nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير
جعل بعض المفسرين
nindex.php?page=treesubj&link=28973قوله - تعالى - : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284لله ما في السماوات وما في الأرض بمثابة الدليل على ما قبله .
وقال الأستاذ الإمام : الآية متصلة بقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=283ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم .
[ ص: 114 ] ويصح أن تكون متممة لها ؛ لأن مقتضى كونه عليما بكل شيء أن له كل شيء ، فهذا كالدليل على كونه عالما بكل شيء أي أنه عليم به ؛ لأنه له وهو خالقه فهو كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=14ألا يعلم من خلق [ 67 : 14 ] وبهذا الاستدلال يتقرر
nindex.php?page=treesubj&link=16071_16072النهي عن كتم الشهادة وكونه إثما يعاقب عليه ، وأكده بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله لدخول كتمان الشهادة في عموم ما في النفس ( قال ) ويصح أن تكون الآية متصلة بآية الدين من أولها ؛ لأنه شرع لنا أحكاما تتعلق بالدين كالكتابة والشهادة ، فكأنه يقول : إن تساهلتم في هذه الأحكام وأضعتم الحقوق فتظاهرتم بالأمانة مع انطواء النفس على الخيانة وغالطتم الناس وأكلتم أموالهم بذلك أو أضعتموها بكتمان الشهادة ونحو ذلك فإن الله يحاسبكم ويعاقبكم على ذلك ؛ لأن له ما في السماوات وما في الأرض ، ومنها أنتم وأعمالكم النفسية أو البدنية أقول : وجعلها بعضهم متعلقة بأحكام السورة كلها .
( قال ) والمراد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284ما في أنفسكم الأشياء الثابتة في أنفسكم وتصدر عنها أعمالكم كالحقد والحسد وألفة المنكرات التي يترتب عليها ترك النهي عن المنكر ، فإن السكوت عن النهي أمر كبير يحل الله عقوبته في الأمة بسببه وليس هو مجرد اتفاق السكوت ، وإنما هو باعتبار سببه في النفس وهو ألفة المنكر والأنس به وللإنسان عمل اختياري في نفسه هو الذي يحاسب عليه . نعم إن الخواطر والهواجس قد تأتي بغير إرادة الإنسان ولا يكون له فيها تعمد ولكنه إذا مضى معها واسترسل تحسب عليه عملا يجازى عليه ؛ لأنه سايرها مختارا وكان يقدر على مطاردتها وجهادها . وسواء كانت هذه الخواطر والهواجس صادرة عن ملكة في النفس تثيرها أو عن شيء لا يدخل في حيز الملكة . مثال ذلك الحسود تبعث ملكة الحسد في نفسه خواطر الانتقام من المحسود والسعي في إزالة نعمته لتمكنها في نفسه وامتلاكها لمنازع فكره ، وهذه الخواطر مما يحاسب عليها أبداها أو أخفاها إلا أن يجاهدها ويدافعها فذلك ما يكلفه .
ومثال الثاني المظلوم يذكر ظالمه فيشتغل فكره في دفع ظلمه والهرب من أذاه وربما استرسل مع خواطره إلى أن تجره إلى تدبير الحيل للإيقاع به ومقابلة ظلمه بما هو شر منه فيكون مؤاخذا عليها ، أبداها أو أخفاها وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=78لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه [ 5 : 78 و 79 ] وذلك أن فظاعة المنكر زالت من نفوسهم بالأنس بها من أول الأمر . وهكذا يقال في كل أعمال القلب التي أمرنا الشرع بمجاهدتها ولا يدخل في هذا ما يمر في النفس من الخواطر والوساوس كما قيل ، بنوا عليه أن الصحابة - رضي الله عنهم - شق عليهم العمل بالآية وشكوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - الوسوسة ; فنزلت الآية التي بعدها دفعا للحرج . ولفظ الآية يدفع هذا ؛ لأنها نص فيما هو ثابت في النفس ومتمكن منها كالأخلاق والملكات والعزائم القوية التي يترتب عليها العمل بأثرها فيها إذا انتفت الموانع وتركت المجاهدة . وكذلك يدفعه ما كان
[ ص: 115 ] عليه الصحابة الكرام من علو الهمة والأخذ بالعزائم ، وهم الذين كانوا يفهمون القرآن حق الفهم ويتأدبون به ويقيمونه كما يجب ، وما أبعدهم عن الاسترسال مع الوساوس والأوهام .
هذا ما قاله الأستاذ الإمام مفصلا وهو المتبادر من لفظ الآية ، لا شك أن ما يجازى عليه مما في النفس يعم الملكات الفاضلة والمقاصد الشريفة ، وإنما مثل هو وغيره بالحقد والحسد لمناسبة السياق ، ولهذا السياق خصه بعضهم بكتمان الشهادة ، وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ومجاهد . ورد ذلك الأكثرون بأنه مخالف لعموم اللفظ ، وخصه بعضهم بالكفار وهو تخصيص بلا مخصص أيضا ، وذهب الجمهور إلى أن الآية منسوخة بما بعدها . أخرج
أحمد ومسلم وأبو داود في ناسخه وغيرهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918847لما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284لله ما في السماوات وما في الأرض nindex.php?page=treesubj&link=28973_32265وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله اشتد ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جثوا على الركب ، فقالوا : يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزل الله هذه الآية ولا نطيقها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم : سمعنا وعصينا ؟ بل قولوا : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون [ 2 : 285 ] الآية . فلما فعلوا ذلك نسخها الله - تعالى - فأنزل nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ 2 : 286 ] إلى آخرها . وأخرج
أحمد ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس نحوه . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17063مروان الأصفر عن رجل من الصحابة أحسبه
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وإن تبدوا ما في أنفسكم الآية . قال نسخها ما بعدها ، واحتجوا للنسخ بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في الصحيحين والسنن
nindex.php?page=hadith&LINKID=918848إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به .
وأقول : ليس في هذه الروايات أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صرح بأن الآية منسوخة وإنما قصاراها أن بعض الصحابة فهم أنها نسخت ، والروايات عنهم في ذلك مختلفة والقول بالنسخ ممنوع من وجوه :
( أحدها ) أن قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284يحاسبكم به الله خبر ، والأخبار لا تنسخ كما هو معروف في علم الأصول .
( ثانيها ) أن كسب القلب وعمله مما دل الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس على ثبوته والجزاء عليه ، ظهر أثره على الجوارح أم لم يظهر ، وهو ما دلت عليه الآية فالقول بنسخها إبطال للشريعة ونسخ للدين كله ، أو إثبات لكونه دينا جثمانيا ماديا لا حظ للأرواح والقلوب منه . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=225لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم [ 2 : 225 ] وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا [ 17 : 36 ]
[ ص: 116 ] وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=19إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون [ 24 : 19 ] والحب من أعمال القلب الثابتة في النفس . فقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284ما في أنفسكم معناه ما ثبت واستقر في أنفسكم كما تقدم ، ويدخل فيه الكفر والأخلاق الراسخة والصفات الثابتة من الحب والبغض في الجور وكتمان الشهادة وقصد السوء أو سوء القصد وفساد النية وخبث السريرة ، وهذه الأعمال والصفات هي الأصل في الشقاوة وعليها مدار الحساب والجزاء ، ولولا أن للأعمال البدنية آثارا في النفس تزكيها أو تدسيها ، لما آخذ الله - تعالى - في الآخرة أحدا عليها ؛ لأنه - تعالى - لا يعاقب الناس حبا في الانتقام ولا يظلم نفسا شيئا ، ولكنه جعل سنته في الإنسان أن يرتقي أو يتسفل نفسا وعقلا بالعمل ؛ فلهذا كان العمل مجزيا عليه في الآخرة ، فإن أثره في النفس هو متعلق الجزاء .
( ثالثها ) أن الخواطر السانحة والوساوس العارضة وحديث النفس الذي لا يصل إلى درجة القصد الثابت والعزم الراسخ لا يدخل في مفهوم الآية كما قال المحققون واختاره الأستاذ الإمام كما تقدم ؛ لأن ما ذكر غير ثابت ولا مستقر وقوله : في أنفسكم يفيد الثبات والاستقرار وإنما كان هذا وجها لإبطال النسخ ؛ لأنه إذا ثبت أن ما ذكر داخل في الآية فلقائل أن يقول : إن الآية خبر يفيد النهي عن هذه الخواطر والوساوس في المعنى ، فهو من تكليف ما لا يطاق فيجب أن يكون قوله بعده :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ناسخا له ; وبهذا تعلم أن حديث التجاوز عن حديث النفس لا ينافي الآية ولا يصح دعامة للقول بنسخها .
( رابعها ) أن تكليف ما ليس في الوسع ينافي الحكمة الإلهية البالغة والرحمة الربانية السابغة ، فهو لم يقع فيقال : إن الآية منه ، ونسخت بما بعده .
( خامسها ) المعقول في النسخ أن يشرع حكم يوافق مصلحة المكلفين ، ثم يأتي زمن أو تطرأ حال يكون ذلك الحكم فيه مخالفا للمصلحة وكون ما في النفس يحاسب عليه من الحقائق التي لا تختلف باختلاف الأزمنة والأحوال .
فإن قيل : إذا كان معنى الآية ما ذكرت ، فلماذا قال الصحابة فيها ما قالوا ؟ أقول : إن الصحابة عليهم الرضوان قد دخلوا في الإسلام وأكثرهم رجال قد تربوا في حجر الجاهلية ، وانطبعت في نفوسهم قبله أخلاقها ، وأثرت في قلوبهم عادتها فكانوا يتزكون منها ، ويتطهرون من لوثها تدريجا بزيادة الإيمان ، كلما نزل شيء من القرآن وباتباع الرسول ، فيما يفعل ويقول ، فلما نزلت هذه الآية خافوا أن يؤاخذوا على ما كان لا يزال باقيا في أنفسهم من أثر التربية الجاهلية الأولى ، وناهيك بما كانوا عليه من الخوف من الله - عز وجل - واعتقاد النقص في أنفسهم حتى بعد كمال التزكية وتمام الطهارة حتى كان مثل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يسأل
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان : " هل يجد فيه شيئا من علامات النفاق " .
[ ص: 117 ] فأخبرهم الله - تعالى - بأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها ، ولا يؤاخذها إلا على ما كلفها ، فهم مكلفون بتزكية أنفسهم ومجاهدتها بقدر الاستطاعة والطاقة وطلب العفو عما لا طاقة لهم به ، كما سيأتي تفصيله ، ولا يبعد أن يكون بعضهم قد خاف أن تدخل الوسوسة والشبهة قبل التمكن من دفعها في عموم الآية ، فكان ما بعدها مبينا لغلطهم في ذلك ، وأما تسمية بعضهم ذلك نسخا فقد أجاب عنه بعض المفسرين : بأنه عبر بالنسخ عن البيان والإيضاح تجوزا . وذلك أن تقول : إن المراد به النسخ اللغوي وهو الإزالة والتحويل لا الاصطلاحي ; أي إن الآية الثانية كانت مزيلة لما أخافهم من الأولى أو محولة له إلى وجه آخر ، ويحتمل أن يكون الصحابي لم ينطق بلفظ النسخ ، وإنما فهمه الراوي من القصة فذكره ، وكثيرا ما يروون الأحاديث المرفوعة بالمعنى على أنه ليس من النص المرفوع ، ورأي الصحابي ليس بحجة عند الجماهير ، لا سيما إذا خالف ظاهره الكتاب ، وإنني لا أعتقد صحة سند حديث ولا قول عالم صحابي يخالف ظاهر القرآن ، وإن وثقوا رجاله فرب راو يوثق للاغترار بظاهر حاله ، وهو سيئ الباطن ولو انتقدت الروايات من جهة فحوى متنها كما تنتقد من جهة سندها لقضت المتون على كثير من الأسانيد بالنقض . وقد قالوا : إن من
nindex.php?page=treesubj&link=29120علامة الحديث الموضوع مخالفته لظاهر القرآن أو القواعد المقررة في الشريعة أو للبرهان العقلي أو للحس والعيان وسائر اليقينيات .
أما إبداء ما في النفس فهو إظهاره بالقول أو بالفعل ، وأما إخفاؤه فهو ضده والإبداء والإخفاء سيان عند الله - تعالى - ؛ لأنه
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=19يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور [ 40 : 19 ] فالمدار في مرضاته على تزكية النفس وطهارة السريرة لا على لوك اللسان وحركات الأبدان ، وأما المحاسبة فهي على ظاهرها وإن فسرها بعض بالعلم ، وبعض بالجزاء الذي هو غبها ولازمها ، ذلك أن للنفوس في اعتقاداتها وملكاتها وعزائمها وإرادتها موازين يعرف بها يوم الدين رجحان الحق والخير أو الباطل والشر هي أدق مما وضع البشر من موازين الأعيان وموازين الأعراض كالحر والبرد
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [ 21 : 47 ] وسيأتي قول الأستاذ الإمام في الحساب والجزاء .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء أي فهو بما له من الملك المطلق يغفر لمن يشاء أن يغفر له ويعذب من شاء عذابه . وقرأ غير
ابن عامر وعاصم ويعقوب بجزم : ( يغفر ويعذب ) . بالعطف على يحاسبكم وإنما يشاء ما فيه الرحمة والعدل والحكمة ، والأصل في العدل أن يكون الجزاء السيئ على قدر الإساءة وتأثيرها في تدسية نفوس المسيئين ، والجزاء الحسن على قدر الإحسان وتأثيره في أرواح المحسنين ، ولكنه - تعالى - برحمته وفضله يضاعف جزاء الحسنة عشرة أضعاف ويزيد من يشاء ولا يضاعف السيئة ، والآيات المفصلة في هذا
[ ص: 118 ] المعنى كثيرة وبها يفسر المجمل . وقد بينا معنى المغفرة غير مرة بإيضاح ، وحسبك هنا أن تعلم أن الذنب المغفور : هو الذي يوفق الله صاحبه لعمل صالح يغلب أثره في النفس ، والجاهل بهدي الكتاب يحسب أن الأمر فوضى ، والكيل جزاف ويمني نفسه بالمغفرة على إصراره وإقامته على أوزاره ، ألم يقرأ في دعاء الملائكة للمؤمنين :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=9وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم [ 40 : 7 - 9 ] وقال الأستاذ الإمام : شأن الله - تعالى - في المحاسبة أن يذكر الإنسان أو يسأله : لم فعلت ؟ فبعد أن يرى العبد أعماله الظاهرة والباطنة يغفر أو يعذب ، فمن الناس من لم تصل أعماله المنكرة إلى أن تكون ملكات له فالله - سبحانه - يغفرها له ، ومنهم من تكون ملكات له فهو يعاقبه عليها وهو يفعل ما يشاء ويختار . وقد يظن من لا يؤمن بالكتاب كله أن في هذا سبيلا للمروق من التكليف ؛ لأن أمر المغفرة والتعذيب موكول للمشيئة ، والرجاء فيه أكبر وهذا ضلال عن فهم الكتاب بالمرة ، فالآية إنذار وتخويف ليس فيها موضع للقطع بمغفرة ذنب ما وإن كان صغيرا ، أقول : وقد ذكرني قوله بكلمة
لأبي الحسن الشاذلي .
قال : " وقد أبهمت الأمر علينا نرجو ونخاف فآمن خوفنا ولا تخيب رجاءنا " وهذا من أحسن الدعاء ، وقد قرر ما ذكر من تعليق الأمر بالمشيئة واحتج عليه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284والله على كل شيء قدير أي فهو بقدرته ينفذ ما تعلقت به مشيئته ، فنسأله العناية والتوفيق والهداية لأقوم طريق .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
جَعَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ
nindex.php?page=treesubj&link=28973قَوْلَهُ - تَعَالَى - : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ بِمَثَابَةِ الدَّلِيلِ عَلَى مَا قَبْلُهُ .
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=283وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ .
[ ص: 114 ] وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مُتَمِّمَةً لَهَا ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ عَلِيمًا بِكُلِّ شَيْءٍ أَنَّ لَهُ كُلَّ شَيْءٍ ، فَهَذَا كَالدَّلِيلِ عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِكُلِّ شَيْءٍ أَيْ أَنَّهُ عَلِيمٌ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَهُ وَهُوَ خَالِقُهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=14أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ [ 67 : 14 ] وَبِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ يَتَقَرَّرُ
nindex.php?page=treesubj&link=16071_16072النَّهْيُ عَنْ كَتْمِ الشَّهَادَةِ وَكَوْنُهُ إِثْمًا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ ، وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ لِدُخُولِ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ فِي عُمُومِ مَا فِي النَّفْسِ ( قَالَ ) وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مُتَّصِلَةً بِآيَةِ الدَّيْنِ مِنْ أَوَّلِهَا ؛ لِأَنَّهُ شَرَّعَ لَنَا أَحْكَامًا تَتَعَلَّقُ بِالدَّيْنِ كَالْكِتَابَةِ وَالشَّهَادَةِ ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ : إِنْ تَسَاهَلْتُمْ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَأَضَعْتُمُ الْحُقُوقَ فَتَظَاهَرْتُمْ بِالْأَمَانَةِ مَعَ انْطِوَاءِ النَّفْسِ عَلَى الْخِيَانَةِ وَغَالَطْتُمُ النَّاسَ وَأَكَلْتُمْ أَمْوَالَهُمْ بِذَلِكَ أَوْ أَضَعْتُمُوهَا بِكِتْمَانِ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ يُحَاسِبُكُمْ وَيُعَاقِبُكُمْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ، وَمِنْهَا أَنْتُمْ وَأَعْمَالُكُمُ النَّفْسِيَّةُ أَوِ الْبَدَنِيَّةُ أَقُولُ : وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ مُتَعَلِّقَةً بِأَحْكَامِ السُّورَةِ كُلِّهَا .
( قَالَ ) وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284مَا فِي أَنْفُسِكُمْ الْأَشْيَاءُ الثَّابِتَةُ فِي أَنْفُسِكُمْ وَتَصْدُرُ عَنْهَا أَعْمَالُكُمْ كَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَأُلْفَةِ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا تَرْكُ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، فَإِنَّ السُّكُوتَ عَنِ النَّهْيِ أَمْرٌ كَبِيرٌ يَحِلُّ اللَّهُ عُقُوبَتَهُ فِي الْأُمَّةِ بِسَبَبِهِ وَلَيْسَ هُوَ مُجَرَّدَ اتِّفَاقِ السُّكُوتِ ، وَإِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ فِي النَّفْسِ وَهُوَ أُلْفَةُ الْمُنْكِرِ وَالْأُنْسُ بِهِ وَلِلْإِنْسَانِ عَمَلٌ اخْتِيَارِيٌّ فِي نَفْسِهِ هُوَ الَّذِي يُحَاسَبُ عَلَيْهِ . نَعَمْ إِنَّ الْخَوَاطِرَ وَالْهَوَاجِسَ قَدْ تَأْتِي بِغَيْرِ إِرَادَةِ الْإِنْسَانِ وَلَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا تَعَمُّدٌ وَلَكِنَّهُ إِذَا مَضَى مَعَهَا وَاسْتَرْسَلَ تُحْسَبُ عَلَيْهِ عَمَلًا يُجَازَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ سَايَرَهَا مُخْتَارًا وَكَانَ يَقْدِرُ عَلَى مُطَارَدَتِهَا وَجِهَادِهَا . وَسَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْخَوَاطِرُ وَالْهَوَاجِسُ صَادِرَةً عَنْ مَلَكَةٍ فِي النَّفْسِ تُثِيرُهَا أَوْ عَنْ شَيْءٍ لَا يَدْخُلُ فِي حَيِّزِ الْمَلَكَةِ . مِثَالُ ذَلِكَ الْحَسُودُ تَبْعَثُ مَلَكَةُ الْحَسَدِ فِي نَفْسِهِ خَوَاطِرَ الِانْتِقَامِ مِنَ الْمَحْسُودِ وَالسَّعْيِ فِي إِزَالَةِ نِعْمَتِهِ لِتَمَكُّنِهَا فِي نَفْسِهِ وَامْتِلَاكِهَا لِمَنَازِعِ فِكْرِهِ ، وَهَذِهِ الْخَوَاطِرُ مِمَّا يُحَاسَبُ عَلَيْهَا أَبْدَاهَا أَوْ أَخْفَاهَا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَهَا وَيُدَافِعَهَا فَذَلِكَ مَا يُكَلَّفُهُ .
وَمِثَالُ الثَّانِي الْمَظْلُومُ يَذْكُرُ ظَالِمَهُ فَيَشْتَغِلُ فِكْرُهُ فِي دَفْعِ ظُلْمِهِ وَالْهَرَبِ مِنْ أَذَاهُ وَرُبَّمَا اسْتَرْسَلَ مَعَ خَوَاطِرِهِ إِلَى أَنْ تَجُرَّهُ إِلَى تَدْبِيرِ الْحِيَلِ لِلْإِيقَاعِ بِهِ وَمُقَابَلَةِ ظُلْمِهِ بِمَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ فَيَكُونُ مُؤَاخَذًا عَلَيْهَا ، أَبْدَاهَا أَوْ أَخْفَاهَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=78لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ [ 5 : 78 و 79 ] وَذَلِكَ أَنَّ فَظَاعَةَ الْمُنْكَرِ زَالَتْ مِنْ نُفُوسِهِمْ بِالْأُنْسِ بِهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ . وَهَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ أَعْمَالِ الْقَلْبِ الَّتِي أَمَرَنَا الشَّرْعُ بِمُجَاهَدَتِهَا وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا مَا يَمُرُّ فِي النَّفْسِ مِنَ الْخَوَاطِرِ وَالْوَسَاوِسِ كَمَا قِيلَ ، بَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - شَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَمَلُ بِالْآيَةِ وَشَكَوْا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَسْوَسَةَ ; فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ . وَلَفْظُ الْآيَةِ يَدْفَعُ هَذَا ؛ لِأَنَّهَا نَصٌّ فِيمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي النَّفْسِ وَمُتَمَكِّنٌ مِنْهَا كَالْأَخْلَاقِ وَالْمَلَكَاتِ وَالْعَزَائِمِ الْقَوِيَّةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْعَمَلُ بِأَثَرِهَا فِيهَا إِذَا انْتَفَتِ الْمَوَانِعُ وَتُرِكَتِ الْمُجَاهَدَةُ . وَكَذَلِكَ يَدْفَعُهُ مَا كَانَ
[ ص: 115 ] عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ مِنْ عُلُوِّ الْهِمَّةِ وَالْأَخْذِ بِالْعَزَائِمِ ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَفْهَمُونَ الْقُرْآنَ حَقَّ الْفَهْمِ وَيَتَأَدَّبُونَ بِهِ وَيُقِيمُونَهُ كَمَا يَجِبُ ، وَمَا أَبْعَدَهُمْ عَنِ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ الْوَسَاوِسِ وَالْأَوْهَامِ .
هَذَا مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مُفَصَّلًا وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الْآيَةِ ، لَا شَكَّ أَنَّ مَا يُجَازَى عَلَيْهِ مِمَّا فِي النَّفْسِ يَعُمُّ الْمَلَكَاتِ الْفَاضِلَةَ وَالْمَقَاصِدَ الشَّرِيفَةَ ، وَإِنَّمَا مُثِّلَ هُوَ وَغَيْرُهُ بِالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ لِمُنَاسَبَةِ السِّيَاقِ ، وَلِهَذَا السِّيَاقِ خَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِكِتْمَانِ الشَّهَادَةِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ . وَرَدَّ ذَلِكَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِعُمُومِ اللَّفْظِ ، وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالْكُفَّارِ وَهُوَ تَخْصِيصٌ بِلَا مُخَصَّصٍ أَيْضًا ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِمَا بَعْدَهَا . أَخْرَجَ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918847لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ nindex.php?page=treesubj&link=28973_32265وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَثَوْا عَلَى الرُّكَبِ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ : الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَلَا نُطِيقُهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ قَبْلِكُمْ : سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ؟ بَلْ قُولُوا : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ وَذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَثَرِهَا nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ [ 2 : 285 ] الْآيَةَ . فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - فَأَنْزَلَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [ 2 : 286 ] إِلَى آخِرِهَا . وَأَخْرَجَ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ . وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17063مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحْسَبُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ الْآيَةَ . قَالَ نَسَخَهَا مَا بَعْدَهَا ، وَاحْتَجُّوا لِلنَّسْخِ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=918848إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ .
وَأَقُولُ : لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَّحَ بِأَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ وَإِنَّمَا قُصَارَاهَا أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ فَهِمَ أَنَّهَا نُسِخَتْ ، وَالرِّوَايَاتُ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ وَالْقَوْلُ بِالنُّسَخِ مَمْنُوعٌ مِنْ وُجُوهٍ :
( أَحَدُهَا ) أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ خَبَرٌ ، وَالْأَخْبَارُ لَا تُنْسَخُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ .
( ثَانِيهَا ) أَنَّ كَسْبَ الْقَلْبِ وَعَمَلَهُ مِمَّا دَلَّ الْكِتَابُ ، وَالسُّنَّةُ ، وَالْإِجْمَاعُ ، وَالْقِيَاسُ عَلَى ثُبُوتِهِ وَالْجَزَاءِ عَلَيْهِ ، ظَهَرَ أَثَرُهُ عَلَى الْجَوَارِحِ أَمْ لَمْ يَظْهَرْ ، وَهُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ فَالْقَوْلُ بِنَسْخِهَا إِبْطَالٌ لِلشَّرِيعَةِ وَنَسْخٌ لِلدِّينِ كُلِّهِ ، أَوْ إِثْبَاتٌ لِكَوْنِهِ دِينًا جُثْمَانِيًّا مَادِّيًّا لَا حَظَّ لِلْأَرْوَاحِ وَالْقُلُوبِ مِنْهُ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=225لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [ 2 : 225 ] وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [ 17 : 36 ]
[ ص: 116 ] وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=19إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [ 24 : 19 ] وَالْحُبُّ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ الثَّابِتَةِ فِي النَّفْسِ . فَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284مَا فِي أَنْفُسِكُمْ مَعْنَاهُ مَا ثَبَتَ وَاسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَفْرُ وَالْأَخْلَاقُ الرَّاسِخَةُ وَالصِّفَاتُ الثَّابِتَةُ مِنَ الْحُبِّ وَالْبُغْضِ فِي الْجَوْرِ وَكِتْمَانِ الشَّهَادَةِ وَقَصْدِ السُّوءِ أَوْ سُوءِ الْقَصْدِ وَفَسَادِ النِّيَّةِ وَخُبْثِ السَّرِيرَةِ ، وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ وَالصِّفَاتُ هِيَ الْأَصْلُ فِي الشَّقَاوَةِ وَعَلَيْهَا مَدَارُ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ ، وَلَوْلَا أَنَّ لِلْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ آثَارًا فِي النَّفْسِ تُزَكِّيهَا أَوْ تُدَسِّيهَا ، لَمَا آخَذَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي الْآخِرَةِ أَحَدًا عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - لَا يُعَاقِبُ النَّاسَ حُبًّا فِي الِانْتِقَامِ وَلَا يَظْلِمُ نَفْسًا شَيْئًا ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ سُنَّتَهُ فِي الْإِنْسَانِ أَنْ يَرْتَقِيَ أَوْ يَتَسَفَّلَ نَفْسًا وَعَقْلًا بِالْعَمَلِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْعَمَلُ مَجْزِيًّا عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ ، فَإِنَّ أَثَرَهُ فِي النَّفْسِ هُوَ مُتَعَلَّقُ الْجَزَاءِ .
( ثَالِثُهَا ) أَنَّ الْخَوَاطِرَ السَّانِحَةَ وَالْوَسَاوِسَ الْعَارِضَةَ وَحَدِيثَ النَّفْسِ الَّذِي لَا يَصِلُ إِلَى دَرَجَةِ الْقَصْدِ الثَّابِتِ وَالْعَزْمِ الرَّاسِخِ لَا يَدْخُلُ فِي مَفْهُومِ الْآيَةِ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ وَاخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ كَمَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَلَا مُسْتَقِرٌّ وَقَوْلُهُ : فِي أَنْفُسِكُمْ يُفِيدُ الثَّبَاتَ وَالِاسْتِقْرَارَ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا وَجْهًا لِإِبْطَالِ النَّسْخِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَا ذُكِرَ دَاخِلٌ فِي الْآيَةِ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ الْآيَةَ خَبَرٌ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ هَذِهِ الْخَوَاطِرِ وَالْوَسَاوِسِ فِي الْمَعْنَى ، فَهُوَ مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا نَاسِخًا لَهُ ; وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ حَدِيثَ التَّجَاوُزِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ لَا يُنَافِي الْآيَةَ وَلَا يَصِحُّ دِعَامَةً لِلْقَوْلِ بِنَسْخِهَا .
( رَابِعُهَا ) أَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ يُنَافِي الْحِكْمَةَ الْإِلَهِيَّةَ الْبَالِغَةَ وَالرَّحْمَةَ الرَّبَّانِيَّةَ السَّابِغَةَ ، فَهُوَ لَمْ يَقَعْ فَيُقَالُ : إِنَّ الْآيَةَ مِنْهُ ، وَنُسِخَتْ بِمَا بَعْدَهُ .
( خَامِسُهَا ) الْمَعْقُولُ فِي النَّسْخِ أَنْ يُشْرَعَ حُكْمٌ يُوَافِقُ مَصْلَحَةَ الْمُكَلَّفِينَ ، ثُمَّ يَأْتِي زَمَنٌ أَوْ تَطْرَأُ حَالٌ يَكُونُ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ مُخَالِفًا لِلْمَصْلَحَةِ وَكَوْنُ مَا فِي النَّفْسِ يُحَاسَبُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقَائِقِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ .
فَإِنْ قِيلَ : إِذَا كَانَ مَعْنَى الْآيَةِ مَا ذَكَرْتَ ، فَلِمَاذَا قَالَ الصَّحَابَةُ فِيهَا مَا قَالُوا ؟ أَقُولُ : إِنَّ الصَّحَابَةَ عَلَيْهِمُ الرِّضْوَانُ قَدْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَأَكْثَرُهُمْ رِجَالٌ قَدْ تَرَبَّوْا فِي حِجْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَانْطَبَعَتْ فِي نُفُوسِهِمْ قَبْلَهُ أَخْلَاقُهَا ، وَأَثَّرَتْ فِي قُلُوبِهِمْ عَادَتُهَا فَكَانُوا يَتَزَكُّونَ مِنْهَا ، وَيَتَطَهَّرُونَ مَنْ لَوَثِهَا تَدْرِيجًا بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ ، كُلَّمَا نَزَلَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَبِاتِّبَاعِ الرَّسُولِ ، فِيمَا يَفْعَلُ وَيَقُولُ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ خَافُوا أَنْ يُؤَاخَذُوا عَلَى مَا كَانَ لَا يَزَالُ بَاقِيًا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَثَرِ التَّرْبِيَةِ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ، وَنَاهِيكَ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَاعْتِقَادِ النَّقْصِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى بَعْدَ كَمَالِ التَّزْكِيَةِ وَتَمَامِ الطَّهَارَةِ حَتَّى كَانَ مِثْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ : " هَلْ يَجِدُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ " .
[ ص: 117 ] فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِأَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ، وَلَا يُؤَاخِذُهَا إِلَّا عَلَى مَا كَلَّفَهَا ، فَهُمْ مُكَلَّفُونَ بِتَزْكِيَةِ أَنْفُسِهِمْ وَمُجَاهَدَتِهَا بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ وَالطَّاقَةِ وَطَلَبِ الْعَفْوِ عَمَّا لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَافَ أَنْ تَدْخُلَ الْوَسْوَسَةُ وَالشُّبْهَةُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ دَفْعِهَا فِي عُمُومِ الْآيَةِ ، فَكَانَ مَا بَعْدَهَا مُبَيِّنًا لِغَلَطِهِمْ فِي ذَلِكَ ، وَأَمَّا تَسْمِيَةُ بَعْضِهِمْ ذَلِكَ نَسْخًا فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالنَّسْخِ عَنِ الْبَيَانِ وَالْإِيضَاحِ تَجَوُّزًا . وَذَلِكَ أَنْ تَقُولَ : إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّسْخُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْإِزَالَةُ وَالتَّحْوِيلُ لَا الِاصْطِلَاحِيُّ ; أَيْ إِنَّ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ كَانَتْ مُزِيلَةً لِمَا أَخَافَهُمْ مِنَ الْأُولَى أَوْ مُحَوِّلَةً لَهُ إِلَى وَجْهٍ آخَرَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابِيُّ لَمْ يَنْطِقْ بِلَفْظِ النَّسْخِ ، وَإِنَّمَا فَهِمَهُ الرَّاوِي مِنَ الْقِصَّةِ فَذَكَرَهُ ، وَكَثِيرًا مَا يَرْوُونَ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ بِالْمَعْنَى عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّصِّ الْمَرْفُوعِ ، وَرَأْيُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ ، لَا سِيَّمَا إِذَا خَالَفَ ظَاهِرُهُ الْكِتَابَ ، وَإِنَّنِي لَا أَعْتَقِدُ صِحَّةَ سَنَدِ حَدِيثٍ وَلَا قَوْلِ عَالَمٍ صَحَابِيٍّ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ ، وَإِنْ وَثَّقُوا رِجَالَهُ فَرُبَّ رَاوٍ يُوَثَّقُ لِلِاغْتِرَارِ بِظَاهِرِ حَالِهِ ، وَهُوَ سَيِّئُ الْبَاطِنِ وَلَوِ انْتُقِدَتِ الرِّوَايَاتُ مِنْ جِهَةِ فَحْوَى مَتْنِهَا كَمَا تُنْتَقَدُ مِنْ جِهَةِ سَنَدِهَا لَقَضَتِ الْمُتُونُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْأَسَانِيدِ بِالنَّقْضِ . وَقَدْ قَالُوا : إِنَّ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29120عَلَامَةِ الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ مُخَالَفَتُهُ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَوِ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الشَّرِيعَةِ أَوْ لِلْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ أَوْ لِلْحِسِّ وَالْعِيَانِ وَسَائِرِ الْيَقِينِيَّاتِ .
أَمَّا إِبْدَاءُ مَا فِي النَّفْسِ فَهُوَ إِظْهَارُهُ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ ، وَأَمَّا إِخْفَاؤُهُ فَهُوَ ضِدُّهُ وَالْإِبْدَاءُ وَالْإِخْفَاءُ سِيَّانِ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - ؛ لِأَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=19يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [ 40 : 19 ] فَالْمَدَارُ فِي مَرْضَاتِهِ عَلَى تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَطَهَارَةِ السَّرِيرَةِ لَا عَلَى لَوْكِ اللِّسَانِ وَحَرَكَاتِ الْأَبْدَانِ ، وَأَمَّا الْمُحَاسَبَةُ فَهِيَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَإِنْ فَسَّرَهَا بَعْضٌ بِالْعِلْمِ ، وَبَعْضٌ بِالْجَزَاءِ الَّذِي هُوَ غِبُّهَا وَلَازِمُهَا ، ذَلِكَ أَنَّ لِلنُّفُوسِ فِي اعْتِقَادَاتِهَا وَمَلَكَاتِهَا وَعَزَائِمِهَا وَإِرَادَتِهَا مَوَازِينَ يُعْرَفُ بِهَا يَوْمَ الدِّينِ رُجْحَانُ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ أَوِ الْبَاطِلِ وَالشَّرِّ هِيَ أَدَقُّ مِمَّا وَضَعَ الْبَشَرُ مِنْ مَوَازِينِ الْأَعْيَانِ وَمَوَازِينِ الْأَعْرَاضِ كَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [ 21 : 47 ] وَسَيَأْتِي قَوْلُ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ فِي الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ أَيْ فَهُوَ بِمَا لَهُ مِنَ الْمُلْكِ الْمُطْلَقِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَيُعَذِّبُ مَنْ شَاءَ عَذَابَهُ . وَقَرَأَ غَيْرُ
ابْنِ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ بِجَزْمِ : ( يَغْفِرْ وَيُعَذِّبْ ) . بِالْعَطْفِ عَلَى يُحَاسِبْكُمْ وَإِنَّمَا يَشَاءُ مَا فِيهِ الرَّحْمَةُ وَالْعَدْلُ وَالْحِكْمَةُ ، وَالْأَصْلُ فِي الْعَدْلِ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ السَّيِّئُ عَلَى قَدْرِ الْإِسَاءَةِ وَتَأْثِيرِهَا فِي تَدْسِيَةِ نُفُوسِ الْمُسِيئِينَ ، وَالْجَزَاءُ الْحَسَنُ عَلَى قَدْرِ الْإِحْسَانِ وَتَأْثِيرِهِ فِي أَرْوَاحِ الْمُحْسِنِينَ ، وَلَكِنَّهُ - تَعَالَى - بِرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ يُضَاعِفُ جَزَاءَ الْحَسَنَةِ عَشَرَةَ أَضْعَافٍ وَيَزِيدُ مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُضَاعِفُ السَّيِّئَةَ ، وَالْآيَاتُ الْمُفَصَّلَةُ فِي هَذَا
[ ص: 118 ] الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ وَبِهَا يُفَسَّرُ الْمُجْمَلُ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَغْفِرَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ بِإِيضَاحٍ ، وَحَسْبُكَ هُنَا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الذَّنْبَ الْمَغْفُورَ : هُوَ الَّذِي يُوَفِّقِ اللَّهُ صَاحِبَهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ يَغْلِبُ أَثَرُهُ فِي النَّفْسِ ، وَالْجَاهِلُ بِهَدْيِ الْكِتَابِ يَحْسَبُ أَنَّ الْأَمْرَ فَوْضَى ، وَالْكَيْلَ جُزَافٌ وَيُمَنِّي نَفْسَهُ بِالْمَغْفِرَةِ عَلَى إِصْرَارِهِ وَإِقَامَتِهِ عَلَى أَوْزَارِهِ ، أَلَمْ يَقْرَأْ فِي دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=9وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ 40 : 7 - 9 ] وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : شَأْنُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْمُحَاسَبَةِ أَنْ يُذَكِّرَ الْإِنْسَانَ أَوْ يَسْأَلَهُ : لِمَ فَعَلْتَ ؟ فَبَعْدَ أَنْ يَرَى الْعَبْدُ أَعْمَالَهُ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ يَغْفِرُ أَوْ يُعَذِّبُ ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَمْ تَصِلْ أَعْمَالُهُ الْمُنْكَرَةُ إِلَى أَنْ تَكُونَ مَلَكَاتٍ لَهُ فَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ - يَغْفِرُهَا لَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَكُونُ مَلَكَاتٍ لَهُ فَهُوَ يُعَاقِبُهُ عَلَيْهَا وَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ . وَقَدْ يَظُنُّ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ أَنَّ فِي هَذَا سَبِيلًا لِلْمُرُوقِ مِنَ التَّكْلِيفِ ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْمَغْفِرَةِ وَالتَّعْذِيبِ مَوْكُولٌ لِلْمَشِيئَةِ ، وَالرَّجَاءُ فِيهِ أَكْبَرُ وَهَذَا ضَلَالٌ عَنْ فَهْمِ الْكِتَابِ بِالْمَرَّةِ ، فَالْآيَةُ إِنْذَارٌ وَتَخْوِيفٌ لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعٌ لِلْقَطْعِ بِمَغْفِرَةِ ذَنْبٍ مَا وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا ، أَقُولُ : وَقَدْ ذَكَّرَنِي قَوْلُهُ بِكَلِمَةٍ
لِأَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ .
قَالَ : " وَقَدْ أَبْهَمْتَ الْأَمْرَ عَلَيْنَا نَرْجُو وَنَخَافُ فَآمِنْ خَوْفَنَا وَلَا تُخَيِّبْ رَجَاءَنَا " وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الدُّعَاءِ ، وَقَدْ قَرَّرَ مَا ذُكِرَ مِنْ تَعْلِيقِ الْأَمْرِ بِالْمَشِيئَةِ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَيْ فَهُوَ بِقُدْرَتِهِ يُنَفِّذُ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ مَشِيئَتُهُ ، فَنَسْأَلُهُ الْعِنَايَةَ وَالتَّوْفِيقَ وَالْهِدَايَةَ لِأَقْوَمِ طَرِيقٍ .