(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=30nindex.php?page=treesubj&link=28976_31822_18725_25124_33480فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله ) فسروا طوعت بشجعت ، وهو مأثور عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومجاهد ، وبوسعت وسهلت وزينت ونحو ذلك من الألفاظ التي رويت عن مفسري السلف وعلماء اللغة ، وكل منها يشير إلى حاصل المعنى في الجملة ، ولم أر أحدا شرح بلاغة هذه الكلمة في هذا الموضع ببعض ما أجد لها من التأثير في نفسي ، وإنها لبمكان من البلاغة يحيط بالقلب ويضغط عليه من كل جانب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=1ق والقرآن المجيد ) ( 50 : 1 ) إنني أكتب الآن ، وقلبي يشغلني عن الكتابة بما أجد لها فيه من الأثر والانفعال . إن هذه الكلمة تدل على تدريج وتكرار في حمل الفطرة على طاعة الحسد الداعي إلى القتل ; كتذليل الفرس والبعير الصعب ، فهي تمثل - لمن يفهمها - ولد
آدم الذي زين له حسده لأخيه قتله ، وهو بين إقدام وإحجام ، يفكر في كل كلمة من كلمات أخيه الحكمية ، فيجد في كل منها صارفا له عن الجريمة ، يدعم ويؤيد ما في الفطرة من صوارف العقل والقرابة والهيبة ، فكر الحسد من نفسه الأمارة على كل صارف في نفسه اللوامة ، فلا يزالان يتنازعان ويتجاذبان حتى يغلب الحسد كلا منها ويجذبه إلى الطاعة ، فإطاعة صوارف الفطرة وصوارف الموعظة لداعي الحسد هو التطوع الذي عناه الله تعالى . فلما تم كل ذلك قتله . وهذا المعنى يدل عليه اللفظ ويؤيده ما يعرف من حال البشر في كل عصر بمقتض ، فنحن نرى من أحوال الناس واختبار القضاة للجناة أن كل من تحدثه نفسه بقتل أخ له من أبيه القريب أو البعيد (
آدم ) يجد من نفسه صارفا ، أو عدة صوارف تنهاه عن ذلك ، فيتعارض المانع والمقتضي في نفسه زمنا طويلا أو قصيرا ، حتى تطوع له نفسه القتل بترجيح المقتضي عنده على الموانع ، فعند ذلك يقتل إن قدر . فالتطويع لا بد فيه من التكرار كتذليل الحيوان الصعب ، وتعليم الصناعة أو العلم ، وقد يكون التكرار لأجل إطاعة مانع أو صارف واحد ، وقد يكون لإطاعة عدة صوارف وموانع ، وأقرب الألفاظ التي قيلت إلى هذا المعنى
[ ص: 286 ] كلمة " التشجيع " المأثورة ، فهي تدل على أنه كان يهاب قتل أخيه ، وتجبن فطرته دونه ، فما زالت نفسه الأمارة بالسوء تشجعه عليه حتى تجرأ وقتل عقب التطويع بلا تفكر ولا تدبر للعاقبة (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=30فأصبح من الخاسرين ) أي من جنس الذين خسروا أنفسهم ، بإفساد فطرتها ، وخسروا أقرب الناس إليهم وأبرهم بهم في الدنيا ، وهو الأخ الصالح التقي ، وخسروا نعيم الآخرة ; إذ لم يعودوا أهلا لها ; لأنها دار المتقين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=30nindex.php?page=treesubj&link=28976_31822_18725_25124_33480فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ ) فَسَّرُوا طَوَّعَتْ بِشَجَّعَتْ ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ ، وَبِوَسَّعَتْ وَسَهَّلَتْ وَزَيَّنَتْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ مُفَسِّرِي السَّلَفِ وَعُلَمَاءِ اللُّغَةِ ، وَكُلٌّ مِنْهَا يُشِيرُ إِلَى حَاصِلِ الْمَعْنَى فِي الْجُمْلَةِ ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا شَرَحَ بَلَاغَةَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِبَعْضِ مَا أَجِدُ لَهَا مِنَ التَّأْثِيرِ فِي نَفْسِي ، وَإِنَّهَا لَبِمَكَانٍ مِنَ الْبَلَاغَةِ يُحِيطُ بِالْقَلْبِ وَيَضْغَطُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=1ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ) ( 50 : 1 ) إِنَّنِي أَكْتُبُ الْآنَ ، وَقَلْبِي يَشْغَلُنِي عَنِ الْكِتَابَةِ بِمَا أَجِدُ لَهَا فِيهِ مِنَ الْأَثَرِ وَالِانْفِعَالِ . إِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تَدُلُّ عَلَى تَدْرِيجٍ وَتَكْرَارٍ فِي حَمْلِ الْفِطْرَةِ عَلَى طَاعَةِ الْحَسَدِ الدَّاعِي إِلَى الْقَتْلِ ; كَتَذْلِيلِ الْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ الصَّعْبِ ، فَهِيَ تُمَثِّلُ - لِمَنْ يَفْهَمُهَا - وَلَدَ
آدَمَ الَّذِي زَيَّنَ لَهُ حَسَدُهُ لِأَخِيهِ قَتْلَهُ ، وَهُوَ بَيْنَ إِقْدَامٍ وَإِحْجَامٍ ، يُفَكِّرُ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِ أَخِيهِ الْحِكَمِيَّةِ ، فَيَجِدُ فِي كُلٍّ مِنْهَا صَارِفًا لَهُ عَنِ الْجَرِيمَةِ ، يُدَعِّمُ وَيُؤَيِّدُ مَا فِي الْفِطْرَةِ مِنْ صَوَارِفِ الْعَقْلِ وَالْقَرَابَةِ وَالْهَيْبَةِ ، فَكَرَّ الْحَسَدُ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَّارَةِ عَلَى كُلِّ صَارِفٍ فِي نَفْسِهِ اللَّوَّامَةِ ، فَلَا يَزَالَانِ يَتَنَازَعَانِ وَيَتَجَاذَبَانِ حَتَّى يَغْلِبَ الْحَسَدُ كُلًّا مِنْهَا وَيَجْذِبَهُ إِلَى الطاعَةِ ، فَإِطَاعَةُ صَوَارِفِ الْفِطْرَةِ وَصَوَارِفِ الْمَوْعِظَةِ لِدَاعِي الْحَسَدِ هُوَ التَّطَوُّعُ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى . فَلَمَّا تَمَّ كُلُّ ذَلِكَ قَتَلَهُ . وَهَذَا الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يُعْرَفُ مِنْ حَالِ الْبَشَرِ فِي كُلِّ عَصْرٍ بِمُقْتَضٍ ، فَنَحْنُ نَرَى مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ وَاخْتِبَارِ الْقُضَاةِ لِلْجُنَاةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ تُحَدِّثُهُ نَفْسُهُ بِقَتْلِ أَخٍ لَهُ مِنْ أَبِيهِ الْقَرِيبِ أَوِ الْبَعِيدِ (
آدَمَ ) يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ صَارِفًا ، أَوْ عِدَّةَ صَوَارِفَ تَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَيَتَعَارَضُ الْمَانِعُ وَالْمُقْتَضِي فِي نَفْسِهِ زَمَنًا طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا ، حَتَّى تُطَوِّعَ لَهُ نَفْسُهُ الْقَتْلَ بِتَرْجِيحِ الْمُقْتَضِي عِنْدَهُ عَلَى الْمَوَانِعِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقْتُلُ إِنْ قَدَرَ . فَالتَّطْوِيعُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّكْرَارِ كَتَذْلِيلِ الْحَيَوَانِ الصَّعْبِ ، وَتَعْلِيمِ الصِّنَاعَةِ أَوِ الْعِلْمِ ، وَقَدْ يَكُونُ التَّكْرَارُ لِأَجْلِ إِطَاعَةِ مَانِعٍ أَوْ صَارِفٍ وَاحِدٍ ، وَقَدْ يَكُونُ لِإِطَاعَةِ عِدَّةِ صَوَارِفَ وَمَوَانِعَ ، وَأَقْرَبُ الْأَلْفَاظِ الَّتِي قِيلَتْ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى
[ ص: 286 ] كَلِمَةُ " التَّشْجِيعِ " الْمَأْثُورَةُ ، فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَهَابُ قَتْلَ أَخِيهِ ، وَتَجْبُنُ فِطْرَتُهُ دُونَهُ ، فَمَا زَالَتْ نَفْسُهُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ تُشَجِّعُهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَجَرَّأَ وَقَتَلَ عَقِبَ التَّطْوِيعِ بِلَا تَفَكُّرٍ وَلَا تَدَبُّرٍ لِلْعَاقِبَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=30فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) أَيْ مِنْ جِنْسِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ، بِإِفْسَادِ فِطْرَتِهَا ، وَخَسِرُوا أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ وَأَبَرَّهُمْ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا ، وَهُوَ الْأَخُ الصَّالِحُ التَّقِيُّ ، وَخَسِرُوا نَعِيمَ الْآخِرَةِ ; إِذْ لَمْ يَعُودُوا أَهْلًا لَهَا ; لِأَنَّهَا دَارُ الْمُتَّقِينَ .