الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
2 [ ص: 10 ] حديث أول لابن شهاب عن عروة .

مالك عن ابن شهاب : أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يوما ، فدخل عليه عروة بن الزبير ، فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوما وهو بالكوفة ، فدخل عليه أبو مسعود ( الأنصاري ) فقال : ما هذا يا مغيرة ؟ أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صلى ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صلى ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صلى ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : بهذا أمرت ؟ فقال عمر بن عبد العزيز : أعلم ما تحدث به يا عروة ، أو أن جبريل هو الذي أقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الصلاة ؟ قال عروة : كذلك كان بشير بن أبي مسعود الأنصاري يحدث عن أبيه قال عروة : ولقد حدثتني عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر ، والشمس في حجرتها قبل أن تظهر .

التالي السابق


[ ص: 11 ] هكذا روى هذا الحديث عن مالك جماعة الرواة عنه فيما بلغني ، وظاهر مساقه في رواية مالك يدل على الانقطاع ، لقوله : إن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يوما ، فدخل عليه عروة ، ولم يذكر فيه سماعا لابن شهاب من عروة ، ولا سماعا لعروة من بشير بن أبي مسعود ، وهذه اللفظة ، أعني " إن " عند جماعة من أهل العلم بالحديث - محمولة على الانقطاع حتى يتبين السماع واللقاء ، ومنهم من لا يلتفت إليها ، ويحمل الأمر على المعروف من مجالسة بعضهم بعضا ، ومشاهدة بعضهم لبعض ، وأخذهم بعضهم عن بعض ، فإن كان ذلك معروفا لم يسأل عن هذه اللفظة ، وكان الحديث عنده على الاتصال ، وهذا يشبه أن يكون مذهب مالك ; لأنه في موطئه لا يفرق بين شيء من ذلك .

وهذا الحديث متصل عند أهل العلم مسند صحيح لوجوه ، منها : أن مجالسة بعض المذكورين فيه لبعض معلومة مشهورة ، ومنها : أن هذه القصة قد صح شهود ابن شهاب لما جرى فيها بين عمر بن عبد العزيز ، وعروة بن الزبير بالمدينة ، وذلك في أيام إمارة عمر عليها لعبد الملك وابنه الوليد ، وهذا محفوظ من رواية الثقات لهذا الحديث عن ابن شهاب ، ونحن [ ص: 12 ] نذكر الروايات في ذلك عن ابن شهاب لنبين لك ما ذكرنا ، ثم نذكر الآثار في إمامة جبريل ليستدل على المراد من معنى الحديث ، فإن العلم يفسر بعضه بعضا ( ويفتح بعضه بعضا ) ، ثم نقصد للقول فيما يوجبه الحديث على ذلك من المعاني ، وبالله العون لا شريك له .

( توفي ) عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم رحمه الله سنة إحدى ومائة في رجب ، لخمس ليال بقين منه بحمص ، ودفن بدير سمعان من حمص ، وهو يوم مات ابن تسع وثلاثين سنة وثلاثة أشهر ، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام ) .

وممن ذكر مشاهدة ابن شهاب للقصة ، عند عمر بن عبد العزيز مع عروة بن الزبير في هذا الحديث من أصحاب ابن شهاب معمر والليث بن سعد وشعيب بن أبي حمزة وابن جريج .

فأما رواية الليث فحدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا محمد بن زبان قال : حدثنا محمد بن رمح قال : حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب أنه كان قاعدا على منابر عمر بن عبد العزيز في إمارته على المدينة ، ومعه عروة بن الزبير فأخر عمر العصر شيئا فقال له عروة : أما إن جبريل قد نزل فصلى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عمر : اعلم ما [ ص: 13 ] تقول يا عروة ، فقال : سمعت بشير بن أبي مسعود يقول : ( سمعت أبا مسعود يقول : ) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يقول : ) نزل جبريل فأمني فصليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ( ثم صليت معه ) يحسب بأصابعه خمس صلوات .

( وأما حديث معمر وابن جريج عن ابن شهاب في ذلك فحدثني خلف ) بن سعيد قراءة مني عليه قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال : حدثنا أحمد بن خالد بن يزيد قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد قال ) : حدثنا عبد الرزاق عن [ ص: 14 ] معمر عن الزهري قال : كنا مع عمر بن عبد العزيز فأخر صلاة العصر مرة فقال له عروة ( بن الزبير ) : حدثني بشير بن أبي مسعود الأنصاري أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة مرة يعني العصر فقال له أبو مسعود : أما والله يا مغيرة ، لقد علمت أن جبريل نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الناس معه ، ثم نزل فصلى ( فصلى ) رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى الناس معه ، حتى عد خمسا فقال له عمر : انظر ما تقول يا عروة ، أو إن جبريل هو يبين وقت الصلاة ؟ فقال له عروة : كذلك حدثني بشير بن أبي مسعود قال : فما زال ( عمر ) يعتلم وقت الصلاة بعلامة ، حتى فارق الدنيا .

قال عبد الرزاق : وأخبرنا ابن جريج قال : حدثني ابن شهاب أنه سمع عمر بن عبد العزيز يسأل عروة بن الزبير ( فقال عروة بن الزبير ) : مسى المغيرة بن شعبة بالعصر وهو على الكوفة ، فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال ( له ) : ما هذا يا مغيرة ؟ أما والله لقد علمت لقد نزل جبريل فصلى ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الناس ( معه ) ثم نزل فصلى فصلى رسول الله صلى [ ص: 15 ] الله عليه وسلم وصلى الناس معه حتى عد خمس صلوات ، فقال له عمر : انظر ما تقول يا عروة ، أو إن جبريل هو أقام وقت الصلاة ؟ فقال عروة : كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه .

( وبهذا الإسناد عندنا مصنف عبد الرزاق ، ولنا والحمد لله فيه إسنادان غير هذا مذكوران في موضعهما ) فقد بان بما ذكرنا من رواية الثقات عن ابن شهاب لهذا الحديث اتصاله ، وسماع ابن شهاب له من عروة ، وسماع عروة من بشير ، وبان بذلك أيضا أن الصلاة التي أخرها عمر هي صلاة العصر ، وأن الصلاة التي أخرها المغيرة ( هي ) تلك أيضا .

وبان بما ذكرنا أيضا أن جبريل صلى برسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس في أوقاتهن ، وليس في شيء من معنى حديث ابن شهاب ، هذا ما يدل على أن جبريل صلى برسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين ، كل صلاة في وقتين .

وظاهر حديث ابن شهاب هذا يدلك على أن ذلك إنما كان مرة واحدة لا مرتين ، وقد روي من غير ما وجه في إمامة جبريل للنبي صلى [ ص: 16 ] الله عليه وسلم أنه صلى به مرتين ، كل صلاة من الصلوات الخمس في وقتين وسنذكر الآثار والرواية في ذلك لنبين ما ذكرنا ، إن شاء الله .

ورواية ابن عيينة لهذا الحديث عن ابن شهاب بمثل معنى حديث الليث ومن ذكرنا معه ( في ذلك ) وفي حديث معمر ، وابن جريج أن الناس صلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ وقد روي ذلك من غير حديثهما ، فالله أعلم .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا قال : حدثنا ( سفيان ، قال ) : حدثنا الزهري قال أخر عمر بن عبد العزيز الصلاة يوما ، فقال له عروة بن الزبير : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نزل جبريل صلى الله عليه وسلم فأمني ، فصليت معه ، ثم نزل فأمني ، فصليت معه ، ثم نزل فأمني ، فصليت معه ( ثم نزل فأمني ، فصليت معه ) ( ثم نزل فأمني ، فصليت معه ) حتى عد الصلوات الخمس قال له عمر بن عبد العزيز : اتق الله يا عروة وانظر ما تقول ، فقال عروة : أخبرنيه بشير بن أبي مسعود عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا يوضح ما ذكرنا من أنه إنما صلى به الصلوات الخمس مرة واحدة وهو ظاهر الحديث إلا أن في رواية ابن أبي ذئب ، وأسامة [ ص: 17 ] بن زيد الليثي عن ابن شهاب في هذا الحديث ما يدل على أنه صلى به مرتين في يومين على نحو ما ذكر غير ابن شهاب في حديث إمامة جبريل .

فأما رواية ابن أبي ذئب له فإن ابن أبي ذئب ذكره في موطئه عن ابن شهاب أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز عن ( ابن ) أبي مسعود الأنصاري : أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة ، فدخل عليه أبو مسعود فقال : ألم تعلم أن جبريل نزل على محمد صلى الله عليه وسلم فصلى ، وصلى ، وصلى ، وصلى ( وصلى ) ثم صلى ، ثم صلى ، ثم صلى ( ثم صلى ثم صلى ) ثم قال : هكذا أمرت ؟

أخبرنا بموطأ ابن أبي ذئب إجازة أبو عمر ، يوسف بن محمد بن عمروس الإستجي قال : حدثنا محمد بن جعفر بن أحمد بن إبراهيم السعيدي قال : حدثنا أبو زكرياء ، يحيى بن أيوب بن بادي العلاف قال : حدثنا أحمد بن صالح المصري قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال : حدثني محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب فذكره .

وأما حديث أسامة بن زيد ( عن ابن شهاب في ذلك [ ص: 18 ] فأخبرني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن سلامة المرادي قال : حدثنا ابن وهب عن أسامة بن زيد ) الليثي : أن ابن شهاب أخبره أن عمر بن عبد العزيز كان قاعدا على المنبر ، فأخر العصر شيئا ، فقال له عروة بن الزبير .

أما إن جبريل ( قد ) أخبر محمدا صلى الله عليه وسلم بوقت الصلاة ، فقال له عمر : اعلم ما تقول ، فقال عروة : سمعت بشير بن أبي مسعود يقول : سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : نزل جبريل صلى الله عليه وسلم فأخبرني بوقت الصلاة ، فصليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، ( ثم صليت معه ) يحسب بإصبعه خمسا ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ، حين تزول الشمس ، وربما أخرها حين يشتد الحر ، ورأيته يصلي العصر ، والشمس مرتفعة بيضاء ، قبل أن تدخلها الصفرة ، ينصرف الرجل من الصلاة ، فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس ويصلي المغرب حين تسقط الشمس ، ويصلي العشاء حين يسود الأفق ، وربما أخرها حتى يجتمع الناس ، وصلى الصبح مرة بغلس ، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس ، حتى مات ، لم يعد ( بعد ) إلى أن يسفر .

قال أبو داود : روى هذا الحديث عن الزهري معمر ، ومالك ، وابن عيينة ، وشعيب بن أبي حمزة والليث بن سعد ، [ ص: 19 ] وغيرهم ، لم يذكروا الوقت الذي صلى فيه ، لم يفسروه ، وكذلك أيضا رواه هشام بن عروة ، وحبيب بن أبي مرزوق عن عروة نحو رواية معمر ( وأصحابه إلا أن حبيبا لم يذكر بشيرا ) .

قال أبو عمر : هذا كلام أبي داود ، ولم يسق في كتابه رواية معمر ، ولا من ذكر معه عن ابن شهاب لهذا الحديث ، وإنما ذكر رواية أسامة بن زيد هذه عن ابن شهاب وحدها من رواية ابن وهب ، ثم أردفها بما ذكرنا من كلامه ، وصدق فيما حكى ، إلا أن حديث أسامة ليس فيه من البيان ما في حديث ابن أبي ذئب من تكرير الصلوات الخمس مرتين .

( وكذلك رواية معمر ، ومالك ، والليث ومن تابعهم ظاهرها مرة واحدة ، وليس فيها ما يقطع به على أن ذلك كذلك ، وقد ذكرنا ) رواية معمر ، ومالك ، والليث وغيرهم في كتابنا هذا ليقف الناظر فيه على سياقهم للحديث ، واختلاف ألفاظهم فيه فليس الخبر كالمعاينة .

وقد روى الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أسامة بن زيد ( عن ابن شهاب هذا الحديث بمثل رواية ابن وهب عن أسامة بن زيد سواء ) .

[ ص: 20 ] وقال محمد بن يحيى الذهلي : في رواية أبي بكر بن حزم عن عروة بن الزبير ما يقوي رواية أسامة ; لأن رواية أبي بكر بن حزم شبيهة برواية أسامة ، أنه صلى الوقتين ، وإن كان لم يسنده عنه إلا أيوب بن عتبة فقد روى معناه عنه مرسلا يحيى بن سعيد ، وغيره من الثقات .

قال أبو عمر : قد روى هذا الحديث جماعة عن عروة بن الزبير منهم هشام بن عروة ، وحبيب بن أبي مرزوق ، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وغيرهم ; فأما رواية هشام بن عروة عن أبيه لهذا ( الحديث ) فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن [ ص: 21 ] زهير قال : حدثنا شريح بن النعمان قال : حدثنا فليح عن هشام بن عروة عن أبيه قال أخر عمر بن عبد العزيز الصلاة يوما عليه ، فقلت : إن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوما ) فدخل عليه أبو مسعود فذكر الحديث ، وقال فيه : كذلك سمعت بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه قال : ولقد حدثتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر ، والشمس في حجرتها لم تظهر .

قال أحمد بن زهير : وحدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أن المغيرة بن شعبة كان يؤخر الصلاة ، فقال له رجل من الأنصار : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال جبريل : صل صلاة كذا في ساعة كذا حتى عد الصلوات ؟ قال : بلى قال : فأشهد أنا كنا نصلي العصر مع النبي صلى الله عليه وسلم والشمس بيضاء نقية ، ثم نأتي بني عمرو ( بن عوف ) وإنها لمرتفعة ، وهي على رأس ثلثي فرسخ من المدينة .

وأما رواية حبيب بن ( أبي ) مرزوق فحدثنا أحمد بن قاسم قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : [ ص: 22 ] حدثنا كثير بن هشام قال : حدثنا جعفر قال : حدثني حبيب بن أبي مرزوق عن عروة بن الزبير قال : حدثني أبو مسعود أن جبريل نزل فصلى ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نزل فصلى ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نزل فصلى ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثم نزل فصلى ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) حتى أنصفا خمسا ، فقال له عمر بن عبد العزيز : انظر ( يا عروة ) ما تقول ، إن جبريل هو الذي وقت مواقيت الصلوات ، قال : كذلك حدثني أبو مسعود ( فبحث عمر عن ذلك حتى وجد ثبته ، فما زال عمر عنده علامات الساعات ينظر فيها حتى قبض رحمه الله .

قال أبو عمر : قد أحسن حبيب بن أبي مرزوق في سياقة هذا الحديث على ما ساقه أصحاب ابن شهاب في الخمس لوقت واحد مرة واحدة ، إلا أنه قال فيه عن عروة ) : حدثني أبو مسعود ، والحفاظ يقولون : ( عن عروة ) عن بشير بن أبي مسعود عن أبيه ، وبشير هذا ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوه أبو مسعود الأنصاري اسمه : عقبة بن عمرو ، ويعرف بالبدري ; لأنه كان يسكن بدرا ، واختلف في [ ص: 23 ] شهوده بدرا ، وقد ذكرناه في كتابنا في الصحابة بما يغني عن ذكره هاهنا .

وأما رواية أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، فمثل رواية ابن أبي ذئب ، وأسامة بن زيد عن ابن شهاب في أنه صلى الصلوات الخمس مرتين ( مرتين ) لوقتين .

وحديثه أبين في ذلك وأوضح ، وفيه ما يعارض قول حبيب بن أبي مرزوق عن عروة عن أبي مسعود حدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد ، وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثني إبراهيم بن جامع السكري ، قالا : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا أحمد بن يونس قال : حدثنا أيوب بن عتبة قال : حدثنا أبو بكر بن حزم ، أن عروة بن الزبير كان يحدث عمر بن عبد العزيز ، وهو يومئذ أمير المدينة في زمن الحجاج ، والوليد بن عبد الملك ، وكان ذلك زمانا يؤخرون فيه الصلاة ، فحدث عروة عمر قال : حدثني أبو مسعود الأنصاري ، أو بشير بن أبي مسعود قال : كلاهما قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين دلكت الشمس قال أيوب : فقلت : وما دلوكها ؟ قال : حين زالت ، قال فقال : [ ص: 24 ] يا محمد صل الظهر قال : فصلى ( قال ) ثم جاءه حين كان ظل كل شيء مثله ، فقال : يا محمد صل العصر ، قال : فصلى ( قال ) ثم أتاه حين غربت الشمس ، فقال : يا محمد صل المغرب قال : فصلى قال : ثم جاءه حين غاب الشفق ، فقال : يا محمد صل العشاء ، ( قال ) فصلى ، ثم أتاه حين انشق الفجر ، فقال : يا محمد صل الصبح قال : ( فصلى ) ثم أتاه الغد حين كان ظل كل شيء مثله ، فقال : يا محمد صل الظهر قال : فصلى قال : ثم أتاه حين كان ظل كل شيء مثليه ، فقال : يا محمد صل العصر قال : فصلى قال : ثم أتاه حين غربت الشمس فقال : يا محمد صل المغرب قال : فصلى قال : ثم أتاه حين ذهب ساعة من الليل ، فقال : يا محمد صل العشاء قال : فصلى ( قال ) ثم أتاه حين أضاء الفجر ، وأسفر فقال : يا محمد صل الصبح قال : فصلى قال : ثم ( قال ) ما بين هذين وقت ، يعني أمس واليوم .

قال عمر لعروة : أجبريل أتاه ؟ قال : نعم .

ففي هذا الحديث ، وفي هذه الرواية عن عروة بيان واضح أن صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في [ ص: 25 ] حين تعليمه له الصلاة في أول وقت فرضها كانت في يومين لوقتين وقتين ، لكل صلاة ( حاشا المغرب ، فلها وقت واحد ) وكذلك رواه معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن جبريل نزل فصلى ، فذكر مثله سواء إلا أنه مرسل ، وكذلك رواه الثوري عن عبد الله بن أبي بكر ، ويحيى بن سعيد جميعا عن أبي بكر بن حزم مثله سواء أن جبريل صلى الصلوات الخمس بالنبي صلى الله عليه وسلم مرتين في يومين لوقتين .

ومراسيل مثل هؤلاء عند مالك حجة ، وهو خلاف ظاهر حديث الموطأ ، وحديث هؤلاء بالصواب أولى ; لأنهم زادوا وأوضحوا ، وفسروا ما أجمله غيرهم وأهمله .

ويشهد لصحة ما جاءوا به رواية ابن أبي ذئب ، ومن تابعه عن ابن شهاب ، وعامة الأحاديث في إمامة جبريل على ذلك جاءت مفسرة لوقتين ، ومعلوم أن حديث أبي مسعود من رواية ابن شهاب وغيره في إمامة جبريل ورد ، فرواية من زاد وتم وفسر أولى من رواية من أجمل وقصر .

وقد رويت إمامة جبريل ، بالنبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس ، وحديث جابر ، وأبي سعيد الخدري على نحو ما ذكرنا .

فأما حديث ابن عباس ، فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال : حدثنا أبو [ ص: 26 ] نعيم الفضل بن دكين قال : حدثنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن حكيم بن عباد عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمني جبريل عند البيت مرتين ، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس على مثل قدر الشراك ، ثم صلى بي العصر حين كان كل شيء قدر ظله ، ثم صلى بي المغرب حين أفطر الصائم ، ثم صلى بي العشاء حين غاب الشفق ، ثم صلى بي الفجر من الغد حين حرم الطعام والشراب على الصائم ، ثم صلى بي الظهر من الغد حين كان كل شيء قدر ظله ، ثم صلى بي العصر حين كان كل شيء مثلي ظله ، ثم صلى بي المغرب حين أفطر الصائم لوقت واحد ، ثم صلى بي العشاء حين ذهب ثلث الليل ، ثم صلى بي الفجر قال أبو نعيم : لا أدري ما قال في الفجر ، ثم التفت إلي فقال : [ ص: 27 ] يا محمد ، هذا وقتك ، ووقت الأنبياء قبلك . قال أبو عمر : لا يوجد هذا اللفظ " ووقت الأنبياء قبلك " إلا في هذا الإسناد ، والله أعلم . وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة قال : حدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله ، وقال في آخره : ثم صلى الفجر حين أسفر ، ثم التفت إلي ، فقال : يا محمد ، وذكر مثله .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا سعد بن عبد الحميد بن [ ص: 28 ] جعفر قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن حكيم بن حكيم عن نافع بن جبير عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمني جبريل عند البيت مرتين فذكر الحديث ، وقال في آخره : ثم صلى الصبح حين أسفر جدا ، ثم ذكر مثله ، وزاد : " الوقت فيما بين هذين الوقتين " . قال أبو عمر : تكلم بعض الناس في إسناد حديث ابن عباس هذا بكلام لا وجه له ، وهو والله كلهم معروفو النسب ، مشهورون بالعلم ، وقد خرجه أبو داود ، وغيره ، وذكر عبد الرزاق عن الثوري ، وابن أبي سبرة عن عبد الرحمن بن الحارث بإسناده مثل رواية وكيع ، وأبي نعيم ، وذكره عبد الرزاق أيضا عن العمري عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس مثله .

وأما حديث جابر ، فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا ( أحمد بن الحجاج [ ص: 29 ] وحدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا ) أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قالا : حدثنا ابن المبارك قال : أخبرني حسين بن علي بن حسين قال : أخبرني وهب بن كيسان قال : حدثنا جابر بن عبد الله قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين مالت الشمس ، فقال : قم يا محمد فصل الظهر ، فصلى الظهر حين مالت الشمس ، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله ، جاءه للعصر ، فقال : يا محمد ، قم فصل العصر ، فصلاها ، فمكث حتى إذا غابت الشمس جاء فقال : قم فصل المغرب ، فقام فصلاها حين غابت الشمس ، ثم مكث حتى إذا غاب الشفق جاءه ، فقال : قم فصل العشاء ، فقام فصلاها ، ثم جاءه حين سطع الفجر بالصبح ، فقال : يا محمد ، قم فصل الصبح ، فقام فصلى الصبح ، ثم جاءه من الغد ، حين كان فيء الرجل مثله ، فقال : يا محمد ، قم فصل الظهر ، فصلى ، ثم جاءه حين كان فيء الرجل مثليه ، فقال : يا محمد ، قم فصل العصر ، ثم جاءه للمغرب حين غابت [ ص: 30 ] الشمس وقتا واحدا ، لم يغب عنه ، فقال : قم فصل المغرب ، ثم جاءه حين ذهب ثلث الليل ، فقال : قم فصل العشاء ، ثم جاءه للصبح ، حين ابيض جدا ، فقال : قم فصل ( فصلى ) ثم قال له : الصلاة ما بين هذين الوقتين ، وقال سويد بن نصر في حديثه : ما بين هذين وقت كله .

وحدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، وحدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا حمزة بن محمد قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا يوسف بن واضح قال : حدثنا قدامة بن شهاب عن برد عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه مواقيت الصلوات ، فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس ، وأتاه حين كان الظل مثل شخصه ، فصنع كما صنع ، فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ، والناس خلف [ ص: 31 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى العصر ، ثم أتاه حين وجبت الشمس فتقدم جبريل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى المغرب ، ثم أتاه حين غاب الشفق فتقدم جبريل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فصلى العشاء ) ثم أتاه حين انشق الفجر فتقدم جبريل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الغداة ، ثم أتاه اليوم الثاني حين كان ظل الرجل مثل شخصه ، فصنع ( مثل ) ما صنع بالأمس ; صلى الظهر ثم أتاه حين كان ظل الرجل مثل شخصيه ، فصنع كما صنع بالأمس فصلى ( العصر ، ثم أتاه حين وجبت الشمس فصنع كما صنع بالأمس ، فصلى ) المغرب ، فنمنا ثم قمنا ثم نمنا ثم قمنا ، فأتاه فصنع كما صنع بالأمس فصلى العشاء ، ثم أتاه حين امتد الفجر ، وأصبح ، والنجوم بادية مشتبكة فصنع كما صنع بالأمس فصلى الغداة ، ثم قال : " ما بين الصلاتين وقت " .

[ ص: 32 ] ورواه أبو الرداد عن برد عن عطاء عن جابر مثله سواء ، إلا أنه قال في اليوم الثاني في المغرب : ثم جاءه حين وجبت الشمس لوقت واحد فذكره قال : ثم جاء نحو ثلث الليل للعشاء فذكره قال : ثم جاء حين أضاء الصبح ، ولم يقل : " والنجوم بادية مشتبكة " .

أخبرناه سعيد بن عثمان النحوي قال : حدثنا أحمد بن دحيم بن خليل قال : حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف قال : حدثنا أبو الرداد عمرو بن بشر الحارثي فذكره بإسناده .

وأما حديث أبي سعيد الخدري فحدثناه عبيد بن محمد قال : حدثنا عبد الله بن مسرور قال : حدثنا عيسى بن مسكين ، وحدثنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعيد قال : حدثنا أحمد بن عمرو قالا : حدثنا محمد بن سنجر قال : حدثنا سعيد بن الحكم قال : حدثنا ابن لهيعة قال : حدثني بكير بن الأشج عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الساعدي : أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمني جبريل في الصلاة فصلى الظهر حين زاغت الشمس ، وصلى العصر حين كانت الشمس قائمة ، وصلى المغرب حين غابت الشمس ، وصلى العشاء حين غاب الشفق ، وصلى الفجر حين طلع الفجر ، ثم جاء يوما ثانيا فصلى [ ص: 33 ] الظهر ، وظل كل إنسان مثله ، وصلى العصر ، والفيء قامتان ، وصلى المغرب حين غربت الشمس في وقت واحد ، وصلى العشاء ثلث الليل ، وصلى الصبح حين كادت الشمس أن تطلع ، ثم قال : الصلاة فيما بين هذين الوقتين .

فهذا ما في إمامة جبريل النبي عليهما السلام ( من صحيح الآثار ، ولا خلاف بين أهل العلم ، وجماعة أهل السير أن الصلاة إنما فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حين الإسراء ، حين عرج به إلى السماء ) ولكنهم اختلفوا في هيئتها حين فرضت فروي عن عائشة أنها فرضت ركعتين ركعتين ، ثم زيد في صلاة الحضر فأكملت أربعا ، وأقرت صلاة السفر على ركعتين ، وبذلك قال الشعبي ، وميمون بن مهران ، ومحمد بن إسحاق .

وروي عن ابن عباس أنها فرضت في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وقال نافع بن جبير وكان أحد علماء قريش بالنسب ، وأيام العرب ، والفقه ، وهو راوية حديث ابن عباس في إمامة جبريل : [ ص: 34 ] إنها فرضت في أول ما فرضت أربعا إلا المغرب ، فإنها فرضت ثلاثا ، والصبح ركعتين ، وكذلك قال الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو قول ابن جريج ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث القشيري ، وغيره ما يوافق ذلك ، ولم يختلفوا في أن جبريل هبط صبيحة ليلة الإسراء عند الزوال فعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ، ومواقيتها ( وهيئتها ) .

وقال أبو إسحاق الحربي : أول ما فرضت بمكة فركعتان في أول النهار ، وركعتان في آخره ، وذكر حديث عائشة قالت : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتين ، ثم زاد فيها في الحضر ، هكذا حدث به الحربي عن أحمد بن الحجاج عن ابن المبارك عن ابن عجلان عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قالت : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتين ركعتين " الحديث " ، وليس في حديث عائشة هذا دليل على صحة ما ذهب إليه من قال : ( إن الصلاة فرضت ركعتين في أول النهار ، وركعتين في آخره ، وليس يوجد هذا في أثر صحيح ، بل في حديث عائشة دليل على ) أن الصلاة التي فرضت ركعتين هي الصلوات الخمس ، ثم زيد في صلاة الحضر ، وأقرت صلاة السفر ، ; لأن الإشارة بالألف واللام إلى الصلاة [ ص: 35 ] في حديث عائشة هذا إشارة إلى الصلاة المعهودة ، وهذا هو الظاهر المعروف في الكلام .

وقد أجمع العلماء أن الصلوات الخمس إنما فرضت في الإسراء ، والظاهر من حديث عائشة أنها أرادت تلك الصلاة ، والله أعلم . حدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا محمد بن هاشم البعلبكي قال : أخبرنا الوليد بن مسلم قال : أخبرني أبو عمر ، ويعني الأوزاعي : أنه سأل الزهري عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة إلى المدينة ، فقال : أخبرني عروة عن عائشة ، قالت : فرض الله الصلاة على رسوله أول ما فرضها ركعتين ركعتين ، ثم أتمت في الحضر أربعا ، وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى .

فهذا ، ومثله ، يدل على أنها الصلاة المعهودة ، وهي الخمس المفترضة في الإسراء لا صلاتان ، ومن ذلك كان عليه الدليل من كتاب أو سنة ، ولا سبيل ( له ) إليه .

وقال جماعة من أهل العلم : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن عليه صلاة مفروضة قبل الإسراء ، إلا ما كان أمر به من صلاة الليل على نحو قيام رمضان من غير توقيت ولا تحديد لا لركعات معلومات ، ولا لوقت محصور ، وكان صلى الله عليه وسلم يقوم أدنى من ثلثي الليل [ ص: 36 ] ونصفه ، وثلثه ، وقام المسلمون معه نحوا من حول حتى شق عليهم ذلك ، فأنزل الله عز وجل التوبة عليهم ، والتخفيف في ذلك ، ونسخه ( وحطه ) ( بقوله : علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن فنسخ آخر السورة أولها ) فضلا ، فلم تبق في الصلاة فريضة إلا لخمس ، ألا تروا إلى حديث طلحة بن عبيد الله في الأعرابي النجدي ، إذ سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما عليه من الصلاة فقال له : الصلوات الخمس ، فقال : هل علي غيرها ؟ قال : لا ؟ ! .

وذكر وكيع عن مسعر عن سماك الحنفي قال : سمعت ابن عباس يقول لما أنزلت : ياأيها المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان ، حتى نزلت آخرها ، وكان بين آخرها ، وأولها حول .

[ ص: 37 ] وعن عائشة مثله بمعناه ، وقالت : فجعل قيام الليل تطوعا بعد فريضة .

وعن الحسن مثله قال : أنزلت الرخصة بعد حول .



قال أبو عمر : روى مالك بن مغول عن الزبير بن عدي عن طلحة بن مصرف عن مرة عن عبد الله بن مسعود قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى ، وهي في السماء السادسة ، وإليها ينتهي ما يعرج به من الأرواح فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها ، فيقبض منها قال : وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها ثلاثا : الصلوات الخمس ، وخواتم سورة البقرة ، وغفر لمن مات من أمته لا يشرك به شيئا .

وأما حديث الإسراء ، فحدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا سعيد بن الموطأ قال : حدثنا محمد بن يوسف قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا [ ص: 38 ] قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير ، وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد أن أباه أخبره قال : أخبرنا عبد الله بن يونس قال : أخبرنا بقي بن مخلد ، قالوا جميعا : حدثنا هدبة بن خالد قال : حدثنا هشام قال : حدثنا قتادة عن أنس بن مالك ( عن مالك ) بن صعصعة قال البخاري : وقال لي خليفة : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، وهشام قالا : حدثنا قتادة قال : حدثنا أنس بن مالك ( عن مالك ) بن صعصعة ، وقال بقي : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك ( عن مالك ) بن صعصعة ، والألفاظ متقاربة ، والمعنى واحد : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال : بينما أنا في الحطيم وربما قال : في الحجر ، عند البيت مضطجعا بين النائم ، واليقظان ، إذ أتى آت فسمعت قائلا يقول : أحد الثلاثة ( بين الرجلين ) فأخذني فشق من نحري إلى مراق بطني ، واستخرج قلبي ، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا ، فغسل قلبي ، وأتيت بدابة أبيض ، دون البغل وفوق الحمار ، وهو البراق فحملت عليه ، فانطلق بي جبريل حتى أتيت سماء الدنيا ، فاستفتح وساقوا الحديث بتمامه إلى قوله ، ثم فرضت علي الصلاة خمسون صلاة كل يوم ، فأقبلت فمررت على موسى فقال : بم أمرت ؟ قلت : أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال : إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم ، وإني قد [ ص: 39 ] أخبرت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فرجعت ، فوضع عني عشرا ، فجعلها أربعين ، ثم مثله ، ثم ثلاثين ، ثم مثله ، فجعلها عشرين ، ثم مثله ، فجعلها عشرا ، فأتيت موسى فقال مثله ، فجعلها خمسا ، فأتيت موسى ، فقال : ما صنعت ؟ قلت : ( جعلها ) خمسا ، فقال مثله ، فقلت سلمت وساق بقي بن مخلد الألفاظ بتمامها وترداد المسألة في ذلك ، ولم يقل ثم مثله ( ثم مثله ) ثم قال هاهنا : قد سألت ربي حتى استحييت ، ولكني أرضى وأسلم ، فلما جاوزت نادى مناد وقال البخاري : " فنودي أن قد أمضيت فريضتي ، وخففت عن عبادي " .

ورواه الليث عن يونس عن ابن شهاب عن أنس عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وقتادة أحسن سياقة لهذا الحديث .

ورواه أبو ضمرة أنس بن عياض عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أنس عن أبي ، وليس بشيء ، وإنما هو عن أبي والله أعلم .

[ ص: 40 ] قال أبو عمر : احتج من زعم أن جبريل صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي يلي ليلة الإسراء مرة واحدة الصلوات كلها لا ( مرتين ) على ظاهر حديث مالك في ذلك ( بما ) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا هدبة بن خالد عن همام عن قتادة قال : فحدثنا الحسن أنه ذكر له أنه لما كان عند صلاة الظهر نودي ; أن الصلاة جامعة ، ففزع الناس فاجتمعوا إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم فصلى بهم الظهر أربع ركعات ، يؤم جبريل محمدا ، ويؤم محمد الناس ، يقتدي الناس بمحمد ، لا يسمعهم فيهن قراءة ، ثم سلم جبريل على محمد ، وسلم محمد على الناس .

فلما سقطت الشمس نودي : ( أن ) الصلاة جامعة ، ففزع الناس ، واجتمعوا إلى نبيهم ، فصلى بهم العصر أربع ركعات ، لا يسمعهم فيهن قراءة ، وهي أخف ، يؤم جبريل محمدا ، ويؤم محمد الناس ، يقتدي محمد بجبريل ، ويقتدي الناس بمحمد ، ثم سلم جبريل على محمد ، وسلم محمد على الناس .

فلما غابت الشمس ، نودي ; الصلاة جامعة ، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم ، فصلى بهم ثلاث ركعات أسمعهم القراءة في ركعتين ، وسبح في الثالثة يعني به قام ( ولم ) يظهر القراءة ، يؤم جبريل محمدا ، ويؤم محمد الناس ، ويقتدي محمد بجبريل ، ويقتدي الناس [ ص: 41 ] بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم سلم جبريل على محمد ، وسلم محمد على الناس .

فلما بدت النجوم ، نودي أن الصلاة جامعة ، ففزع الناس ، واجتمعوا إلى نبيهم فصلى أربع ركعات ، أسمعهم القراءة في ركعتين ، وسبح في الأخريين ، يؤم جبريل محمدا ، ويؤم محمد الناس ، يقتدي محمد بجبريل ، ويقتدي الناس بمحمد ، ثم سلم جبريل على محمد ، وسلم محمد على الناس ثم رقدوا ، ولا يدرون أيزادون أم لا ، حتى إذا طلع الفجر ، نودي أن الصلاة جامعة ، ففزع الناس ، واجتمعوا إلى نبيهم ، فصلى بهم ركعتين ، أسمعهم فيها القراءة ، يؤم جبريل محمدا ، ويؤم محمد الناس ( يقتدي محمد بجبريل ، ويقتدي الناس بمحمد ) ثم سلم جبريل على محمد ، وسلم محمد على الناس صلى الله على جبريل ومحمد ، وسلم ( تسليما ) كثيرا
.

ففي هذا الخبر أن جبريل لم يصل الصلوات الخمس بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة ، وهو وإن كان مرسلا فإنه حديث حسن مهذب .

واحتجوا أيضا بما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير ، [ ص: 42 ] وعبيد بن عبد الواحد ، قالا : حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال : حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن عتبة بن مسلم ، مولى تيم عن نافع بن جبير قال : وكان نافع كثير الرواية عن ابن عباس قال : لما فرضت الصلاة ، وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم وذكره عبد الرزاق عن ابن جريج قال : لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسري به فيها لم يرعه إلا جبريل ( ينزل ) صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس ، ولذلك سميت الأولى ، فأمر ، فصيح بأصحابه " الصلاة جامعة " فاجتمعوا ، فصلى جبريل صلى الله عليه وسلم بالنبي صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس طول ، ثم قصر الباقيتين ، سلم جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وسلم النبي على الناس ، ثم نزل في العصر على مثل ذلك ، ففعلوا كما فعلوا في الظهر ، ثم نزل في أول الليل ، فصيح " الصلاة جامعة " " فصلى جبريل بالنبي عليه السلام ، وصلى النبي عليه السلام بالناس ، [ ص: 43 ] طول في الأوليين ، وقصر في الثالثة ، ثم سلم ( جبريل ) على النبي صلى الله عليه وسلم ، وسلم النبي صلى الله عليه وسلم على الناس ، ثم لما ذهب ثلث الليل نزل فصيح " الصلاة جامعة " ، فاجتمعوا ، فصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس ، فقرأ في الأوليين فطول وجهر ، وقصر في الثانيتين ، ثم سلم جبريل على النبي عليهما السلام ، وسلم النبي عليه السلام على الناس .

فلما طلع الفجر صيح : " الصلاة جامعة " ، فصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس ، فقرأ فيهما فجهر وطول ، ورفع صوته ، وسلم جبريل على النبي عليهما السلام ، وسلم النبي صلى الله عليه وسلم ( على الناس )
.

قال أبو عمر : قولة " الصلاة جامعة " ; لأنه لم يكن يومئذ أذان ، وإنما كان الأذان بالمدينة بعد الهجرة بعام ، أو نحوه حين أريه عبد الله بن زيد في النوم ، فقال من ذكرنا قوله : حديث نافع بن جبير هذا مثل حديث الحسن في أن جبريل لم يصل في وقت فرض الصلاة بالنبي صلى الله [ ص: 44 ] عليه وسلم الصلوات الخمس ، إلا مرة واحدة ، وهو ظاهر حديث مالك ، والجواب عن ذلك ما تقدم ، ذكرنا له من الآثار الصحاح المتصلة في إمامة جبريل لوقتين ، وقوله : ما بين هذين وقت ، وفيها زيادة يجب قبولها ، والعمل بها لنقل العدول لها ، وليس تقصير من قصر عن حفظ ذلك وإتقانه والإتيان به بحجة ، وإنما الحجة في شهادة من شهد لا في قول من قصر ( عن حفظ ذلك ) وأجمل واختصر ، على أن هذه الآثار منقطعة ، وإنما ذكرناها لما وصفنا ، ولأن فيها ( أن ) الصلاة فرضت في الحضر أربعا لا ركعتين ، على خلاف ما زعمت عائشة ، وقال بذلك جماعة ، وردوا حديث عائشة ، وإن كان إسناده صحيحا بضروب من الاعتلال ، سنذكر ذلك كله أو بعضه في باب صالح بن كيسان من كتابنا هذا إن شاء الله فعنه روى مالك حديث عائشة أن الصلاة فرضت ركعتين ، ثم زيد في صلاة الحضر .

ومن حجة من ذهب إلى أن الصلاة فرضت أربعا في الحضر ، وفي السفر ركعتين ، ولم يزد في شيء من ذلك ، ولا نقص ما حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا عمرو بن علي قال : أخبرنا يحيى وعبد الرحمن [ ص: 45 ] قالا : حدثنا أبو عوانة عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس قال : فرضت الصلاة على ( لسان ) النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة .

قال أبو عمر : يعني مع الإمام ، ثم يتمون بركعة أخرى ، والله أعلم .

وقد قيل : إن ركعة تجزئ في الخوف ، وليس هذا موضع ذكر اختلافهم في صلاة الخوف .

وقالت طائفة : فرضت الصلاة على حسب ما ( قد ) استقر عليه في إجماع المسلمين ، وقصر الصلاة في السفر كان بعد ذلك رخصة من الله عز وجل ( وصدقة ) قالوا : ولم يقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنا بعد نزول آية القصر في صلاة الخوف ، وكان نزولها بالمدينة ، وفرضت الصلاة بمكة .

واحتجوا بآثار سنذكرها في باب ابن شهاب عن رجل من آل خالد [ ص: 46 ] بن أسيد إن شاء الله تعالى ; لأنه موضعها .

ومن حجتهم أيضا ما حدثناه أحمد بن فتح ، وعبد الرحمن بن يحيى قالا : حدثنا عبد العزيز بن محمد بن أبي رافع البغدادي قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ( القاضي ) قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا وهيب بن خالد قال : حدثنا عبد الله بن سوادة القشيري عن أبيه عن أنس بن مالك رجل منهم أتى المدينة ، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى فقال : هلم إلى الغداء ، فقال : يا نبي الله إني صائم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله وضع عن المسافر الصوم ، وشطر الصلاة .

قالوا : ووضع لا يكون إلا من فرض متقدم والله أعلم . [ ص: 47 ] وروى هذا الحديث أيوب ، وأبو قلابة ، وأبو هلال الراسبي ، وجماعة من علماء البصرة مثله ، ولكنه حديث فيه من رواية أبي قلابة ( وأبي هلال ) اضطراب كثير ، وأما قول الشعبي ، وميمون بن مهران ، وابن إسحاق : الصلاة فرضت ركعتين ، ثم زيد في صلاة الحضر ، فذكر ابن أبي شيبة قال : حدثنا عبيدة بن حميد عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال : أول ما ( فرضت الصلاة ) فرضت ركعتين ركعتين ، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا المغرب .

قال أبو عمر : قول الشعبي هذا أصله من حديث عائشة ، وقد يمكن أن يأخذه عن الأسود ( أو ) مسروق عن عائشة ، فأكثر ما عنده عن عائشة هو عنهما ، وروى يونس بن بكير عن سالم ، مولى أبي المهاجر قال : سمعت ميمون بن مهران ، يقول : كان أول الصلاة مثنى ، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا فصارت سنة ، وأقرت الركعتان للمسافر ، وهي تمام ، وهذا إسناد لا يحتج بمثله .

[ ص: 48 ] وقوله : فصارت سنة قول منكر ، وكذلك استثناء الشعبي المغرب وحدها ، ولم يذكر الصبح قول لا معنى له ، ومن قال بهذا من أهل السير قال : إن الصلاة أتمت بالمدينة بعد الهجرة بشهر وأربعة أيام .

وقد أجمع المسلمون أن فرض الصلاة في الحضر أربع إلا المغرب والصبح ، ولا ذلك عملا ونقلا مستفيضا ، ولا يضرهم الاختلاف فيما كان أصل فرضها ، وإنما فائدة قول عائشة : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، إن صح قولها ، إيجاب فرض القصر في السفر ، وسنبين اختلاف العلماء في ذلك ، ووجه الصواب فيه إن شاء الله في باب صالح بن كيسان من كتابنا هذا بحول الله .

وأجمعوا أن فرض الصلاة إنما كان في حين الإسراء ، واختلفوا في تاريخ الإسراء ، فقال أبو بكر محمد بن علي ( بن القاسم ) الذهبي في تاريخه ، ثم أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس ، وعرج به إلى السماء بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا .

قال أبو عمر : لا أعلم أحدا من أهل السير قال ما حكاه الذهبي ، ولم يسند قوله إلى أحد ممن يضاف إليه هذا العلم منهم ، ولا رفعه إلى من يحتج به عليهم .

[ ص: 49 ] وقال أبو إسحاق الحربي : فلما كانت ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة ، أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض عليه خمسون صلاة ، ثم نقصت إلى خمس ، فأتاه جبريل ، فأمه عند البيت ، فصلى الظهر أربعا ، والعصر أربعا ، والمغرب ثلاثا ، والعشاء أربعا ، والفجر ركعتين ، كل ذلك نحو بيت المقدس .

فلما كان الموسم من هذه السنة ، لقيه الأنصار ، فبايعوه ، ثم انصرفوا ، وذكر ( قصة ) البراء بن معرور ، وصلاته إلى الكعبة وحده دون النبي صلى الله عليه وسلم ودون الناس ، وقصته مشهورة ، عند جميع أهل العلم بالسير ، والأثر ، وهكذا قال : ( إن صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم كانت بمكة إلى بيت المقدس ، وهذا موضع قد خالفه فيه من هو أكبر منه .

وروى ابن وهب عن موسى عن ابن شهاب أن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجرا ، صلى نحو بيت المقدس اثني عشر شهرا ، وقد ذكر ابن شهاب أن في صلاته بمكة اختلافا ; قيل كانت صلاته إلى الكعبة ، وقيل إلى بيت المقدس .

[ ص: 50 ] وروى همام عن قتادة قال : كانوا يصلون إلى بيت المقدس ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة ، وبعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ، وهكذا قال ) في الإسراء : إنه كان قبل الهجرة بسنة ، وهو قول موسى بن عقبة .

واختلف في ذلك عن ابن شهاب ، فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر قال : حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال : ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة ، وفرض الله عليه الصلاة قال ( ابن شهاب ) : وزعم ناس ، والله أعلم ، أنه كان يسجد نحو بيت المقدس ، ( ويجعل ) وراء ظهره الكعبة وهو بمكة ، ويزعم ناس أنه لم يزل مستقبلا الكعبة حتى خرج منها ، فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس قال : فقد اختلف في ذلك ، والله أعلم .

قال أبو عمر : الاختلاف كما قال ابن شهاب ، في صلاته بمكة ، هل كانت إلى الكعبة ؟ أو إلى بيت المقدس ؟ وسنذكر ذلك بعد إن شاء الله .

قال أبو عمر : هكذا قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب ; أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة .

[ ص: 51 ] قال أبو عمر : وذلك بعد مبعثه بسبع سنين أو باثنتي عشرة سنة ، على حسب اختلافهم في مقامه بمكة ، بعد مبعثه على ما قدمنا ذكره في باب ربيعة ، وروى يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت : توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة قال ابن شهاب : وذلك بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بسبعة أعوام ، وخالفه الوقاصي عن ابن شهاب ، فقال : أسري به بعد مبعثه بخمس سنين .

قرأت على عبد الله بن محمد بن يوسف ، أن ( محمد بن أحمد بن يحيى حدثهم قال : حدثنا أحمد بن ) محمد بن زياد قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري قال : فرضت الصلاة بمكة ، بعد ما أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 52 ] بخمس سنين ، وفرض الصيام بالمدينة قبل بدر ، وفرضت الزكاة والحج بالمدينة ، وحرمت الخمر بعد أحد .

وقال ابن إسحاق : أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وهو بيت المقدس ، وقد فشا الإسلام بمكة ، وفي القبائل كلها .

قال يونس بن بكير وغيره عن ابن إسحاق : ثم إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم حين افترضت عليه الصلاة ، يعني في الإسراء ، فهمز له بعقبه في الوادي ، فانفجرت عين ماء مزن ، فتوضأ جبريل ، ومحمد ينظر ، فوضأ وجهه ، واستنشق ، ومضمض ، ومسح برأسه وأذنيه ، ورجليه إلى الكعبين ، ونضح فرجه ، ثم قام يصلي ركعتين ، وأربع سجدات ، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقر الله عينه ، وطابت نفسه ، وجاءه ما يحب من أمر الله تعالى ، فأخذ بيد خديجة ، ثم أتى بها العين فتوضأ كما توضأ جبريل ، ثم ركع ركعتين ، وأربع سجدات هو ، وخديجة ، ثم كان هو وخديجة يصليان سواء .



قال أبو عمر : هذا يدلك على أن الإسراء كان قبل الهجرة ( بأعوام ) ; لأن خديجة توفيت قبل الهجرة بخمس سنين ، وقد قيل بثلاثة أعوام ، وقيل بأربع سنين ، وقد ذكرنا القائلين بذلك في باب خديجة من كتاب الصحابة .

[ ص: 53 ] وقول ابن إسحاق مخالف لقول ابن شهاب في الإسراء على أن ابن شهاب قد اختلف عنه في ذلك على ما ذكرنا من رواية ابن عقبة ، ورواية يونس ، ورواية الوقاصي ، وهي روايات مختلفات على ما نرى .

وحدثنا عبد الوارث : حدثنا قاسم : حدثنا أحمد بن زهير : حدثنا موسى بن إسماعيل : حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت : فتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما توفيت خديجة ، وبعد تحويله إلى المدينة بسنتين أو ثلاث ، وأما صلاته إلى الكعبة ; فإن ابن جريج ذكر في تفسيره رواه عنه حجاج ، وغيره ، وذكره سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة ، ثم صرف إلى بيت المقدس ، فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه عليه السلام بثلاث حجج ، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومه ستة عشر شهرا ، ثم وجهه الله إلى الكعبة البيت الحرام .

هكذا قال ابن جريج : إن أول صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت إلى الكعبة وهذا أمر قد اختلف فيه وأحسن شيء روي في ذلك ما حدثناه خلف بن القاسم قال : حدثنا أبو الطيب وجيه بن الحسن بن يوسف قال : حدثنا بكار بن قتيبة أبو [ ص: 54 ] بكرة القاضي سنة سبعين ومائتين قال : حدثنا يحيى بن حماد قال : حدثنا أبو عوانة عن سليمان بن مجاهد عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس ، وهو بمكة ، والكعبة بين يديه ، وبعد ما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا ، ثم صرف إلى الكعبة .

وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : كان أول ما نسخ من القرآن القبلة ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ، وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ، ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا ، ثم انصرف إلى الكعبة ، وقد ذكرنا الخبر بهذا عن ابن عباس من وجوه في باب عبد الله بن دينار ، والحمد لله .

[ ص: 55 ] ففي قول ابن عباس هذا من الفقه أن الصلاة لم ينسخ منها شيء قبل القبلة ، وفيه أنه كان يصلي بمكة إلى الكعبة ، وهو ظاهره أنه لم يصل إلى بيت المقدس إلا بالمدينة ، وقد يحتمل غيره ، وسنذكر الآثار في صلاته إلى بيت المقدس ( وتحويله بعد إلى الكعبة في باب يحيى بن سعيد إن شاء الله وقال أبو إسحاق الحربي : ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في ربيع الأول ، فصلى إلى بيت المقدس تمام سنة ) إحدى ( عشرة ) وصلى من سنة ثنتين ستة أشهر ، ثم حولت القبلة في رجب .

وقال موسى بن عقبة ، وإبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك : إن القبلة صرفت في جمادى .

وقال الواقدي : إنما صرفت صلاة الظهر يوم الثلاثاء في النصف من شعبان ، وأما قول ابن إسحاق أنه صلى حينئذ ركعتين ، وأربع سجدات ، فأظنه أخذه ، والله أعلم ، من قول عائشة ، وأما قوله : إن رسول الله توضأ [ ص: 56 ] حينئذ وأن جبريل نزل عليه يومئذ بالوضوء فإنما أخذه ، والله أعلم ، من حديث زيد بن حارثة .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا الحسن بن موسى قال : حدثنا عبد الله ( بن ) لهيعة قال : حدثنا عقيل بن خالد عن ابن شهاب الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه زيد بن حارثة أن النبي صلى الله عليه وسلم في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل عليه السلام فعلمه الوضوء ( فلما فرغ من الوضوء ) أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه .

وأما قوله في الحديث أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يوما فمعناه ( والله أعلم ) أنه أخرها حتى خرج الوقت المستحب المرغوب فيه ، ولم يؤخرها حتى غربت الشمس ، وقوله : أخر الصلاة يوما ، الأغلب فيه والله أعلم وأنه لم يكن ذلك كثيرا منه ، ولو كان ذلك كثيرا ما قيل يوما ، وإن كانت ملوك بني أمية على تأخير الصلاة كان ذلك شأنهم قديما من زمن عثمان ، وقد كان الوليد بن عقبة يؤخرها في زمن عثمان ، وكان ابن مسعود ينكر ذلك عليه ، ومن أجله حدث ابن مسعود بالحديث في ذلك ، وكانت وفاة ابن مسعود في خلافة عثمان .

[ ص: 57 ] أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي قال : حدثنا أبو طالب الهروي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا عاصم ( قال زر ) قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعلكم تدركون أقواما يؤخرون الصلاة فإن أدركتموهم فصلوا في بيوتكم الوقت الذي تعرفون ، وصلوا معهم ، واجعلوها سبحة .

وبهذا الإسناد عن أبي بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا محمد بن زكرياء قال : حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا مروان بن عبد الملك قال : حدثنا أبو سعيد الأشج قال : حدثنا حفص بن غياث عن عبيدة يعني ابن معتب قال : كنا نصلي مع الحجاج الجمعة ، ثم ننصرف فنبادر مسجد سماك نصلي المغرب ، وذكر عبد الرزاق عن معمر عن ( عبد الرحمن بن ) [ ص: 58 ] عبد الله المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال أخر الوليد بن عقبة الصلاة مرة ، فأمر ابن مسعود المؤذن فثوب بالصلاة ، ثم تقدم فصلى بالناس ، فأرسل إليه الوليد : ما صنعت ؟ أجاءك من أمير المؤمنين حدث أم ابتدعت ؟ فقال ابن مسعود : كل ذلك لم يكن ، ولكن أبى الله ورسوله أن ننتظرك بصلاتنا ، وأنت في حاجتك .

وذكر معمر عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : كيف بك يا أبا عبد الرحمن إذا كان عليك أمراء يطفون السنة ، ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها ؟ قال : فكيف تأمرني يا رسول الله ؟ فقال النبي عليه السلام : يسألني ابن أم عبد كيف يفعل ؟ ! لا طاعة لمخلوق في معصية الله .

فإن ظن ظان أن في هذا الخبر دليلا على أنهم كانوا يؤخرونها حتى يخرج الوقت كله ، ولهذا استحقوا اسم العصيان لله ، قيل له يحتمل أن يكون قوله خرج على جملة طاعة الله ، وعصيانه في سائر الأمور ، وعلى أنه لا يؤمن على من كان شأنه تأخيرها أبدا أن يفوته الوقت ، [ ص: 59 ] وأما الآثار عنهم فتدل على ما ذكرنا . وروى معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن ابن مسعود قال لأصحابه يوما : إني لا آلوكم عن الوقت ، فصلى بهم الظهر ، حسبته قال : حين زالت الشمس ، ثم قال : إنه سيكون عليهم أمراء يؤخرون الصلاة ، فصلوا الصلاة لوقتها ، فإن أدركتكم معهم فصلوا .

ومعمر عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال : إنكم في زمان قليل خطباؤه ، كثير علماؤه ، يطيلون الصلاة ، ويقصرون الخطبة ، وإنه سيأتي عليكم زمان كثير خطباؤه ، قليل علماؤه ، يطيلون الخطبة ، ويؤخرون الصلاة ، حتى يقال : هذا شرق الموتى قال له : ما شرق الموتى ؟ قال : إذا اصفرت الشمس جدا ، فمن أدرك ( ذلك ) فليصل الصلاة لوقتها ، فإن احتبس فليصل معهم ، وليجعل صلاته وحده الفريضة ، وصلاته معهم تطوعا .

[ ص: 60 ] ومما يدل على ذلك أن الفقهاء في ذلك الزمان كانوا يصلون معهم ، ويأمرون بذلك ، روى معمر عن رجل عن الحسن ، وعن الزهري ، وقتادة أنهم كانوا يصلون مع الأمراء ، وإن أخروا ، ومعمر عن ثابت قال : خطب الحجاج يوم الجمعة ، فأخر الصلاة فجعل إنسان يريد أن يثب إليه ، ويحبسه الناس .

وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أرأيت إماما يؤخر الصلاة حتى يصليها ، مفرطا فيها ؟ فقال : صل معه ، الجماعة أحب إلي ، قلت ( له ) : فما لك لا تنتهي إلى قول ابن مسعود في ذلك ؟ قال : الجماعة أحب إلي ما لم تفت ، قلت : وإن اصفرت الشمس للغروب ، ولحقت برءوس الجبال ؟ ! قال : نعم ، ما لم تفت .

وعن الثوري عن الأعمش عن النخعي ، وخيثمة أنهما كانا يصليان الظهر ، والعصر مع الحجاج ، وكان يمسي ، وعن ابن جريج عن عطاء قال : أخر الوليد مرة الجمعة حتى أمسى قال : فصليت الظهر قبل أن أجلس ، ثم صليت العصر ، وأنا جالس ، وهو يخطب قال : أضع يدي على ركبتي ، وأومئ برأسي .

وعن الثوري عن محمد بن إسماعيل قال : رأيت سعيد بن جبير ، وعطاء بن أبي رباح ، وأخر الوليد بن عبد الملك الصلاة ، فرأيتهما يومئان إيماء ، وهما قاعدان ، وعن الثوري عن الأعمش [ ص: 61 ] عن أبي الضحى عن مسروق وأبي عبيدة أنهما كانا يصليان الظهر إذا حانت ( الظهر ) وإذا حانت العصر صليا العصر في المسجد مكانهما ، وكان ابن زياد يؤخر الظهر ، والعصر ، وعن إسرائيل عن عامر بن شقيق عن شقيق قال : كان يأمرنا أن نصلي الجمعة في بيوتنا ، ثم نأتي المسجد ، وذلك أن الحجاج كان يؤخر الصلاة .

وذكر سنيد : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح أبي الضحى قال : رأيت مسروقا ، وأبا عبيدة بن عبد الله مع بعض الأمراء ، وأخر الوقت فأوميا في وقت الصلاة ، ثم جلسا حتى صليا معه تلك الصلاة قال : فرأيتهما فعلا ذلك مرارا .

قال : وحدثنا أبو معاوية عن محمد بن ( أبي ) إسماعيل قال : رأيت سعيد بن جبير ، وعطاء بن أبي رباح ، وأخر الوليد بن عبد الملك الصلاة عن وقتها ، فرأيتهما يومئان في وقت الصلاة ، ثم جلسا حتى صليا معه .

[ ص: 62 ] وروى محمد بن الصباح الدولابي ، قال : حدثنا جرير عن أبي فروة عروة بن الحارث الهمداني عن إياس قال : تذاكرنا الجمعة ، واجتمع قراء أهل الكوفة أن يدعوا الصلاة مع الحجاج ; لأنه كان يؤخرها حتى تكاد تغيب الشمس ، فتذاكروا ذلك ، وهموا أن يجمعوا عليه ، فقال شاب منهم : ما أرى ما تفعلون شيئا ما للحجاج تصلون ، إنما تصلون لله عز وجل ، فاجتمع رأيهم على أن يصلوا معه .

قال أبو عمر : إنما صلى من صلى إيماء ، وقاعدا لخوف خروج الوقت ، وللخوف على نفسه القتل والضرب ، والله أعلم .

ومن كان شأنه التأخير لم يؤمن عليه فوات الوقت ، وخروجه " عصمنا الله برحمته " .

وحدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا عبد الرحمن بن عمر بن راشد بدمشق قال : حدثنا أبو زرعة قال : حدثنا أبو مسهر قال : حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال : كانوا يؤخرون الصلاة في أيام الوليد بن عبد الملك ويستحلفون الناس أنهما ما صلوا ، فأتى عبد الله بن أبي [ ص: 63 ] زكرياء فاستحلف أنه ما صلى ، فحلف أنه ما صلى ، وقد كان صلى ، وأتى فقال : ( فلم ) جئنا إذا ؟ فترك .

وحديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمراء المذكورين حديث صحيح ، ويقال : إن أبا ذر لم يخرج من المدينة ، والشام إلا على إنكاره عليهم تأخير الصلاة ، ولا يصح من المدينة على ذلك ، والله أعلم .

حدثنا خلف بن سعيد : حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : ( حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : ) حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا الثوري عن أيوب عن أبي العالية قال : أخر عبيد الله بن زياد الصلاة ( فسألت عبد الله بن الصامت ، فضرب فخذي ، ثم قال : سألت خليلي أبا ذر فضرب فخذي ثم قال : سألت خليلي ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم فضرب فخذي ، ثم قال : صل الصلاة لوقتها ، فإن أدركتك فصل معهم ، ولا تقولن إني قد صليت فلا أصلي .

وحدثنا أحمد بن قاسم قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا أحمد بن إسحاق قال : [ ص: 64 ] حدثنا وهيب قال : حدثنا أيوب عن أبي العالية البراء قال أخرت الصلاة على عهد عبيد الله بن زياد فمر بي عبد الله بن الصامت فذكر نحوه بمعناه .

وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران الجويني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ، كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يمسون الصلاة ؟ أو قال : يؤخرون الصلاة ؟ قال : قلت يا رسول الله : فما تأمرني ؟ قال : صل الصلاة لوقتها ، فإذا أدركتها معهم فصلها ، فإنها لك نافلة .

وقد روى هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت ، وعامر بن ربيعة ، وقبيصة بن وقاص ، ومعاذ بن جبل كما رواه أبو ذر ، وابن مسعود ، وهي ( أيضا ) آثار صحاح كلها ثابتة ، وإنما حمل العلماء ، والله أعلم ، على الصلاة معهم - أمره صلى الله عليه وسلم بذلك ، وحضه على لزوم الجماعة .

[ ص: 65 ] وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني عاصم بن عبيد الله بن عاصم قال : أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنها ستكون بعدي أمراء يصلون الصلاة لوقتها ، ويؤخرونها عن وقتها فصلوا معهم ( فإن صلوها لوقتها ، وصليتموها معهم ، فلكم ولهم ، فإن أخروها عن وقتها فصلوها معهم ) فلكم وعليهم ، من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية ، ومن نكث العهد ، ومات ناكثا للعهد جاء يوم القيامة لا حجة له .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، وأحمد بن زهير قالا : حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال : حدثنا أبو هاشم الزعفراني عمار بن عمارة قال : حدثني صالح بن عبيد عن قبيصة بن وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون عليكم أمراء بعدي يؤخرون الصلاة فهي لكم [ ص: 66 ] وعليهم ، فصلوها معهم ما صلوا بكم القبلة .

وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لأبي ذر ) كيف بك يا أبا ذر إذا كان عليك أمراء ؟ وقوله لكبار الصحابة الذين رووا هذا الحديث ، يكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة ، دليل على أن تأخير الصلاة عن وقتها قد كان قبل زمان الوليد بن عبد الملك ، ; لأن أبا ذر توفي في خلافة عثمان بالربذة ، ودفن بها على قارعة الطريق ، وصلى عليه ابن مسعود منصرفه من الكوفة إلى المدينة ، ومات ابن مسعود بعد ذلك بيسير بالمدينة .

وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر وغيره ، سيكون عليكم " أمراء " يؤخرون الصلاة عن وقتها ، ولم يقل " خلفاء " دليل على أن عثمان " رحمه الله " لم يكن ممن يؤخرون الصلاة ، ولا يظن ذلك به ، ويعرف الله ; لأن عثمان من الخلفاء لا من الأمراء ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي وهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، [ ص: 67 ] وعلي ، فسماهم خلفاء ، وقال : الخلافة بعدي ثلاثون ( سنة ) ثم تكون إمرة وملكا وجبروتا فتضمنت مدة الخلافة الأربعة المذكورين رضوان الله عليهم أجمعين .

ولعل جاهلا بأخبار الناس يقول أن عمر بن عبد العزيز كان من الفضل والدين والتقدم ( في العلم ) والخير ، بحيث لا يظن به أحد أن يؤخر الصلاة عن أفضل وقتها كما كان يصنع بنو عمه ، فإن قيل ذلك ، فإن عمر رحمه الله كان كما ذكرنا ، وفوق ما ذكرنا إذ ولي الخلافة ، وأما وهو أمير على المدينة أيام عبد الملك والوليد فلم يكن كذلك ، وهذا أشهر عند العلماء من أن يحتاج فيه إلى إكثار .

أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد قال : حدثنا أحمد بن الفضل قال : حدثنا ( محمد بن جرير قال : حدثنا محمد بن سعد قال : حدثنا محمد بن عمر قال : حدثني ) ابن أبي سبرة عن [ ص: 68 ] المنذر بن عبيد قال : ولي عمر بن عبد العزيز بعد صلاة الجمعة ، فأنكرت حاله في العصر .

وفي هذا الحديث أيضا ما كان عليه العلماء من صحبة للأمراء والدخول عليهم ، وإذا كان الأمير ، أو الخليفة يستديم صحبة العلماء فأجدر به أن يكون عدلا مأمونا ، وكان عمر " رحمه الله " يصحب جماعة من العلماء كابن شهاب ، وميمون بن مهران ، ورجاء بن حيوة ، وكان قبل ذلك يصحب عبيد الله بن عبد الله ، وعروة ، وطبقتهما .

ذكر الحسن بن علي الحلواني قال : حدثنا سليمان بن حرب ، وعارم بن الفضل قالا : حدثنا حماد بن زيد عن محمد بن الزبير قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز فسألني عن الحسن ، كما يسأل الرجل عن ولده ، فقال : كيف طعمه ؟ وهل رأيته يدخل على عدي بن أرطاة ؟ وأين مجلسه منه ؟ وهل رأيته يطعم مع عدي ؟ قال : قلت : نعم ، وليس بنكير أن يكون عمر بن عبد العزيز خفي عليه حديث نزول جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بمواقيت الصلاة ، وقد خفي ذلك عن المغيرة بن شعبة ، وله صحبة ، وأخبار الآحاد عند العلماء من علم الخاصة ، لا ينكر على أحد جهل بعضها ، والإحاطة بها ممتنعة ، وما أعلم أحدا من أئمة الأمصار مع بحثهم ، وجمعهم [ ص: 69 ] إلا وقد فاته شيء من السنن المروية من طريق الآحاد ، وحسبك بعمر بن الخطاب فقد فاته من هذا الضرب أحاديث فيها سنن ذوات عدد من رواية مالك في الموطأ ، ومن رواية غيره أيضا ، وليس ذلك بضار له ، ولا ناقص من منزلته ، وكذلك سائر الأئمة لا يقدح في أمانتهم ما فاتهم من إحصاء السنن إذ ذاك يسير في جنب كثير ، ولو لم يجز للعالم أن يفتي ولا أن يتكلم في العلم حتى يحيط بجميع السنن ما جاز ذلك لأحد أبدا ، وإذا علم العالم أعظم السنن ، وكان ذا فهم ومعرفة بالقرآن ، واختلاف من قبله من العلماء جاز له القول بالفتوى ، وبالله التوفيق .

فإن قال قائل : إن جهل مواقيت الصلاة لا يسع أحدا فكيف جاز على عمر ؟ قيل له : ليس في جهله بالسبب الموجب لعلم المواقيت ما يدل على جهله بالمواقيت ، وقد يكون ذلك عنده عملا واتفاقا ، وأخذا عن علماء عصره ، ولا يعرف أصل ذلك ; كيف كان النزول من جبريل بها على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أم بما سنه النبي صلى الله عليه وسلم ؟ كما سن غير ما شيء ، وفرضه في الصلاة والزكاة والحج ، مما لا يمكن أن يقول كل ذي علم إن جبريل نزل بذلك كله ، والأمر في هذا واضح يغني عن الإكثار .

وفي هذا الحديث دليل على أن وقت الصلاة من فرائضها وأنها لا [ ص: 70 ] تجزئ قبل وقتها ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء إلا شيئا روي عن أبي موسى الأشعري ، وعن بعض التابعين ، أجمع العلماء على خلافه فلم أر لذكره وجها ; لأنه لا يصح عنهم ، وقد صح عن أبي موسى خلافه مما وافق الجماعة فصار اتفاقا صحيحا .

وهذا حين آل بنا القول إلى ذكر مواقيت الصلاة وما أجمع عليه العلماء من ذلك ، وما اختلفوا فيه فهو أولى المواضع بذلك في كتابنا هذا .



قال أبو عمر : أجمع علماء المسلمين في كل عصر ، وفي كل مصر ، بلغنا عنهم أن أول وقت الظهر زوال الشمس عن كبد السماء ووسط الفلك إذا استوقن ذلك في الأرض بالتفقد والتأمل ، وذلك ابتداء زيادة الظل بعد تناهي نقصانه في الشتاء والصيف جميعا ، وإن كان الظل مخالفا في الصيف له في الشتاء ، وهذا إجماع من علماء المسلمين كلهم في أول وقت الظهر فإذا تبين زوال الشمس بما ذكرنا أو بغيره فقد حل وقت [ ص: 71 ] الظهر ، وذلك مما لا خلاف فيه وذلك تفسير لقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس ودلوكها ( ميلها ) عند أكثر العلماء ، ومنهم من قال : دلوكها غروبها ، واللغة محتملة للقولين ، والأول أكثر .

وكان مالك يستحب لمساجد الجماعات أن يؤخروا بعد الزوال حتى يكون الفيء ذراعا على ما كتب به عمر بن الخطاب إلى عماله .

واختلفوا في وقت الجمعة ، فروى ابن القاسم عن مالك : وقت الجمعة وقت الظهر لا تجب إلا بعد الزوال ، وتصلى إلى غروب الشمس .

قال ابن القاسم : إن صلى من الجمعة ركعة ثم غربت الشمس صلى الركعة الأخرى بعد المغيب جمعة ، وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، والحسن بن حي : وقت الجمعة وقت الظهر فإن فات وقت الظهر بدخول وقت العصر ( لم تصل الجمعة قال أبو حنيفة ، وأصحابه : إن دخل وقت العصر ) وقد بقي من [ ص: 72 ] الجمعة سجدة ، أو قعدة فسدت الجمعة ، ويستقبل الظهر ، وقال الشافعي : إذا خرج الوقت قبل أن يسلم أتمها ظهرا ، وهو قول عبد الملك بن عبد العزيز ، وكل هؤلاء يقول لا تجوز الجمعة قبل الزوال ، ولا يخطب لها إلا بعد الزوال ، وعلى هذا جمهور الفقهاء ، وأئمة الفتوى ، وقد كان أحمد بن حنبل يقول : من صلاها قبل الزوال لم أعبه ، وقال الأثرم : قلت له : يا أبا عبد الله ما ترى في صلاة الجمعة قبل زوال الشمس ؟ فقال : فيها من الاختلاف ما قد علمت .

( حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ : حدثنا ابن وضاح : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا يحيى بن آدم : حدثنا عبد الحميد بن زيد الأنصاري عن عقبة بن عبد الرحمن بن جابر عن جابر قال : كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة ، ثم نرجع فنقيل ) وذكر أبو بكر الأثرم عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال ، وهو حديث يدور على عبد الله بن سيدان ، وعبد الله بن سيدان شامي ، أو [ ص: 73 ] جزري روى عنه ثابت بن الحجاج ، وميمون بن مهران ، وحديثه هذا إنما يرويه جعفر بن برقان ، والله أعلم .

وذكر أيضا حديث حميد عن أنس " كنا نبكر بالجمعة ، ونقيل بعدها ، وحديث سهل بن سعد " كنا نبكر إلى الجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نرجع فنتغدى ، ونقيل ، وهو حديث في إسناده ضعف ، وذكر حديث شعبة عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن سلمة قال : كان عبد الله بن مسعود يصلي بنا الجمعة ضحى ، ويقول : إنما عجلت بكم خشية الحر عليكم ، وعن مجاهد : إنما هي صلاة عيد .

قال أبو عمر : قد روى مالك عن عمه أبي سهيل عن أبيه أن عمر كان يصلي الجمعة بعد الزوال بدليل غشيان الظل طنفسة عقيل ، ومن جهة النظر لما كانت الجمعة تمنع من الظهر دون غيرها من الصلوات ( دل ) على أن وقتها وقت الظهر ، وقد أجمعوا على أن من صلاها في وقت الظهر فقد صلاها في وقتها فدل ذلك على أنها ليست كصلاة العيد ; لأن العيد لا يصلى بعد الزوال ، واختلفوا في آخر وقت الظهر فقال مالك وأصحابه : آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس ، [ ص: 74 ] وهو أول وقت العصر بلا فصل ، وبذلك قال ابن المبارك وجماعة ، ويستحب مالك لمساجد الجماعات أن يؤخروا العصر بعد هذا المقدار قليلا ( ما دامت الشمس بيضاء نقية ) وحجة من قال ذلك حديث ابن عباس ، وغيره في إمامة جبريل ، أنه صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر بالأمس ( من يومه ذلك ) بلا فصل ، وقال الشافعي ، وأبو ثور ، وداود ، وأصحابهم : آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثله ، وبين آخر وقت الظهر وأول العصر فاصلة ، وهو أن يزيد الظل أدنى زيادة على المثل ، وحجة من قال بهذا القول حديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليس التفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة على من ( لم ) يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى .

وهذا عندهم فيما عدا صلاة الصبح للإجماع في الصبح أنها تفوت ، ويخرج وقتها بطلوع الشمس ، وحجتهم أيضا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وقت الظهر ما لم تحضر العصر وأما حديث أبي قتادة فقرأته على سعيد بن نصر أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا شبابة عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 75 ] ليس في النوم تفريط ، ولكن التفريط على من لم يصل الصلاة حتى تجيء الصلاة الأخرى .

وأخبرنا خلف بن القاسم ، وأصبغ بن عبد الله بن مسرة قالا : حدثنا بكير بن الحسن بن عبد الله المرادي قال : حدثنا أبو بكرة بكار بن قتيبة القاضي قال : حدثنا أبو داود الطيالسي قال : حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط في اليقظة أن يؤخر صلاة إلى ( وقت ) أخرى .

وسنذكر حديث عبد الله بن عمرو من هذا الباب في موضعه ، وقال الثوري ، والحسن بن حي ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن الشيباني ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، ومحمد بن جرير الطبري : آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثله ، ثم يدخل وقت العصر لم يذكروا فاصلة إلا أن قولهم : ثم يدخل وقت العصر يدل على فاصلة .

وقال أبو حنيفة : آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثليه فخالف الآثار والناس لقوله بالمثلين في آخر وقت الظهر ، وخالفه [ ص: 76 ] أصحابه ، وذكر الطحاوي رواية أخرى عن أبي حنيفة زعم أنه قال : آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثله على قول الجماعة ، ولا يدخل في وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه فترك بين الظهر ، والعصر وقتا مفردا لا يصلح لأحدهما .

وأما أول وقت ( العصر ) فقد تبين من قول مالك فيه ما ذكرنا ، ومن قول الشافعي ، ومن تبعه ما وصفنا ، ومن قول سائر العلماء أيضا من مراعاة المثل ما قد بينا ، وهو كله أمر متقارب ، وقال أبو حنيفة : أول وقت العصر من حين يصير الظل مثلين ، وهو خلاف الآثار ، وخلاف الجمهور ، واختلفوا في آخر وقت العصر فقال مالك : آخر وقت العصر أن يكون ظل كل شيء مثليه بعد المثل الذي زالت عليه الشمس ، وهذا محمول عندنا من قوله على وقت الاختيار ، وما دامت الشمس بيضاء نقية فهو وقت مختار لصلاة العصر عنده ، وعند سائر العلماء ، والحمد لله .

وقد أجمع العلماء على أن من صلى العصر والشمس بيضاء نقية لم تدخلها صفرة فقد صلاها في وقتها المختار ، وفي ذلك دليل على أن مراعاة المثلين عندهم استحباب ، وقد ذكرنا فيما سلف من كتابنا في وقت العصر في باب إسحاق بن أبي طلحة ، وغيره ما فيه كفاية ، [ ص: 77 ] فنذكر هاهنا أقاويلهم في آخر وقت العصر .

فقال الثوري : إن صلاها ولم تتغير الشمس فقد أجزأه ، وأحب إلي أن يصليها إذا كان ظله مثله إلى أن يكون مثليه .

وقال الشافعي : أول وقتها في الصيف إذا جاوز ظل كل شيء مثله بشيء ما كان ، ومن آخر العصر حتى يجاوز ظل كل شيء مثليه في الصيف أو قدر ذلك في الشتاء فقد فاته وقت الاختيار ، ولا يجوز أن يقال : فاته وقت العصر مطلقا ، كما جاز على الذي أخر الظهر إلى أن جاوز ظل كل شيء مثله قال : وإنما قلت ذلك لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها .

قال أبو عمر : إنما جعل الشافعي وقت الاختيار لحديث إمامة جبريل ، وحديث العلاء عن أنس : تلك صلاة المنافقين ، ونحوهما من الآثار ، ولم يقطع بخروج وقتها لحديث أبي هريرة الذي ذكره ، ومذهب مالك نحو هذا ، وقد كان يلزم الشافعي أن لا يشرك بين الظهر ، والعصر [ ص: 78 ] في الوقت لأصحاب الضرورات لخروج وقت الظهر عنده بكمال المثل ، ولكن وقت الحضر عنده وقت رفاهية ( ومقام ) لا يتعدى ما جاء فيه ، وأما أصحاب الضرورات فأوقاتهم كأوقات المسافر لعذر السفر ، وضرورته ، والسفر عنده تشترك فيه صلاتا النهار ، وصلاتا الليل على ما نذكره في باب أبي الزبير إن شاء الله .

وأصحاب الضرورات : الحائض تطهر ، والمغمى عليه يفيق ، والكافر يسلم ، والغلام يحتلم ، وقد ذكرنا أحكامهم ، وما للعلماء في ذلك من إذنه في باب زيد بن أسلم ، والحمد لله .

وأما مالك فقد روى عنه ابن وهب ، وغيره أن الظهر ، والعصر آخر وقتهما غروب الشمس ، وهو قول ابن عباس ، وعكرمة مطلقا ، ورواية ابن وهب عن مالك لذلك محمولة عند أصحابه لأهل الضرورات كالمغمى عليه ومن أشبه ، على ما قد أوضحناه في باب زيد بن أسلم ، والحمد لله .

وروى ابن القاسم عن مالك : آخر وقت العصر اصفرار الشمس ، وقال أبو يوسف ، ومحمد : وقت العصر إذا كان ظل كل شيء قامته ، فيزيد على القامة إلى أن تتغير الشمس ، وقال أبو ثور : أول وقتها إذا كان ظل كل شيء مثله بعد الزوال ، وزاد على الظل زيادة تبين إلى أن تصفر الشمس ، وهو قول أحمد بن حنبل : آخر وقت العصر ما لم تصفر [ ص: 79 ] الشمس ، وحجة من قال بهذا ( القول ) حديث عبد الله بن عمرو عن النبي أنه قال : وقت العصر ما لم تصفر الشمس ، رواه قتادة عن أبي أيوب الأزدي عنه وقال إسحاق بن راهويه : آخر وقت العصر أن يدرك المصلي منها ركعة قبل الغروب ، وهو قول داود لكل الناس ، معذور ، وغير معذور ، صاحب ضرورة ، وصاحب رفاهية ، إلا أن الأفضل عنده ، وعند إسحاق أيضا ، أول الوقت .

وقال الأوزاعي : إن ركع ركعة قبل غروبها ، وركعة بعد غروبها فقد أدركها ، وحجتهم حديث أبي هريرة " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح " .

واختلفوا في آخر وقت المغرب بعد إجماعهم على أن أول وقتها غروب الشمس ، والظاهر من قول مالك أن وقتها وقت واحد عند مغيب الشمس ، وبهذا تواترت الروايات عنه إلا أنه قال في الموطأ : فإذا غاب الشفق فقد خرج وقت المغرب ، ودخل وقت العشاء ، وبهذا القول قال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والحسن بن حي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، والطبري ، [ ص: 80 ] وحجة من قال بهذا ( القول ) وجعل للمغرب وقتين كسائر الصلوات - ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا بدر بن عثمان قال : حدثنا أبو بكر بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه سائل فسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئا ، فأمر بلالا فأقام بالفجر حين انشق الفجر ، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا ، ثم أمره فأقام الظهر حين زالت الشمس ، والقائل يقول انتصف النهار ، أو لم ، فكان أعلم منهم ، ثم أمره فأقام العصر ، والشمس مرتفعة ، ثم أمره فأقام المغرب حين وقعت الشمس ، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ، ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها ، والقائل يقول ( طلعت الشمس أو كادت ، ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من العصر ، ثم أخر العصر حتى انصرف منها ، والقائل يقول : ) احمرت الشمس ، وأخر المغرب حتى كان سقوط الشفق ، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل ، ثم أصبح فدعا بالسائل فقال : الوقت فيما بين هذين .

وروى الثوري ، وغيره عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاءه رجل فسأله عن وقت الصلاة فقال : هذين اليومين فأمر بلالا فأقام [ ص: 81 ] عند الفجر ، فذكر الحديث بمعنى حديث أبي موسى سواء في المغرب وغيرها وقتين .

حدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا عمرو بن هشام قال : حدثنا مخلد بن يزيد عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وحدثنا أحمد بن محمد قال : حدثنا أحمد بن الفضل قال : حدثنا محمد بن جرير قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا إسحاق بن يوسف قال : حدثنا سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ( فذكره ) قالوا : وهذه الآثار أولى من أخبار إمامة جبريل لأنها متأخرة بالمدينة ، وإمامة جبريل ( كانت ) بمكة ، والمتأخر أولى من فعله وأمره صلى الله عليه وسلم لأنه ناسخ لما قبله . قالوا : وقد روى سليمان بن موسى عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب أيضا مثل رواية أبي موسى ، وبريدة ، وروى عبد الله بن عمرو بن العاص في المغرب مثل ذلك ، وكل هؤلاء إنما صحبه بالمدينة لأنها متقدمة بمكة ، والمصير إلى ما رووه أولى من المصير إلى أحاديث إمامة جبريل ; لأنها متقدمة بمكة .

[ ص: 82 ] وحديث عبد الله بن عمرو : حدثناه سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا عبد الله بن روح قال : حدثنا عثمان بن عمر قال : أنبأنا شعبة عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال شعبة : حدثني به ثلاث مرات مرتين لم يرفعه ، ومرة رفعه قال : وقت الظهر ما لم تحضر العصر ، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ، ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ، ووقت العشاء ما لم ينتصف الليل ، ووقت الفجر ما لم تطلع الشمس .

واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم : إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء وبقوله : لا يصلين أحدكم بحضرة الطعام ، ولا وهو يدافع الأخبثين يعني البول والغائط ، ولأنه صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور ، وبالصافات ، وقد روي بالأعراف ، وهذا كله دل على أن وقت المغرب له سعة ، وأول وآخر ، كل هذا احتج به من ذكرنا قولهم .

[ ص: 83 ] ( أخبرنا محمد بن إبراهيم قراءة مني عليه قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا سويد بن نصر قال : أخبرنا عبد الله عن معمر عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قرب العشاء ونودي بالصلاة فابدءوا بالعشاء ، وحدثنا محمد : حدثنا أحمد بن شعيب : حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي : حدثنا حماد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قرب العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء ، ومما احتجوا به أيضا حديث أبي بصرة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما صلى العصر ، في حديث ذكره قال : لا صلاة بعدها حتى الشاهد ، والشاهد النجم .

وقال الشافعي في وقت المغرب قولين . أحدهما : أنه ممدود إلى مغيب الشفق ، والآخر وهو المشهور عنه : أن وقتها وقت واحد ، لا وقت لها إلا حين تجب الشمس قال : وذلك بين في إمامة جبريل قال : ولو جاز أن تقاس المواقيت ، قيل : لا تفوت حتى يدخل أول وقت العشاء قبل أن تصلي منها ركعة كما قيل في العصر ، ولكن المواقيت لا تؤخذ [ ص: 84 ] قياسا ، وقال الثوري : ( وقت ) المغرب إذا غربت الشمس فإن حبسك عذر فأخرتها إلى أن يغيب الشفق في السفر فلا بأس ، وكانوا يكرهون تأخيرها .

قال أبو عمر : المشهور من مذهب مالك ما ذهب إليه الشافعي ، والثوري في وقت المغرب ، وقد ذكرنا ذلك ، والحجة لهم ، كل حديث ذكرناه في كتابنا هذا في إمامة جبريل على تواترها لم تختلف في أن للمغرب وقتا واحدا ، وقد روي مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وكلهم صحبه بالمدينة ، وحكى عنه صلاته بها كذلك على أن مثل هذا يؤخذ عملا لا ينفك منه ، ولا يجوز جهله ، ولا نسيانه ، وقد حكىأبو عبد الله بن خويزمنداد البصري في كتابه في الخلاف أن الأمصار كلها بأسرها لم يزل المسلمون فيها على تعجيل المغرب ، والمبادرة إليها في حين غروب الشمس ، ولا نعلم أحدا من المسلمين تأخر بإقامة المغرب في مسجد جماعة عن وقت غروب الشمس ، وفي هذا ما يكفي مع العمل بالمدينة في تعجيلها .

قال أبو عمر : لو كان وقتها واسعا لعمل المسلمون فيها كعملهم في العشاء الآخرة [ ص: 85 ] وسائر الصلوات من أذان واحد من المؤذنين بعد واحد ، وغير ذلك من الاتساع في ذلك ، وفي هذا له دليل واضح ( على ) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يصليها وقتا واحدا إلى أن مات صلى الله عليه وسلم ولو وسع عليهم لتوسعوا ; لأن شأن العلماء الأخذ بالتوسعة إلا أن ضيق وقت المغرب ليس كالشيء الذي لا يتجزأ بل ذلك على قدر عرف الناس من إسباغ الوضوء ولبس الثوب ، والأذان ، والإقامة ، والمشي إلى ما لا يبعد من المساجد ، ونحو ذلك .

وأما الأحاديث في ذلك فمنها ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا أحمد بن الحجاج قال : حدثنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو بن علقمة الليثي عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم فصلى له صلاة الصبح حين طلع الفجر ، ثم صلى ( له ) الظهر حين زاغت الشمس ، ثم صلى له العصر حين كان الظل مثله ، ثم صلى له المغرب حين غروب الشمس وحل فطر الصائم ، ثم صلى للعشاء حين ذهب شفق النهار ( ثم صلى له من الغد فصلى له الصبح حين أسفر قليلا ) ثم صلى له الظهر حين كان الظل مثله ، ثم صلى له العصر حين كان [ ص: 86 ] الظل مثليه ، ثم صلى له المغرب لوقت واحد حين غروب الشمس ، وحل فطر الصائم ، ثم صلى العشاء حين ذهب ساعة من الليل ، ثم قال : الصلاة ما بين صلاتك أمس وصلاتك اليوم .

فهذا من حديث أبي هريرة ، وإنما صحبه صلى الله عليه وسلم بعد عام خيبر بالمدينة متأخرا ، وفيه في وقت صلاة المغرب ما نرى من تعجيله في اليومين جميعا .

فإن قيل : إن الأعمش روى عن أبي صالح عن أبي هريرة ( عن النبي صلى الله عليه وسلم ) حديث المواقيت ، وفيه أن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس ، وآخرها حين يغيب الشفق ؛ قيل له : هذا الحديث عند جميع أهل الحديث حديث منكر ، وهو خطأ لم يروه أحد عن الأعمش بهذا الإسناد إلا محمد بن فضيل وقد أنكروه عليه .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : قال لنا محمد بن عبد الله بن نمير : [ ص: 87 ] هذا الحديث حديث محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في المواقيت خطأ ليس له أصل ، وقال عباس : سمعت يحيى بن معين يقول : حديث الأعمش ( عن أبي صالح ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن للصلاة أولا وآخرا ، رواه الناس كلهم عن الأعمش عن مجاهد مرسلا ، ورواه محمد بن فضيل عن الأعمش فأخطأ فيه ، وهو حديث ضعيف ليس بشيء إنما هو عن الأعمش عن مجاهد مرسل .

وأما رواية سليمان بن موسى عن عطاء عن جابر فلم يتابع عليها سليمان بن موسى ، وقد روى ابن جريج ، وبرد بن سنان عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم - الحديث ، ليس فيه للمغرب إلا وقت واحد ، وكذلك رواه كل من رواه عن جابر , منهم وهب بن كيسان ، وبشير بن سليمان ، وغيرهم ، ومما يوضح ذلك أن جابرا سئل عن مواقيت الصلاة في زمن الحجاج ، وعن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر للمغرب إلا وقتا واحدا .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أبو قلابة الرقاشي قال : حدثنا وهب بن جرير بن حازم ، وعبد الصمد بن عبد الوارث قالا : حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن عمرو بن الحسن قال : كان الحجاج يؤخر [ ص: 88 ] الصلاة ، فسألت جابر بن عبد الله فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس ، والعصر والشمس بيضاء نقية ، والمغرب إذا غربت الشمس ، والعشاء إن رأى في الناس قلة أخر ، وإن رأى فيهم كثرة عجل .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا محمد بن غالب قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن عمرو بن حسن قال : سألنا جابر بن عبد الله ( فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس ، والعصر والشمس بيضاء نقية ، والمغرب إذا غربت الشمس ، والعشاء إن رأى في الناس قلة أخر ، وإن رأى في الناس كثرة عجل ) .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم : حدثنا محمد بن غالب قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن عمرو بن حسن قال : سألنا جابر بن عبد الله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله ( وزاد ) والصبح بغلس ، وفي لفظ حديث مسلم بن إبراهيم : كان يصلي الظهر بالهاجرة ، والعصر والشمس حية ، ثم ذكره سواء .

ورواه يحيى القطان عن شعبة بإسناده مثله سواء إلا أنه قال : وكان - أو كانوا - يصلون الصبح بغلس ، حدثناه عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا بكر بن [ ص: 89 ] حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى القطان فذكره ، وأما حديث قتادة عن أبي أيوب الأزدي عن عبد الله بن عمرو فقد جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه ، وهو ما رواه حسان بن عطية عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر في المغرب وقتا واحدا .

وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود ( قال : حدثنا داود ) بن شعيب قال : حدثنا حماد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال : كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم نرمي فيرى أحدنا مواقع نبله ، وهذا على المداومة ، والتكرار . ومثله ما : حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال : حدثنا ابن أخي جويرية بن أسماء عن عمه عن مالك بن أنس عن الزهري أن عبد الله بن كعب بن مالك أخبره أن رجلا من [ ص: 90 ] أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب ، ثم ننصرف إلى أهلنا في بني سلمة فنبصر مواقع نبلنا .

وهذا حديث غريب من حديث مالك ، وقد رواه جماعة عن الزهري ، وروى جعفر بن برقان هذا الحديث عن الزهري فقال في آخره : قلت للزهري : وكم كانت منازلهم من المدينة ؟ قال : على ثلثي ميل ، وهذا غاية في تعجيل المغرب .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال : حدثنا علي بن المديني ، وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر ( قال : حدثنا ) أبو داود قال : حدثنا عمرو بن علي قالوا جميعا : حدثنا صفوان بن عيسى قال : حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس إذا سقط حاجبها .

وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عبيد الله بن عمر قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله [ ص: 91 ] قال : قدم علينا أبو أيوب غازيا ، وعقبة بن عامر يومئذ على مصر فأخر المغرب ، فقام إليه أبو أيوب فقال : ما هذه الصلاة يا عقبة ؟ فقال : شغلنا ، فقال : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تزال أمتي بخير ، أو قال : على الفطرة ، ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم ؟ ومن حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال : لا تزال هذه الأمة بخير ما صلوا ( صلاة ) المغرب قبل اشتباك النجوم ، وليس في حديث القراءة بالأعراف وشبهها في المغرب حجة قاطعة في سعة وقتها ; لأن المراعاة في ذلك وقت الدخول فيها ، فإذا دخل المصلي فيها على ما أمر فله أن يمتد في ذلك ما لم يدخل وقت صلاة أخرى ( كما أن من أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس كان له أن يمتد في الثانية ، وهذا كله على المتعارف من سنن الصلوات ، وبالله التوفيق ) .

( وكما فعل أبو بكر رضي الله عنه إذ قرأ بالبقرة في صلاة الصبح ، وكان يغلس فلما سلم من صلاته قيل له : كادت الشمس تطلع فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين يعني - والله أعلم - أنه دخل في الصلاة في أول وقتها ، ومد قراءتها ) .

وأجمعوا على أن وقت العشاء الآخرة للمقيم مغيب الشفق ، والشفق الحمرة التي تكون في المغرب تبقى في الأفق بعد مغيب الشمس ، هذا [ ص: 92 ] قول ( مالك ، و ) الشافعي ، والثوري ، والأوزاعي وأكثر العلماء ، وروي ذلك عن جماعة من الصحابة منهم شداد بن أوس ، وعبادة ، وابن عمر ، وإليه ذهب داود ، وكان أبو حنيفة يقول : وإليه ذهب المزني وقال أحمد بن حنبل : أما في الحضر فأحب إلي أن لا تصلى حتى احتياطا ، وأما في السفر فيجزئه أن يصلي إذا ذهبت الحمرة .

واختلفوا في آخر وقتها فالمشهور من مذهب مالك في آخر وقت العشاء في السفر ، والحضر لغير أصحاب الضرورات ثلث الليل الأول ، ويستحب لأهل مساجد الجماعة ألا يعجلوا بها في أول وقتها إذا كان مضرا بالناس ، وتأخيرها قليلا أفضل ( عنده ) ، وروى ابن وهب عن مالك قال : وقتها من حين يغيب الشفق إلى أن يطلع الفجر ، وهو قول داود .

وقال الثوري ، والحسن بن حي : أول وقت العشاء مغيب الشفق إلى ثلث الليل ، والنصف بعده آخره ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : المستحب في وقتها إلى ثلث الليل ، ويكره تأخيرها إلى بعد نصف الليل ، ولا تفوت إلا بطلوع الفجر ، وقال الشافعي : آخر وقتها إلى أن يمضي ثلث الليل فإذا مضى ثلث الليل فلا أراها إلا فائتة ، وقال أبو ثور : وقتها من مغيب الشفق إلى نصف الليل .

قال أبو عمر : في أحاديث إمامة جبريل من رواية ابن عباس وجابر ثلث [ ص: 93 ] الليل ، وكذلك في حديث أبي موسى الأشعري ، وفي حديث أبي مسعود الأنصاري ، وحديث أبي هريرة ساعة من الليل ، وفي حديث عبد الله بن عمرو نصف الليل ، وحديث علي مثله ، وحديث الحكم بن عتيبة عن نافع عن ابن عمر نحوه ، وروى أبو سعيد ، وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم لولا سقم السقيم ، وضعف الضعيف ، ولولا أن أشق على أمتي لأخرتها إلى شطر الليل ، وفي حديث عائشة حتى ذهب عامة الليل ، ثم قال : إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ، وقال جابر بن سمرة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء الآخرة ، وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا أبو عوانة بن أبي بشر ( عن بشير بن ثابت ) عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال : أنا أعلم ( الناس ) بوقت هذه الصلاة ، صلاة العشاء الآخرة كان رسول [ ص: 94 ] الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة ، وذكر أبو داود عن مسدد بإسناده مثله ، ومن حجة مالك ، ومن قال بقوله ، وهو مذهب ابن عباس حديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما التفريط في اليقظة على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى وقياس على سائر الصلوات حاشا الصبح فإنها منفردة بوقتها ، ومن أشرك بين وقتي صلاتي النهار ، وصلاتي الليل لمن كانت به ضرورة حيض ، أو إغماء ، أو نحو ذلك فيلزمه المصير إلى قول مالك ، إلا أن يجعلوا وقت الضرورة قياسا على السفر فإن الوقت عند الشافعي في السفر له حكم غير حكم الحضر ، ولا يجوز عنده إشراك الوقت في الحضر لغير أصحاب الضرورات ألبتة .

وأجمعوا أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر ، وانصداعه المعترض في أفق السماء ، وهو الفجر الثاني الذي ينتشر ، ويطير ، وأن آخر وقتها طلوع الشمس إلا أن ابن القاسم روى عن مالك أن آخر وقتها الإسفار ، وكذلك حكى ابن عبد الحكم عنه أن آخر وقتها الإسفار الأعلى ، وقال ابن وهب عن مالك : آخر وقتها طلوع الشمس ، وهو قول الثوري ، والناس ، وقال الشافعي : لا تفوت صلاة الفجر حتى تطلع الشمس قبل أن يدرك منها ركعة بسجودها ، فمن لم تكمل له ركعة قبل طلوع الشمس فقد فاتته ، وهو قول أبي ثور ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وداود ، والطبري ، وأبي عبيد ، وأما أبو حنيفة ، وأصحابه فإنهم [ ص: 95 ] يفسدون صلاة من طلعت عليه الشمس ، وهو يصليها ، وقد ذكرنا قولهم ، وحجتهم في ذلك ، والحجة عليهم في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته هاهنا .

وأما اختيارهم من الأوقات فإن مالكا والليث بن سعد ، والشافعي ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل كانوا يقولون بالتغليس في صلاة الفجر في أول وقتها ، وذلك أفضل عندهم أن تصلى ، والنجوم ( بادية ) مشتبكة ، وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والحسن بن حي بالإسفار في الفجر في كل الأزمان في الصيف ، والشتاء ، وذلك عندهم أفضل .

وقد ذكرنا حجة كل فريق منهم في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا ( فأغنى عن إعادته هاهنا ) وقال مالك : يصلي الظهر إذا فاء الفيء ذراعا في الشتاء ، والصيف ، وهو أحب إليه في الجماعة ، وغيرها ، عند أكثر أصحابه ، ومنهم من قال : إن هذا معناه في مساجد الجماعات ، وأما المنفرد الذي لا جماعة معه ينتظرها فإنه يصلي في أول الوقت ، وقال الليث ، والشافعي : يصليها في أول الوقت قال الشافعي : إلا في المساجد التي تنتاب من بعيد فإنها يبرد فيها بالظهر ، والصلوات كلها . عند الليث ، والشافعي أوائل أوقاتها أفضل قال الشافعي : إلا الإبراد في شدة الحر في المساجد التي تقصد من المواضع النائية ، وزعم أبو الفرج أن مذهب [ ص: 96 ] مالك أن الصلوات كلها أوائل أوقاتها أفضل إلا الظهر في شدة الحر فإنها تؤخر قليلا في المساجد ، وغيرها ، وقال العراقيون : تعجل الظهر في الشتاء في أول الوقت ، وتؤخر في الحر حتى يبرد ، وهو قول أحمد بن حنبل قال : أول الأوقات أعجب إلي في الصلوات كلها إلا في صلاتين ، صلاة العشاء الآخرة ، وصلاة الظهر في الحر يبرد بها ، وتؤخر حتى يبرد ، وأما في الشتاء فيعجل بها ( قال : ) وتؤخر العشاء ( أبدا ) ما لم يشق على الناس ، وهذا كله حكاية معنى رواية الأثرم عنه ، وكلهم قال : يصلي العصر ، والشمس بيضاء نقية إلا ما قال جرير عن الثوري أنه كان يؤخر العصر ، وغيره عن الثوري كما ذكرنا ، وكلهم يستحب تعجيل المغرب إلا أن مالكا قال : لا بأس للمسافر يمد الميل ونحوه ، ثم ينزل ويصلي ، واستحب العراقيون تأخير العشاء ، وقال الشافعي ومالك والليث : أول وقتها أفضل ، وقد ذكرنا من الآثار ما منه قال كل فريق ، وبالله التوفيق .

وقال الأوزاعي كان عمر بن عبد العزيز يصلي الظهر في الساعة الثامنة ، والعصر في الساعة العاشرة حين تدخل ، حدثني بذلك عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عنه .

[ ص: 97 ] قال أبو عمر : ذكرنا قول عمر هذا ، وقد قدمنا عنه أنه لما حدثه عروة بن بشير بن أبي مسعود عن أبيه بالحديث المذكور في هذا الباب لم يزل يرتقب الأوقات وتكون عنده علامات الساعات ، وحسبك به اجتهادا في خلافته ، وعن حاله تلك حكى رجاء بن حيوة .

قال أبو عمر : أشبعنا القول في هذا الباب ; لأنه ركن من أركان الصلاة عظيم ، وأصل كبير ، وحديث مالك فيه مستغلق جدا فبسطناه ، ومهدناه بالآثار ، وأقاويل العلماء ليكون كتابنا مغنيا عما سواه كافيا شافيا فيما قصدناه .

وأما قول عروة : " ولقد حدثتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر ، والشمس في حجرتها قبل أن تظهر " فمعناه قبل أن يظهر الظل على الجدار ، يريد قبل أن يرتفع ظل حجرتها على جدرها ، وكل شيء علا شيئا فقد ظهر قال الله عز وجل : فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا أي يعلوا عليه وقيل معناه أن يخرج الظل من قاعة حجرتها ، وكل شيء خرج فقد ظهر ، والحجرة الدار ، وكل ما أحاط فهو حجرة وأصل الحجرة مأخوذ من التحجير تقول : حجرت على نفسي إذا أحطت عليها بحائط .

[ ص: 98 ] وفي هذا الحديث دليل على قصر بنيانهم واختصارهم فيه ; لأن الحديث إنما قصد به تعجيل العصر ، وذلك إنما يكون مع قصر الحيطان ، وإنما أراد بذلك عروة ليعلم عمر بن عبد العزيز . عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر قبل الوقت الذي أخرها إليه عمر . ذكر الحسن بن علي الحلواني قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثنا حريث بن السائب قال : حدثنا الحسن قال : كنت أدخل بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا محتلم وأنال سقفها بيدي وذلك في خلافة عثمان رضي الله عنه .

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا محمد بن حبيب بن زبان قال : حدثنا محمد بن رمح قال : حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر ، والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء من حجرتها ، وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا الزهري عن عروة عن عائشة قالت : كان رسول [ ص: 99 ] الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر ، والشمس بيضاء نقية في حجرتها لم يظهر الفيء بعد .

قال أبو عمر :

كل من ذكر الحديث من المصنفين إنما ذكره في باب تعجيل العصر وقد تقدم في وقت العصر ، وغيرها ما فيه كفاية لمن تدبر وفهم ، وفيه دليل على قبول خبر الواحد ; لأن عمر قبل قول عروة ( وحده ) فيما جهله من أمر دينه وهذا منا على التنبيه بأن قبول خبر الواحد مستفيض عند الناس مستعمل لا على سبيل الحجة ; لأنا لا نقول خبر الواحد حجة في خبر الواحد على من أنكره .




الخدمات العلمية