( الخامس : ) قال صاحب القاموس : " خنقه خنقا ( ككتف ) وخنقا فهو خنق أيضا ( أي : ككتف ) وخنق ومخنوق ، كخنقه فاختنق ، وانخنقت الشاة بنفسها " [ ص: 114 ] وقد روى المنخنقة في تفسير المنخنقة أقوالا عن مفسري السلف في هذا المعنى ، فعن ابن جرير أنها التي تدخل رأسها بين شعبتين من شجرة ، فتختنق فتموت ، وعن السدي ابن عباس والضحاك : التي تختنق فتموت ، وعن قتادة : التي تموت في خناقها ، وفي رواية عن الضحاك : الشاة توثق فيقتلها خناقها ، وفي رواية أخرى عن قتادة : كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة حتى إذا ماتت أكلوها ، قال : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : هي التي تختنق إما في وثاقها ، أو بإدخال رأسها في الموضع الذي لا تقدر على التخلص منه فتختنق حتى تموت ، وإنما قلنا : إن ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك من غيره ; لأن المنخنقة هي الموصوفة بالانخناق دون خنق غيرها لها . ولو كان معنيا بذلك أنها مفعول بها لقيل: والمخنوقة ، حتى يكون معنى الكلام ما قالوا . اهـ . وهو المختار عندنا ; لأنه هو المعنى اللغوي المنطبق على حكمة الشارع . ابن جرير
ويغلط من يقول : إن فعل الانخناق هنا مما يسمونه فعل المطاوعة ، كما قال الصرفيون في مثل : كسرته فانكسر ، ويتوهم من لا ذوق له في اللغة أن هذه الصيغة لا تجيء إلا لما كان أثرا لفعل فاعل مختار ; ككسرته فانكسر ، والصواب أن هذه فلسفة باطلة ، وأن العربي القح إنما يقول : انكسر الشيء إذا كان يعلم أنه انكسر بنفسه ، أو يجهل من كسره ، إلا إذا كان المقام مقام تعبير عن شيء تعاصى كسره على الكاسرين ثم انكسر بفعل أحدهم ، وهذا لا يتأتى إلا في بعض المواد ، وأرى ذوقي يوافق في مادة الخنق ما يفهم من عبارة القاموس من أن مطاوع خنق هو اختنق من الافتعال ، وأن انخنق لا يفهم منه إلا ما كان بفعل الحيوان بنفسه كما قال . ابن جرير
ويؤيد هذا الفهم الذي جزم بأنه هو الصواب : الجمع به بين هذه الزوائد في سورة المائدة ، وبين حصر المحرمات في الأربعة الأولى منها ، فالمنخنقة بهذا المعنى من قبيل ما مات حتف أنفه من حيث إنه لم يمت بتذكية الإنسان له لأجل أكله ، فهي داخلة في عموم الميتة بالمعنى الشرعي الذي بيناه في تفسيرها ، وإنما خصها بالذكر لأن بعض العرب في الجاهلية كانوا يأكلونها ، ولئلا يشتبه فيها بعض الناس ; لأن لموتها سببا معروفا ، وإنما العبرة في الشرع بالتذكية التي تكون بقصد الإنسان لأجل الأكل حتى يكون واثقا من صحة البهيمة التي يريد التغذي بها ، ولو أراد - تعالى - بالمنخنقة : المخنوقة بفعل الإنسان لعبر بلفظ المخنوقة أو الخنيق ; لأنه حينئذ يفيد أن الخنق وإن كان ضربا من التذكية بفعل الفاعل لا يحل ، ويفهم منه تحريم المنخنق بالأولى ، بل يفهم من لفظ الميتة أيضا كما تقدم ، فالعدول إلى صيغة المنخنقة لا تعقل له حكمة إلا الإشعار بكون المنخنقة في معنى الميتة . ابن جرير