الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1663 [ ص: 62 ] حديث أول لزياد بن سعد

مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاوس اليماني أنه قال : أدركت ناسا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون : كل شيء بقدر ، قال طاوس : وسمعت عبد الله بن عمر يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كل شيء بقدر حتى العجز والكيس ، أو : الكيس والعجز .

التالي السابق


هكذا رواه يحيى على الشك في تقديم إحدى اللفظتين وتابعه ابن بكير وأبو المصعب ورواه القعنبي وابن وهب موقوفا لم يزيدوا على قوله عن طاوس : أدركت ناسا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون : كل شيء بقدر ، وأكثر الرواة ذكروا الزيادة عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما روى يحيى إلا أن منهم من لم يشك ورواه على القطع ، وهو حديث ثابت لا يجيء إلا من هذا الوجه ، فإن صح أن الشك من ابن عمر أو ممن هو دونه [ ص: 63 ] ففيه دليل على مراعاة الإتيان بألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - على رتبتها وأظن هذا من ورع ابن عمر رحمه الله .

والذي عليه العلماء استجازة الإتيان بالمعاني دون الألفاظ لمن يعرف المعنى , روي ذلك عن جماعة ( منهم ) منصوصا ، ومن تأمل حديث ابن شهاب ومثله ، واختلاف أصحابهم عليهم في متون الأحاديث بان له ما قلنا ، وبالله توفيقنا .

وفي هذا الحديث أدل الدلائل وأوضحها على أن الشر والخير كل من عند الله ، وهو خالقهما لا شريك له ، ولا إله غيره ، لأن العجز شر ، ولو كان خيرا ما استعاذ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد استعاذ من الكسل والعجز ؟ ومحال أن يستعيذ من الخير ، وفي قول الله - عز وجل - : قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق كفاية لمن وفق ، وقال : - عز وجل - يضل من يشاء ويهدي من يشاء [ ص: 64 ] وروى مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن دينار أنه قال : سمعت عبد الله بن الزبير يقول في خطبته : إن الله هو الهادي والفاتن . وفيما أجاز لنا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن وهب السقطي بالبصرة ، قال : حدثنا أبو زيد خالد بن النصر قال : حدثنا علي بن حرب أبو الحسن الموصلي قال : حدثنا خالد بن يزيد العدوي قال : حدثني عبد العزيز بن أبي رواد قال : سمعت عطاء بن أبي رباح يقول : كنت عند ابن عباس فأتاه رجل فقال : أرأيت من حرمني الهدى ، وأورثني الضلالة والردى , أتراه أحسن إلي أو ظلمني ؟ فقال ابن عباس : إن كان الهدى شيئا كان لك عنده ، فمنعكه فقد ظلمك ، وإن كان الهدى له يؤتيه من يشاء فما ظلمك شيئا ، ولا تجالسني بعده .

وقد روي أن غيلان القدري وقف بربيعة بن أبي عبد الرحمن فقال له يا أبا عثمان أرأيت الذي منعني الهدى ، ومنحني الردى أأحسن إلي أم أساء ؟ فقال : ربيعة إن كان [ ص: 65 ] منعك شيئا هو لك فقد ظلمك ، وإن كان فضله يؤتيه من يشاء فما ظلمك شيئا ، وإنما أخذه ربيعة من قول ابن عباس هذا ، والله أعلم .

وما ربك بظلام للعبيد إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون و لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .

ذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه ، عن ابن عباس أنه قال له رجل يا أبا العباس إن ناسا يقولون : إن الشر ليس بقدر . فقال : بيننا وبين أهل القدر هذه الآية سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا الآية كلها حتى بلغ فلو شاء لهداكم أجمعين ‎ ، وقال غيلان القدري : لربي أنت الذي تزعم أن الله يحب أن يعصى ؟ قال : وأنت تزعم أن الله يعصى قسرا .

أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا حمزة بن محمد حدثنا أحمد بن شعيب حدثنا عمرو بن علي [ ص: 66 ] حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي ، عن قتادة عن أنس أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ، والبخل والجبن ( والهرم ) وعذاب القبر ، وفتنة المحيا والممات .

قال : وأخبرنا أحمد بن شعيب أخبرنا أحمد بن سليمان قال : حدثنا محاضر قال : حدثنا عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث عن زيد بن أرقم قال : ألا أعلمكم ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا : اللهم إني أعوذ بك من العجز ، والكسل ، والبخل ، والجبن ، والهرم ، وعذاب القبر ، اللهم آت أنفسنا تقواها ( وزكها ) أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، وعلم لا ينفع ، ودعوة لا يستجاب لها .

[ ص: 67 ] وذكر الحسن بن علي الحلواني قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا إدريس بن وهب بن منبه عن أبيه ، قال : نظرت في القدر فتحيرت ، ثم نظرت فيه فتحيرت ، ووجدت أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه ، وأجهل الناس به أنطقهم فيه .

وروى إسماعيل القاضي قال : حدثنا نصر بن علي قال : حدثنا الأصمعي قال : سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول : أشهد أن الله يضل ويهدي فإن قيل لي فسر ، قلت : أغن عني نفسك ، قال الحسن بن علي الحلواني : أملى علي علي بن المديني قال : سألت عبد الرحمن بن مهدي عن القدر فقال لي : كل شيء بقدر ، والطاعة بقدر ، والمعصية بقدر .

قال : وقد أعظم الفرية من قال : إن المعاصي ليست بقدر ، قال : وقال لي عبد الرحمن بن مهدي العلم والقدر والكتاب سواء .

ثم عرضت كلام عبد الرحمن هذا على يحيى بن سعيد فقال لم يبق بعد هذا قليل ولا كثير .

[ ص: 68 ] قال أبو عمر :

روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن مسعود رواه أبو وائل وغيره عنه أنه قال : إذا ذكر القدر فأمسكوا ، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا ، وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا .




الخدمات العلمية