الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
574 [ ص: 31 ] ولنافع عن أبي هريرة في الموطأ حديثان موقوفان ، يستندان من غير ما وجه ، أحدهما - وهو حديث تاسع وستون

مالك ، عن نافع ، أن أبا هريرة ، قال : أسرعوا بجنائزكم ، فإنما هو خير تقدمونه إليه ، أو شر تطرحونه عن رقابكم .

التالي السابق


هكذا روى هذا الحديث جمهور رواة الموطأ موقوفا على أبي هريرة ، ورواه الوليد بن مسلم ، عن مالك ، عن نافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لم يتابع على ذلك عن مالك ، ولكنه مرفوع من غير رواية مالك من حديث [ ص: 32 ] نافع ، عن أبي هريرة ، من طرق ثابتة ، وهو محفوظ أيضا من حديث الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة مرفوعا .

فأما حديث نافع ، فحدثناه عبد الوارث بن سفيان ، ويعيش بن سعيد ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن القاضي البرتي ، قال : حدثنا أبو معمر ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا أيوب ، عن نافع مولى ابن عمر ، عن أبي هريرة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أسرعوا بجنائزكم ، إن يكن خيرا عجلتموه إليه ، وإن يكن غير ذلك ، قذفتموه عن أعناقكم .

وروى الأوزاعي ، عن نافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي عليه السلام مرفوعا ، ولا سماع للأوزاعي من نافع ، كذلك قال أبو زرعة ، وقال : حدثنا إسحاق بن الخطمي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : قلت للأوزاعي : يا أبا عمرو ، نافع أو عن رجل عن نافع ؟ قال : رجل عن نافع ، قلت : فعمرو بن شعيب ، أو رجل عن عمرو بن شعيب ؟ قال : عمرو بن شعيب ، قلت : فالحسن أو رجل عن الحسن ؟ قال : رجل عن الحسن .

وأما حديث الزهري ، فحدثناه سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا سفيان بن أبي شيبة ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد عن أبي هريرة [ ص: 33 ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أسرعوا بالجنازة ، فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه ، وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم .

قال أبو عمر : تأول قوم في هذا الحديث تعجيل الدفن لا المشي ، وليس كما ظنوا ، وفي قوله : شر تضعونه عن رقابكم ما يرد قولهم ، مع أنه قد روي عن أبي هريرة - وهو راوية الحديث - ما يغني عن قول كل قائل .

روى شعبة ، وعيينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي بكرة ، أنه أسرع المشي في جنازة عثمان بن أبي العاص وأمرهم بذلك ، وقال : لقد رأيتنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نرمل رملا .

وروى أبو ماجد ، عن ابن مسعود ، قال : سألنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن المشي مع الجنازة ، فقال : دون الخبب ، إن يكن خيرا يعجل إليه ، وإن يكن غير ذلك فبعدا لأهل النار وذكر الحديث .

[ ص: 34 ] وحديث أبي هريرة أثبت من جهة الإسناد ، ومعناهما متقارب ، والذي عليه جماعة العلماء في ذلك - ترك التراخي ، وكراهة المطيطى ، والعجلة أحب إليهم من الإبطاء ، ويكره الإسراع الذي يشق على ضعفة من يتبعها ، وقد قال إبراهيم النخعي : بطئوا بها قليلا ، ولا تدبوا دبيب اليهود والنصارى .

وروي عن أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، وجماعة من السلف أنهم أمروا أن يسرع بهم ، وهذا على ما استحبه الفقهاء ، وهو أمر خفيف إن شاء الله ، وقد روي عن النبي عليه السلام ما يفسر الإسراع من حديث أبي موسى ، ويوافق حديث ابن مسعود ، وقول إبراهيم .

حدثنا يعيش بن عبد الله ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن محمد البرتي ، قال : حدثنا أبو معمر ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا ليث ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبصر جنازة يسرع بها ، وهي تمخض كما يمخض الزق ، قال : فقال : عليكم بالقصد في جنائزكم إذا مشيتم .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم ، حدثنا بكر بن حماد ، حدثنا مسدد ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن ليث بإسناده ومعناه .

[ ص: 35 ] وحدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا عبد الله بن روح المدائني ، قال : حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، قال : أخبرنا شعبة ، عن ليث بن أبي سليم ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة ، فكأنهم أسرعوا في السير ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : عليكم بالسكينة وهذه الآثار توضح لك معنى الإسراع ، وأنه على حسب ما يطاق ، وما لا يضر بالمتبع الماشي معها ، وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية