7 ] فَوَصَفَهُمْ بِالْإِيمَانِ . وَقَالَ عَنْ بَنِي
آدَمَ فِي اسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [ 40 \ 7 ] ، فَوَصَفَهُمْ أَيْضًا بِالْإِيمَانِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الرَّابِطَةَ بَيْنَهُمْ هِيَ الْإِيمَانُ ، وَهُوَ أَعْظَمُ رَابِطَةً .
وَمِمَّا يُوَضِّحُ لَكَ أَنَّ الرَّابِطَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي
أَبِي لَهَبٍ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=3سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ [ 111 \ 3 ] وَيُقَابِلُ ذَلِكَ بِمَا
nindex.php?page=showalam&ids=23لِسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ مِنَ الْفَضْلِ وَالْمَكَانَةِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007967سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ " ، رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَامَةَ الصِّحَّةِ ، وَضَعَّفَهُ الْحَافِظُ
الذَّهَبِيُّ ، وَقَالَ
الْهَيْثَمِيُّ فِيهِ ، عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيِّ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزْنِيُّ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ . وَقَدْ أَجَادَ مَنْ قَالَ :
لَقَدْ رَفَعَ الْإِسْلَامُ سَلْمَانَ فَارِسَ وَقَدْ وَضَعَ الْكُفْرُ الشَّرِيفَ أَبَا لَهَبِ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ : عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=13667الرَّجُلَ إِنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْقُرَبَاءِ إِلَّا ابْنٌ كَافِرٌ ، أَنَّ إِرْثَهُ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَلَا يَكُونُ لِوَلَدِهِ لِصُلْبِهِ الَّذِي هُوَ كَافِرٌ ، وَالْمِيرَاثُ دَلِيلُ الْقَرَابَةِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأُخُوَّةَ الدِّينِيَّةَ أَقْرَبُ مِنَ الْبُنُوَّةِ النِّسْبِيَّةِ .
وَبِالْجُمْلَةِ ، فَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28656الرَّابِطَةَ الَّتِي تَرْبُطُ أَفْرَادَ أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ ، وَتَرْبُطُ بَيْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ ، هِيَ رَابِطَةُ " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " ، فَلَا يَجُوزُ الْبَتَّةَ النِّدَاءُ بِرَابِطَةٍ غَيْرَهَا . وَمَنْ وَالَى الْكُفَّارَ بِالرَّوَابِطِ النِّسْبِيَّةِ مَحَبَّةً لَهُمْ ، وَرَغْبَةً فِيهِمْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [ 5 \ 51 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=73إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [ 8 \ 73 ] ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَبِالْجُمْلَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=21870_21878_21880فَالْمَصَالِحُ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الشَّرَائِعِ ثَلَاثَةٌ :
الْأُولَى : دَرْءُ الْمَفَاسِدِ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ بِالضَّرُورِيَّاتِ .
وَالثَّانِيَةُ : جَلْبُ الْمَصَالِحِ ، الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ بِالْحَاجِيَّاتِ .
وَالثَّالِثَةُ : الْجَرْيُ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ ، الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ بِالتَّحْسِينِيَّاتِ وَالتَّتْمِيمَاتِ . وَكُلُّ هَذِهِ الْمَصَالِحِ الثَّلَاثِ هَدَى فِيهَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ لِلطَّرِيقِ الَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الطُّرُقِ وَأَعْدُلُهَا .
فَالضَّرُورِيَّاتُ الَّتِي هِيَ دَرْءُ الْمَفَاسِدِ إِنَّمَا هِيَ دَرْؤُهَا عَنْ سِتَّةِ أَشْيَاءَ :
[ ص: 48 ] الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=21876الدِّينُ ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ بِأَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَعْدَلِهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [ 2 \ 193 ] ، وَفِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [ الْآيَةَ 39 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ [ 48 \ 16 ] ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007968أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " الْحَدِيثَ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007466مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ " إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الدِّينِ .
وَالثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=21873النَّفْسُ ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا بِأَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَعْدَلِهَا ، وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الْقِصَاصَ دَرْءًا لِلْمَفْسَدَةِ عَنِ الْأَنْفُسِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ الْآيَةَ [ 2 \ 179 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْآيَةَ [ 2 \ 178 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا الْآيَةَ [ 17 \ 33 ] .
الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=21877الْعَقْلُ ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ بِأَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَعْدَلِهَا ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ - إِلَى قَوْلِهِ -
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=91فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [ 5 \ 90 ، 91 ] ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007920كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " وَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007912مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ " ، كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ مُسْتَوْفًى " فِي سُورَةِ النَّحْلِ " ، وَلِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْعَقْلِ أَوْجَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ الشَّارِبِ دَرْءًا لِلْمَفْسَدَةِ عَنِ الْعَقْلِ .
الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=21875النَّسَبُ ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ بِأَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَعْدَلِهَا ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الزِّنَى وَأَوْجَبَ فِيهِ الْحَدَّ الرَّادِعَ ، وَأَوْجَبَ الْعِدَّةَ عَلَى النِّسَاءِ عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ بِطَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ ، لِئَلَّا يَخْتَلِطَ مَاءُ رَجُلٍ بِمَاءٍ آخَرَ فِي رَحِمِ امْرَأَةٍ مُحَافَظَةً عَلَى الْأَنْسَابِ ; قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=32وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [ 17 \ 32 ] ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ الْآيَةَ [ 24 \ 2 ] ، وَقَدْ قَدَّمْنَا آيَةَ الرَّجْمِ وَالْأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةُ التِّلَاوَةِ بَاقِيَةُ الْحُكْمِ ، وَقَالَ تَعَالَى فِي إِيجَابِ الْعِدَّةِ حِفْظًا لِلْأَنْسَابِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ الْآيَةَ [ 2 \ 228 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [ 2 \ 234 ] وَإِنْ كَانَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِيهَا شِبْهَ تَعَبُّدٍ لِوُجُوبِهَا مَعَ عَدَمِ الْخَلْوَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ .
وَلِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى النِّسَبِ مَنَعَ سَقْيَ زَرْعِ الرَّجُلِ بِمَاءِ غَيْرِهِ ; فَمَنَعَ نِكَاحَ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [ 65 \ 4 ] .
الْخَامِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=21875الْعِرْضُ ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ بِأَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَعْدَلِهَا ، فَنَهَى
[ ص: 49 ] الْمُسْلِمَ عَنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي أَخِيهِ بِمَا يُؤْذِيهِ ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ إِنْ رَمَاهُ بِفِرْيَةٍ حَدَّ الْقَذْفِ ثَمَانِينَ جِلْدَةً ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [ 49 \ 12 ] ، وَقَبَّحَ جَلَّ وَعَلَا غِيبَةَ الْمُسْلِمِ غَايَةَ التَّقْبِيحِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [ 49 \ 12 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [ 49 \ 11 ] وَقَالَ فِي إِيجَابِ حَدِّ الْقَاذِفِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا الْآيَةَ [ 24 \ 4 ، 5 ] .
السَّادِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=21874الْمَالُ ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ بِأَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَعْدَلِهَا ، وَلِذَلِكَ مَنَعَ أَخْذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ ، وَأَوْجَبَ عَلَى السَّارِقِ حَدَّ السَّرِقَةِ وَهُوَ قَطْعُ الْيَدِ كَمَا تَقَدَّمَ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [ 4 \ 29 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ 2 \ 188 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ الْآيَةَ [ 5 \ 38 ] ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَافَظَةً عَلَى الْمَالِ وَدَرْءًا لِلْمَفْسَدَةِ عَنْهُ .
الْمَصْلَحَةُ الثَّانِيَةُ : جَلْبُ الْمَصَالِحِ ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِجَلْبِ الْمَصَالِحِ بِأَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَعْدَلِهَا ، فَفَتَحَ الْأَبْوَابِ لِجَلْبِ الْمَصَالِحِ فِي جَمِيعِ الْمَيَادِينِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=10فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [ 62 \ 10 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [ 2 \ 198 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [ 73 \ 20 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [ 4 \ 29 ] .
وَلِأَجْلِ هَذَا جَاءَ الشَّرْعُ الْكَرِيمُ بِإِبَاحَةِ الْمَصَالِحِ الْمُتَبَادَلَةِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ ، لِيَسْتَجْلِبَ كُلٌّ مَصْلَحَتَهُ مِنَ الْآخَرِ ، كَالْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْأَكْرِيَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُضَارَبَةِ ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ .
الْمَصْلَحَةُ الثَّالِثَةُ : الْجَرْيُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=18075_19473مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ بِأَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَعْدَلِهَا ، وَالْحَضُّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ كَثِيرٌ جِدًّا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلِذَلِكَ لَمَّا
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007969سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : " كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ " لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ
[ ص: 50 ] فِي نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ 68 \ 4 ] .
فَدَلَّ مَجْمُوعُ الْآيَةِ وَحَدِيثُ
عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ : أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ، وَذَلِكَ لِعِظَمِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَسَنَذْكُرُ لَكَ بَعْضًا مِنْ ذَلِكَ تَنْبِيهًا بِهِ عَلَى غَيْرِهِ .
فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ الْآيَةَ [ 2 \ 237 ] .
فَانْظُرْ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=19473الْحَضِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مِنَ الْأَمْرِ بِالْعَفْوِ وَالنَّهْيِ عَنْ نِسْيَانِ الْفَضْلِ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا الْآيَةَ [ 5 \ 2 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [ 5 \ 8 ] . فَانْظُرْ مَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَالْأَمْرُ بِأَنْ تُعَامِلَ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيكَ بِأَنْ تُطِيعَهُ فِيهِ . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [ 4 \ 36 ] فَانْظُرْ إِلَى هَذَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَالْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْمُحْتَاجِينَ وَالضُّعَفَاءِ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ 16 \ 90 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ الْآيَةَ [ 7 \ 31 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [ 6 \ 151 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [ 25 \ 72 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=55وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [ 28 \ 55 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ .