(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106nindex.php?page=treesubj&link=28973ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=107ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل )
قال أئمة اللغة : إن
nindex.php?page=treesubj&link=22169أصل النسخ النقل ، سواء كان نقل الشيء بذاته كما يقال : نسخت الشمس الظل ، أي نقلته من مكان إلى مكان ، أو نقل صورته كما يقال : نسخت الكتاب ، إذا نقلت عنه صورة مثل الأولى ، وورد : نسخت الريح الأثر : أي أزالته . وأصل النسيان الترك أو هو غايته اللازمة له ، ومنه قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=126أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) ( 20 : 126 ) أي تركتها بترك العمل بها ، فجزاؤك أن تترك في العذاب فاحفظ المعنى اللغوي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) .
( الأستاذ الإمام ) : للمفسرين في تفسير هذه الآية طريقان :
أحدهما : أنها على حد قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=101وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر ) ( 16 : 101 ) ، فالنسخ هنا بمعنى التبديل ، أي إذا جعلنا آية بدلا من آية ، فإننا نجعل هذا البدل خيرا من المبدل منه أو مثله على الأقل ، فالآية عند هؤلاء في نسخ التلاوة ، وقالوا : إن المراد بالنسيان هو أن يأمر الله - تعالى - بعدم تلاوة الآية فتنسى بالمرة . ( قال ) : وهذا بمعنى التبديل ، فما هي الفائدة في عطفه عليه بـ ( أو ) ؟ وهل هو إلا تكرار يجل كلام الله عنه ؟ .
وثانيهما : أن المراد نسخ حكم الآية ، وهو عام يشمل نسخ الحكم وحده ونسخه مع التلاوة ، وهذا هو القول المختار للجمهور ، وقالوا في توجيهه : إنه لا معنى لنسخ الآية في ذاتها ولا حاجة إليه . وإنما الأحكام تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال ، فإذا شرع حكم في وقت لشدة الحاجة إليه ، ثم زالت الحاجة في وقت آخر ، فمن الحكمة أن ينسخ الحكم ويبدل بما يوافق الوقت الآخر ، فيكون خيرا من الأول أو مثله في فائدته من حيث قيام المصلحة به . وقالوا : إن المراد بالإنساء إزالة الآية من ذاكرة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد اختلف في هذا : أيكون
[ ص: 342 ] بعد التبليغ أم قبله ؟ فقيل : بعده كما ورد في أصحاب بئر معونة وقيل : قبله حتى أن
السيوطي روى في أسباب النزول أن
الآية كانت تنزل على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليلا فينساها نهارا ، فحزن لذلك فنزلت الآية . قال الأستاذ الإمام : ولا شك عندي في أن هذه الرواية مكذوبة وأن مثل هذا النسيان محال على الأنبياء - عليهم السلام - ؛ لأنهم معصومون في التبليغ ، والآيات الكريمة ناطقة بذلك كقوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إن علينا جمعه وقرآنه ) ( 75 : 17 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ( 15 : 9 ) وقد قال المحدثون والأصوليون : إن
nindex.php?page=treesubj&link=29120من علامة وضع الحديث مخالفته للدليل القاطع عقليا كان أو نقليا ، كأصول الاعتقاد وهذه المسألة منها ، فإن هذا النسيان ينافي العصمة المجمع عليها .
وقالوا في تفسير قوله - تعالى - بعد ما ذكر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ) أنه ورد مورد الاستدلال على القدرة على النسخ بالمعنى الذي قالوه ، أي أنه لا يستنكر على الله كما زعم
اليهود ؛ لأنه مما تناله قدرته ، ثم استدل على ذلك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=107ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ) الآية . والخطاب في ( تعلم ) للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد به غيره من المؤمنين الذين ربما كانوا يمتعضون من كلام
اليهود وغيرهم من المعترضين على النسخ ، وضعيف الإيمان يؤثر في نفسه أن يعاب ما يأخذ به ، فيخشى عليه من الركون إلى الشبهة أو الحيرة فيها ؛ ففي الكلام تثبيت لمن كان كذلك من الضعفاء ودعم لإيمانهم ، وتوجيه الكلام إلى شخص يراد غيره شائع في كلام العرب والمولدين ؛ ولذلك قال بعض العلماء : نزل القرآن على طريق قولهم : ( إياك أعني واسمعي يا جارة ) وإذا كان هذا الملك العظيم لله وحده ، فلا شك أنه لا يعجزه أن ينسخ حكما من الأحكام . ومن آية إرادة الأمة بالخطاب الالتفات عن الأفراد إلى الجمع بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=107وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ) أي أن وليكم وناصركم هو الله - تعالى - وحده ، فلا تبالوا بمن ينكر النسخ أو يعيبكم به ، ولا ينبغي أن يستهويكم إنكارهم فيميلكم عن دينكم ، فإنه لا قيمة له ولا للمنكرين إذ ليس في استطاعتهم أن يضروكم أو ينفعوكم إذا كان الله هو مولاكم وناصركم . وإذا أراد الله بكم سوءا فلا يملكون أن يدفعوه عنكم .
ثم قال - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ) ، وهذا كلام
[ ص: 343 ] جديد منقطع عما قبله وقالوا : إن ( أم ) هنا للاستفهام لا للإضراب ؛ لأن أم التي تستعمل بمعنى ( بل ) يقصد بها الإضراب عن الكلام السابق ، ولا يظهر الإضراب هنا . هذا ما اختاره الأستاذ الإمام من قولهم .
( قال ) : واستشهدوا لـ ( أم ) الاستفهامية بقول الشاعر :
فوالله لا أدري أهند تقولت أم القوم أم كل إلي حبيب ؟
وبعض المفسرين يقولون : إن ( أم ) هذه منقطعة للإضراب عن عدم علمهم بالسابق إلى الاستفهام عن اقتراحهم ، فهي تتضمن الإضراب و الاستفهام معا ، وتجد ( الجلالين ) يقدران ذلك في تفسيرهما وقد قدرا فيه هنا " بل أتريدون " ، والحاصل أن المعنى هنا : أتريدون أن تسألوا رسولكم كما سأل موسى قومه تبرما وإعناتا ؟ يحذر المسلمين ما فعل أولئك ، وقد أتبع التحذير بالوعيد فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108nindex.php?page=treesubj&link=28973ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ) أي إن ترك الآيات الموجودة والإعراض عنها لإعنات النبي - صلى الله عليه وسلم - بسؤال غيرها لتكون بدلا منها هو من اختيار الكفر على الإيمان واستحباب العمى على الهدى . وبدل وتبدل واستبدل يدل على جعل شيء في موضع آخر بدلا منه ، والباء تقرن بالمبدل منه لا بالبدل كما أشرنا إليه في تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) ( 2 : 61 ) .
( الأستاذ الإمام ) : هذا تقرير ما جرى عليه المفسرون في الآيات ، وإذا وازنا بين سياق آية (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106ما ننسخ ) وآية (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=101وإذا بدلنا آية مكان آية ) ، نجد أن الأولى ختمت بقوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ) والثانية بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=101والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر ) ( 16 : 101 ) الآية ، ونحن نعلم شدة العناية في أسلوب القرآن بمراعاة هذه المناسبات ، فذكر العلم والتنزيل ودعوى الافتراء في الآية يقتضي أن يراد بالآيات فيها آيات الأحكام .
وأما ذكر القدرة والتقرير بها في الآية الأولى فلا يناسب موضوع الأحكام ونسخها ، وإنما يناسب هذا ذكر العلم والحكمة ، فلو قال : ( ألم تعلم أن الله عليم حكيم ) ، لكان لنا أن نقول : إنه أراد نسخ آيات الأحكام لما اقتضته الحكمة من انتهاء الزمن أو الحال التي كانت فيها تلك الأحكام موافقة للمصلحة ، وقد تحير العلماء في فهم الإنساء على الوجه الذي ذكروه حتى قال بعضهم : إن معنى ( ننسها ) نتركها على ما هي عليه من غير نسخ ، وأنت ترى هذا - وإن صح لغة - لا يلتئم مع تفسيرها ؛ إذ لا معنى للإتيان بخير منها مع تركها على حالها غير منسوخة ، ( قال ) : والمعنى الصحيح الذي يلتئم مع السياق إلى آخره أن الآية هنا هي ما يؤيد الله - تعالى - به الأنبياء من الدلائل على نبوتهم ، أي (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106ما ننسخ من آية ) نقيمها دليلا على نبوة نبي من الأنبياء أي نزيلها
[ ص: 344 ] ونترك تأييد نبي آخر ، أو ننسها الناس لطول العهد بمن جاء بها ، فإننا بما لنا من القدرة الكاملة والتصرف في الملك نأتي بخير منها في قوة الإقناع وإثبات النبوة أو مثلها في ذلك . ومن كان هذا شأنه في قدرته وسعة ملكه ، فلا يتقيد بآية مخصوصة يمنحها جميع أنبيائه ، والآية في أصل اللغة هي : الدليل والحجة والعلامة على صحة الشيء ، وسميت جمل القرآن آيات ؛ لأنها بإعجازها حجج على صدق النبي ، ودلائل على أنه مؤيد فيها بالوحي من الله - عز وجل - ، ومن قبيل تسمية الخاص باسم العام .
ولقد
nindex.php?page=treesubj&link=32424_32423كان من يهود من يشكك في رسالته - عليه السلام - بزعمهم أن النبوة محتكرة لشعب إسرائيل ، ولقد تقدمت الآيات في تفنيد زعمهم هذا وقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ) ( 28 : 48 ) أي من الآيات ، فرد الله - تعالى - عليهم في مواضع منها قوله - عز وجل - بعد حكاية قولهم هذا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل ) ( 28 : 48 ) . . . إلخ ، ومنها هذه الآيات ، والخطاب فيها للمؤمنين الذين كان
اليهود يريدون تشكيكهم كأنه يقول :
إن قدرة الله - تعالى - ليست محدودة ولا مقيدة بنوع مخصوص من الآيات أو بآحاد منها لا تتناول غيرها ، وليست الحجة محصورة في الآيات السابقة لا تتعداها ، بل الله قادر على أن يأتي بخير من الآيات التي أعطاها
موسى وبمثلها ، فإنه لا يعجز قدرته شيء ، ولا يخرج عن ملكه شيء ، كما أن رحمته ليست محصورة في شعب واحد فيخصه بالنبوة ويحصر فيه هداية الرسالة ، كلا إن رحمته وسعت كل شيء ، كما أن قدرته تتصرف بكل شيء من ملك السماوات والأرض الذي لا يشاركه فيه مشارك ، ولا ينازعه فيه منازع ، فيكون وليا ونصيرا لمن كفر بنعمه وانحرف عن سننه .
انظر كيف أسفرت البلاغة عن وجهها في هذا المقام ، فظهر أن ذكر القدرة وسعة الملك إنما يناسب الآيات بمعنى الدلائل دون معنى الأحكام الشرعية والأقوال الدالة عليها ، من حيث هي دالة عليها لا من حيث هي دالة على النبوة . ويزيد هذا سفورا ووضوحا قوله عقبه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108nindex.php?page=treesubj&link=28973_32425أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ) ؟ فقد كان
بنو إسرائيل لم يكتفوا بما أعطى
موسى من الآيات وتجرءوا على طلب غيرها وقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) ( 2 : 55 ) ، وكذلك كان
فرعون وقومه كلما رأوا آية طلبوا غيرها حتى رأوا تسع آيات بينات ولم يؤمنوا . وقوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108كما سئل موسى ) يشمل كل ذلك .
قد أرشدنا الله - تعالى - بهذا إلى أن التفنن في طلب الآيات ، وعدم الإذعان لما يجيء به النبي منها و الاكتفاء به بعد العجز عن معارضته هو دأب المطبوعين على الكفر ، الجامدين على المعاندة والمجاحدة ، فإنه قال بعد إنكار هذا الطلب : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ) ويوضح هذا قوله - تعالى - في آية أخرى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون )
[ ص: 345 ] ( 17 : 59 ) ، والمراد الآيات المقترحة ، بدليل السياق ، وهو اتفاق بين المفسرين ، ولو كان الموضوع موضوع طلب استبدال أحكام بأحكام تنسخها ، لما كان للتوعد بالكفر وجه وجيه .
وقوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108فقد ضل سواء السبيل ) معناه أنه أخطأ وسط الجادة ، ومال إلى أحد الجانبين ، ومتى انحرف السائر في سيره عن الوسط ، يخرج عن المنهج ويبعد عنه كلما أوغل في السير ، فيهلك دون الوصول إلى المقصد . والمراد بسواء السبيل : الحق والخير اللذان تكمل الفطرة بالاستقامة على السير في طريقهما ، ومن مال عن الحق وقع في الباطل لا محالة ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32فماذا بعد الحق إلا الضلال ) ( 10 : 32 ) .
هذا هو التفسير الذي تتصل به الآيات ، ويلتئم بعضها مع بعض على وجه يتدفق بالبلاغة ، وهو الذي يتقبله العقل ويستحليه الذوق ، إذ لا يحتاج إلى شيء من التكلف في فهم نظمه ، ولا في توخيه مفرداته كالإنساء والقدرة والملك ، وقد اضطر القائلون بأن المراد بالنسخ نسخ الأحكام - مع ما عرفت من التكلف - إلى القول بجواز نسيان الوحي ، وطفقوا يلتمسون الدلائل على ذلك ، حتى أوردوا قوله - عز وجل - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24واذكر ربك إذا نسيت ) ( 18 : 24 ) ، وليس من هذا الموضوع ولا المخاطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما جاء على طريق الحكاية ، وأما قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=6سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) ( 87 : 6 ، 7 ) فهو يؤكد عدم النسيان ؛ لأن الاستثناء بالمشيئة قد استعمل في أسلوب القرآن للدلالة على الثبوت و الاستمرار ، كما في قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ) ( 11 : 108 ) أي غير مقطوع . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ) ( 7 : 188 ) . والنكتة في الاستثناء بيان أن هذه الأمور الثابتة الدائمة إنما كانت كذلك بمشيئة الله - تعالى - لا بطبيعتها في نفسها ، ولو شاء الله - تعالى - أن يغيرها لفعل ، وهذا الاعتقاد من مهمات الدين ، فلا غرو أن تزاح عنه الأوهام في كل مقام يمكن أن تعرض فيه ، فليس امتناع نسيان الوحي طبيعة لازمة للنبي ، وإنما هو تأييد ومنحة من الله - تعالى - ، وليس
nindex.php?page=treesubj&link=30386خلود أهل الجنة في الجنة واجب عقلي أو طبيعي ، وإنما هو بإرادة الله - تعالى - ومشيئته .
وقرأ
ابن كثير وأبو عمرو ( أو ننسأها ) أي نؤخرها ، ولا يظهر هذا المعنى في مقام نسخ الأحكام كما يظهر في نسخ الآيات والمعجزات المقترحة على الأنبياء ، فإن الآية التي تقترح على نبي ؛ لأنها كانت لنبي قبله ، قد تنسخ بآية جديدة خير منها أو مثلها ، وقد تؤخر بالآية الجديدة ، ثم تعطى في وقت آخر بعد الاقتراح ، ولكن تأخير آيات الأحكام ليس له معنى ظاهر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106nindex.php?page=treesubj&link=28973مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=107أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ )
قَالَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=22169أَصْلَ النَّسْخِ النَّقْلُ ، سَوَاءً كَانَ نَقْلَ الشَّيْءِ بِذَاتِهِ كَمَا يُقَالُ : نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ ، أَيْ نَقَلَتْهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ ، أَوْ نَقْلَ صُورَتِهِ كَمَا يُقَالُ : نَسَخْتُ الْكِتَابَ ، إِذَا نَقَلْتُ عَنْهُ صُورَةً مِثْلَ الْأُولَى ، وَوَرَدَ : نَسَخَتِ الرِّيحُ الْأَثَرَ : أَيْ أَزَالَتْهُ . وَأَصْلُ النِّسْيَانِ التَّرْكُ أَوْ هُوَ غَايَتُهُ اللَّازِمَةُ لَهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=126أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ) ( 20 : 126 ) أَيْ تَرَكْتَهَا بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِهَا ، فَجَزَاؤُكَ أَنْ تُتْرَكَ فِي الْعَذَابِ فَاحْفَظِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) .
( الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ ) : لِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ طَرِيقَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=101وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ ) ( 16 : 101 ) ، فَالنَّسْخُ هُنَا بِمَعْنَى التَّبْدِيلِ ، أَيْ إِذَا جَعَلْنَا آيَةً بَدَلًا مِنْ آيَةٍ ، فَإِنَّنَا نَجْعَلُ هَذَا الْبَدَلَ خَيْرًا مِنَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ أَوْ مِثْلَهُ عَلَى الْأَقَلِّ ، فَالْآيَةُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ فِي نَسْخِ التِّلَاوَةِ ، وَقَالُوا : إِنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسْيَانِ هُوَ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِعَدَمِ تِلَاوَةِ الْآيَةِ فَتُنْسَى بِالْمَرَّةِ . ( قَالَ ) : وَهَذَا بِمَعْنَى التَّبْدِيلِ ، فَمَا هِيَ الْفَائِدَةُ فِي عَطْفِهِ عَلَيْهِ بـِ ( أَوْ ) ؟ وَهَلْ هُوَ إِلَّا تَكْرَارٌ يَجِلُّ كَلَامُ اللَّهِ عَنْهُ ؟ .
وَثَانِيهِمَا : أَنَّ الْمُرَادَ نَسْخُ حُكْمِ الْآيَةِ ، وَهُوَ عَامٌّ يَشْمَلُ نَسْخَ الْحُكْمِ وَحْدَهُ وَنَسْخَهُ مَعَ التِّلَاوَةِ ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ لِلْجُمْهُورِ ، وَقَالُوا فِي تَوْجِيهِهِ : إِنَّهُ لَا مَعْنَى لِنَسْخِ الْآيَةِ فِي ذَاتِهَا وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ . وَإِنَّمَا الْأَحْكَامُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْأَحْوَالِ ، فَإِذَا شُرِعَ حُكْمٌ فِي وَقْتٍ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ ، ثُمَّ زَالَتِ الْحَاجَةُ فِي وَقْتٍ آخَرَ ، فَمِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ يُنْسَخَ الْحُكْمُ وَيُبَدَّلَ بِمَا يُوَافِقُ الْوَقْتَ الْآخَرَ ، فَيَكُونُ خَيْرًا مِنَ الْأَوَّلِ أَوْ مِثْلَهُ فِي فَائِدَتِهِ مِنْ حَيْثُ قِيَامُ الْمَصْلَحَةِ بِهِ . وَقَالُوا : إِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَاءِ إِزَالَةُ الْآيَةِ مِنْ ذَاكِرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا : أَيَكُونُ
[ ص: 342 ] بَعْدَ التَّبْلِيغِ أَمْ قَبْلَهُ ؟ فَقِيلَ : بَعْدَهُ كَمَا وَرَدَ فِي أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَقِيلَ : قَبْلَهُ حَتَّى أَنَّ
السُّيُوطِيَّ رَوَى فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ أَنَّ
الْآيَةَ كَانَتْ تَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَيْلًا فَيَنْسَاهَا نَهَارًا ، فَحَزِنَ لِذَلِكَ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ . قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : وَلَا شَكَّ عِنْدِي فِي أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَكْذُوبَةٌ وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا النِّسْيَانِ مُحَالٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ فِي التَّبْلِيغِ ، وَالْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) ( 75 : 17 ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( 15 : 9 ) وَقَدْ قَالَ الْمُحَدِّثُونَ وَالْأُصُولِيُّونَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29120مِنْ عَلَامَةِ وَضْعِ الْحَدِيثِ مُخَالَفَتَهُ لِلدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَقْلِيًّا كَانَ أَوْ نَقْلِيًّا ، كَأُصُولِ الِاعْتِقَادِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْهَا ، فَإِنَّ هَذَا النِّسْيَانَ يُنَافِي الْعِصْمَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا .
وَقَالُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - بَعْدَ مَا ذَكَرَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) أَنَّهُ وَرَدَ مَوْرِدَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى النَّسْخِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَالُوهُ ، أَيْ أَنَّهُ لَا يُسْتَنْكَرُ عَلَى اللَّهِ كَمَا زَعَمَ
الْيَهُودُ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَنَالُهُ قُدْرَتُهُ ، ثُمَّ اسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=107أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) الْآيَةَ . وَالْخِطَابُ فِي ( تَعْلَمْ ) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ رُبَّمَا كَانُوا يَمْتَعِضُونَ مِنْ كَلَامِ
الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُعْتَرِضِينَ عَلَى النَّسْخِ ، وَضَعِيفُ الْإِيْمَانِ يُؤَثِّرُ فِي نَفْسِهِ أَنْ يُعَابَ مَا يَأْخُذُ بِهِ ، فَيُخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الرُّكُونِ إِلَى الشُّبْهَةِ أَوِ الْحَيْرَةِ فِيهَا ؛ فَفِي الْكَلَامِ تَثْبِيتٌ لِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ مِنَ الضُّعَفَاءِ وَدَعْمٌ لِإِيْمَانِهِمْ ، وَتَوْجِيهُ الْكَلَامِ إِلَى شَخْصٍ يُرَادُ غَيْرُهُ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَالْمُوَلِّدِينَ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى طَرِيقِ قَوْلِهِمْ : ( إِيَّاكَ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ ) وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمُلْكُ الْعَظِيمُ لِلَّهِ وَحْدَهُ ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ أَنْ يَنْسَخَ حُكْمًا مِنَ الْأَحْكَامِ . وَمِنْ آيَةِ إِرَادَةِ الْأُمَّةِ بِالْخِطَابِ الِالْتِفَاتُ عَنِ الْأَفْرَادِ إِلَى الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=107وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) أَيْ أَنَّ وَلِيَّكُمْ وَنَاصِرَكُمْ هُوَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَحْدَهُ ، فَلَا تُبَالُوا بِمَنْ يُنْكِرُ النَّسْخَ أَوْ يَعِيبُكُمْ بِهِ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَهْوِيَكُمْ إِنْكَارُهُمْ فَيُمِيلَكُمْ عَنْ دِينِكُمْ ، فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ وَلَا لِلْمُنْكِرِينَ إِذْ لَيْسَ فِي اسْتِطَاعَتِهِمْ أَنْ يَضُرُّوكُمْ أَوْ يَنْفَعُوكُمْ إِذَا كَانَ اللَّهُ هُوَ مَوْلَاكُمْ وَنَاصِرَكُمْ . وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِكُمْ سُوءًا فَلَا يَمْلِكُونَ أَنْ يَدْفَعُوهُ عَنْكُمْ .
ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ ) ، وَهَذَا كَلَامٌ
[ ص: 343 ] جَدِيدٌ مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ وَقَالُوا : إِنَّ ( أَمْ ) هُنَا لِلِاسْتِفْهَامِ لَا لِلْإِضْرَابِ ؛ لِأَنَّ أَمِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى ( بَلْ ) يُقْصَدُ بِهَا الْإِضْرَابُ عَنِ الْكَلَامِ السَّابِقِ ، وَلَا يَظْهَرُ الْإِضْرَابُ هُنَا . هَذَا مَا اخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مِنْ قَوْلِهِمْ .
( قَالَ ) : وَاسْتَشْهَدُوا لـِ ( أَمِ ) الِاسْتِفْهَامِيَّةِ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :
فَوَاللَّهِ لَا أَدْرِي أَهِنْدٌ تَقَوَّلَتْ أَمِ الْقَوْمُ أَمْ كُلٌّ إِلَيَّ حَبِيبُ ؟
وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ يَقُولُونَ : إِنَّ ( أَمْ ) هَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ لِلْإِضْرَابِ عَنْ عَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالسَّابِقِ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ عَنِ اقْتِرَاحِهِمْ ، فَهِيَ تَتَضَمَّنُ الْإِضْرَابَ وَ الِاسْتِفْهَامَ مَعًا ، وَتَجِدُ ( الْجَلَالَيْنِ ) يُقَدِّرَانِ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِهِمَا وَقَدْ قَدَّرَا فِيهِ هُنَا " بَلْ أَتُرِيدُونَ " ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَعْنَى هُنَا : أَتُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سَأَلَ مُوسَى قَوْمُهُ تَبَرُّمًا وَإِعْنَاتًا ؟ يُحَذِّرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَعَلَ أُولَئِكَ ، وَقَدْ أَتْبَعَ التَّحْذِيرَ بِالْوَعِيدِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108nindex.php?page=treesubj&link=28973وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) أَيْ إِنَّ تَرْكَ الْآيَاتِ الْمَوْجُودَةِ وَالْإِعْرَاضَ عَنْهَا لِإِعْنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسُؤَالِ غَيْرِهَا لِتَكُونَ بَدَلًا مِنْهَا هُوَ مِنِ اخْتِيَارِ الْكُفْرِ عَلَى الْإِيْمَانِ وَاسْتِحْبَابِ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى . وَبَدَّلَ وَتَبَدَّلَ وَاسْتَبْدَلَ يَدُلُّ عَلَى جَعْلِ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِ آخَرَ بَدَلًا مِنْهُ ، وَالْبَاءُ تُقْرَنُ بِالْمُبْدَلِ مِنْهُ لَا بِالْبَدَلِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) ( 2 : 61 ) .
( الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ ) : هَذَا تَقْرِيرُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَاتِ ، وَإِذَا وَازَنَّا بَيْنَ سِيَاقِ آيَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106مَا نَنْسَخْ ) وَآيَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=101وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ) ، نَجِدُ أَنَّ الْأُولَى خُتِمَتْ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وَالثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=101وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ ) ( 16 : 101 ) الْآيَةَ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ شِدَّةَ الْعِنَايَةِ فِي أُسْلُوبِ الْقُرْآنِ بِمُرَاعَاةِ هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتِ ، فَذِكْرُ الْعِلْمِ وَالتَّنْزِيلِ وَدَعْوَى الِافْتِرَاءِ فِي الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنْ يُرَادَ بِالْآيَاتِ فِيهَا آيَاتُ الْأَحْكَامِ .
وَأَمَّا ذِكْرُ الْقُدْرَةِ وَالتَّقْرِيرُ بِهَا فِي الْآيَةِ الْأُولَى فَلَا يُنَاسِبُ مَوْضُوعَ الْأَحْكَامِ وَنَسْخِهَا ، وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ هَذَا ذِكْرَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ ، فَلَوْ قَالَ : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ، لَكَانَ لَنَا أَنْ نَقُولَ : إِنَّهُ أَرَادَ نَسْخَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ لِمَا اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ مِنِ انْتِهَاءِ الزَّمَنِ أَوِ الْحَالِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا تِلْكَ الْأَحْكَامُ مُوَافِقَةً لِلْمَصْلَحَةِ ، وَقَدْ تَحَيَّرَ الْعُلَمَاءُ فِي فَهْمِ الْإِنْسَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ مَعْنَى ( نُنْسِهَا ) نَتْرُكُهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ ، وَأَنْتَ تَرَى هَذَا - وَإِنْ صَحَّ لُغَةً - لَا يَلْتَئِمُ مَعَ تَفْسِيرِهَا ؛ إِذْ لَا مَعْنَى لِلْإِتْيَانِ بِخَيْرٍ مِنْهَا مَعَ تَرْكِهَا عَلَى حَالِهَا غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ ، ( قَالَ ) : وَالْمَعْنَى الصَّحِيحُ الَّذِي يَلْتَئِمُ مَعَ السِّيَاقِ إِلَى آخِرِهِ أَنَّ الْآيَةَ هُنَا هِيَ مَا يُؤَيِّدُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِهِ الْأَنْبِيَاءَ مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى نُبُوَّتِهِمْ ، أَيْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ) نُقِيمُهَا دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّةِ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَيْ نُزِيلُهَا
[ ص: 344 ] وَنَتْرُكُ تَأْيِيدَ نَبِيٍّ آخَرَ ، أَوْ نُنْسِهَا النَّاسَ لِطُولِ الْعَهْدِ بِمَنْ جَاءَ بِهَا ، فَإِنَّنَا بِمَا لَنَا مِنَ الْقُدْرَةِ الْكَامِلَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمُلْكِ نَأْتِي بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي قُوَّةِ الْإِقْنَاعِ وَإِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ أَوْ مِثْلِهَا فِي ذَلِكَ . وَمَنْ كَانَ هَذَا شَأْنَهُ فِي قُدْرَتِهِ وَسَعَةِ مُلْكِهِ ، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِآيَةٍ مَخْصُوصَةٍ يَمْنَحُهَا جَمِيعَ أَنْبِيَائِهِ ، وَالْآيَةُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ هِيَ : الدَّلِيلُ وَالْحُجَّةُ وَالْعَلَامَةُ عَلَى صِحَّةِ الشَّيْءِ ، وَسُمِّيَتْ جُمَلُ الْقُرْآنِ آيَاتٍ ؛ لِأَنَّهَا بِإِعْجَازِهَا حُجَجٌ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ ، وَدَلَائِلُ عَلَى أَنَّهُ مُؤَيَّدٌ فِيهَا بِالْوَحْيِ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ، وَمِنْ قَبِيلِ تَسْمِيَةِ الْخَاصِّ بِاسْمِ الْعَامِّ .
وَلَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=32424_32423كَانَ مِنْ يَهُودَ مَنْ يُشَكِّكُ فِي رِسَالَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِزَعْمِهِمْ أَنَّ النُّبُوَّةَ مُحْتَكَرَةٌ لِشَعْبِ إِسْرَائِيلَ ، وَلَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْآيَاتُ فِي تَفْنِيدِ زَعْمِهِمْ هَذَا وَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى ) ( 28 : 48 ) أَيْ مِنَ الْآيَاتِ ، فَرَدَّ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِمْ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِهِمْ هَذَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ ) ( 28 : 48 ) . . . إِلَخْ ، وَمِنْهَا هَذِهِ الْآيَاتُ ، وَالْخِطَابُ فِيهَا لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانَ
الْيَهُودُ يُرِيدُونَ تَشْكِيكَهُمْ كَأَنَّهُ يَقُولُ :
إِنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ - تَعَالَى - لَيْسَتْ مَحْدُودَةً وَلَا مُقَيَّدَةً بِنَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنَ الْآيَاتِ أَوْ بِآحَادٍ مِنْهَا لَا تَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا ، وَلَيْسَتِ الْحُجَّةُ مَحْصُورَةً فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ لَا تَتَعَدَّاهَا ، بَلِ اللَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِخَيْرٍ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أَعْطَاهَا
مُوسَى وَبِمِثْلِهَا ، فَإِنَّهُ لَا يُعْجِزُ قُدْرَتَهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مُلْكِهِ شَيْءٌ ، كَمَا أَنَّ رَحْمَتَهُ لَيْسَتْ مَحْصُورَةً فِي شَعْبٍ وَاحِدٍ فَيَخُصُّهُ بِالنُّبُوَّةِ وَيَحْصُرُ فِيهِ هِدَايَةَ الرِّسَالَةِ ، كَلَّا إِنَّ رَحْمَتَهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ تَتَصَرَّفُ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ مُلْكِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ مُشَارِكٌ ، وَلَا يُنَازِعُهُ فِيهِ مُنَازِعٌ ، فَيَكُونُ وَلِيًّا وَنَصِيرًا لِمَنْ كَفَرَ بِنِعَمِهِ وَانْحَرَفَ عَنْ سُنَنِهِ .
انْظُرْ كَيْفَ أَسْفَرَتِ الْبَلَاغَةُ عَنْ وَجْهِهَا فِي هَذَا الْمَقَامِ ، فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ الْقُدْرَةِ وَسَعَةَ الْمُلْكِ إِنَّمَا يُنَاسِبُ الْآيَاتِ بِمَعْنَى الدَّلَائِلِ دُونَ مَعْنَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَقْوَالِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا ، مِنْ حَيْثُ هِيَ دَالَّةٌ عَلَيْهَا لَا مِنْ حَيْثُ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى النُّبُوَّةِ . وَيَزِيدُ هَذَا سُفُورًا وَوُضُوحًا قَوْلُهُ عَقِبَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108nindex.php?page=treesubj&link=28973_32425أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ ) ؟ فَقَدْ كَانَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَكْتَفُوا بِمَا أَعْطَى
مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ وَتَجَرَّءُوا عَلَى طَلَبِ غَيْرِهَا وَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ) ( 2 : 55 ) ، وَكَذَلِكَ كَانَ
فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ كُلَّمَا رَأَوْا آيَةً طَلَبُوا غَيْرَهَا حَتَّى رَأَوْا تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلَمْ يُؤْمِنُوا . وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108كَمَا سُئِلَ مُوسَى ) يَشْمَلُ كُلَّ ذَلِكَ .
قَدْ أَرْشَدَنَا اللَّهُ - تَعَالَى - بِهَذَا إِلَى أَنَّ التَّفَنُّنَ فِي طَلَبِ الْآيَاتِ ، وَعَدَمَ الْإِذْعَانِ لِمَا يَجِيءُ بِهِ النَّبِيُّ مِنْهَا وَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ هُوَ دَأْبُ الْمَطْبُوعِينَ عَلَى الْكُفْرِ ، الْجَامِدِينِ عَلَى الْمُعَانَدَةِ وَالْمُجَاحَدَةِ ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ إِنْكَارِ هَذَا الطَّلَبِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيْمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) وَيُوَضِّحُ هَذَا قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي آيَةٍ أُخْرَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ )
[ ص: 345 ] ( 17 : 59 ) ، وَالْمُرَادُ الْآيَاتُ الْمُقْتَرَحَةُ ، بِدَلِيلِ السِّيَاقِ ، وَهُوَ اتِّفَاقٌ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْضُوعُ مَوْضُوعَ طَلَبِ اسْتِبْدَالِ أَحْكَامٍ بِأَحْكَامٍ تَنْسَخُهَا ، لَمَا كَانَ لِلتَّوَعُّدِ بِالْكُفْرِ وَجْهٌ وَجِيهٌ .
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَخْطَأَ وَسَطَ الْجَادَّةِ ، وَمَالَ إِلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، وَمَتَى انْحَرَفَ السَّائِرُ فِي سَيْرِهِ عَنِ الْوَسَطِ ، يَخْرُجُ عَنِ الْمَنْهَجِ وَيَبْعُدُ عَنْهُ كُلَّمَا أَوْغَلَ فِي السَّيْرِ ، فَيَهْلَكُ دُونَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَقْصِدِ . وَالْمُرَادُ بِسَوَاءِ السَّبِيلِ : الْحَقُّ وَالْخَيْرُ اللَّذَانِ تَكْمُلُ الْفِطْرَةُ بِالِاسْتِقَامَةِ عَلَى السَّيْرِ فِي طَرِيقِهِمَا ، وَمَنْ مَالَ عَنِ الْحَقِّ وَقَعَ فِي الْبَاطِلِ لَا مَحَالَةَ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ) ( 10 : 32 ) .
هَذَا هُوَ التَّفْسِيرُ الَّذِي تَتَّصِلُ بِهِ الْآيَاتُ ، وَيَلْتَئِمُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ عَلَى وَجْهٍ يَتَدَفَّقُ بِالْبَلَاغَةِ ، وَهُوَ الَّذِي يَتَقَبَّلُهُ الْعَقْلُ وَيَسْتَحْلِيهِ الذَّوْقُ ، إِذْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّكَلُّفِ فِي فَهْمِ نَظْمِهِ ، وَلَا فِي تَوَخِّيهِ مُفْرَدَاتِهِ كَالْإِنْسَاءِ وَالْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ ، وَقَدِ اضْطُرَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّسْخِ نَسْخُ الْأَحْكَامِ - مَعَ مَا عَرَفْتَ مِنَ التَّكَلُّفِ - إِلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ نِسْيَانِ الْوَحْيِ ، وَطَفِقُوا يَلْتَمِسُونَ الدَّلَائِلَ عَلَى ذَلِكَ ، حَتَّى أَوْرَدُوا قَوْلَهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) ( 18 : 24 ) ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْمَوْضُوعِ وَلَا الْمُخَاطَبُ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَإِنَّمَا جَاءَ عَلَى طَرِيقِ الْحِكَايَةِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=6سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ) ( 87 : 6 ، 7 ) فَهُوَ يُؤَكِّدُ عَدَمَ النِّسْيَانِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْمَشِيئَةِ قَدِ اسْتُعْمِلَ فِي أُسْلُوبِ الْقُرْآنِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثُّبُوتِ وَ الِاسْتِمْرَارِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) ( 11 : 108 ) أَيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ . وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ) ( 7 : 188 ) . وَالنُّكْتَةُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّابِتَةَ الدَّائِمَةَ إِنَّمَا كَانَتْ كَذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا بِطَبِيعَتِهَا فِي نَفْسِهَا ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنْ يُغَيِّرَهَا لَفَعَلَ ، وَهَذَا الِاعْتِقَادُ مِنْ مَهَمَّاتِ الدِّينِ ، فَلَا غَرْوَ أَنْ تُزَاحَ عَنْهُ الْأَوْهَامُ فِي كُلِّ مَقَامٍ يُمْكِنُ أَنْ تَعْرِضَ فِيهِ ، فَلَيْسَ امْتِنَاعُ نِسْيَانِ الْوَحْيِ طَبِيعَةً لَازِمَةً لِلنَّبِيِّ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَأْيِيدٌ وَمِنْحَةٌ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - ، وَلَيْسَ
nindex.php?page=treesubj&link=30386خُلُودَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَاجِبٌ عَقْلِيٌّ أَوْ طَبِيعِيٌّ ، وَإِنَّمَا هُوَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَمَشِيئَتِهِ .
وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو ( أَوْ نَنْسَأَهَا ) أَيْ نُؤَخِّرُهَا ، وَلَا يَظْهَرُ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَقَامِ نَسْخِ الْأَحْكَامِ كَمَا يَظْهَرُ فِي نَسْخِ الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْمُقْتَرَحَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ ، فَإِنَّ الْآيَةَ الَّتِي تُقْتَرَحُ عَلَى نَبِيٍّ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ لِنَبِيٍّ قَبْلَهُ ، قَدْ تُنْسَخُ بِآيَةٍ جَدِيدَةٍ خَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ، وَقَدْ تُؤَخَّرُ بِالْآيَةِ الْجَدِيدَةِ ، ثُمَّ تُعْطَى فِي وَقْتٍ آخَرَ بَعْدَ الِاقْتِرَاحِ ، وَلَكِنَّ تَأْخِيرَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ .