[ ص: 202 ] ( النوع السادس ) : أي الزرع والنبات نجمه وشجره على اختلاف أنواعه ، وهو قوام حياة الإنسان والحيوان في البدو والحضر . وإنما جعله آخر الأنواع في الذكر على أنه أولها في شدة الحاجة إليه لأنه لما كان الارتفاق به أعم كانت زينته في القلوب أقل ، فهو قلما يكون مانعا للإنسان عن البحث عن الحق ونصره ، أو صادا عن الاستعداد للآخرة . وإن من النعم ما هو أعظم من نعمة الحرث وأعم وأشمل ، وهو الهواء الذي لا يستغني عنه الأحياء لحظة واحدة سواء منها النبات والحيوان ; وهو لذلك لا فتنة من التمتع به ، وقلما يفكر الإنسان بغبطته به أو حاجته إليه . الحرث
ثم قال - تعالى - : ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب أي ذلك الذي ذكر من الأنواع الستة هو ما يستمتع به الناس في حياتهم الدنيا - أي الأولى - والله عنده حسن المرجع في الحياة الآخرة التي تكون بعد موت الناس وبعثهم ، فلا ينبغي لهم أن يجعلوا كل همهم في هذا المتاع القريب العاجل بحيث يشغلهم عن الاستعداد لما هو خير منه في الآجل ، كما سيأتي التصريح به في الآية التالية لهذه الآية .
فقد علم مما شرحته أن الكلام في هذه الشهوات بيان لما فطر عليه الناس من حبها وزينه في نفوسهم ، وتمهيد لتذكيرهم بما هو خير منها لا لبيان قبحها في نفسها كما يتوهم الجاهل ، فإن الله - تعالى - ما فطر الناس على شيء قبيح بل خلقهم في أحسن تقويم ، ولا جعل دينه مخالفا لفطرته بل موافقا لها كما قال : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون [ 30 : 30 ] وكيف يكون حب النساء في أصل الفطرة مذموما ، وهو وسيلة إتمام حكمته - تعالى - في بقاء النوع إلى الأجل المسمى ، وهو من آياته - تعالى - الدالة على حكمته ورحمته ، كما قال : لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون [ 30 : 21 ] وكان - صلى الله عليه وسلم - يحبهن ، وكيف يكون حب المال مذموما لذاته والله - تعالى - قد جعل بذل المال من آيات الإيمان وهو - تعالى - ينهى عن في إنفاقه كما ينهى عن البخل به ، وقد امتن على نبيه بأنه وجده عائلا أي فقيرا فأغناه ، وجعل المال قواما للأمم ومعززا للدين ووسيلة لإقامة ركنين من أركانه ومن أعظم أسباب التقرب إليه - تعالى - ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : الإسراف والتبذير رواه إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي مسلم في صحيحه ، ولا أراني في حاجة إلى الكلام في حب البنين والخيل والأنعام والحرث ; فإن الشبهة فيها للغالين في الزهد أضعف ، فعلى المؤمن المتقي ألا يفتن بهذه الشهوات ويجعلها [ ص: 203 ] أكبر همه والشاغل له عن آخرته ، فإذا اتقى ذلك واستمتع بها بالقصد والاعتدال والوقوف عند حدود الله - تعالى - فهو السعيد في الدارين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار [ 2 : 201 ] .