[ ص: 391 ] وقوله - عز وجل - : وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن يدخل فيه إذا كان قد دخل بها ، والمراد بالدخول بالمرأة يعرفه كل عربي حتى عامة المولدين ، ويدخل في ذلك بنات بناتها ، وبنات أبنائها ، وإن سفلن ; لأنهن من بناتها في عرف أهل اللغة ، ولا يدخل في هذا التحريم أم زوجة الابن وبنتها ، والربائب : جمع ربيبة ، وربيب الرجل ولد امرأته من غيره ، سمي ربيبا له لأنه يربه كما يرب ولده أي يسوسه ، فهو معنى مربوب ، والقاعدة أن يقال في مؤنثه ربيب كمذكره ، وإنما قيل ربيبة لأنه جعل اسما . والجماهير على أن قوله - تعالى - : تحريم بنات امرأة الرجل عليه اللاتي في حجوركم وصف لبيان الشأن الغالب في الربيبة ، وهو أن تكون في حجر زوج أمها ( والحجر بالفتح والكسر الحضن ، وهو مكان ما يحجره ويحوطه الإنسان أمام صدره بين عضديه وساعديه ) كما قال : ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق [ 17 : 31 ] لأن الغالب أنهم لم يكونوا يقتلونهم إلا من خشية الفقر ، أو من الفقر وذلك ليس قيدا للنهي ، فلو قتلوهم بسبب آخر كان محرما أيضا . ويقال : فلان في حجر فلان أي في كنفه ورعايته ، قالوا وهو المراد في الآية ، وفيه مع ذلك إشارة إلى جواز جعل الربيبة في الحجر حقيقة أو تجوزا ، كأن تكون في غاية القرب من زوج أمها يخلو بها ، ويسافر معها ، ويعاملها بكل ما يعامل به بنته ، وقال الأستاذ الإمام : ذكر هذا الوصف لإشعار الرجل بالمعنى الذي يوضح له علة التحريم ، ويقررها في نفسه ، وهو كون بنت زوجته في مكان بنته ; لأن زوجته كنفسه ففرعها كفرعه ، فهو وصف يحرك عاطفة الأبوة في الرجل ، وهو كون الربيبة في حجره يحنو عليها حنوه على بنته ، وليس عندي عنه في الآية غير هذه العبارة .
وقالت الظاهرية : إن هذا الوصف قيد ، وإن الرجل لا تحرم عليه ابنة امرأته إذا لم تكن في حجره ، وروي هذا عن بعض الصحابة ، فقد روى عبد الرزاق ، بسند صحيح عن وابن أبي حاتم قال : " كان عندي امرأة فتوفيت وقد ولدت لي فوجدت عليها " ( أي حزنت ) فلقيني مالك بن أوس ( رضي الله عنه ) فقال : ما لك ؟ فقلت : توفيت المرأة فقال : لها بنت ؟ قلت : نعم ، وهي علي بن أبي طالب بالطائف ، قال : كانت في حجرك ؟ قلت : لا ، قال : انكحها . قلت : فأين قوله - تعالى - : وربائبكم اللاتي في حجوركم ؟ قال : إنها لم تكن في حجرك إنما ذلك إذا كانت في حجرك " ويروى أن كان يقول بذلك ، ثم رجع عنه ، ويمكن أن يقال : إن التي لا تكون في حجره لا تكون ربيبة له في الواقع ; لأنه لا يربها ولا يسوسها ، ويمكن أن يقال أيضا : إنه لا يجد لها في نفسه عاطفة الأبوة التي تفنى فيها ، أو لا تجتمع معها عاطفة الشهوة ، فالاحتياط عندي ألا يتزوجها ، ولا يخلو بها ، ولا سيما إذا لم يجد لها في نفسه عاطفة الأبوة ، وقد استدل بعضهم بقوله - تعالى - : ابن مسعود فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم [ ص: 392 ] على أن الربيبة تحرم ، وإن لم تكن في حجر الزوج ; لأنه تفريع لبيان مفهوم ما قيد به التحريم ، فلو كان الكون في الحجور قيدا أيضا لقال : فإن لم تكونوا دخلتم بهن ، أو لم تكن ربائبكم في حجوركم فلا جناح عليكم . والجناح فسروه بالإثم ، وعندي أن تفسيره بالتضييق ، والأذى أحكم ، وأولى ، قال صاحب اللسان : " والجناح ما تحمل من الهم ، والأذى ، أنشد : ابن الأعرابي
ولاقيت من جمل وأسباب حبها جناح الذي لاقيت من تربها قبل
وقال أيضا : وقيل في قوله : فلا جناح عليكم أي لا إثم عليكم ولا تضييق " اهـ . والحاصل أن . الرجل إذا عقد نكاحه على امرأة ، ولم يدخل بها لا يحرم عليه بناتها
وذهبت الحنفية إلى أن ، وكذلك إذا لمسها بشهوة ، أو قبلها أو نظر إلى ما هنالك منها بشهوة ، بل قالوا أيضا : إذا لمس يد أم امرأته في حال الشهوة ، ولو خطأ فإن امرأته تحرم عليه تحريما مؤبدا وألحقوا ذلك بحرمة المصاهرة بالقياس وتوسعوا في ذلك توسعا ضيقوا فيه تضييقا ! ورد عليهم بأن الزنا ومقدماته ليس فيها شيء من معنى المصاهرة التي جعلها الشارع كالنسب في بعض الأحكام ، وبأن لفظ الآية ينافي ذلك فاللواتي يزنى بهن ، أو يلمسن ، أو يقبلن ، أو ينظر لهن بشهوة لا يصرن من نساء الزناة ، أو المتمتعين منهن بما دون الزنا ، فعبارة القرآن لا تدل على ذلك بنصها ، ولا فحواها ، وحكمة حرمة المصاهرة وعلتها لا تظهر فيها ، ثم إن ما ذكروه من الأحكام في ذلك هو مما تمس إليه الحاجة وتعم به البلوى أحيانا ، وما كان الشارع ليسكت عنه فلا ينزل به قرآن ، ولا تمضي به سنة ، ولا يصح فيه خبر ، ولا أثر عن الصحابة ، وقد كانوا قريبي العهد بالجاهلية التي كان الزنا فيها فاشيا بينهم ، فلو فهم أحد منهم أن لذلك مدركا في الشرع ، أو تدل عليه علله ، وحكمه لسألوا عن ذلك وتوفرت الدواعي على نقل ما يفتون به . من زنى بامرأة يحرم عليه أصولها وفروعها