( مذهب المالكية في
nindex.php?page=treesubj&link=27931طعام أهل الكتاب )
جاء في كتاب الذبائح من ( المدونة ) ما نصه " قلت : أفتحل لنا
nindex.php?page=treesubj&link=16963_27931ذبائح نساء أهل الكتاب وصبيانهم ؟ قال : ما سمعت من
مالك فيه شيئا ، ولكن إذا حل ذبائح رجالهم فلا بأس بذبائح نسائهم وصبيانهم إذا أطاقوا الذبح ، قلت : أرأيت
nindex.php?page=treesubj&link=27931_16966ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم أيؤكل ؟ قال : قال
مالك : أكرهه ولا أحرمه ، وتأول مالك فيه :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145أو فسقا أهل لغير الله به ( 6 : 145 ) وكان يكرهه من غير أن يحرمه ، قلت : أرأيت ما ذبحت اليهود من الغنم فأصابوه فاسدا عندهم لا يستحلونه لأجل الرئة وما أشبهها التي يحرمونها في دينهم ، أيحل أكله للمسلمين ؟ قال : كان
مالك مرة يجيزه فيما بلغني . انتهى " و ( المدونة ) عند المالكية ، أصل المذهب فهي كالأم عند الشافعية .
وجاء في كتاب أحكام القرآن للإمام
عبد المنعم بن الفرس الخزرجي الأندلسي المتوفى سنة 599 هـ ما نصه :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28976وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم اتفق على أن ذبائحهم داخلة تحت عموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب فلا خلاف في أنها حلال لنا ، وأما سائر أطعمتهم مما يمكن استعمال النجاسات فيه ; كالخمر والخنزير فاختلف فيه ، فذهب الأكثرون إلى أن
[ ص: 168 ] ذلك من أطعمتهم ، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إلى أن الطعام الذي أحل لنا : ذبائحهم ، فأما ما خيف منهم استعمال النجاسة فيه ، فيجب اجتنابه ، وإذا قلنا : إن الطعام يتناول ذبائحهم باتفاق ، فهل يحمل لفظه على عمومه أم لا ؟ فالأكثر إلى أن حمل لفظ الطعام على عمومه في كل ما ذبحوه ، مما أحل الله لهم أو حرم الله عليهم ، أو حرموه على أنفسهم ، وإلى نحو هذا ذهب
ابن وهب وابن عبد الحكم ، وذهب قوم إلى أن المراد من ذبائحهم ما أحل الله خاصة ، وأما ما حرم الله عليهم بأي وجه كان فلا يجوز لنا ، وهذا هو المشهور من مذهب
ابن القاسم ، وذهب قوم إلى أن المراد بلفظ الطعام ذبائحهم جميعا ، إلا ما حرم الله عليهم خاصة ، لا ما حرموه على أنفسهم ، وإلى نحو هذا ذهب أشهب ، والذين قالوا : إن الله يجوز لنا أكل ما لا يجوز لهم أكله ، اختلفوا : هل ذلك على جهة المنع أو الكراهة ؟ وهذا الخلاف كله موجود في المذاهب ، واختلف أيضا فيما ذبحوه لأعيادهم وكنائسهم أو سموا عليه اسم
المسيح ، هل هو داخل تحت الإباحة أم لا ؟ فذهب
أشهب إلى أن الآية متضمنة تحليله ، وأن أكله جائز ، وكرهه
مالك رحمه الله ، وتأول قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145أو فسقا أهل لغير الله به على ذلك .
" الذين أوتوا الكتاب " اختلف العلماء في الذين أوتوا الكتاب من
اليهود والنصارى ، من هم ؟ وقد اختلف في
المجوس والصابئة والسامرة ، هل هم ممن أوتي كتابا أم لا ؟ وعلى هذا يختلف في ذبائحهم ومناكحتهم . انتهى ملخصا .
وفي كتاب ( أحكام القرآن
nindex.php?page=showalam&ids=12815للقاضي أبي بكر بن العربي المالكي ) في تفسير هذه الآية - أيضا - ما نصه : " هذا دليل قاطع على أن الصيد وطعام الذين أوتوا الكتاب : من الطيبات التي أباحها الله ، وهو الحلال المطلق ، وإنما كرره الله تعالى ليرفع به الشكوك ويزيل الاعتراضات عن الخواطر الفاسدة التي توجب الاعتراضات ، وتحرج إلى تطويل القول ، ولقد سئلت عن
nindex.php?page=treesubj&link=16990_27931النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها ، هل تؤكل معه أو تؤخذ منه طعاما ؟ وهي المسألة الثامنة ، فقلت : تؤكل لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه ، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا ، ولكن الله أباح لنا طعامهم مطلقا ، وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا ، إلا ما كذبهم الله فيه ، ولقد قال علماؤنا : إنهم يعطوننا نساءهم أزواجا ، فيحل لنا وطؤهن ، فكيف لا نأكل ذبائحهم ، والأكل دون الوطء في الحل والحرمة . انتهى . وفيما قاله القاضي نوع من التقييد والتشديد ، إذ اعتبر في طعامهم ما يأكله أحبارهم ورهبانهم ، وهذا ما اعتمده الأستاذ الإمام الشيخ
محمد عبده مفتي
مصر ، في فتواه الترنسفالية .
وقد أفتى
المهدي الوزاني من علماء
فاس بمثل ما أفتى به مفتي
مصر ، ولما علم بمشاغبة أهل الأهواء في فتوى مفتي الديار المصرية ، كتب رسالة في تأييد الفتوى بنصوص كتب المالكية المعتبرة ، نشرناها في آخر جزء من مجلد المنار السادس ، ومنها قوله :
[ ص: 169 ] " الدليل على صحة ما قاله
الإمام ابن العربي ، ما ذكره العلماء فيما ذبحه أهل الكتاب للصنم ، فإنه حرام مع المنخنقة وما عطف عليها ، وقيدوه بما لم يأكلوه ، وإلا كان حلالا لنا .
قال الشيخ
بناني على قول المختصر : " وذبح لصنم " ما نصه : الظاهر أن المراد بالصنم كل ما عبدوه من دون الله ، سبحانه وتعالى ، بحيث يشمل الصنم والصليب وغيرهما ، وأن هذا شرط في أكل ذبيحة الكتابي ، كما في التتائي والزرقاني ، وهو الذي ذكره
أبو الحسن - رحمه الله - في شرح المدونة ، وصرح به
ابن رشد في سماع
ابن القاسم من كتاب الذبائح ، ونصه : كره
مالك - رحمه الله - ما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم وأعيادهم لأنه رآه مضاهيا لقوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145أو فسقا أهل لغير الله به ولم يحرمه إذ لم ير الآية متناولة له ، وإنما رآها مضاهية له ; لأن الآية عنده إنما معناها فيما ذبحوا لآلهتهم مما لا يأكلون ، قال : وقد مضى هذا المعنى في سماع عبد الملك . انتهى .
" وقال في سماع
عبد الملك عن
أشهب : وسألته عما ذبح للكنائس ، قال لا بأس بأكله .
ابن رشد : " كره
مالك في المدونة أكل ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم ، ووجه قول
أشهب أن ما ذبحوا لكنائسهم ، لما كانوا يأكلونه وجب أن تكون حلالا لنا ; لأن الله - تبارك وتعالى - يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وإنما تأول قول الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145أو فسقا أهل لغير الله به فيما ذبحوه لآلهتهم ، مما يتقربون به إليها ولا يأكلونه ، فهذا حرام علينا بدليل الآيتين جميعا " . انتهى .
" فتبين أن
nindex.php?page=treesubj&link=16989ذبح أهل الكتاب إذا قصدوا به التقرب لآلهتهم فلا يؤكل لأنهم لا يأكلونه ، فهو ليس طعامهم ، ولم يقصدوا بالذكاة إباحته ، وهذا هو المراد هنا ، وأما ما يأتي من الكراهة في ذبح الصليب ، فالمراد به ما ذبحوه لأنفسهم لكن سموا عليه اسم آلهتهم فهذا يؤكل بكره ; لأنه من طعامهم " هذا الغرض من كلام
بناني ، وسلمه
الرهوني بسكوته عنه ، فهذا شاهد
لابن العربي قطعا ; لأنه علق جواز الأكل على كونه من طعامهم ، والمنع منه على ضد ذلك ، وأيضا ليس كل ما يحرم في ذكاتنا يحرم أكله في ذكاتهم ، كمتروك التذكية عمدا ; فإنها لا تؤكل بذبيحتنا وتؤكل بذبيحتهم ، حسبما تقدم . فإذا المدار على كونها من طعامهم لا غير ، والله أعلم " . انتهى المراد مما كتبه المفتي
الوزاني .
وقد أطال علماء
الأزهر في إرشاد الأمة الإسلامية إلى أقوال الأئمة في الفتوى ( الترنسفالية ) والقول في مذهب المالكية في طعام أهل الكتاب ، وفصلوه في بضع فصول . الفصل السابع منها في بيان أن ما أفتى به
ابن العربي ( أي من حل ما خنقه أهل الكتاب بقصد التذكية لأكله ) هو مذهب المالكية قاطبة ، والفصل الثامن في رد
الرهوني برأيه عليه ، والتاسع في تفنيد كلام
الرهوني وبيان بطلانه ، قالوا في أول الفصل السابع ما نصه :
[ ص: 170 ] اعلم أنه أقر
ابن العربي على ما أفتى به
الوزاني وصاحب المعيار
وأحمد بابا وابن عبد السلام nindex.php?page=showalam&ids=14120وابن عرفة وغيرهم من محققي المالكية
كالزياتي ، وقال : وكفى به حجة ، وإن رده
الرهوني بالأقيسة ، وما توهمه
ابن عبد السلام من التناقض بين كلامي
ابن العربي في أحكام القرآن من قوله : " ما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس : ميتة حرام ، وقوله : أفتيت بأن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها : تؤكل لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه ، وإن لم تكن ذكاة عندنا ; لأن الله أباح طعامهم مطلقا ، وكل ما يرونه في دينهم فهو حلال لنا ، إلا ما كذبهم الله فيه ، دفعه
nindex.php?page=showalam&ids=14120ابن عرفة بما حاصله أن ما يرونه مذكى عندهم حل لنا أكله وإن لم تكن ذكاته ، عندنا ذكاة ، وما لا يرونه مذكى لا يحل ، ويرجع إلى قصد تذكيته لتحليله وعدمه ، كما يعلم ذلك من
التتائي على المختصر عند قول المصنف : " أو مجوسيا تنصر وذبح لنفسه . . . إلخ " ولم يفهم من عبارة أحد من هؤلاء المحققين ، أن ما أفتى به
ابن العربي مذهب له وحده ، بل كل واحد وافقه على أنه مذهب المالكية ، وبيان ذلك أن مبنى مذهب المالكية جميعا ، العمل بعموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم فكل ما كان من طعامهم فهو حل لنا ، سواء كان يحل لنا باعتبار شريعتنا أو لا ، فالمعتبر في حل طعامهم ما هو حلال لهم في شريعتهم ، ولا يعتبر ذلك بشريعتنا ، ويدل لذلك النصوص والتعاليل الآتية ، وهو ما جرى عليه مالك وأصحابه فيما ذبحوه للصليب أو
لعيسى أو لكنائسهم .
قال
الزياتي في شرح القصيدة : " الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=16989ما ذبح للصليب ، أو لعيسى ، أو لكنائسهم يكره أكله .
بهرام عن
ابن القاسم : " وما ذبحوه وسموا عليه باسم
المسيح فهو بمنزلة ما ذبحوه لكنائسهم ، وكذلك ما ذبحوه للصليب ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون وابن لبابة : هو حرام ; لأنه مما أهل لغير الله به ، وذهب
ابن وهب للجواز من غير كراهة " . انتهى .
" وفي
القلشاني أن
أشهب يرى - أيضا - الكراهة فيما ذبح
للمسيح كابن القاسم ، وقال : يباح أكله ، وقد أباح الله ذبائحهم لنا وقد علم ما يفعلونه ، وذكر
القلشاني - أيضا - فيما ذبحوه لكنائسهم ثلاثة أقوال : التحريم والكراهة والإباحة ، وأن مذهب المدونة الكراهة .
ونقل المواق عن
مالك كراهة
nindex.php?page=treesubj&link=16989ما ذبح لجبريل ، عليه السلام . انتهى . وفي منح
الجليل عن
الرماصي : أجاز
مالك - رضي الله عنه - في المدونة أكل ما ذكر عليه اسم
المسيح مع الكراهة ، والإباحة
لابن حارث عن رواية
ابن القاسم مع رواية
أشهب . وعنه أباح الله لنا ذبائحهم ، وعلم ما يفعلونه " . انتهى . وسيقول المصنف فيما يكره : وذبح لصليب أو
عيسى ، وليس تحريم المذبوح للصنم لكونه ذكر عليه اسمه ، بل لكونه لم تقصد ذكاته ، وإلا فلا فرق بينه وبين الصليب ، قال
التونسي : وقال
ابن عطية ، في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ( 6 : 121 ) .
[ ص: 171 ] ذبائح أهل الكتاب عند جمهور العلماء في حكم ما ذكر اسم الله عليه ; من حيث لهم دين وشرع ، وقال قوم : نسخ من هذه الآية حل ذبائح أهل الكتاب ، قاله
عكرمة nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن بن أبي الحسن ، وقال في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وما أهل لغير الله به قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره : فالمراد ما ذبح للأصنام والأوثان ، و ( أهل ) معناه : صيح ، وجرت عادة العرب بالصياح باسم المقصود بالذبيحة ، وغلب في استعماله حتى عبر به عن النية التي هي علة التحريم ، ثم قال : " والحاصل أن ذكر اسم غير الله لا يوجب التحريم عند
مالك ، وفيه عن
البناني ، وصرح
ابن رشد في سماع
ابن القاسم ، من كتاب الذبائح ، ما نصه : " كره
مالك ما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم وأعيادهم ; لأنه رآه مضاهيا لقول الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145أو فسقا أهل لغير الله به ولم يحرمه ; إذ لم ير الآية متناولة له ، وإنما رآها مضاهية لقول الله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145أو فسقا أهل لغير الله به لأنها عنده إنما معناها فيما ذبحوه لآلهتهم ، مما لا يأكلونه . قال : وقد مضى هذا المعنى في سماع
عبد الملك من كتاب الضحايا . وقال في سماع
عبد الملك من
أشهب : وسألته عما ذبح للكنائس ، قال : لا بأس بأكله " .
ابن رشد : " كره
مالك في المدونة أكل ما ذبحوه لأعيادهم وكنائسهم ، ووجه قول
أشهب أن ما ذبحوه لكنائسهم ، لما كانوا يأكلونه وجب أن يكون حلالا ; لأن الله قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وإنما تأول قوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145أو فسقا أهل لغير الله به فيما ذبحوه لآلهتهم ، مما يتقربون به إليها ولا يأكلونه ; فهذا حرام علينا بدليل الآيتين جميعا " . انتهى . فتبين أن ذبح أهل الكتاب ، إن قصدوا به التقرب لآلهتهم فلا يؤكل ; لأنهم لا يأكلونه ، فهو ليس من طعامهم ولم يقصدوا بذكاته إباحته ، وهذا هو المراد هنا ، وأما ما يأتي من المكروه في : وذبح لصليب . . . إلخ . فأراد به ما ذبحوه لأنفسهم وسموا عليه باسم آلهتهم ، فهذا يؤكل بكره ; لأنه من طعامهم . انتهى .
وذكر العلامة
التتائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء وأبي أمامة ، جواز أكل ما ذبح للصنم . انتهى . وأنت لا يذهب عليك أن ما ذبح للصنم مما أهل به لغير الله ، وإنما جوزه هؤلاء الصحابة الأجلاء لكونه من طعام أهل الكتاب ، تأمله .
وقال العلامة
التتائي ، عند قول المصنف : وذبح لصليب أو
لعيسى : أي يكره أكل مذبوح لأجله ،
محمد وابن حبيب : " هو مما أهل به لغير الله ، وما ترك مالك العزيمة بتحريمه ، فيما ظننا ، إلا للآية الأخرى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم فأحل الله - تعالى - لنا طعامهم ، وهو يعلم ما يفعلونه ، وترك ذلك أفضل ، وقال
محمد أيضا : كره
مالك ما ذبحوه للكنائس أو
لعيسى أو للصليب أو ما مضى من أحبارهم ، أو
لجبريل أو لأعيادهم ، من غير تحريم " انتهى . ووجه الكراهة قصدهم به تعظيم شركهم مع قصد الذكاة . انتهى . منه بلفظه .
وفي بهرام : وذهب
ابن وهب إلى جواز أكل ما ذبح للصليب أو غيره ، من غير كراهة ، نظرا إلى أنه من طعامهم . انتهى .
[ ص: 172 ] وقال في منح الجليل ، عند ذكر كراهة شحم اليهودي : عند
البناني ثلاثة أقوال في
nindex.php?page=treesubj&link=27931_16965شحم اليهود : الإجازة ، والكراهة ، والمنع ، وأنها ترجع إلى الأجازة والمنع ; لأن الكراهة من قبيل الإجازة ، والأصل في هذا اختلافهم في تأويل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم هل المراد بذلك ذبائحهم ، أو ما يأكلون ؟ فمن ذهب إلى أن المراد به ذبائحهم أجاز أكل شحومهم لأنها من ذبائحهم ، ومحال أن تقع الذكاة على بعض الشاة دون بعض ، ومن قال : المراد ما يأكلون ، لم يجز أكل شحومهم لأنها محرمة عليهم في التوراة على ما أخبر به القرآن ، فليست مما يأكلون .
وفي منح الجليل - أيضا - بعد الكلام على التسمية ، ما نصه : وقال في البيان والتبيين : " ليست التسمية شرطا في صحة الذكاة ; لأن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه معناه : لا تأكلوا الميتة التي لم يقصد إلى ذكاتها ; لأنها فسق ، ومعنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ( 6 : 118 ) : كلوا مما قصدتم إلى ذكاته ، فكنى عن التذكية بالتسمية كما كنى عن رمي الجمار بذكر اسم الله - تعالى - حيث قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203واذكروا الله في أيام معلومات ( 2 : 203 ) انتهى المقصود منه .
وقال في كبير
الخرشي : ودخل في قول المؤلف : " يناكح " أي يحل لنا وطء نسائه في الجملة ، المسلم والكتابي ، معاهدا أو حربيا ، حرا أو عبدا ، ذكرا أو أنثى ، ولا فرق بين الكتابي الآن ومن تقدم ، خلافا
للطرطوشي في اختصاصه بمن تقدم ، فإن هؤلاء قد بدلوا ، فلا نأمن أن تكون الذكاة مما بدلوا ، ورد بأن ذلك لا يعلم إلا منهم ، فهم مصدقون فيه . انتهى . ومثله في
التتائي بلا فرق .
وقال في شرح اللمع عند قول المصنف : وأما من يذكي فمن اجتمعت فيه أربعة شروط : أن يكون مسلما أو كتابيا . . . إلخ . واعلم أن المؤلف قد أطلق الكلام على
nindex.php?page=treesubj&link=16962صحة ذكاة الكتابي ، ولا بد من التفصيل في ذلك ليصير كلامه موافقا للمشهور من المذهب ، وتلخيص القول في ذلك أن الكافر إن كان غير كتابي لم تصح ذكاته ، وإن كان كتابيا كاليهودي والنصراني ، سواء كان بالغا أو مميزا ، ذكرا أو أنثى ، ذميا كان أو حربيا ، فإن كان ما ذكاه مما يستحل أكله فذكاته له صحيحة ويجوز لنا الأكل منها ، وإن كان
مالك قد كره
nindex.php?page=treesubj&link=27931_16965الشراء من ذبائحهم ، والأصل في ذلك أن الله - تعالى - قد أباح لنا أكل طعامهم ، ومن جملة طعامهم ما يذكونه ، وإن كان ما ذكاه مما لا يستحله ، بل مما يقول : إنه حرام عليه : فإن ثبت تحريمه عليه بنص شريعتنا كذي الظفر في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ( 6 : 146 ) فالمشهور عدم جواز أكله ، وقيل : يجوز ، وقيل : يكره وإن لم يثبت تحريمه عليهم بشرعنا ، بل لم يعرف ذلك إلا من قولهم ; كالتي يسمونها بالطريقة - بالطاء المهملة - ففي جواز
[ ص: 173 ] أكلنا منه وكراهته قولان ، وهما
لمالك في المدونة .
قال
اللخمي : " وثبت على الكراهة ، ولم يحرمه ، واقتصر
الشيخ خليل في مختصره على القول بالكراهة ، ووجهه
ابن بشير باحتمال صدق قولهم ، وهذا كله إذا كان الكتابي لا يستبيح أكل الميتة ، وأما إن كان ممن يستحل أكلها فقال
ابن بشير : فإن غاب الكتابي على ذبيحته ، فإن علمنا أنهم يستحلون الميتة كبعض النصارى ، أو شككنا في ذلك لم نأكل ما غابوا عليه ، وإن علمنا أنهم يذكون أكلناه " . انتهى .
وأما ما يذبحه الكتابي لعيده أو للصليب أو
لعيسى أو للكنيسة أو
لجبريل أو نحو ذلك - فقد كرهه
مالك مخافة أن يكون داخلا تحت قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وما أهل لغير الله به ولم يحرمه لعموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وهذا من طعامهم .
قال
ابن يونس : واستخفه غير واحد من الصحابة والتابعين وقالوا : قد أحل لنا ذلك وهو عالم بما يفعلونه . انتهى .
وأما ما ذبحوه للأصنام فلا يجوز أكله ، قال
ابن عبد السلام : باتفاق ; لأنه مما أهل به لغير الله .
قال
اللخمي في تبصرته ، فيما ذبحه أهل الكتاب لعيدهم وكنائسهم وصلبانهم وما أشبه ذلك : " الصحيح أنه حلال ، والمراد بما أهل لغير الله به : ما ذبح على النصب والأصنام ، وهي ذبائح المشركين . قال
أصبغ في ثمانية
أبي زيد : وما ذبح على النصب هي الأصنام التي كانوا يعبدونها في الجاهلية ، قال : وأهل الكتاب ليسوا أصحاب أصنام .
وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قال
زيد بن عمرو بن نفيل : إنا لا نأكل مما تذبحون لأنصابكم ; يعني الأصنام ، وأما ما ذبحه أهل الكتاب فلا يراعى ذلك فيهم ، وقد جعل الله - سبحانه - لهم حرمة ، فأجاز مناكحتهم وذبائحهم ; لتعلقهم بشيء من الحق ، وهو الكتاب الذي أنزل عليهم ، وإن كانوا كافرين ، ولو كان يحرم ما ذبح باسم
المسيح لم يجز أن يؤكل شيء من ذبائحهم ، إلا أن يسأل هل سمى عليه
المسيح أو ذبح للكنيسة ؟ بل لا يجوز ، وإن أخبر أنه لم يسم
المسيح ; لأنه غير صادق ، وإذا لم يجب ذلك حلت ذبائحهم كيف كانت . انتهى .
فانظر كيف تضافرت كل هذه النصوص كباقي نصوص جميع المالكية ، على إناطة الحل والحرمة بكونه حلالا عندهم - أي يأكلونه - وعدمه ، وهذا بعينه هو ما قصد إليه
ابن العربي والحفار ، وقال : أهل المذهب كلهم يقولون ويفتون بحل طعام أهل الكتاب ، ومن جهة أخرى تعلم أن الذبح للصليب لم يكن من الشريعة المسيحية الحقة ; لأنه حادث بعدها ، إذ منشؤه حادثة الصلب المشهورة ، فكل هذا يفيد أن المعتبر عند المالكية ، ما هو حلال عند أهل الكتاب في شريعتهم التي هم عليها ، ومنه يعلم - أيضا - ما هو
nindex.php?page=treesubj&link=33220المراد من الميتة في قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة وأنها التي لم يقصد ذكاتها ، كما يعلم أنه يجب تقييد المنخنقة وما معها بما لم تقصد ذكاته ، ويكون هذا في المنخنقة وما معها ، بدليل :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3إلا ما ذكيتم كما سبق ، ومنه يتضح أن المراد بالميتة في قولهم : إن كان الكتابي يأكل الميتة فلا تأكل ما غاب . . . إلخ .
[ ص: 174 ] أنها ما لم تقصد ذكاتها ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=16992القصد إلى الذكاة لا بد منه ، من مسلم أو كتابي ، حتى لو قطع رقبة الحيوان بقصد تجريب السيف أو اللعب ، لا يحل كما تقدم ، ومنه يعلم أن الميتة المذكورة بالنسبة للكتابي هي الميتة عنده ، وهي التي لم يقصد ذكاتها ، لا الميتة عندنا ، ويتبين منه - أيضا - أن الشروط المذكورة للفقهاء في الذبائح والذكاة إنما هي بيان ما يلزم في الإسلام بالنسبة للمسلم لا لغيره . انتهى .
( مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=27931طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ )
جَاءَ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ مِنَ ( الْمُدَوَّنَةِ ) مَا نَصُّهُ " قُلْتُ : أَفَتَحِلُّ لَنَا
nindex.php?page=treesubj&link=16963_27931ذَبَائِحُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَصِبْيَانِهِمْ ؟ قَالَ : مَا سَمِعْتُ مِنْ
مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا ، وَلَكِنْ إِذَا حَلَّ ذَبَائِحُ رِجَالِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِذَبَائِحِ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ إِذَا أَطَاقُوا الذَّبْحَ ، قُلْتُ : أَرَأَيْتَ
nindex.php?page=treesubj&link=27931_16966مَا ذَبَحُوا لِأَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ أَيُؤْكَلُ ؟ قَالَ : قَالَ
مَالِكٌ : أَكْرَهُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ ، وَتَأَوَّلَ مَالِكٌ فِيهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ( 6 : 145 ) وَكَانَ يَكْرَهُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَرِّمَهُ ، قُلْتُ : أَرَأَيْتَ مَا ذَبَحَتِ الْيَهُودُ مِنَ الْغَنَمِ فَأَصَابُوهُ فَاسِدًا عِنْدَهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَهُ لِأَجْلِ الرِّئَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا الَّتِي يُحَرِّمُونَهَا فِي دِينِهِمْ ، أَيَحِلُّ أَكْلُهُ لِلْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ : كَانَ
مَالِكٌ مَرَّةً يُجِيزُهُ فِيمَا بَلَغَنِي . انْتَهَى " وَ ( الْمُدَوَّنَةُ ) عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ، أَصْلُ الْمَذْهَبِ فَهِيَ كَالْأُمِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ .
وَجَاءَ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِلْإِمَامِ
عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ الْفَرَسِ الْخَزْرَجَيِّ الْأَنْدَلُسِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 599 هـ مَا نَصُّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28976وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ اتُّفِقَ عَلَى أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ دَاخِلَةٌ تَحْتَ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا حَلَالٌ لَنَا ، وَأَمَّا سَائِرُ أَطْعِمَتِهِمْ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ النَّجَاسَاتِ فِيهِ ; كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ، فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ
[ ص: 168 ] ذَلِكَ مِنْ أَطْعِمَتِهِمْ ، وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي أُحِلَّ لَنَا : ذَبَائِحُهُمْ ، فَأَمَّا مَا خِيفَ مِنْهُمُ اسْتِعْمَالُ النَّجَاسَةِ فِيهِ ، فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُ ، وَإِذَا قُلْنَا : إِنَّ الطَّعَامَ يَتَنَاوَلُ ذَبَائِحَهُمْ بِاتِّفَاقٍ ، فَهَلْ يُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَى عُمُومِهِ أَمْ لَا ؟ فَالْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ حَمْلَ لَفْظِ الطَّعَامِ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ مَا ذَبَحُوهُ ، مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ أَوْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، أَوْ حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، وَإِلَى نَحْوِ هَذَا ذَهَبَ
ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ خَاصَّةً ، وَأَمَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَلَا يَجُوزُ لَنَا ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ
ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ الطَّعَامِ ذَبَائِحُهُمْ جَمِيعًا ، إِلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ خَاصَّةً ، لَا مَا حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، وَإِلَى نَحْوِ هَذَا ذَهَبَ أَشْهَبُ ، وَالَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ يُجَوِّزُ لَنَا أَكْلَ مَا لَا يُجَوِّزُ لَهُمْ أَكْلَهُ ، اخْتَلَفُوا : هَلْ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ أَوِ الْكَرَاهَةِ ؟ وَهَذَا الْخِلَافُ كُلُّهُ مَوْجُودٌ فِي الْمَذَاهِبِ ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِيمَا ذَبَحُوهُ لِأَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ أَوْ سَمَّوْا عَلَيْهِ اسْمَ
الْمَسِيحِ ، هَلْ هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْإِبَاحَةِ أَمْ لَا ؟ فَذَهَبَ
أَشْهَبُ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مُتَضَمِّنَةٌ تَحْلِيلَهُ ، وَأَنَّ أَكْلَهُ جَائِزٌ ، وَكَرِهَهُ
مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ .
" الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ " اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، مَنْ هُمْ ؟ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي
الْمَجُوسِ وَالصَّابِئَةِ وَالسَّامِرَةِ ، هَلْ هُمْ مِمَّنْ أُوتِيَ كِتَابًا أَمْ لَا ؟ وَعَلَى هَذَا يُخْتَلَفُ فِي ذَبَائِحِهِمْ وَمُنَاكَحَتِهِمْ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
وَفِي كِتَابِ ( أَحْكَامِ الْقُرْآنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12815لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ ) فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ - أَيْضًا - مَا نَصُّهُ : " هَذَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ وَطَعَامَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ : مِنَ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي أَبَاحَهَا اللَّهُ ، وَهُوَ الْحَلَالُ الْمُطْلَقُ ، وَإِنَّمَا كَرَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِيَرْفَعَ بِهِ الشُّكُوكَ وَيُزِيلَ الِاعْتِرَاضَاتِ عَنِ الْخَوَاطِرِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي تُوجِبُ الِاعْتِرَاضَاتِ ، وَتُحْرِجُ إِلَى تَطْوِيلِ الْقَوْلِ ، وَلَقَدْ سُئِلْتُ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=16990_27931النَّصْرَانِيِّ يَفْتِلُ عُنُقَ الدَّجَاجَةِ ثُمَّ يَطْبُخُهَا ، هَلْ تُؤْكَلُ مَعَهُ أَوْ تُؤْخَذُ مِنْهُ طَعَامًا ؟ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ ، فَقُلْتُ : تُؤْكَلُ لِأَنَّهَا طَعَامُهُ وَطَعَامُ أَحْبَارِهِ وَرُهْبَانِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ ذَكَاةً عِنْدَنَا ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَبَاحَ لَنَا طَعَامَهُمْ مُطْلَقًا ، وَكُلُّ مَا يَرَوْنَهُ فِي دِينِهِمْ فَإِنَّهُ حَلَالٌ لَنَا ، إِلَّا مَا كَذَّبَهُمُ اللَّهُ فِيهِ ، وَلَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنَّهُمْ يُعْطُونَنَا نِسَاءَهُمْ أَزْوَاجًا ، فَيَحِلُّ لَنَا وَطْؤُهُنَّ ، فَكَيْفَ لَا نَأْكُلُ ذَبَائِحَهُمْ ، وَالْأَكْلُ دُونَ الْوَطْءِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ . انْتَهَى . وَفِيمَا قَالَهُ الْقَاضِي نَوْعٌ مِنَ التَّقْيِيدِ وَالتَّشْدِيدِ ، إِذِ اعْتَبَرَ فِي طَعَامِهِمْ مَا يَأْكُلُهُ أَحْبَارُهُمْ وَرُهْبَانُهُمْ ، وَهَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ الشَّيْخُ
مُحَمَّدٌ عَبْدُهُ مُفْتِي
مِصْرَ ، فِي فَتْوَاهُ التِّرِنْسِفَالِيَّةِ .
وَقَدْ أَفْتَى
الْمَهْدِيُّ الْوَزَّانِيُّ مِنْ عُلَمَاءِ
فَاسَ بِمِثْلِ مَا أَفْتَى بِهِ مُفْتِي
مِصْرَ ، وَلَمَّا عَلِمَ بِمُشَاغَبَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي فَتْوَى مُفْتِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ ، كَتَبَ رِسَالَةً فِي تَأْيِيدِ الْفَتْوَى بِنُصُوصِ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ ، نَشَرْنَاهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ مُجَلَّدِ الْمَنَارِ السَّادِسِ ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ :
[ ص: 169 ] " الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَهُ
الْإِمَامُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ ، مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِيمَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ لِلصَّنَمِ ، فَإِنَّهُ حَرَامٌ مَعَ الْمُنْخَنِقَةِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا ، وَقَيَّدُوهُ بِمَا لَمْ يَأْكُلُوهُ ، وَإِلَّا كَانَ حَلَالًا لَنَا .
قَالَ الشَّيْخُ
بَنَانِيُّ عَلَى قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ : " وَذَبْحٌ لِصَنَمٍ " مَا نَصُّهُ : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّنَمِ كُلُّ مَا عَبَدُوهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، بِحَيْثُ يَشْمَلُ الصَّنَمَ وَالصَّلِيبَ وَغَيْرَهُمَا ، وَأَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي أَكْلِ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ ، كَمَا فِي التَّتَائِيِّ والزُّرْقَانِيِّ ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ
أَبُو الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَصَرَّحَ بِهِ
ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ
ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الذَّبَائِحِ ، وَنَصُّهُ : كَرِهَ
مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ لِكَنَائِسِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ لِأَنَّهُ رَآهُ مُضَاهِيًا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ إِذْ لَمْ يَرَ الْآيَةَ مُتَنَاوِلَةً لَهُ ، وَإِنَّمَا رَآهَا مُضَاهِيَةً لَهُ ; لِأَنَّ الْآيَةَ عِنْدَهُ إِنَّمَا مَعْنَاهَا فِيمَا ذَبَحُوا لِآلِهَتِهِمْ مِمَّا لَا يَأْكُلُونَ ، قَالَ : وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ . انْتَهَى .
" وَقَالَ فِي سَمَاعِ
عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ
أَشْهَبَ : وَسَأَلْتُهُ عَمَّا ذُبِحَ لِلْكَنَائِسِ ، قَالَ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ : " كَرِهَ
مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَكْلَ مَا ذَبَحُوا لِأَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ ، وَوَجَّهَ قَوْلَ
أَشْهَبَ أَنَّ مَا ذَبَحُوا لِكَنَائِسِهِمْ ، لَمَّا كَانُوا يَأْكُلُونَهُ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ حَلَالًا لَنَا ; لِأَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَإِنَّمَا تَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فِيمَا ذَبَحُوهُ لِآلِهَتِهِمْ ، مِمَّا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَيْهَا وَلَا يَأْكُلُونَهُ ، فَهَذَا حَرَامٌ عَلَيْنَا بِدَلِيلِ الْآيَتَيْنِ جَمِيعًا " . انْتَهَى .
" فَتَبَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=16989ذَبْحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا قَصَدُوا بِهِ التَّقَرُّبَ لِآلِهَتِهِمْ فَلَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَهُ ، فَهُوَ لَيْسَ طَعَامَهُمْ ، وَلَمْ يَقْصِدُوا بِالذَّكَاةِ إِبَاحَتَهُ ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا ، وَأَمَّا مَا يَأْتِي مِنَ الْكَرَاهَةِ فِي ذَبْحِ الصَّلِيبِ ، فَالْمُرَادُ بِهِ مَا ذَبَحُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ لَكِنْ سَمَّوْا عَلَيْهِ اسْمَ آلِهَتِهِمْ فَهَذَا يُؤْكَلُ بِكُرْهٍ ; لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِهِمْ " هَذَا الْغَرَضُ مِنْ كَلَامِ
بُنَانِيٍّ ، وَسَلَّمَهُ
الرُّهُونِيُّ بِسُكُوتِهِ عَنْهُ ، فَهَذَا شَاهِدٌ
لِابْنِ الْعَرَبِيِّ قَطْعًا ; لِأَنَّهُ عَلَّقَ جَوَازَ الْأَكْلِ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ طَعَامِهِمْ ، وَالْمَنْعِ مِنْهُ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ ، وَأَيْضًا لَيْسَ كُلُّ مَا يَحْرُمُ فِي ذَكَاتِنَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ فِي ذَكَاتِهِمْ ، كَمَتْرُوكِ التَّذْكِيَةِ عَمْدًا ; فَإِنَّهَا لَا تُؤْكَلُ بِذَبِيحَتِنَا وَتُؤْكَلُ بِذَبِيحَتِهِمْ ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ . فإذًا الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهَا مِنْ طَعَامِهِمْ لَا غَيْرَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " . انْتَهَى الْمُرَادُ مِمَّا كَتَبَهُ الْمُفْتِي
الْوَزَّانِيُّ .
وَقَدْ أَطَالَ عُلَمَاءُ
الْأَزْهَرِ فِي إِرْشَادِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ إِلَى أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ فِي الْفَتْوَى ( التِّرِنْسِفَالِيَّةِ ) وَالْقَوْلَ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ فِي طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَفَصَّلُوهُ فِي بِضْعِ فُصُولٍ . الْفَصْلُ السَّابِعُ مِنْهَا فِي بَيَانِ أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ ( أَيْ مِنْ حِلِّ مَا خَنَقَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ بِقَصْدِ التَّذْكِيَةِ لِأَكْلِهِ ) هُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَاطِبَةً ، وَالْفَصْلُ الثَّامِنُ فِي رَدِّ
الرُّهُونِيِّ بِرَأْيِهِ عَلَيْهِ ، وَالتَّاسِعُ فِي تَفْنِيدِ كَلَامِ
الرُّهُونِيِّ وَبَيَانِ بُطْلَانِهِ ، قَالُوا فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّابِعِ مَا نَصُّهُ :
[ ص: 170 ] اعْلَمْ أَنَّهُ أَقَرَّ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ
الْوَزَّانِيُّ وَصَاحِبُ الْمِعْيَارِ
وَأَحْمَدُ بَابَا وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ nindex.php?page=showalam&ids=14120وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ مُحَقِّقِي الْمَالِكِيَّةِ
كَالزَّيَّاتِيِّ ، وَقَالَ : وَكَفَى بِهِ حُجَّةً ، وَإِنْ رَدَّهُ
الرُّهُونِيُّ بِالْأَقْيِسَةِ ، وَمَا تَوَهَّمَهُ
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنَ التَّنَاقُضِ بَيْنَ كَلَامَيِ
ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ : " مَا أَكَلُوهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الذَّكَاةِ كَالْخَنْقِ وَحَطْمِ الرَّأْسِ : مَيْتَةٌ حَرَامٌ ، وَقَوْلِهِ : أَفْتَيْتُ بِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَفْتِلُ عُنُقَ الدَّجَاجَةِ ثُمَّ يَطْبُخُهَا : تُؤْكَلُ لِأَنَّهَا طَعَامُهُ وَطَعَامُ أَحْبَارِهِ وَرُهْبَانِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَكَاةً عِنْدَنَا ; لِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ طَعَامَهُمْ مُطْلَقًا ، وَكُلُّ مَا يَرَوْنَهُ فِي دِينِهِمْ فَهُوَ حَلَالٌ لَنَا ، إِلَّا مَا كَذَّبَهُمُ اللَّهُ فِيهِ ، دَفَعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14120ابْنُ عَرَفَةَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَرَوْنَهُ مُذَكًّى عِنْدَهُمْ حِلٌّ لَنَا أَكْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَكَاتُهُ ، عِنْدَنَا ذَكَاةً ، وَمَا لَا يَرَوْنَهُ مُذَكًّى لَا يَحِلُّ ، وَيُرْجَعُ إِلَى قَصْدِ تَذْكِيَتِهِ لِتَحْلِيلِهِ وَعَدَمِهِ ، كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنَ
التَّتَائِيِّ عَلَى الْمُخْتَصَرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : " أَوْ مَجُوسِيًّا تَنَصَّرَ وَذَبَحَ لِنَفْسِهِ . . . إِلَخْ " وَلَمْ يُفْهَمْ مِنْ عِبَارَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُحَقِّقِينَ ، أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ مَذْهَبٌ لَهُ وَحْدَهُ ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ وَافَقَهُ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَبْنَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ جَمِيعًا ، الْعَمَلُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ طَعَامِهِمْ فَهُوَ حِلٌّ لَنَا ، سَوَاءٌ كَانَ يَحِلُّ لَنَا بِاعْتِبَارِ شَرِيعَتِنَا أَوْ لَا ، فَالْمُعْتَبَرُ فِي حِلِّ طَعَامِهِمْ مَا هُوَ حَلَالٌ لَهُمْ فِي شَرِيعَتِهِمْ ، وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِشَرِيعَتِنَا ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ النُّصُوصُ وَالتَّعَالِيلُ الْآتِيَةُ ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا ذَبَحُوهُ لِلصَّلِيبِ أَوْ
لِعِيسَى أَوْ لِكَنَائِسِهِمْ .
قَالَ
الزَّيَّاتِيُّ فِي شَرْحِ الْقَصِيدَةِ : " الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=16989مَا ذُبِحَ لِلصَّلِيبِ ، أَوْ لِعِيسَى ، أَوْ لِكَنَائِسِهِمْ يُكْرَهُ أَكْلُهُ .
بَهْرَامُ عَنِ
ابْنِ الْقَاسِمِ : " وَمَا ذَبَحُوهُ وَسَمَّوْا عَلَيْهِ بِاسْمِ
الْمَسِيحِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا ذَبَحُوهُ لِكَنَائِسِهِمْ ، وَكَذَلِكَ مَا ذَبَحُوهُ لِلصَّلِيبِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سَحْنُونٌ وَابْنُ لُبَابَةَ : هُوَ حَرَامٌ ; لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ، وَذَهَبَ
ابْنُ وَهْبٍ لِلْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ " . انْتَهَى .
" وَفِي
الْقَلَشَانِيِّ أَنَّ
أَشْهَبَ يَرَى - أَيْضًا - الْكَرَاهَةَ فِيمَا ذُبِحَ
لِلْمَسِيحِ كَابْنِ الْقَاسِمِ ، وَقَالَ : يُبَاحُ أَكْلُهُ ، وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ ذَبَائِحَهُمْ لَنَا وَقَدْ عَلِمَ مَا يَفْعَلُونَهُ ، وَذَكَرَ
الْقَلَشَانِيُّ - أَيْضًا - فِيمَا ذَبَحُوهُ لِكَنَائِسِهِمْ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ : التَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ ، وَأَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ .
وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ
مَالِكٍ كَرَاهَةَ
nindex.php?page=treesubj&link=16989مَا ذُبِحَ لِجِبْرِيلَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ . انْتَهَى . وَفِي مِنَحِ
الْجَلِيلِ عَنِ
الرَّمَاصِيِّ : أَجَازَ
مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ أَكْلَ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ
الْمَسِيحِ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، وَالْإِبَاحَةَ
لِابْنِ حَارِثٍ عَنْ رِوَايَةِ
ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ رِوَايَةِ
أَشْهَبَ . وَعَنْهُ أَبَاحَ اللَّهُ لَنَا ذَبَائِحَهُمْ ، وَعَلِمَ مَا يَفْعَلُونَهُ " . انْتَهَى . وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يُكْرَهُ : وَذُبِحَ لِصَلِيبٍ أَوْ
عِيسَى ، وَلَيْسَ تَحْرِيمُ الْمَذْبُوحِ لِلصَّنَمِ لِكَوْنِهِ ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُهُ ، بَلْ لِكَوْنِهِ لَمْ تُقْصَدْ ذَكَاتُهُ ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلِيبِ ، قَالَ
التُّونِسِيُّ : وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ( 6 : 121 ) .
[ ص: 171 ] ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ; مِنْ حَيْثُ لَهُمْ دِينٌ وَشَرْعٌ ، وَقَالَ قَوْمٌ : نُسِخَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ حِلُّ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، قَالَهُ
عِكْرِمَةُ nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ : فَالْمُرَادُ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ ، وَ ( أُهِلَّ ) مَعْنَاهُ : صِيحَ ، وَجَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ بِالصِّيَاحِ بِاسْمِ الْمَقْصُودِ بِالذَّبِيحَةِ ، وَغَلَبَ فِي اسْتِعْمَالِهِ حَتَّى عُبِّرَ بِهِ عَنِ النِّيَّةِ الَّتِي هِيَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ ، ثُمَّ قَالَ : " وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذِكْرَ اسْمِ غَيْرِ اللَّهِ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ عِنْدَ
مَالِكٍ ، وَفِيهِ عَنِ
الْبُنَانِيِّ ، وَصَرَّحَ
ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ
ابْنِ الْقَاسِمِ ، مِنْ كِتَابِ الذَّبَائِحِ ، مَا نَصُّهُ : " كَرِهَ
مَالِكٌ مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ لِكَنَائِسِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ ; لِأَنَّهُ رَآهُ مُضَاهِيًا لِقَوْلِ اللَّهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ ; إِذْ لَمْ يَرَ الْآيَةَ مُتَنَاوِلَةً لَهُ ، وَإِنَّمَا رَآهَا مُضَاهِيَةً لِقَوْلِ اللَّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ إِنَّمَا مَعْنَاهَا فِيمَا ذَبَحُوهُ لِآلِهَتِهِمْ ، مِمَّا لَا يَأْكُلُونَهُ . قَالَ : وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سَمَاعِ
عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ كِتَابِ الضَّحَايَا . وَقَالَ فِي سَمَاعِ
عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ
أَشْهَبَ : وَسَأَلْتُهُ عَمَّا ذُبِحَ لِلْكَنَائِسِ ، قَالَ : لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ " .
ابْنُ رُشْدٍ : " كَرِهَ
مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَكْلَ مَا ذَبَحُوهُ لِأَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ ، وَوَجَّهَ قَوْلَ
أَشْهَبَ أَنَّ مَا ذَبَحُوهُ لِكَنَائِسِهِمْ ، لَمَّا كَانُوا يَأْكُلُونَهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا ; لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَإِنَّمَا تَأَوَّلَ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فِيمَا ذَبَحُوهُ لِآلِهَتِهِمْ ، مِمَّا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَيْهَا وَلَا يَأْكُلُونَهُ ; فَهَذَا حَرَامٌ عَلَيْنَا بِدَلِيلِ الْآيَتَيْنِ جَمِيعًا " . انْتَهَى . فَتَبَيَّنَ أَنَّ ذَبْحَ أَهْلِ الْكِتَابِ ، إِنْ قَصَدُوا بِهِ التَّقَرُّبَ لِآلِهَتِهِمْ فَلَا يُؤْكَلُ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَهُ ، فَهُوَ لَيْسَ مِنْ طَعَامِهِمْ وَلَمْ يَقْصِدُوا بِذَكَاتِهِ إِبَاحَتَهُ ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا ، وَأَمَّا مَا يَأْتِي مِنَ الْمَكْرُوهِ فِي : وَذُبِحَ لِصَلِيبٍ . . . إِلَخْ . فَأَرَادَ بِهِ مَا ذَبَحُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَسَمَّوْا عَلَيْهِ بِاسْمِ آلِهَتِهِمْ ، فَهَذَا يُؤْكَلُ بِكُرْهٍ ; لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِهِمْ . انْتَهَى .
وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ
التَّتَائِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ nindex.php?page=showalam&ids=4وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أُمَامَةَ ، جَوَازَ أَكْلِ مَا ذُبِحَ لِلصَّنَمِ . انْتَهَى . وَأَنْتَ لَا يَذْهَبُ عَلَيْكَ أَنْ مَا ذُبِحَ لِلصَّنَمِ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَإِنَّمَا جَوَّزَهُ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةُ الْأَجِلَّاءُ لِكَوْنِهِ مِنْ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، تَأَمَّلْهُ .
وَقَالَ الْعَلَامَةُ
التَّتَائِيُّ ، عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : وَذُبِحَ لِصَلِيبٍ أَوْ
لِعِيسَى : أَيْ يُكْرَهُ أَكْلُ مَذْبُوحٍ لِأَجْلِهِ ،
مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ : " هُوَ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَمَا تَرَكَ مَالِكٌ الْعَزِيمَةَ بِتَحْرِيمِهِ ، فِيمَا ظَنَنَّا ، إِلَّا لِلْآيَةِ الْأُخْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ فَأَحَلَّ اللَّهُ - تَعَالَى - لَنَا طَعَامَهُمْ ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا يَفْعَلُونَهُ ، وَتَرْكُ ذَلِكَ أَفْضَلُ ، وَقَالَ
مُحَمَّدٌ أَيْضًا : كَرِهَ
مَالِكٌ مَا ذَبَحُوهُ لِلْكَنَائِسِ أَوْ
لِعِيسَى أَوْ لِلصَّلِيبِ أَوْ مَا مَضَى مِنْ أَحْبَارِهِمْ ، أَوْ
لِجِبْرِيلَ أَوْ لِأَعْيَادِهِمْ ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ " انْتَهَى . وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ قَصْدُهُمْ بِهِ تَعْظِيمَ شِرْكِهِمْ مَعَ قَصْدِ الذَّكَاةِ . انْتَهَى . مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
وَفِي بَهْرَامَ : وَذَهَبَ
ابْنُ وَهْبٍ إِلَى جَوَازِ أَكْلِ مَا ذُبِحَ لِلصَّلِيبِ أَوْ غَيْرِهِ ، مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ ، نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ مِنْ طَعَامِهِمْ . انْتَهَى .
[ ص: 172 ] وَقَالَ فِي مِنَحِ الْجَلِيلِ ، عِنْدَ ذِكْرِ كَرَاهَةِ شَحْمِ الْيَهُودِيِّ : عِنْدَ
الْبُنَانِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=27931_16965شَحْمِ الْيَهُودِ : الْإِجَازَةُ ، وَالْكَرَاهَةُ ، وَالْمَنْعُ ، وَأَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الْأِجَازَةِ وَالْمَنْعِ ; لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مِنْ قَبِيلِ الْإِجَازَةِ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ هَلِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ ذَبَائِحُهُمْ ، أَوْ مَا يَأْكُلُونَ ؟ فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَبَائِحُهُمْ أَجَازَ أَكْلَ شُحُومَهُمْ لِأَنَّهَا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ ، وَمُحَالٌ أَنْ تَقَعَ الذَّكَاةُ عَلَى بَعْضِ الشَّاةِ دُونَ بَعْضٍ ، وَمَنْ قَالَ : الْمُرَادُ مَا يَأْكُلُونَ ، لَمْ يُجِزْ أَكْلَ شُحُومِهِمْ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ ، فَلَيْسَتْ مِمَّا يَأْكُلُونَ .
وَفِي مِنَحِ الْجَلِيلِ - أَيْضًا - بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى التَّسْمِيَةِ ، مَا نَصُّهُ : وَقَالَ فِي الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ : " لَيْسَتِ التَّسْمِيَةُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ : لَا تَأْكُلُوا الْمَيْتَةَ الَّتِي لَمْ يُقْصَدْ إِلَى ذَكَاتِهَا ; لِأَنَّهَا فِسْقٌ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ( 6 : 118 ) : كُلُوا مِمَّا قَصَدْتُمْ إِلَى ذَكَاتِهِ ، فَكَنَّى عَنِ التَّذْكِيَةِ بِالتَّسْمِيَةِ كَمَا كَنَّى عَنْ رَمْيِ الْجِمَارِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - حَيْثُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ( 2 : 203 ) انْتَهَى الْمَقْصُودُ مِنْهُ .
وَقَالَ فِي كَبِيرِ
الْخَرَشِيِّ : وَدَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ : " يُنَاكَحُ " أَيْ يَحِلُّ لَنَا وَطْءُ نِسَائِهِ فِي الْجُمْلَةِ ، الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ ، مُعَاهِدًا أَوْ حَرْبِيًّا ، حُرًّا أَوْ عَبْدًا ، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ الْآنَ وَمَنْ تَقَدَّمَ ، خِلَافًا
لِلطَّرْطُوشِيِّ فِي اخْتِصَاصِهِ بِمَنْ تَقَدَّمَ ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ بَدَّلُوا ، فَلَا نَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ مِمَّا بَدَّلُوا ، وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنْهُمْ ، فَهُمْ مُصَدَّقُونَ فِيهِ . انْتَهَى . وَمِثْلُهُ فِي
التَّتَائِيِّ بِلَا فَرْقٍ .
وَقَالَ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : وَأَمَّا مَنْ يُذْكِي فَمَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ : أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا . . . إِلَخْ . وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ قَدْ أَطْلَقَ الْكَلَامَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=16962صِحَّةِ ذَكَاةِ الْكِتَابِيِّ ، وَلَا بُدَّ مِنَ التَّفْصِيلِ فِي ذَلِكَ لِيَصِيرَ كَلَامُهُ مُوَافِقًا لِلْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ ، وَتَلْخِيصُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ إِنَّ كَانَ غَيْرَ كِتَابِيٍّ لَمْ تَصِحَّ ذَكَاتُهُ ، وَإِنْ كَانَ كِتَابِيًّا كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ، سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ مُمَيِّزًا ، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ، ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا ، فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَّاهُ مِمَّا يَسْتَحِلُّ أَكْلَهُ فَذَكَاتُهُ لَهُ صَحِيحَةٌ وَيَجُوزُ لَنَا الْأَكْلُ مِنْهَا ، وَإِنْ كَانَ
مَالِكٌ قَدْ كَرِهَ
nindex.php?page=treesubj&link=27931_16965الشِّرَاءَ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدْ أَبَاحَ لَنَا أَكْلَ طَعَامِهِمْ ، وَمِنْ جُمْلَةِ طَعَامِهِمْ مَا يُذَكُّونَهُ ، وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَّاهُ مِمَّا لَا يَسْتَحِلُّهُ ، بَلْ مِمَّا يَقُولُ : إِنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ : فَإِنْ ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِ بِنَصِّ شَرِيعَتِنَا كَذِي الظُّفْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146وَعَلَى الَّذِينَ هَادَوْا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفْرٍ ( 6 : 146 ) فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِ أَكْلِهِ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمْ بِشَرْعِنَا ، بَلْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ قَوْلِهِمْ ; كَالَّتِي يُسَمُّونَهَا بِالطَّرِيقَةِ - بِالطَّاءِ الْمُهْمِلَةِ - فَفِي جَوَازِ
[ ص: 173 ] أَكْلِنَا مِنْهُ وَكَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ ، وَهُمَا
لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
قَالَ
اللَّخْمِيُّ : " وَثَبَتَ عَلَى الْكَرَاهَةِ ، وَلَمْ يُحَرِّمْهُ ، وَاقْتَصَرَ
الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ ، وَوَجَّهَهُ
ابْنُ بَشِيرٍ بِاحْتِمَالِ صِدْقِ قَوْلِهِمْ ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الْكِتَابِيُّ لَا يَسْتَبِيحُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ أَكْلَهَا فَقَالَ
ابْنُ بَشِيرٍ : فَإِنْ غَابَ الْكِتَابِيُّ عَلَى ذَبِيحَتِهِ ، فَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ الْمَيْتَةَ كَبَعْضِ النَّصَارَى ، أَوْ شَكَكْنَا فِي ذَلِكَ لَمْ نَأْكُلْ مَا غَابُوا عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يُذَكُّونَ أَكَلْنَاهُ " . انْتَهَى .
وَأَمَّا مَا يَذْبَحُهُ الْكِتَابِيُّ لِعِيدِهِ أَوْ لِلصَّلِيبِ أَوْ
لِعِيسَى أَوْ لِلْكَنِيسَةِ أَوْ
لِجِبْرِيلَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ - فَقَدْ كَرِهَهُ
مَالِكٌ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَهَذَا مِنْ طَعَامِهِمْ .
قَالَ
ابْنُ يُونُسَ : وَاسْتَخَفَّهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَالُوا : قَدْ أَحَلَّ لَنَا ذَلِكَ وَهُوَ عَالِمٌ بِمَا يَفْعَلُونَهُ . انْتَهَى .
وَأَمَّا مَا ذَبَحُوهُ لِلْأَصْنَامِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ ، قَالَ
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : بِاتِّفَاقٍ ; لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ .
قَالَ
اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ ، فِيمَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ لِعِيدِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَصُلْبَانِهِمْ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ : " الصَّحِيحُ أَنَّهُ حَلَالٌ ، وَالْمُرَادُ بِمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ : مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَالْأَصْنَامُ ، وَهِيَ ذَبَائِحُ الْمُشْرِكِينَ . قَالَ
أَصْبَغُ فِي ثُمَانِيَّةِ
أَبِي زَيْدٍ : وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ هِيَ الْأَصْنَامُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، قَالَ : وَأَهْلُ الْكِتَابِ لَيْسُوا أَصْحَابَ أَصْنَامٍ .
وَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ قَالَ
زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ : إِنَّا لَا نَأْكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ لِأَنْصَابِكُمْ ; يَعْنِي الْأَصْنَامَ ، وَأَمَّا مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا يُرَاعَى ذَلِكَ فِيهِمْ ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - لَهُمْ حُرْمَةً ، فَأَجَازَ مُنَاكَحَتَهُمْ وَذَبَائِحَهُمْ ; لِتَعَلُّقِهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ ، وَهُوَ الْكِتَابُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ ، وَإِنْ كَانُوا كَافِرِينَ ، وَلَوْ كَانَ يَحْرُمُ مَا ذُبِحَ بِاسْمِ
الْمَسِيحِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْكَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ ، إِلَّا أَنْ يُسْأَلَ هَلْ سَمَّى عَلَيْهِ
الْمَسِيحَ أَوْ ذَبَحَ لِلْكَنِيسَةِ ؟ بَلْ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ
الْمَسِيحَ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ صَادِقٍ ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ حَلَّتْ ذَبَائِحُهُمْ كَيْفَ كَانَتْ . انْتَهَى .
فَانْظُرْ كَيْفَ تَضَافَرَتْ كُلُّ هَذِهِ النُّصُوصِ كَبَاقِي نُصُوصِ جَمِيعِ الْمَالِكِيَّةِ ، عَلَى إِنَاطَةِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ بِكَوْنِهِ حَلَالًا عِنْدَهُمْ - أَيْ يَأْكُلُونَهُ - وَعَدَمِهِ ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ مَا قَصَدَ إِلَيْهِ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْحَفَّارُ ، وَقَالَ : أَهْلُ الْمَذْهَبِ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ وَيُفْتُونَ بِحِلِّ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى تَعْلَمُ أَنَّ الذَّبْحَ لِلصَّلِيبِ لَمْ يَكُنْ مِنَ الشَّرِيعَةِ الْمَسِيحِيَّةِ الْحَقَّةَ ; لِأَنَّهُ حَادِثٌ بَعْدَهَا ، إِذْ مَنْشَؤُهُ حَادِثَةُ الصَّلْبِ الْمَشْهُورَةِ ، فَكُلُّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ، مَا هُوَ حَلَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي شَرِيعَتِهِمُ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ - أَيْضًا - مَا هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=33220الْمُرَادُ مِنَ الْمَيْتَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَأَنَّهَا الَّتِي لَمْ يُقْصَدْ ذَكَاتُهَا ، كَمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْيِيدُ الْمُنْخَنِقَةِ وَمَا مَعَهَا بِمَا لَمْ تُقْصَدْ ذَكَاتُهُ ، وَيَكُونُ هَذَا فِي الْمُنْخَنِقَةِ وَمَا مَعَهَا ، بِدَلِيلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ كَمَا سَبَقَ ، وَمِنْهُ يَتَّضِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَيْتَةِ فِي قَوْلِهِمْ : إِنْ كَانَ الْكِتَابِيُّ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ فَلَا تَأْكُلْ مَا غَابَ . . . إِلَخْ .
[ ص: 174 ] أَنَّهَا مَا لَمْ تُقْصَدْ ذَكَاتُهَا ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=16992الْقَصْدَ إِلَى الذَّكَاةِ لَا بُدَّ مِنْهُ ، مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ ، حَتَّى لَوْ قَطَعَ رَقَبَةَ الْحَيَوَانِ بِقَصْدِ تَجْرِيبِ السَّيْفِ أَوِ اللُّعَبِ ، لَا يَحِلُّ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَيْتَةَ الْمَذْكُورَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْكِتَابِيِّ هِيَ الْمَيْتَةُ عِنْدَهُ ، وَهِيَ الَّتِي لَمْ يَقْصِدْ ذَكَاتَهَا ، لَا الْمَيْتَةُ عِنْدَنَا ، وَيَتَبَيَّنُ مِنْهُ - أَيْضًا - أَنَّ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ لِلْفُقَهَاءِ فِي الذَّبَائِحِ وَالذَّكَاةِ إِنَّمَا هِيَ بَيَانُ مَا يَلْزَمُ فِي الْإِسْلَامِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ لَا لِغَيْرِهِ . انْتَهَى .