(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=28976_29434وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ) هذه جملة مستأنفة مؤكدة بالقسم ، الذي تدل عليه اللام في أولها ، تثبت أن الكثير من
أهل الكتاب لا يزيدهم القرآن ، الذي أكمل الله به الدين المنزل على
محمد خاتم النبيين ، إلا طغيانا في فسادهم وكفرا على كفرهم ; ذلك بأنهم ما كانوا على إيمان صحيح بالله ولا بالرسل ، ولا على عمل صالح مما تهدي إليه تلك الكتب ، وإنما كان أكثرهم على تقاليد وثنية ، وعصبية جنسية ، وعادات وأعمال ردية ، فهم لهذا لم ينظروا في القرآن نظر إنصاف ، وليس لهم من حقيقة دينهم الحق ما يقربهم من فهم حقيقة الإسلام ; ليعلموا أن دين الله واحد ; فما سبق بدء وهذا إتمام ، بل ينظرون إليه بعين العصبية والعدوان ، وهذا سبب زيادة الكفر والطغيان . والطغيان : مجاوزة الحد المعتاد .
وأما غير الكثير ، وهم الذين حافظوا على التوحيد ، ولم تحجبهم عن نور الحق تلك التقاليد ، فهم الذين يرون القرآن بعين البصيرة ; فيعلمون أنه الحق من ربهم ، وأن من أنزل عليه هو النبي الأخير ، المبشر به في كتبهم ، فيسارعون إلى الإيمان ، على حسب حظهم من العلم ، وسلامة الوجدان .
[ ص: 394 ] والفرق بين نسبة إنزال القرآن إلى الرسول هنا ، ونسبة إنزاله إليهم في أول الآية ( على القول المشهور بأن المراد بما أنزل إليهم القرآن ) هو أن خطابهم بإنزال القرآن إليهم ، يراد به أنهم مخاطبون به ، ومدعوون إليه ، ومثله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=136قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ) ( 2 : 136 ) وأما إسناد إنزاله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فليس لإفادة أنه أوحي إليه فقط ، بل يشعر مع ذلك بأن إنزاله إليه سبب لطغيانهم وكفرهم ، وأنهم لم يكفروا به لأجل إنكارهم لعقائده وآدابه وشرائعه أو استقباحهم ، بل لعداوة الرسول الذي أنزل إليه وعداوة قومه العرب . وقيل إنه يفيد براءتهم منه ، وأنه لا حظ لهم فيه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68nindex.php?page=treesubj&link=28976فلا تأس على القوم الكافرين ) أي فلا تحزن عليهم ; لأنهم قوم تمكن الكفر منهم ، وصار وصفا لازما لهم ، وهذه نكتة وضع الظاهر موضع الضمير ، وحسبك الله ومن اتبعك من مؤمني قومك ومنهم ;
nindex.php?page=showalam&ids=106كعبد الله بن سلام ، وغيره من علمائهم . قال
الراغب : الأسى : الحزن ، وأصله إتباع الفائت بالغم .
والعبرة للمسلم في الآية أن يعلم أن المسلمين لا يكونون على شيء يعتد به من أمر الدين حتى يقيموا القرآن وما أنزل إليهم من ربهم فيه ، ويهتدوا بهدايته ; فحجة الله على جميع عباده واحدة ، فإذا كان الله تعالى لا يقبل من
أهل الكتاب قبلنا تلك التقاليد التي صدتهم عما عندهم من وحي الله تعالى على ما كان قد طرأ عليه من التحريف بالزيادة والنقصان ، فألا يقبل منا مثل ذلك مع حفظه لكتابنا أولى . والناس عن هذا غافلون ، وبالانتساب إلى المذاهب راضون ، وبهدي أئمتها لا يقتدون ، وإلى حكمة الدين ومقاصده لا ينظرون (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=18ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ) ( 58 : 18 ) ولما كان الانتساب إلى الدين لا يفيد في الآخرة إلا بإقامة كتاب الدين ، بين الله تعالى بعد تلك الحجة ، أصول الدين المقصودة من إقامة الكتب الإلهية كلها ، التي يترتب عليها الجزاء والثواب ، فقال :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=28976_29434وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) هَذِهِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالْقَسَمِ ، الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّامُ فِي أَوَّلِهَا ، تُثْبِتُ أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَزِيدُهُمُ الْقُرْآنُ ، الَّذِي أَكْمَلَ اللَّهُ بِهِ الدِّينَ الْمُنَزَّلَ عَلَى
مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ ، إِلَّا طُغْيَانًا فِي فَسَادِهِمْ وَكُفْرًا عَلَى كُفْرِهِمْ ; ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا عَلَى إِيمَانٍ صَحِيحٍ بِاللَّهِ وَلَا بِالرُّسُلِ ، وَلَا عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ مِمَّا تَهْدِي إِلَيْهِ تِلْكَ الْكُتُبُ ، وَإِنَّمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ عَلَى تَقَالِيدَ وَثَنِيَّةٍ ، وَعَصَبِيَّةٍ جِنْسِيَّةٍ ، وَعَادَاتٍ وَأَعْمَالٍ رَدِيَّةٍ ، فَهُمْ لِهَذَا لَمْ يَنْظُرُوا فِي الْقُرْآنِ نَظَرَ إِنْصَافٍ ، وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ حَقِيقَةِ دِينِهِمُ الْحَقِّ مَا يُقَرِّبُهُمْ مِنْ فَهْمِ حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ ; لِيَعْلَمُوا أَنَّ دِينَ اللَّهِ وَاحِدٌ ; فَمَا سَبَقَ بَدْءٌ وَهَذَا إِتْمَامٌ ، بَلْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الْعَصَبِيَّةِ وَالْعُدْوَانِ ، وَهَذَا سَبَبُ زِيَادَةِ الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ . وَالطُّغْيَانُ : مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ الْمُعْتَادِ .
وَأَمَّا غَيْرُ الْكَثِيرِ ، وَهُمُ الَّذِينَ حَافَظُوا عَلَى التَّوْحِيدِ ، وَلَمْ تَحْجُبْهُمْ عَنْ نُورِ الْحَقِّ تِلْكَ التَّقَالِيدُ ، فَهُمُ الَّذِينَ يَرَوْنَ الْقُرْآنَ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ ; فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ، وَأَنَّ مَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ هُوَ النَّبِيُّ الْأَخِيرُ ، الْمُبَشَّرُ بِهِ فِي كُتُبِهِمْ ، فَيُسَارِعُونَ إِلَى الْإِيمَانِ ، عَلَى حَسَبِ حَظِّهِمْ مِنَ الْعِلْمِ ، وَسَلَامَةِ الْوِجْدَانِ .
[ ص: 394 ] وَالْفَرْقُ بَيْنَ نِسْبَةِ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ إِلَى الرَّسُولِ هُنَا ، وَنِسْبَةِ إِنْزَالِهِ إِلَيْهِمْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ ( عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمُ الْقُرْآنُ ) هُوَ أَنَّ خِطَابَهُمْ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ إِلَيْهِمْ ، يُرَادُ بِهِ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهِ ، وَمَدْعُوُّونَ إِلَيْهِ ، وَمِثْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=136قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ) ( 2 : 136 ) وَأَمَّا إِسْنَادُ إِنْزَالِهِ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ فَقَطْ ، بَلْ يُشْعِرُ مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّ إِنْزَالَهُ إِلَيْهِ سَبَبٌ لِطُغْيَانِهِمْ وَكُفْرِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكْفُرُوا بِهِ لِأَجْلِ إِنْكَارِهِمْ لِعَقَائِدِهِ وَآدَابِهِ وَشَرَائِعِهِ أَوِ اسْتِقْبَاحِهِمْ ، بَلْ لِعَدَاوَةِ الرَّسُولِ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْهِ وَعَدَاوَةِ قَوْمِهِ الْعَرَبِ . وَقِيلَ إِنَّهُ يُفِيدُ بَرَاءَتَهُمْ مِنْهُ ، وَأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُمْ فِيهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68nindex.php?page=treesubj&link=28976فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) أَيْ فَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ تَمَكَّنَ الْكُفْرُ مِنْهُمْ ، وَصَارَ وَصْفًا لَازِمًا لَهُمْ ، وَهَذِهِ نُكْتَةُ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ ، وَحَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنْ مُؤْمِنِي قَوْمِكَ وَمِنْهُمْ ;
nindex.php?page=showalam&ids=106كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ . قَالَ
الرَّاغِبُ : الْأَسَى : الْحُزْنُ ، وَأَصْلُهُ إِتْبَاعُ الْفَائِتِ بِالْغَمِّ .
وَالْعِبْرَةُ لِلْمُسْلِمِ فِي الْآيَةِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَكُونُونَ عَلَى شَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ حَتَّى يُقِيمُوا الْقُرْآنَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ فِيهِ ، وَيَهْتَدُوا بِهِدَايَتِهِ ; فَحُجَّةُ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ عِبَادِهِ وَاحِدَةٌ ، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَنَا تِلْكَ التَّقَالِيدَ الَّتِي صَدَّتْهُمْ عَمَّا عِنْدَهُمْ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا كَانَ قَدْ طَرَأَ عَلَيْهِ مِنَ التَّحْرِيفِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ، فَأَلَّا يَقْبَلَ مِنَّا مِثْلَ ذَلِكَ مَعَ حِفْظِهِ لِكِتَابِنَا أَوْلَى . وَالنَّاسُ عَنْ هَذَا غَافِلُونَ ، وَبِالِانْتِسَابِ إِلَى الْمَذَاهِبِ رَاضُونَ ، وَبِهَدْيِ أَئِمَّتِهَا لَا يَقْتَدُونَ ، وَإِلَى حِكْمَةِ الدِّينِ وَمَقَاصِدِهِ لَا يَنْظُرُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=18وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) ( 58 : 18 ) وَلَمَّا كَانَ الِانْتِسَابُ إِلَى الدِّينِ لَا يُفِيدُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِإِقَامَةِ كِتَابِ الدِّينِ ، بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ تِلْكَ الْحُجَّةِ ، أُصُولَ الدِّينِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ إِقَامَةِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ كُلِّهَا ، الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْجَزَاءُ وَالثَّوَابُ ، فَقَالَ :