nindex.php?page=treesubj&link=28862_32270مناسبتها لما قبلها :
سورة الأعراف أطول من سورة الأنعام ، فلو كان ترتيب السبع الطول مراعى فيه تقديم الأطول فالأطول مطلقا لقدمت الأعراف على الأنعام ، على أنه قد روي أنها نزلت قبلها - والظاهر أنها نزلت دفعة واحدة مثلها - فلم يبق وجه لتقديم الأنعام إلا أنها أجمع لما تشترك السورتان فيه وهو أصول العقائد وكليات الدين التي أجملنا جل أصولها في خاتمة تفسيرها ، وكون ما أطيل به في الأعراف كالشرح لما أوجز به فيها أو التفصيل بعد الإجمال ، ولا سيما عموم بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وقصص الرسل قبله وأحوال أقوامهم ، وقد بينا بعض هذا التناسب بين السورتين مع ما قبلهما في فاتحة تفسير الأولى ( راجع ص240 وما بعدها ج 7 ط الهيئة ) وسنزيده تفصيلا فيما نذكره في خاتمة الأعراف على نحو ما ذكرنا في خاتمة الأنعام من الأصول الكلية فيها إن أحيانا الله تعالى . وأما سبب تأخير نزول الأنعام فهو مبني على ما علم من التدريج في تلقين الدين ومراعاة استعداد المخاطبين فيه وهي أجمع للأصول الكلية ولرد شبهات المشركين ، والفرق ظاهر بين ما يراعى من الترتيب في دعوتهم وما يراعى في تلاوة المؤمنين للقرآن .
وذكر
السيوطي في
nindex.php?page=treesubj&link=28862_32269_32270المناسبة بين السورتين ما نقله
الآلوسي عنه ، وهو أن سورة الأنعام لما كانت لبيان الخلق وفيها (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هو الذي خلقكم من طين 6 : 2 ) وقال سبحانه في بيان
[ ص: 261 ] القرون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=6كم أهلكنا من قبلهم من قرن 6 : 6 ) وأشير إلى ذكر المرسلين وتعداد الكثير منهم وكان ما ذكر على وجه الإجمال - جيء بهذه السورة بعدها مشتملة على شرحه وتفصيله ، فبسط فيها قصة
آدم ، وفصلت قصص المرسلين وأممهم وكيفية هلاكهم أكمل تفصيل . ويصلح هذا أن يكون تفصيلا لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) ( 6 : 165 ) ولهذا صدر السورة بخلق
آدم الذي جعله خليفة في الأرض وقال سبحانه في قصة
عاد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=69جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ) ( 69 ) وفي قصة ثمود : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=74جعلكم خلفاء من بعد عاد ) ( 74 ) وأيضا فقد قال سبحانه فيما تقدم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54كتب ربكم على نفسه الرحمة ) ( 6 : 54 ) وهو كلام موجز وبسطه سبحانه هنا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ) ( 156 ) وأما وجه ارتباط أول هذه السورة بآخر الأولى فهو أنه قد تقدم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) ( 6 : 153 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=155وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه ) ( 6 : 155 ) وافتتح هذه بالأمر باتباع الكتاب وأيضا لما تقدم (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) ( 6 : 159 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) ( 6 : 164 ) قال جل شأنه في مفتتح هذه السورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=6فلنسألن الذين أرسل إليهم ) ( 6 ) إلخ . وذلك من شرح التنبئة المذكورة ، وأيضا لما قال سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160من جاء بالحسنة ) ( 6 : 160 ) الآية وذلك لا يظهر إلا في الميزان افتتح هذه بذكر الوزن فقال عز من قائل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8والوزن يومئذ الحق ) ( 8 ) ثم من ثقلت موازينه وهو من زادت حسناته على سيئاته ، ثم من خفت وهو على العكس . ثم ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=28766أصحاب الأعراف وهم في أحد الأقوال من استوت حسناتهم وسيئاتهم اهـ . ونكتفي بهذا مع ما أشرنا إليه قبله هنا وإن كان من السهل بسطه بأوضح من هذه العبارة والزيادة عليه . ونشرع في تفسير السورة مستعينين بإلهامه وتفهيمه عز وجل .
nindex.php?page=treesubj&link=28862_32270مُنَاسَبَتُهَا لِمَا قَبْلَهَا :
سُورَةُ الْأَعْرَافِ أَطْوَلُ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، فَلَوْ كَانَ تَرْتِيبُ السَّبْعِ الطُّوَلِ مُرَاعًى فِيهِ تَقْدِيمُ الْأَطْوَلِ فَالْأَطْوَلِ مُطْلَقًا لَقُدِّمَتِ الْأَعْرَافُ عَلَى الْأَنْعَامِ ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَهَا - وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا نَزَلَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً مِثْلَهَا - فَلَمْ يَبْقَ وَجْهٌ لِتَقْدِيمِ الْأَنْعَامِ إِلَّا أَنَّهَا أَجْمَعُ لِمَا تَشْتَرِكُ السُّورَتَانِ فِيهِ وَهُوَ أَصُولُ الْعَقَائِدِ وَكُلِّيَّاتِ الدِّينِ الَّتِي أَجْمَلْنَا جُلَّ أُصُولِهَا فِي خَاتِمَةِ تَفْسِيرِهَا ، وَكَوْنِ مَا أُطِيلُ بِهِ فِي الْأَعْرَافِ كَالشَّرْحِ لِمَا أُوجِزَ بِهِ فِيهَا أَوِ التَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ ، وَلَا سِيَّمَا عُمُومُ بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِصَصُ الرُّسُلِ قَبْلَهُ وَأَحْوَالُ أَقْوَامِهِمْ ، وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَ هَذَا التَّنَاسُبِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ مَعَ مَا قَبْلَهُمَا فِي فَاتِحَةِ تَفْسِيرِ الْأُولَى ( رَاجِعْ ص240 وَمَا بَعْدَهَا ج 7 ط الْهَيْئَةِ ) وَسَنَزِيدُهُ تَفْصِيلًا فِيمَا نَذْكُرُهُ فِي خَاتِمَةِ الْأَعْرَافِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي خَاتِمَةِ الْأَنْعَامِ مِنَ الْأُصُولِ الْكُلِّيَّةِ فِيهَا إِنْ أَحْيَانَا اللَّهُ تَعَالَى . وَأَمَّا سَبَبُ تَأْخِيرِ نُزُولِ الْأَنْعَامِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا عُلِمَ مِنَ التَّدْرِيجِ فِي تَلْقِينِ الدِّينِ وَمُرَاعَاةِ اسْتِعْدَادِ الْمُخَاطَبِينَ فِيهِ وَهِيَ أَجْمَعُ لِلْأُصُولِ الْكُلِّيَّةِ وَلِرَدِّ شُبُهَاتِ الْمُشْرِكِينَ ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ مَا يُرَاعَى مِنَ التَّرْتِيبِ فِي دَعْوَتِهِمْ وَمَا يُرَاعَى فِي تِلَاوَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِلْقُرْآنِ .
وَذَكَرَ
السُّيُوطِيُّ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28862_32269_32270الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ مَا نَقَلَهُ
الْآلُوسِيُّ عَنْهُ ، وَهُوَ أَنَّ سُورَةَ الْأَنْعَامِ لَمَّا كَانَتْ لِبَيَانِ الْخَلْقِ وَفِيهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ 6 : 2 ) وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي بَيَانِ
[ ص: 261 ] الْقُرُونِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=6كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ 6 : 6 ) وَأُشِيرَ إِلَى ذِكْرِ الْمُرْسَلِينَ وَتَعْدَادِ الْكَثِيرِ مِنْهُمْ وَكَانَ مَا ذُكِرَ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ - جِيءَ بِهَذِهِ السُّورَةِ بَعْدَهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى شَرْحِهِ وَتَفْصِيلِهِ ، فَبُسِطَ فِيهَا قِصَّةُ
آدَمَ ، وَفُصِّلَتْ قِصَصُ الْمُرْسَلِينَ وَأُمَمِهِمْ وَكَيْفِيَّةِ هَلَاكِهِمْ أَكْمَلَ تَفْصِيلٍ . وَيَصْلُحُ هَذَا أَنْ يَكُونَ تَفْصِيلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ ) ( 6 : 165 ) وَلِهَذَا صَدَّرَ السُّورَةَ بِخَلْقِ
آدَمَ الَّذِي جَعَلَهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي قِصَّةِ
عَادٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=69جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ) ( 69 ) وَفِي قِصَّةِ ثَمُودَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=74جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ ) ( 74 ) وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) ( 6 : 54 ) وَهُوَ كَلَامٌ مُوجَزٌ وَبَسَطَهُ سُبْحَانَهُ هُنَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) ( 156 ) وَأَمَّا وَجْهُ ارْتِبَاطِ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ بِآخِرِ الْأُولَى فَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ) ( 6 : 153 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=155وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ ) ( 6 : 155 ) وَافْتَتَحَ هَذِهِ بِالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَأَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) ( 6 : 159 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) ( 6 : 164 ) قَالَ جَلَّ شَأْنُهُ فِي مُفْتَتَحِ هَذِهِ السُّورَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=6فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ) ( 6 ) إِلَخْ . وَذَلِكَ مِنْ شَرْحِ التَّنْبِئَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَأَيْضًا لَمَّا قَالَ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ ) ( 6 : 160 ) الْآيَةَ وَذَلِكَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا فِي الْمِيزَانِ افْتَتَحَ هَذِهِ بِذِكْرِ الْوَزْنِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ) ( 8 ) ثُمَّ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ وَهُوَ مَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ ، ثُمَّ مَنْ خَفَّتَ وَهُوَ عَلَى الْعَكْسِ . ثُمَّ ذَكَرَ
nindex.php?page=treesubj&link=28766أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ وَهُمْ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ مَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمُ اهـ . وَنَكْتَفِي بِهَذَا مَعَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ قَبْلَهُ هُنَا وَإِنْ كَانَ مِنَ السَّهْلِ بَسْطُهُ بِأَوْضَحَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ . وَنَشْرَعُ فِي تَفْسِيرِ السُّورَةِ مُسْتَعِينِينَ بِإِلْهَامِهِ وَتَفْهِيمِهِ عَزَّ وَجَلَّ .