[ ص: 301 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) .
بعد ما تقدم من إقامة البرهان على أن القرآن من عند الله ، وأن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان عاجزا كغيره عن الإتيان بمثله في هدايته ، وفي علمه ولغته - وما تلاه من إقامة الحجج على بطلان شركهم ، وما بعده من بيان حالهم في اتباع أكثرهم لأدنى الظن وأضعفه في عقائدهم وتكذيبهم - عاد إلى تفنيد رأيهم الأفين في
nindex.php?page=treesubj&link=30617الطعن على القرآن بمقتضى الظن الضعيف من الأكثرين ، والجحود العنادي من الأقلين ، كالزعماء المستكبرين ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ) النفي هنا للشأن الذي هو أبلغ وآكد من نفي الشيء مباشرة كما تقدم مرارا ، وإن غفل عن ذلك من أعربه إعرابا آخر لقصر نظره على ظاهر اللفظ ، دون ما يقتضيه المقام من المبالغة في الرد ، أي وما كان هذا القرآن العظيم في علو شأنه ، المحلى له في أسلوبه ونظمه ، وعلومه العالية ، وحكمته السامية ، وتشريعه العادل ، وآدابه المثلى ، وتمحيصه للحقائق الإلهية والاجتماعية ، وإنبائه بالغيوب الماضية والآتية ، وجعل المقصد من إصلاحه ما بينه آنفا من اتباع الحق والهدى ، واجتناب الضلال باتباع الهوى ، والاعتماد فيهما على العلم الصحيح - ما كان وما صح ولا يعقل أن يفتريه أحد على الله من دونه ويسنده إليه ; إذ لا يقدر غيره عز وجل عليه ، فإن فرض أن بشرا يستطيع الإتيان بمثله ، فلن يكون إلا بشرا أرقى وأكمل من جميع الحكماء والأنبياء وكذا الملائكة ومثله لن يفتري على الله ، بل قال أشد الكفار عنادا وعداوة
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهو
أبو جهل لعنه الله : إن
محمدا لم يكذب على بشر قط أفيكذب على الله ؟ ! .
[ ص: 302 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37ولكن تصديق الذي بين يديه ) أي ولكن كان تصديق الذي سبقه من الوحي لرسل الله تعالى بالإجمال
كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلى الله عليهم بدعوته إلى أصول دين الله الإسلام ، التي دعوا إليها من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح ، بعد أن نسي بعض ذلك بقايا أتباعهم وضلوا عن بعض ، وشوهوه بالتقاليد المبتدعة مما لم يكن يعلمه
محمد الأمي - صلى الله عليه وسلم - ، أو تصديق ذلك بكونه جاء وفاقا لما دعا به
إبراهيم لأهل حرم الله ، ولما بشر به
موسى وعيسى والنبيون كما بيناه بالتفصيل ، في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) ( 7 : 157 ) من جزء التفسير التاسع ، ويجوز الجمع بين المعنيين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وتفصيل الكتاب ) الإلهي أي جنسه ، وهو ما شرعه الله تعالى ليكتب ويهتدي به جميع البشر من العقائد والشرائع والعبر والمواعظ وشئون الاجتماع وسنن الله في خلقه (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37لا ريب فيه ) هو لا ريب فيه ، أو حال كونه لا ريب فيه ، أي ليس فيه مثار للشك ولا موضع للريب ; لأنه الحق والهدى من رب العالمين من وحيه لا يقدر عليه غيره
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) ( 4 : 82 ) .
[ ص: 301 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) .
بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَأَنَّ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَاجِزًا كَغَيْرِهِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ فِي هِدَايَتِهِ ، وَفِي عِلْمِهِ وَلُغَتِهِ - وَمَا تَلَاهُ مِنْ إِقَامَةِ الْحُجَجِ عَلَى بُطْلَانِ شِرْكِهِمْ ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ بَيَانِ حَالِهِمْ فِي اتِّبَاعِ أَكْثَرِهِمْ لِأَدْنَى الظَّنِّ وَأَضْعَفِهِ فِي عَقَائِدِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ - عَادَ إِلَى تَفْنِيدِ رَأْيِهِمُ الْأَفِينِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30617الطَّعْنِ عَلَى الْقُرْآنِ بِمُقْتَضَى الظَّنِّ الضَّعِيفِ مِنَ الْأَكْثَرِينَ ، وَالْجَحُودِ الْعِنَادِيِّ مِنَ الْأَقَلِّينَ ، كَالزُّعَمَاءِ الْمُسْتَكْبِرِينَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ) النَّفْيُ هُنَا لِلشَّأْنِ الَّذِي هُوَ أَبْلَغُ وَآكَدُ مِنْ نَفْيِ الشَّيْءِ مُبَاشَرَةً كَمَا تَقَدَّمَ مِرَارًا ، وَإِنْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ مَنْ أَعْرَبَهُ إِعْرَابًا آخَرَ لِقِصَرِ نَظَرِهِ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ ، دُونَ مَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الرَّدِّ ، أَيْ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ فِي عُلُوِّ شَأْنِهِ ، الْمُحَلَّى لَهُ فِي أُسْلُوبِهِ وَنَظْمِهِ ، وَعُلُومِهِ الْعَالِيَةِ ، وَحِكْمَتِهِ السَّامِيَةِ ، وَتَشْرِيعِهِ الْعَادِلِ ، وَآدَابِهِ الْمُثْلَى ، وَتَمْحِيصِهِ لِلْحَقَائِقِ الْإِلَهِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ ، وَإِنْبَائِهِ بِالْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ وَالْآتِيَةِ ، وَجَعْلِ الْمَقْصِدِ مِنْ إِصْلَاحِهِ مَا بَيَّنَهُ آنِفًا مِنَ اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَالْهُدَى ، وَاجْتِنَابِ الضَّلَالِ بِاتِّبَاعِ الْهَوَى ، وَالِاعْتِمَادِ فِيهِمَا عَلَى الْعِلْمِ الصَّحِيحِ - مَا كَانَ وَمَا صَحَّ وَلَا يُعْقَلُ أَنْ يَفْتَرِيَهُ أَحَدٌ عَلَى اللَّهِ مِنْ دُونِهِ وَيُسْنِدَهُ إِلَيْهِ ; إِذْ لَا يَقْدِرُ غَيْرُهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ بَشَرًا يَسْتَطِيعُ الْإِتْيَانَ بِمِثْلِهِ ، فَلَنْ يَكُونَ إِلَّا بَشَرًا أَرْقَى وَأَكْمَلَ مِنْ جَمِيعِ الْحُكَمَاءِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَكَذَا الْمَلَائِكَةِ وَمِثْلُهُ لَنْ يَفْتَرِيَ عَلَى اللَّهِ ، بَلْ قَالَ أَشَدُّ الْكُفَّارِ عِنَادًا وَعَدَاوَةً
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ
أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ : إِنَّ
مُحَمَّدًا لَمْ يَكْذِبْ عَلَى بَشَرٍ قَطُّ أَفَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ ؟ ! .
[ ص: 302 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) أَيْ وَلَكِنْ كَانَ تَصْدِيقَ الَّذِي سَبَقَهُ مِنَ الْوَحْيِ لِرُسُلِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِجْمَالِ
كَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِدَعْوَتِهِ إِلَى أُصُولِ دِينِ اللَّهِ الْإِسْلَامِ ، الَّتِي دَعَوْا إِلَيْهَا مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ، بَعْدَ أَنْ نَسِيَ بَعْضُ ذَلِكَ بَقَايَا أَتْبَاعِهِمْ وَضَلُّوا عَنْ بَعْضٍ ، وَشَوَّهُوهُ بِالتَّقَالِيدِ الْمُبْتَدَعَةِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ
مُحَمَّدٌ الْأُمِّيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، أَوْ تَصْدِيقَ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ جَاءَ وَفَاقًا لِمَا دَعَا بِهِ
إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ حَرَمِ اللَّهِ ، وَلِمَا بَشَّرَ بِهِ
مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ كَمَا بَيَّنَّاهُ بِالتَّفْصِيلِ ، فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ) ( 7 : 157 ) مِنْ جُزْءِ التَّفْسِيرِ التَّاسِعِ ، وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ ) الْإِلَهِيِّ أَيْ جِنْسِهِ ، وَهُوَ مَا شَرَّعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِيَكْتُبَ وَيَهْتَدِيَ بِهِ جَمِيعُ الْبَشَرِ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالشَّرَائِعِ وَالْعِبَرِ وَالْمَوَاعِظِ وَشُئُونِ الِاجْتِمَاعِ وَسُنَنِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37لَا رَيْبَ فِيهِ ) هُوَ لَا رَيْبَ فِيهِ ، أَوْ حَالَ كَوْنِهِ لَا رَيْبَ فِيهِ ، أَيْ لَيْسَ فِيهِ مَثَارٌ لِلشَّكِّ وَلَا مَوْضِعٌ لِلرَّيْبِ ; لِأَنَّهُ الْحَقُّ وَالْهُدَى مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ وَحْيِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) ( 4 : 82 ) .