الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5083 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " . رواه أحمد والترمذي ، والدارمي .

التالي السابق


5083 - ( وعن أبي ذر ) أي : الغفاري رابع الإسلام أو خامسه ، زاد النووي في أربعينه : ومعاذ بن جبل ( قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : مختصا لي بخطابه وهو لا ينافي التعدد لاحتمال اختلاف المجلس مع أنه غير مذكور في الأربعين . ( اتق الله ) أي : بالإتيان بجميع الواجبات والانتهاء عن سائر المنكرات ، فإن التقوى أساس الدين ، وبه يرتقي إلى مراتب اليقين ، ثم التحقيق أن التقوى أدناها التبرؤ عن الشرك بالله ، وأعلاها [ ص: 3178 ] الإعراض عما سواه ، وما بينهما مراتب بعضها فوق بعض من ترك المحظور ، ثم المكروه ، ثم المباح مما لا يعني ، لله در من قال من أهل الحال :


من عرف الله فلم تغنه معرفة الله فذاك الشقي ما يصنع العبد بعز الغنى
فالعز كل العز للمتقي



( حيثما كنت ) أي : في الخلاء وفي النعماء والبلاء ، فإن الله عالم بسر أمرك كما أنه مطلع على ظواهرك ، فعليك برعاية دقائق الأدب في حفظ أوامره ومراضيه ، والاحتراز عن مساخطه ومساويه ، وعن داود الطائي أنه سمع صوتا من قبر : ألم أزك ألم أصل ألم أصم ألم أفعل كذا ؟ أجيب : بلى يا عبد الله ، ولكن إذا خلوت بارزته بالمعاصي ولم تراقبه . ( وأتبع ) : أمر من باب الأفعال : هو متعد إلى مفعولين ( السيئة الحسنة ) أي : التوبة والطاعة مطلقا ، أو بأن تباشر حسنات تضاد آثارها تلك السيئات . قال الطيبي : فسماع الملاهي يكفر بسماع القرآن وبمجالس الذكر والوعظ عن المناهي ، وشرب الخمر يكفر بالصدق بكل شراب حلال ، وعلى هذا فقس لأن المرض يعالج بضده ، والمتضادات هي المناسبات ، فلذلك ينبغي أن يمحو كل سيئة بحسنة من جنسها لن تضادها ، فالبياض يزال بالسواد لا بغيره ، وحب الدنيا لأن أثر السرور بها في القلب ، فلا جرم كفارته كل أذى يصيب المسلم من الهم والغم اهـ .

ولا خفاء أنه لا يظهر حسن المقابلة بين حب الدنيا ، وما ذكره من المشاكلة لأن الهم والغم ليسا من الأمور الاختيارية المراد بها في الحديث ، على ما هو ظاهر من قوله : أتبع ، فالصواب أن مقابلة حب الدنيا بضدها ، وهو بغضها بأن يتصدق ولو ببعضها على أن هذه المناسبات غير لازمة في محو السيئات لقوله تعالى : إن الحسنات يذهبن السيئات وقد وردت الآية فيمن قبل امرأة ، ثم صلى معه - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم . ( تمحها ) أي : تدفع الحسنة السيئة وترفعها والإسناد مجازي ، والمراد يمحو الله بها آثارها من القلب أو من ديوان الحفظة ، هذا إذا كانت بينه وبين الله تعالى ، فإن تعلقت بالعبد فتدفع الحسنة إلى خصمه عوضا عن المظلمة أو يرضيه الله من فضله ، حكي عن بعضهم أنه رئي في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي وأحسن إلي إلا أنه حاسبني حتى طالبني بيوم كنت صائما ، فلما كان وقت الإفطار أخذت حنطة من حانوت صديق لي فكسرتها فذكرت أنها ليست لي ، فألقيتها على حنطته ، فأخذ من حسناتي بمقدار أرش كسرها . قال البيضاوي : صغائر الذنوب تقع مكفرة بالحسنات ، وكذا ما خفي من الكبائر لعموم قوله تعالى : نكفر عنكم سيئاتكم والحديث ، أما ما ظهر منها وتحقق عند الحاكم ، فلا يسقط حدها ولا بالتوبة ، ولما وصاه بما يتعلق بحقوق الله تعالى وإصلاح نفسه دون ما يتعلق بحقوق العباد فقال : ( وخالق الناس ) : أمر من المخالقة مأخوذ من الخلق مع الخلق أي : خالطهم وعاملهم ( بخلق حسن ) : وهو بسط المحيا وبذل الندى وتحمل الأذى ( رواه أحمد ، والترمذي ، والدارمي ) : وفي الأربعين : رواه أحمد والترمذي . وقال : حديث حسن ، وفي بعض النسخ حسن صحيح اهـ . كلامه . وفي الجامع الصغير رواه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي عن أبي ذر ، وأحمد والترمذي والبيهقي عن معاذ ، وابن عساكر عن أنس .




الخدمات العلمية