[ ص: 103 ] ( بسم الله الرحمن الرحيم )
nindex.php?page=treesubj&link=28973 ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين )
( الم ) هو وأمثاله أسماء للسور المبتدأة به ، ولا يضر وضع الاسم الواحد كـ ( الم ) لعدة سور ؛ لأنه من المشترك الذي يعين معناه اتصاله بمسماه ، وحكمة التسمية والاختلاف في ( الم ) و ( المص ) نفوض الأمر إلى المسمي سبحانه وتعالى ( ( ويسعنا في ذلك ما وسع صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتابعيهم ، وليس من الدين في شيء أن يتنطع متنطع فيخترع ما يشاء من العلل التي قلما يسلم مخترعها من الزلل ) ) .
هذا ملخص ما قاله شيخنا الأستاذ الإمام ، وأقول الآن :
أولا - إن هذه الحروف تقرأ مقطعة بذكر أسمائها لا مسمياتها ، فنقول : ألف ، لام ، ميم ، ساكنة الأواخر ؛ لأنها غير داخلة في تركيب الكلام فتعرب بالحركات .
ثانيا - إن عدم إعرابها يرجح أن حكمة افتتاح بعض السور المخصوصة بها للتنبيه لما يأتي بعدها مباشرة من وصف القرآن والإشارة إلى إعجازه ؛ لأن المكي منها كان يتلى على المشركين للدعوة إلى الإسلام ، ومثل هذه السورة وما بعدها لدعوة أهل الكتاب إليه وإقامة الحجج عليهم به ، وسيأتي توضيح ذلك بالتفصيل في تفسير أول سورة ( المص - الأعراف ) .
ثالثا - اقتصر على جعل حكمتها الإشارة إلى إعجاز القرآن بعض المحققين من علماء اللغة وفنونها :
كالفراء ،
وقطرب ،
nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري ، وبعض علماء الحديث : كشيخ الإسلام
أحمد تقي الدين بن تيمية ،
والحافظ المزي ، وأطال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في بيانه وتوجيهه بما يراجع في كشافه ، وفي تفسير
البيضاوي وغيره .
رابعا - إن أضعف ما قيل في هذه الحروف وأسخفه أن المراد بها الإشارة بأعدادها في حساب الجمل إلى مدة هذه الأمة أو ما يشابه ذلك ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق حديثا في ذلك عن بعض
[ ص: 104 ] اليهود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ضعيف من رواية
الكلبي عن
أبي صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله .
خامسا - يقرب من هذا ما عني به بعض
الشيعة من حذف المكرر من هذه الحروف وصياغة جمل مما بقي منها في مدح علي المرتضى - كرم الله وجهه - أو تفضيله وترجيح خلافته ، وقوبلوا بجمل أخرى مثلها تنقض ذلك كما وضحناه في مقالاتنا ( المصلح والمقلد ) .
سادسا - إنه لا يزال يوجد في الناس - حتى علماء التاريخ واللغات منهم - من يرى أن في هذه الحروف رموزا إلى بعض الحقائق الدينية والتاريخية ستظهره الأيام .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب ) الكتاب بمعنى المكتوب : وهو اسم جنس لما يكتب ، والمراد بالكتاب هذه الرقوم والنقوش ذات المعاني ، والإشارة تفيد التعيين الشخصي أو النوعي . وليس المراد هنا نوعا من أنواع الكتب ، بل المراد كتاب معروف معهود للنبي - صلى الله عليه وسلم - بوصفه ، وذلك العهد مبني على صدق الوعد من الله بأنه يؤيده بكتاب ( تام كامل كافل لطلاب الحق بالهداية والإرشاد في جميع شئون المعاش والمعاد ) فأشار بذلك إليه ، ولا يضر أنه لم يكن موجودا ( كله وقت نزول أمثال هذه الإشارة ، فقد يكفي في صحتها وجود البعض ، وقد كان نزل من القرآن جملة عظيمة قبل نزول أول هذه السورة وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابتها فكتبت وحفظت ، فالإشارة إليها إشارة إليه ) بل يكفي في صحة الإشارة أن يشار إلى سورة البقرة نفسها ؛ لأنه يصح فيها وصف (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى للمتقين ) والأول أشبه ، والإشارة إلى الكتاب كله عند نزول بعضه إشارة إلى أن الله تعالى منجز وعده للنبي - صلى الله عليه وسلم - بإكمال الكتاب كله .
ومن حكمة الإشارة إليه بهذا الكتاب ( أي المكتوب المرقوم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بكتابته دون غيره فهو الكتاب وحده ، ولا يضر أنه عند النزول لم يكن مكتوبا بالفعل ، لأنك تقول : أنا أملي كتابا ، أو هلم أمل عليك كتابا ، والإشارة البعيدة بالكاف يراد بها بعد مرتبته في الكمال ، وعلوه عن متناول قريحة شاعر أو مقول خطيب قوال ، والبعد والقرب في الخطاب الإلهي إنما بالنسبة إلى المخلوقين ، ولا يقال : إن شيئا بعيدا عنه تعالى أو قريبا منه في المكان الحسي ؛ لأن كل الأشياء بالنسبة إليه تعالى سواء ، وإنما القرب منه والبعد عنه تعالى معنوي ، وهو أقرب إلينا من أنفسنا بعلمه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2لا ريب فيه ) الريب والريبة : الشك والظنة ( التهمة ) والمعنى : أن ذلك الكتاب مبرأ من وصمات العيب فلا شك فيه ، ولا ريبة تعتريه ، لا من جهة كونه من عند الله تعالى ،
[ ص: 105 ] ولا في كونه هاديا مرشدا ، ويصح أن يقال : إنه في قوة آياته ونصوع بيناته ، بحيث لا يرتاب عاقل منصف وغير متعنت ولا متعسف في كونه هداية مفاضة من سماء الحق .
مهداة إلى الخلق ، على لسان أمي لم يسبق له قبله الاشتغال بشيء من علومه ، ولا الإتيان بكلام يقرب منه في بلاغته ، ولا أسلوبه حتى بعد نبوته - ولهذا قال فيما يأتي قريبا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ) ( : 23 ) وحاصله : أنه كذلك في كل من نظمه وأسلوبه وبلاغته ، ومن معانيه وعلومه وتأثيره في الهداية - لا يمكن أن توجه إليه الشبهة ، أو تحوم الريبة ، سواء أشك في ذلك أحد بجهالته وعمى بصيرته ، أو بتكلفه ذلك عنادا أو تقليدا أم لا .
nindex.php?page=treesubj&link=29568_28973 ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى للمتقين ) خبر بعد خبر والهدى : مصدر في الأصل كالتقى والسرى ، والمراد بالهداية هنا : الدلالة على الصراط المستقيم مع المعونة الخاصة والأخذ باليد على ما تقدم في تفسير المراد من (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط ) لأن كونه هاديا للمتقين بالفعل غير كونه هاديا - دالا - لسائر الناس من غير مراعاة أخذهم بدلالته ، واستقامتهم على طريقته ، وكلمة ( المتقين ) من الاتقاء ، والاسم :
nindex.php?page=treesubj&link=19862التقوى ، وأصل المادة : وقى يقي ، والوقاية معروفة المعنى ، وهو : البعد أو التباعد عن المضر أو مدافعته ، ولكن نجد هذا الحرف مستعملا بالنسبة إلى الله تعالى كقوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=41وإياي فاتقون -
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189واتقوا الله -
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=100فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون ) فمعنى اتقاء الله تعالى اتقاء عذابه وعقابه ، وإنما تضاف التقوى إلى الله تعالى تعظيما لأمر عذابه وعقابه ، وإلا فلا يمكن لأحد أن يتقي ذات الله تعالى ولا تأثير قدرته ، ولا الخضوع الفطري لمشيئته .
ومدافعة عذاب الله تعالى تكون باجتناب ما نهى واتباع ما أمر ، وذلك يحصل بالخوف من العذاب ومن المعذب ، فالخوف يكون ابتداء من العذاب وفي الحقيقة من مصدره ، فالمتقي : هو من يحمي نفسه من العقاب ، ولا بد في ذلك أن يكون عنده نظر ورشد يعرف بهما أسباب العقاب والآلام فيتقيها .
وأقول الآن : إن العقاب الإلهي الذي يجب على الناس اتقاؤه قسمان : دنيوي وأخروي ، وكل منهما يتقى باتقاء أسبابه ، وهي نوعان : مخالفة دين الله وشرعه ، ومخالفة سنته في نظام خلقه .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=29675عقاب الآخرة فيتقى بالإيمان الصحيح الخالص والعمل الصالح ، واجتناب ما ينافي ذلك من الشرك والكفر والمعاصي والرذائل ، وذلك مبين في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأفضل ما يستعان به على فهمهما واتباعهما سيرة السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأولين من آل الرسول وعلماء الأمصار .
[ ص: 106 ] وأما عقاب الدنيا فيجب أن يستعان على اتقائه بالعلم بسنن الله تعالى في هذا العالم ، ولا سيما سنن اعتدال المزاج وصحة الأبدان - وأمثلتها ظاهرة - وسنن الاجتماع البشري .
فاتقاء الفشل والخذلان في القتال يتوقف على معرفة نظام الحرب وفنونها ، وإتقان آلاتها وأسلحتها التي ارتقت في هذا العصر ارتقاء عجيبا ، وهو المشار إليه بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ) ( 8 : 60 ) كما يتوقف على أسباب القوة المعنوية من اجتماع الكلمة واتحاد الأمة والصبر والثبات والتوكل على الله واحتساب الأجر عنده (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=45ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=46وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) ( 8 : 45 - 46 ) ونحن نبين معنى التقوى في القرآن في كل موضوع بما يناسبه كالتقوى في الأكل من الطيبات في سورة المائدة : ( 5 : 88 ) ومثله في سياق تحريم الخمر منها ( الآية 90 ) وغير ذلك فيراجع كل شيء في موضعه .
وقال شيخنا في بيان المراد بهؤلاء المتقين ما معناه : كان من الجاهلين من مقت عبادة الأصنام وأدرك أن فاطر السماوات والأرض لا يرضيه الخضوع لها ، وأن الإله الحق يحب الخير ويبغض الشر . فكان منهم من اعتزل الناس لذلك ، وكانوا لا يعرفون من عبادة الله إلا الالتجاء والابتهال وتعظيم جانب الربوبية ، وذلك ما كان يسمى صلاة في لسانهم ، وبعض الخيرات التي يهتدي إليها العقل في معاملات الخلق .
وكان من أهل الكتاب من وصفهم الله تعالى بمثل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=113من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=114يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ) ( 3 : 113 - 114 ) وبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ) ( 5 : 82 ، 83 ) فأمثال هؤلاء من الفريقين هم المراد بالمتقين ولا حاجة إلى تخصيص ما جاء في وصفهم بالمؤمنين منهم بعد الإسلام أو بالمسلمين ، بل أولئك هم الذين كان في قلوبهم اشمئزاز مما عليه أقوامهم ، وفي نفوسهم شيء من التشوف إلى هداية يهتدون بها ، ويشعرون باستعدادهم لها إذا جاءهم شيء من عند الله تعالى ، فالمتقون في هذه الآية إذن هم الذين سلمت فطرتهم فأصابت عقولهم ضربا من الرشاد ، ووجد في أنفسهم شيء من الاستعداد لتلقي نور الحق يحملهم على توقي سخط الله تعالى والسعي في مرضاته بحسب ما وصل إليه علمهم ، وأداهم إليه نظرهم واجتهادهم .
[ ص: 103 ] ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )
nindex.php?page=treesubj&link=28973 ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ )
( الم ) هُوَ وَأَمْثَالُهُ أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ الْمُبْتَدَأَةِ بِهِ ، وَلَا يَضُرُّ وَضْعُ الِاسْمِ الْوَاحِدِ كَـ ( الم ) لِعِدَّةِ سُوَرٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي يُعَيِّنُ مَعْنَاهُ اتِّصَالُهُ بِمُسَمَّاهُ ، وَحِكْمَةُ التَّسْمِيَةِ وَالِاخْتِلَافِ فِي ( الم ) وَ ( المص ) نُفَوِّضُ الْأَمْرَ إِلَى الْمُسَمِّي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ( ( وَيَسَعُنَا فِي ذَلِكَ مَا وَسِعَ صَحَابَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَابِعِيهِمْ ، وَلَيْسَ مِنَ الدِّينِ فِي شَيْءٍ أَنْ يَتَنَطَّعَ مُتَنَطِّعٌ فَيَخْتَرِعَ مَا يَشَاءُ مِنَ الْعِلَلِ الَّتِي قَلَّمَا يَسْلَمُ مُخْتَرِعُهَا مِنَ الزَّلَلِ ) ) .
هَذَا مُلَخَّصُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ ، وَأَقُولُ الْآنَ :
أَوَّلًا - إِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ تُقْرَأُ مُقَطَّعَةً بِذِكْرِ أَسْمَائِهَا لَا مُسَمَّيَاتِهَا ، فَنَقُولُ : أَلِفْ ، لَامْ ، مِيمْ ، سَاكِنَةَ الْأَوَاخِرِ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي تَرْكِيبِ الْكَلَامِ فَتُعْرَبُ بِالْحَرَكَاتِ .
ثَانِيًا - إِنَّ عَدَمَ إِعْرَابِهَا يُرَجِّحُ أَنَّ حِكْمَةَ افْتِتَاحِ بَعْضِ السُّوَرِ الْمَخْصُوصَةِ بِهَا لِلتَّنْبِيهِ لِمَا يَأْتِي بَعْدَهَا مُبَاشَرَةً مِنْ وَصْفِ الْقُرْآنِ وَالْإِشَارَةِ إِلَى إِعْجَازِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَكِّيَّ مِنْهَا كَانَ يُتْلَى عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِلدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ ، وَمِثْلُ هَذِهِ السُّورَةِ وَمَا بَعْدَهَا لِدَعْوَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَيْهِ وَإِقَامَةِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ بِهِ ، وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُ ذَلِكَ بِالتَّفْصِيلِ فِي تَفْسِيرِ أَوَّلِ سُورَةِ ( المص - الْأَعْرَافِ ) .
ثَالِثًا - اقْتَصَرَ عَلَى جَعْلِ حِكْمَتِهَا الْإِشَارَةُ إِلَى إِعْجَازِ الْقُرْآنِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ وَفُنُونِهَا :
كَالْفَرَّاءِ ،
وَقُطْرُبٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15153وَالْمُبَرِّدِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيِّ ، وَبَعْضِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ : كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ
أَحْمَدَ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَّةَ ،
وَالْحَافِظِ الْمِزِّيِّ ، وَأَطَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي بَيَانِهِ وَتَوْجِيهِهِ بِمَا يُرَاجَعُ فِي كَشَّافِهِ ، وَفِي تَفْسِيرِ
الْبَيْضَاوِيِّ وَغَيْرِهِ .
رَابِعًا - إِنَّ أَضْعَفَ مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ وَأَسْخَفَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْإِشَارَةُ بِأَعْدَادِهَا فِي حِسَابِ الْجُمَّلِ إِلَى مُدَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ حَدِيثًا فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ
[ ص: 104 ] الْيَهُودِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ مِنْ رِوَايَةِ
الْكَلْبِيِّ عَنْ
أَبِي صَالِحٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ .
خَامِسًا - يَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا عُنِيَ بِهِ بَعْضُ
الشِّيعَةِ مِنْ حَذْفِ الْمُكَرَّرِ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَصِيَاغَةِ جُمَلٍ مِمَّا بَقِيَ مِنْهَا فِي مَدْحِ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - أَوْ تَفْضِيلِهِ وَتَرْجِيحِ خِلَافَتِهِ ، وَقُوبِلُوا بِجُمَلٍ أُخْرَى مِثْلِهَا تَنْقُضُ ذَلِكَ كَمَا وَضَّحْنَاهُ فِي مَقَالَاتِنَا ( الْمُصْلِحُ وَالْمُقَلِّدُ ) .
سَادِسًا - إِنَّهُ لَا يَزَالُ يُوجَدُ فِي النَّاسِ - حَتَّى عُلَمَاءِ التَّارِيخِ وَاللُّغَاتِ مِنْهُمْ - مَنْ يَرَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ رُمُوزًا إِلَى بَعْضِ الْحَقَائِقِ الدِّينِيَّةِ وَالتَّارِيخِيَّةِ سَتُظْهِرُهُ الْأَيَّامُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ ) الْكِتَابُ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ : وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِمَا يُكْتَبُ ، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ هَذِهِ الرُّقُومُ وَالنُّقُوشُ ذَاتُ الْمَعَانِي ، وَالْإِشَارَةُ تُفِيدُ التَّعْيِينَ الشَّخْصِيَّ أَوِ النَّوْعِيَّ . وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْكُتُبِ ، بَلِ الْمُرَادُ كِتَابٌ مَعْرُوفٌ مَعْهُودٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَصْفِهِ ، وَذَلِكَ الْعَهْدُ مَبْنِيٌّ عَلَى صِدْقِ الْوَعْدِ مِنَ اللَّهِ بِأَنَّهُ يُؤَيِّدُهُ بِكِتَابٍ ( تَامٍّ كَامِلٍ كَافِلٍ لِطُلَّابِ الْحَقِّ بِالْهِدَايَةِ وَالْإِرْشَادِ فِي جَمِيعِ شُئُونِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ ) فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَيْهِ ، وَلَا يَضُرُّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا ( كُلُّهُ وَقْتَ نُزُولِ أَمْثَالِ هَذِهِ الْإِشَارَةِ ، فَقَدْ يَكْفِي فِي صِحَّتِهَا وُجُودُ الْبَعْضِ ، وَقَدْ كَانَ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ جُمْلَةٌ عَظِيمَةٌ قَبْلَ نُزُولِ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكِتَابَتِهَا فَكُتِبَتْ وَحُفِظَتْ ، فَالْإِشَارَةُ إِلَيْهَا إِشَارَةٌ إِلَيْهِ ) بَلْ يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْإِشَارَةِ أَنْ يُشَارَ إِلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ نَفْسِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ فِيهَا وَصْفُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى لِلْمَتَّقِينَ ) وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْكِتَابِ كُلِّهِ عِنْدَ نُزُولِ بَعْضِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنْجِزٌ وَعْدَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِكْمَالِ الْكِتَابِ كُلِّهِ .
وَمِنْ حِكْمَةِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ بِهَذَا الْكِتَابِ ( أَيِ الْمَكْتُوبِ الْمَرْقُومِ ) أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِكِتَابَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ الْكِتَابُ وَحْدَهُ ، وَلَا يَضُرُّ أَنَّهُ عِنْدَ النُّزُولِ لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا بِالْفِعْلِ ، لِأَنَّكَ تَقُولُ : أَنَا أُمْلِي كِتَابًا ، أَوْ هَلُمَّ أُمْلِ عَلَيْكَ كِتَابًا ، وَالْإِشَارَةُ الْبَعِيدَةُ بِالْكَافِ يُرَادُ بِهَا بُعْدُ مَرْتَبَتِهِ فِي الْكَمَالِ ، وَعُلُوُّهُ عَنْ مُتَنَاوَلِ قَرِيحَةِ شَاعِرٍ أَوْ مَقُولِ خَطِيبٍ قَوَّالٍ ، وَالْبَعْدُ وَالْقُرْبُ فِي الْخِطَابِ الْإِلَهِيِّ إِنَّمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ ، وَلَا يُقَالُ : إِنَّ شَيْئًا بَعِيدًا عَنْهُ تَعَالَى أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فِي الْمَكَانِ الْحِسِّيِّ ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْأَشْيَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى سَوَاءٌ ، وَإِنَّمَا الْقُرْبُ مِنْهُ وَالْبُعْدُ عَنْهُ تَعَالَى مَعْنَوِيٌّ ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا بِعِلْمِهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2لَا رَيْبَ فِيهِ ) الرَّيْبُ وَالرِّيبَةُ : الشَّكُّ وَالظِّنَّةُ ( التُّهْمَةُ ) وَالْمَعْنَى : أَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابُ مُبَرَّأٌ مِنْ وَصَمَاتِ الْعَيْبِ فَلَا شَكَّ فِيهِ ، وَلَا رِيبَةَ تَعْتَرِيهِ ، لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ،
[ ص: 105 ] وَلَا فِي كَوْنِهِ هَادِيًا مُرْشِدًا ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ فِي قُوَّةِ آيَاتِهِ وَنُصُوعِ بَيِّنَاتِهِ ، بِحَيْثُ لَا يَرْتَابُ عَاقِلٌ مُنْصِفٌ وَغَيْرُ مُتَعَنِّتٍ وَلَا مُتَعَسِّفٍ فِي كَوْنِهِ هِدَايَةً مُفَاضَةً مِنْ سَمَاءِ الْحَقِّ .
مُهْدَاةً إِلَى الْخَلْقِ ، عَلَى لِسَانِ أُمِّيٍّ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ قَبْلَهُ الِاشْتِغَالُ بِشَيْءٍ مِنْ عُلُومِهِ ، وَلَا الْإِتْيَانُ بِكَلَامٍ يَقْرُبُ مِنْهُ فِي بَلَاغَتِهِ ، وَلَا أُسْلُوبِهِ حَتَّى بَعْدَ نُبُوَّتِهِ - وَلِهَذَا قَالَ فِيمَا يَأْتِي قَرِيبًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأَتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) ( : 23 ) وَحَاصِلُهُ : أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي كُلٍّ مِنْ نَظْمِهِ وَأُسْلُوبِهِ وَبَلَاغَتِهِ ، وَمِنْ مَعَانِيهِ وَعُلُومِهِ وَتَأْثِيرِهِ فِي الْهِدَايَةِ - لَا يُمْكِنُ أَنْ تُوَجَّهَ إِلَيْهِ الشُّبْهَةُ ، أَوْ تَحُومَ الرِّيبَةُ ، سَوَاءٌ أَشَكَّ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ وَعَمَى بَصِيرَتِهِ ، أَوْ بِتَكَلُّفِهِ ذَلِكَ عِنَادًا أَوْ تَقْلِيدًا أَمْ لَا .
nindex.php?page=treesubj&link=29568_28973 ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَالْهُدَى : مَصْدَرٌ فِي الْأَصْلِ كَالتُّقَى وَالسُّرَى ، وَالْمُرَادُ بِالْهِدَايَةِ هُنَا : الدَّلَالَةُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ مَعَ الْمَعُونَةِ الْخَاصَّةِ وَالْأَخْذِ بِالْيَدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْمُرَادِ مِنِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ ) لِأَنَّ كَوْنَهُ هَادِيًا لِلْمُتَّقِينَ بِالْفِعْلِ غَيْرُ كَوْنِهِ هَادِيًا - دَالًّا - لِسَائِرِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ أَخْذِهِمْ بِدَلَالَتِهِ ، وَاسْتِقَامَتِهِمْ عَلَى طَرِيقَتِهِ ، وَكَلِمَةُ ( الْمُتَّقِينَ ) مِنَ الِاتِّقَاءِ ، وَالِاسْمُ :
nindex.php?page=treesubj&link=19862التَّقْوَى ، وَأَصْلُ الْمَادَّةِ : وَقَى يَقِي ، وَالْوِقَايَةُ مَعْرُوفَةُ الْمَعْنَى ، وَهُوَ : الْبُعْدُ أَوِ التَّبَاعُدُ عَنِ الْمُضِرِّ أَوْ مُدَافَعَتُهُ ، وَلَكِنْ نَجِدْ هَذَا الْحَرْفَ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=41وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ -
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189وَاتَّقُوا اللَّهَ -
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=100فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) فَمَعْنَى اتِّقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى اتِّقَاءُ عَذَابِهِ وَعِقَابِهِ ، وَإِنَّمَا تُضَافُ التَّقْوَى إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمًا لِأَمْرِ عَذَابِهِ وَعِقَابِهِ ، وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَّقِيَ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَأْثِيرَ قُدْرَتِهِ ، وَلَا الْخُضُوعَ الْفِطْرِيَّ لِمَشِيئَتِهِ .
وَمُدَافَعَةُ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى تَكُونُ بِاجْتِنَابِ مَا نَهَى وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْخَوْفِ مِنَ الْعَذَابِ وَمِنَ الْمُعَذِّبِ ، فَالْخَوْفُ يَكُونُ ابْتِدَاءً مِنَ الْعَذَابِ وَفِي الْحَقِيقَةِ مِنْ مَصْدَرِهِ ، فَالْمُتَّقِي : هُوَ مَنْ يَحْمِي نَفْسَهُ مِنَ الْعِقَابِ ، وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نَظَرٌ وَرُشْدٌ يَعْرِفُ بِهِمَا أَسْبَابَ الْعِقَابِ وَالْآلَامِ فَيَتَّقِيهَا .
وَأَقُولُ الْآنَ : إِنَّ الْعِقَابَ الْإِلَهِيَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ اتِّقَاؤُهُ قِسْمَانِ : دُنْيَوِيٌّ وَأُخْرَوِيٌّ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُتَّقَى بِاتِّقَاءِ أَسْبَابِهِ ، وَهِيَ نَوْعَانِ : مُخَالَفَةُ دِينِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ ، وَمُخَالَفَةُ سُنَّتِهِ فِي نِظَامِ خَلْقِهِ .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29675عِقَابُ الْآخِرَةِ فَيُتَّقَى بِالْإِيمَانِ الصَّحِيحِ الْخَالِصِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَاجْتِنَابِ مَا يُنَافِي ذَلِكَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَالرَّذَائِلِ ، وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَفْضَلُ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى فَهْمِهِمَا وَاتِّبَاعِهِمَا سِيرَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَوَّلِينَ مِنْ آلِ الرَّسُولِ وَعُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ .
[ ص: 106 ] وَأَمَّا عِقَابُ الدُّنْيَا فَيَجِبُ أَنْ يُسْتَعَانَ عَلَى اتِّقَائِهِ بِالْعِلْمِ بِسُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذَا الْعَالَمِ ، وَلَا سِيَّمَا سُنَنُ اعْتِدَالِ الْمِزَاجِ وَصِحَّةِ الْأَبْدَانِ - وَأَمْثِلَتُهَا ظَاهِرَةٌ - وَسُنَنُ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ .
فَاتِّقَاءُ الْفَشَلِ وَالْخِذْلَانِ فِي الْقِتَالِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ نِظَامِ الْحَرْبِ وَفُنُونِهَا ، وَإِتْقَانِ آلَاتِهَا وَأَسْلِحَتِهَا الَّتِي ارْتَقَتْ فِي هَذَا الْعَصْرِ ارْتِقَاءً عَجِيبًا ، وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ) ( 8 : 60 ) كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَسْبَابِ الْقُوَّةِ الْمَعْنَوِيَّةِ مِنِ اجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ وَاتِّحَادِ الْأُمَّةِ وَالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَاحْتِسَابِ الْأَجْرِ عِنْدَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=45يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=46وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ( 8 : 45 - 46 ) وَنَحْنُ نُبَيِّنُ مَعْنَى التَّقْوَى فِي الْقُرْآنِ فِي كُلِّ مَوْضُوعٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ كَالتَّقْوَى فِي الْأَكْلِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ : ( 5 : 88 ) وَمِثْلُهُ فِي سِيَاقِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ مِنْهَا ( الْآيَةَ 90 ) وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيُرَاجَعُ كُلُّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا فِي بَيَانِ الْمُرَادِ بِهَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ مَا مَعْنَاهُ : كَانَ مِنَ الْجَاهِلِينَ مَنْ مَقَتَ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَأَدْرَكَ أَنَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يُرْضِيهِ الْخُضُوعُ لَهَا ، وَأَنَّ الْإِلَهَ الْحَقَّ يُحِبُّ الْخَيْرَ وَيُبْغِضُ الشَّرَّ . فَكَانَ مِنْهُمْ مَنِ اعْتَزَلَ النَّاسَ لِذَلِكَ ، وَكَانُوا لَا يَعْرِفُونَ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ إِلَّا الِالْتِجَاءَ وَالِابْتِهَالَ وَتَعْظِيمَ جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَذَلِكَ مَا كَانَ يُسَمَّى صَلَاةً فِي لِسَانِهِمْ ، وَبَعْضَ الْخَيْرَاتِ الَّتِي يَهْتَدِي إِلَيْهَا الْعَقْلُ فِي مُعَامَلَاتِ الْخَلْقِ .
وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِمِثْلِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=113مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=114يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ) ( 3 : 113 - 114 ) وَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) ( 5 : 82 ، 83 ) فَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ هُمُ الْمُرَادُ بِالْمُتَّقِينَ وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَخْصِيصِ مَا جَاءَ فِي وَصْفِهِمْ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَوْ بِالْمُسْلِمِينَ ، بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ كَانَ فِي قُلُوبِهِمُ اشْمِئْزَازٌ مِمَّا عَلَيْهِ أَقْوَامُهُمْ ، وَفِي نُفُوسِهِمْ شَيْءٌ مِنَ التَّشَوُّفِ إِلَى هِدَايَةٍ يَهْتَدُونَ بِهَا ، وَيَشْعُرُونَ بِاسْتِعْدَادِهِمْ لَهَا إِذَا جَاءَهُمْ شَيْءٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَالْمُتَّقُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِذَنْ هُمُ الَّذِينَ سَلِمَتْ فِطْرَتُهُمْ فَأَصَابَتْ عُقُولُهُمْ ضَرْبًا مِنَ الرَّشَادِ ، وَوُجِدَ فِي أَنْفُسِهِمْ شَيْءٌ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِتَلَقِّي نُورِ الْحَقِّ يَحْمِلُهُمْ عَلَى تَوَقِّي سُخْطِ اللَّهِ تَعَالَى وَالسَّعْيِ فِي مَرْضَاتِهِ بِحَسَبِ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ عِلْمُهُمْ ، وَأَدَّاهُمْ إِلَيْهِ نَظَرُهُمْ وَاجْتِهَادُهُمْ .