2500 - وأخبرنا عمرو بن علي قال : أخبرنا عبد الله بن هارون بن أبي عيسى ، عن أبيه ، عن ، أنه سمع ابن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد قال : حدثني عبد الله بن عباس ، حديثه من فيه قال : سلمان الفارسي فارسيا من أهل أصفهان من قرية منها يقال حيى ، وكان أبي دهقان قريته ، وكنت أحب خلق الله إليه لم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية ، فاجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار أوقدها لا أتركها تخبو ساعة ، وكانت لأبي ضيعة عظيمة فشغل يوما ، فقال لي : يا بني إني قد شغلت هذا اليوم عن ضيعتي اذهب إليها فطالعها ، وأمرني فيها ببعض ما يريد ، ثم قال [ ص: 463 ] لي : لا تحبس علي فإنك إن احتبست علي كنت أهم إلي من ضيعتي وشغلتني عن كل شيء ، فخرجت أريد ضيعته أسير إليها فمررت بكنيسة من كنائس النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته ، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم ، وقلت هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه ، فما برحت من عندهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ، ثم قلت لهم أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : رجل كنت رجلا بالشام ، ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي ، وقد شغلته عن عمله ، فقال : أي بني أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قال : قلت : إني مررت بناس يصلون في كنيسة لهم ، فدخلت إليهم فما زلت عندهم وهم يصلون حتى غربت الشمس ، فقال : أي بني ليس في ذلك الدين خير ، دينك ودين آبائك خير منه ، ثم حبسني في بيته وبعثت إلي النصارى ، فقلت : إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم ، فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم ، فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم ، فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام ، فلما قدمتها قلت : من أفضل هذا الدين علمـا ؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة ، فجئته فقلت له : إني قد رغبت في هذا الدين ، فأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك ، وأتعلم منك وأصلي معك قال : فادخل ، فدخلت معه وكان رجل سوء يأمر بالصدقة [ ص: 464 ] ويرغبهم ، فإذا جمعوا إليه شيئا منها اكتنزه لنفسه فلم يعط إنسانا منها شيئا حتى جمع قلالا من ذهب وورق ، وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ، ثم مات ، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه ، فقلت لهم : إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها ، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ، فلم يعط إنسانا ، أو لم يعط المساكين منها شيئا ، قالوا : وما علمك بذاك ؟ قلت لهم : فأنا أدلكم على كنزه ، قالوا : فدلنا عليه ، فدللتهم عليه فاستخرجوا ذهبـا وورقا ، فلما رأوها قالوا : والله لا تدفنوه أبدا ، فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ، وكان ثم رجل آخر فجعلوه مكانه قال : يقول سلمان : فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أفضل منه أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه ، فأحببته حبا لم أحبه شيئا قط ، فما زلت معه زمانا ثم حضرته الوفاة ، فقلت له : يا فلان إني قد كنت معك فأحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك ، وقد حضرك ما ترى من أمر الله فإلى من توصي بي وما تأمرني ؟ قال : أي بني والله ما أعلم أحدا على ما كنت عليه ، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا كثيرا مما كانوا عليه إلا رجل بالموصل وهو فلان ، وهو على ما كنت عليه فالحق به ، فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل ، فقلت له يا فلان : إن فلانـا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره ، فقال : فأقم عندي ، فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه ، فلم ألبث أن مات ، فلما حضرته الوفاة ، قلت له : يا فلان إن فلانـا أوصاني إليك وأمرني فألحق بك ، وقد حضر من أمر الله ما ترى ، فإلى من توصي بي ؟ وما تأمرني ؟ قال : أي بني والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجل بنصيبين وهو فلان ، فالحق به ، فلما [ ص: 465 ] مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئته ، فأخبرته بما أمرني به صاحبه ، فقال : أقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت ، فلما حضر : قلت له يا فلان ، إن فلانـا أوصى بي إلى فلان ، وأوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي ، وما تأمرني ؟ قال : يا بني ما أعلم بقي أحد على ما آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم على مثل ما نحن عليه ، فإنه على أمرنا ، فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية ، فأخبرته خبري ، فقال : أقم عندي ، فأقمت عند خير رجل على هدي أصحابه وأمرهم ، واكتسبت حتى كانت لي بقيرات وغنيمة ، ثم نزل به أمر الله فلما حضر قلت له : يا فلان إني كنت مع فلان ، فأوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى فلان إلى فلان ، ثم أوصاني فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي وما تأمرني ؟ قال : والله ما أعلم أصلح لك على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ، ولكن قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين ، به علامات لا تخفى ، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه صلى الله عليه وسلم خاتم النبوة ، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل ، ثم مات وغيب ، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ، ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم : تحملوني إلى أرض العرب ، وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه ؟ قالوا : نعم ، فأعطيتهم وحملوني معهم ، حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي كنت [ ص: 466 ] عنده فرأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق في نفسي ، فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من بني قريظة فابتاعني منه فحملني إلى المدينة ، فوالله ما هو إلا رأيتها عرفتها بصفة صاحبي لي ، فأقمت بها فبعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأقام بمكة ما أقام ما أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل له فيه بعض العمل ، وسيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه ، فقال قاتل الله بني قيلة ، والله إنهم الآن لمجتمعون عند رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي ، فلما سمعتها أخذني - يعني الفرح - حتى ظننت أني سأسقط على سيدي ، ونزلت عن النخلة وجعلت أقول لابن عمه ذلك ماذا تقول ؟ ماذا تقول ؟ فغضب سيدي ، فلكمني لكمة شديدة ، ثم قال لي ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك ، قلت : لا شيء ، إنما أردت أن أستفتيه عما قال ، وقد كان عندي شيء قد جمعته ، فلما أمسيت أخذته ، ثم ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء ، فدخلت عليه ، فقلت له : إنه قد بلغني أنك رجل صالح ، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة ، وهذا شيء كان عندي صدقة فرأيتكم أحق به من غيركم قال : وقربته إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " كلوا " وأمسك هو فلم يأكل منه ، فقلت في نفسي هذه واحدة ، ثم انصرفت عنه ، فجمعت شيئا فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ثم جئت به فقلت له : [ ص: 467 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، وأمر أصحابه فأكلوا ، وقال : قلت في نفسي هاتان ثنتان ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها ، فأكل ببقيع الغرقد قد اتبع جنازة رجل من أصحابه ، وهو جالس ، فسلمت عليه ثم استدبرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي فألقى رداءه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فأكببت عليه أقبله وأبكي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تحول " فتحولت فجلست بين يديه ، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه ، ثم شغل ابن عباس سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كاتب يا سلمان " ، فكاتبت صاحبي على ثلاث مائة نخلة أحييها له وبأربعين أوقية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أعينوا أخاكم فأعانوني في النخل ، الرجل بثلاثين ، والرجل بعشرين ، والرجل بخمس عشرة ، والرجل بعشر ، والرجل بقدر ما عنده ، حتى اجتمعت لي ثلاث مائة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذهب يا سلمان ، فإذا فرغت فآذني أكون معك أنا أضعها بيدي " ، ففقرت لها ، وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت جئته فأخبرته ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده حتى فرغنا ، فوالذي نفس سلمان بيده ما مات منها نخلة واحدة ، فأديت النخل ، وبقي علي المال ، فأتي [ ص: 468 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن قال : ما فعل الفارسي المكاتب ؟ فدعيت له ، فقال : " خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان " فقلت ، وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ قال : " خذها فإن الله سيؤدي بها عنك " فوزنت له منها ، فوالذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم ، وعتق سلمان ، وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ، ثم لم يفتني معه مشهد .