[ ص: 1531 ] إن الإنسان خلق هلوعا قال في الصحاح : الهلع في اللغة : أشد الحرص وأسوأ الجزع وأفحشه يقال هلع بالكسر فهو هلع وهلوع على التكثير . قوله :
وقال عكرمة : هو الضجور .
قال الواحدي : والمفسرون يقولون : تفسير الهلع ما بعده يعني قوله : إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا أي : إذا أصابه الفقر والحاجة أو المرض أو نحو ذلك فهو جزوع ، أي : كثير الجزع ، وإذا أصابه الخير من الغنى والخصب والسعة ونحو ذلك فهو كثير المنع والإمساك .
وقال أبو عبيدة : الهلوع هو الذي إذا مسه الخير لم يشكر ، وإذا مسه الشر لم يصبر .
قال ثعلب : قد فسر الله الهلوع : هو الذي إذا أصابه الشر أظهر شدة الجزع ، وإذا أصابه الخير بخل به ومنعه الناس ، والعرب تقول : ناقة هلوع وهلواع إذا كانت سريعة السير خفيفته ، ومنه قول الشاعر :
شكا ذعلبة إذا استدبرتها حرج إذا استقبلتها هلواع
والذعلبة : الناقة السريعة ، وانتصاب هلوعا وجزوعا ومنوعا على أنها أحوال مقدرة ، أو محققة لكونها ، والظرفان معمولان ل " جزوعا " و " منوعا " . طبائع جبل الإنسان عليهاإلا المصلين أي ، وقيل : المراد بهم أهل التوحيد : يعني أنهم ليسوا على تلك الصفات من الهلع ، والجزع ، والمنع ، وأنهم على صفات محمودة وخلال مرضية ؛ لأن المقيمين للصلاة . إيمانهم وما تمسكوا به من التوحيد ودين الحق يزجرهم عن الاتصاف بتلك الصفات ، ويحملهم على الاتصاف بصفات الخير
ثم بينهم سبحانه فقال : الذين هم على صلاتهم دائمون أي : لا يشغلهم عنها شاغل ، ولا يصرفهم عنها صارف ، وليس المراد بالدوام أنهم يصلون أبدا .
قال : هم الذين لا يزيلون وجوههم عن سمت القبلة . الزجاج
وقال الحسن ، : هو التطوع منها . وابن جريج
قال النخعي : المراد بالمصلين الذين يؤدون الصلاة المكتوبة ، وقيل : الذين يصلونها لوقتها والمراد بالآية جميع المؤمنين ، وقيل : الصحابة خاصة ، ولا وجه لهذا التخصيص لاتصاف كل مؤمن بأنه من المصلين .
والذين في أموالهم حق معلوم قال قتادة ، : المراد الزكاة المفروضة . ومحمد بن سيرين
وقال مجاهد : سوى الزكاة ، وقيل : صلة الرحم ، والظاهر أنه الزكاة لوصفه بكونه معلوما ولجعله قرينا للصلاة ، وقد تقدم تفسير السائل والمحروم في سورة الذاريات مستوفى .
والذين يصدقون بيوم الدين أي : بيوم الجزاء ، وهو يوم القيامة لا يشكون فيه ولا يجحدونه ، وقيل : يصدقونه بأعمالهم فيتعبون أنفسهم في الطاعات .
والذين هم من عذاب ربهم مشفقون أي : خائفون وجلون مع ما لهم من أعمال الطاعة استحقارا لأعمالهم ، واعترافا بما يجب لله سبحانه عليهم .
وجملة إن عذاب ربهم غير مأمون مقررة لمضمون ما قبلها مبينة أن ذلك مما لا ينبغي أن يأمنه أحد ، وأن حق كل أحد أن يخافه .
والذين هم لفروجهم حافظون إلى قوله : فأولئك هم العادون قد تقدم تفسيره في سورة المؤمنين مستوفى .
والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون أي : لا يخلون بشيء من الأمانات التي يؤتمنون عليها ولا ينقضون شيئا من العهود التي يعقدونها على أنفسهم .
قرأ الجمهور لأماناتهم بالجمع . وقرأ ابن كثير ، وابن محيصن : " لأمانتهم " بالإفراد ، والمراد الجنس .
والذين هم بشهاداتهم قائمون أي : يقيمونها على من كانت عليه من قريب أو بعيد أو رفيع أو وضيع ، ولا يكتمونها ولا يغيرونها ، وقد تقدم القول في الشهادة من سورة البقرة ، قرأ الجمهور " بشهادتهم " بالإفراد ، وقرأ حفص ، ويعقوب وهي رواية عن ابن كثير بالجمع .
قال الواحدي ، والإفراد أولى لأنه مصدر ، ومن جمع ذهب إلى اختلاف الشهادات .
قال الفراء : ويدل على قراءة التوحيد قوله تعالى : وأقيموا الشهادة لله [ الطلاق : 2 ] .
والذين هم على صلاتهم يحافظون أي : على أذكارها وأركانها وشرائطها لا يخلون بشيء من ذلك .
قال قتادة : على وضوئها وركوعها وسجودها .
وقال : المراد التطوع ، وكرر ذكر الصلاة لاختلاف ما وصفهم به أولا ، وما وصفهم به ثانيا ، فإن معنى الدوام : هو أن لا يشتغل عنها بشيء من الشواغل كما سلف ، ومعنى المحافظة : أن يراعي الأمور التي لا تكون صلاة بدونها ، وقيل : المراد يحافظون عليها بعد فعلها من أن يفعلوا ما يحبطها ويبطل ثوابها ، وكرر الموصولات للدلالة على أن كل وصف من تلك الأوصاف لجلالته يستحق أن يستقل بموصوف منفرد . ابن جريج
والإشارة بقوله : أولئك إلى الموصوفين بتلك الصفات في جنات مكرمون أي : مستقرون فيها مكرمون بأنواع الكرامات ، وخبر المبتدأ قوله : في جنات وقوله : مكرمون خبر آخر ، ويجوز أن يكون الخبر " مكرمون " ، و " في جنات " متعلق به .
فمال الذين كفروا قبلك مهطعين أي : أي شيء لهم حواليك مسرعين . قال الأخفش : مهطعين : مسرعين ، ومنه قول الشاعر :
بمكة أهلها ولقد أراهم إليهم مهطعين إلى السماع
وقال الكلبي : إن المعنى : مهطعين ناظرين إليك .
وقال قتادة : عامدين ، وقيل : مسرعين إليك مادي أعناقهم مديمي النظر إليك .
عن اليمين وعن الشمال عزين أي : عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن شماله جماعات متفرقة ، و " عزين " جمع عزة ، وهي العصبة من الناس ، ومنه قول الشاعر :
[ ص: 1532 ]
ترانا عنده والليل داج على أبوابه حلقا عزينا
أخليفة الرحمن إن عشيرتي أمسى سراتهم إليك عزينا
وقرن قد تركت لدى ولي عليه الطير كالعصب العزينا
قال في الصحاح : والعزة : الفرقة من الناس ، والهاء عوض من التاء ، والجمع عزي وعزون ، وقوله : عن اليمين وعن الشمال متعلق بعزين ، أو بمهطعين .
أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم قال المفسرون : كان المشركون يقولون لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلن قبلهم ، فنزلت الآية ، قرأ الجمهور أن يدخل مبنيا للمفعول .
وقرأ الحسن ، ، وزيد بن علي ، وطلحة بن مصرف ، والأعرج ، ويحيى بن يعمر وأبو رجاء ، وعاصم في رواية عنه على البناء للفاعل .
ثم رد الله سبحانه عليهم فقال : كلا إنا خلقناهم مما يعلمون أي : من القذر الذين يعلمون به فلا ينبغي لهم هذا التكبر ، وقيل : المعنى : إنا خلقناهم من أجل ما يعلمون ، وهو امتثال الأمر والنهي وتعريضهم للثواب والعقاب كما في قوله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، [ الذاريات : 56 ] ومنه قول الأعشى :
أأزمعت من آل ليلى ابتكارا وشطت على ذي هوى أن يزارا
وأخرج ابن المنذر عنه هلوعا قال : الشره .
وأخرج في المصنف عن ابن أبي شيبة ابن مسعود الذين هم على صلاتهم دائمون قال : على مواقيتها .
وأخرج ، ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عمران بن حصين الذين هم على صلاتهم دائمون قال : الذي لا يلتفت في صلاته .
وأخرج ، عبد بن حميد وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عقبة بن عامر الذين هم على صلاتهم دائمون قال : هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا .
وأخرج ابن المنذر من طريق أخرى عنه نحوه .
وأخرج عن ابن جرير ابن عباس فمال الذين كفروا قبلك مهطعين قال : ينظرون عن اليمين وعن الشمال عزين قال : العصب من الناس عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به .
وأخرج مسلم وغيره جابر قال : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ونحن حلق متفرقون فقال : ما لي أراكم عزين . عن
وأخرج أحمد ، ، وابن ماجه وابن سعد ، ، وابن أبي عاصم والباوردي ، ، وابن قانع والحاكم ، والبيهقي في الشعب ، والضياء عن بسر بن جحاش قال : فمال الذين كفروا قبلك مهطعين إلى قوله : كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ثم بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفه ووضع عليها أصبعه وقال : يقول الله : ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أوأتى أوان الصدقة . قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم :