الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
310 [ ص: 45 ] حديث رابع من مراسيل ابن شهاب .

مالك عن ابن شهاب عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : لما قدمنا المدينة نالنا وباء من وعكها شديد ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يصلون في سبحتهم قعودا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم .

التالي السابق


هكذا روى هذا الحديث عن مالك جماعة الرواة فيما علمت بهذا الإسناد مرسلا .

[ ص: 46 ] وروى فيه عن ابن أبي زائدة عن مالك عن الزهري عن سالم عن أبيه ، ولا يصح .

ورواه الحسين بن الوليد عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عيسى بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو ، ولم يتابعه على ذلك ( أحد ) من رواة مالك ، وإنما يرويه هكذا عن ابن شهاب ، عن عيسى بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو - ابن عيينة - وحده من بين أصحاب ابن شهاب على اختلاف على ابن عيينة في ذلك أيضا .

ومن اختلاف أصحاب ابن شهاب في ذلك أن صالح بن أبي الأخضر وابن جريج روياه عن ابن شهاب عن أنس ، كذلك ذكره عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، وكذلك رواه النضر بن شميل عن صالح بن أبي الأخضر ، ورواه صالح بن عمر عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن السائب بن يزيد عن المطلب بن أبي وداعة .

[ ص: 47 ] ورواه معمر عن الزهري أن عبد الله بن عمر قال : قدمنا المدينة بمثل رواية مالك سواء في الإسناد والمتن ، هذه رواية الدبري عن عبد الرزاق عن معمر رواه خشيش عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن رجل عن عبد الله بن عمرو .

وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثني أبي قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا قاسم بن محمد قال : حدثنا أبو عاصم خشيش بن أصرم قال : أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، عن رجل ، عن عمرو بن العاص فذكره .

ورواه بكر بن وائل عن الزهري عن مولى لعبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص .

ورواه حجاج بن منيع عن جده عن الزهري عن ثعلبة بن أبي مالك عن عبد الله بن عمرو .

ورواه يزيد بن عياض عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو .

ورواه إبراهيم بن مرة وعبد الرزاق بن عمر عن الزهري عن سالم عن أبيه ، وكل هذا خطأ والله أعلم .

[ ص: 48 ] فأما رواية النضر بن شميل عن صالح بن أبي الأخضر ، فأخبرنا سعيد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن دحيم بن خليل ، حدثنا بكر بن محمد بن حفص الشعراني بتنيس ، حدثنا إبراهيم بن محمد الصفار ، حدثنا خلاد حدثنا النضر بن شميل ، حدثنا صالح بن أبي الأخضر ، عن ابن شهاب ، عن أنس قال : لما قدم الناس المدينة أصابهم وعك ( من وباء المدينة ) ، فمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس يصلون في سبحتهم قعودا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة القاعد على نصف صلاة القائم .

وأما رواية ابن جريج فحدثنا أحمد بن عبد الله قال : حدثنا مسلمة بن القاسم قال : حدثنا علان ومحمد بن أبان قالا : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني ابن شهاب قال : أخبرني أنس بن مالك قال : قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهي محمة ، فحم الناس فدخل المسجد والناس قعود فقال : صلاة القاعد نصف صلاة القائم ، فتجشم الناس القيام .

[ ص: 49 ] وأما رواية ابن عيينة فحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا حامد بن يحيى البلخي قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عيسى بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو فذكره .

وأما رواية صالح بن عمر عن صالح بن أبي الأخضر فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن علان قال : حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال : حدثنا إبراهيم بن مهدي قال : حدثنا صالح بن عمر قال : حدثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن السائب بن يزيد عن المطلب قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يصلي قاعدا فقال : صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم قال : فتجشم الناس القيام . وهذا عندي خطأ من صالح بن أبي الأخضر أو ممن دونه في الإسناد .

وأما حديث الزهري عن السائب بن يزيد عن المطلب بن أبي وداعة عن حفصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في سبحته قاعدا قبل وفاته بعام ، ويقرأ بالسورة ويرتلها حتى تكون أطول من أطول منها ، هكذا حدث به الحفاظ عن ابن شهاب بهذا الإسناد ، ومنهم مالك وغيره .

[ ص: 50 ] وأما حديث عبد الله بن عمرو المذكور في هذا الباب من غير رواية ابن شهاب ، فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى عن سفيان قال : حدثني منصور عن هلال بن يساف ، عن أبي يحيى ، عن عبد الله بن عمرو قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي جالسا ، فقلت : يا رسول الله ، حدثت أنك قلت : صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ، وأنت تصلي جالسا ؟ قال : أجل ، ولكني لست كأحد منكم .

وأخبرنا سعيد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن دحيم ، حدثنا محمد بن الحسن بن زيد ، حدثنا أبو الحسن علان بن المغيرة ، حدثنا عبد الغفار بن داود ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عبد الله بن بابيه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : مر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أصلي قاعدا فقال : أما إن للقاعد نصف صلاة القائم .

[ ص: 51 ] قال أبو عمر : ذكرنا في هذا الباب من القول في إسناد حديثه ما بلغه علمنا مختصرا مهذبا ولم نذكر شيئا من معانيه ، لتقدم القول فيها ممهدة في باب الألف من هذا الكتاب ، وأما الوباء فمهموز مقصور ، وهو الطاعون ، يقال : أرض وبيئة ، أي : ذات وباء وأمراض .

وأما الوعك ، فقال أهل اللغة : لا يكون إلا من الحمى دون سائر الأمراض ، وأما السبحة فهي النافلة من الصلاة ، وقد قيل : إن كل صلاة سبحة . والأول أصح ، ويشهد لصحته حديث ابن شهاب في هذا الباب ; لأنه لا وجه له إلا النافلة والله أعلم .

وقد مضى القول في هذا المعنى - مجودا في باب إسماعيل بن محمد من هذا الديوان - والحمد لله لا شريك له .




الخدمات العلمية