الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
609 [ ص: 83 ] حديث ثالث لزياد بن سعد

مالك ، عن زياد بن سعد ، عن ابن شهاب أنه قال : لا يؤخذ في صدقة النخل الجعرور ، ولا مصران الفارة ، ولا عذق ابن حبيق .

التالي السابق


قال : وهو يعد على صاحب المال ، ولا يؤخذ منه في الصدقة ، وهذا مروي عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل ، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا يرويه سفيان بن حسين وسليمان بن كثير ، عن ابن شهاب :

أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه ، قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجعرور [ ص: 84 ] ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة . قال الزهري : لونين من تمر المدينة .

قال أبو داود : أسنده أيضا سليمان بن كثير ، عن الزهري ، حدثنا أبو الوليد عنه :

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا سليمان بن كثير ، قال : حدثنا الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لونين من التمر : الجعرور ولون الحبيق ، قال : ونزلت ، ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون .

قال : الأصمعي : الجعرور ضرب من الدقل رديء ، يحمل شيئا صغارا لا خير فيه .

قال : وعذق ابن حبيق ضرب من الدقل رديء ، والعذق : النخلة بفتح العين ، والعذق " بالكسر " الكباسة , كأن التمر سمي باسم النخلة إذ كان منها .

[ ص: 85 ] قال الأصمعي : وعذق ابن حبيق ، أو لون الحبيق نحو ذلك ، لأن الدقل يقال له الألوان ، واحدها لون ، والمعنى أن لا يؤخذ هذان الضربان من التمر في الصدقة لرداءتهما ، وكان الناس يخرجون شرار ثمارهم في الصدقة فنهوا عن ذلك ، وأنزل الله - عز وجل - ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون .

وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، والحارث بن مسكين قراءة عليه ، وأنا أسمع ، عن ابن وهب ، قال : حدثني عبد الجليل بن حميد اليحصبي أن ابن شهاب حدثه ، قال : حدثنا أبو أمامة بن سهل بن حنيف في هذه الآية التي قال الله - عز وجل - : ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ، قال : هو الجعرور ، ولون حبيق ، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤخذا في الصدقة .

وفي هذا الباب أيضا حديث عوف بن مالك ، حدثناه عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا نصر بن عاصم ، وحدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، قالا : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبد [ ص: 86 ] الحميد بن جعفر ، قال : حدثني صالح مولى ابن أبي عريب ، عن كثير بن مرة ، عن عوف بن مالك ، قال : دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد وبيده عصا ، وقد علق رجل قنا حشفا ، فطعن بالعصا في ذلك التمر ، وقال : لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها , إن رب هذه الصدقة يأكل حشفا يوم القيامة .

وذكر وكيع ، عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن ، قال : كان الرجل يتصدق برذالة ماله فنزلت هذه الآية ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون .

قال : وحدثنا عمران بن حدير ، عن الحسن في قوله ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه . قال لو وجدتموه يباع في السوق ما أخذتموه حتى يهضم لكم من الثمن .

[ ص: 87 ] وذكر الفريابي ، عن قيس بن الربيع ، عن عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن معقل : قال : نزلت في قوم أخرجوا في زكاة أموالهم الحشف ، والدرهم الرديء ، قال : ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ، قال : ولو أن لك حقا على رجل لم تأخذ ذلك منه ، قال : وحدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : كانوا يتصدقون بالحشف فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتصدقوا بطيب ، قال : وفي ذلك نزلت ، ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ( الآية ) .

قال أبو عمر :

هذا باب مجتمع عليه لا اختلاف فيه أنه لا يؤخذ هذان اللونان من التمر في الصدقة إذا كان معهما غيرهما ، فإن لم يكن معهما غيرهما أخذ منهما ، وكذلك الرديء كله لا يؤخذ منه إذا كان معه غيره ، لأنه حينئذ تيمم للخبيث إذا أخرج عن غيره .

[ ص: 88 ] قال مالك : لا يأخذ المصدق الجعرور ، ولا مصران الفارة ، ولا عذق ابن حبيق ، ولا يأخذ البردى ، والبردى من أجود التمر . فأراد مالك أن لا يأخذ الرديء جدا ، ولا الجيد جدا ، ولكن يأخذ الوسط .

قال مالك : ومثل ذلك السخال ( من الغنم ) تعد مع الغنم على صاحبها ، ولا تؤخذ .




الخدمات العلمية