الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5156 - وعن المستورد بن شداد - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما يرجع ؟ " . رواه مسلم .

التالي السابق


5156 - ( وعن المستورد بن شداد قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " والله ) : قسم للمبالغة في تحقق الحكم ( ما الدنيا ) : " ما " نافية أي : ما مثل الدنيا من نعيمها وزمانها ( في الآخرة ) أي : في جنبها ومقابلة نعيمها وأيامها ( إلا مثل ) : بكسر الميم ورفع اللام ، وفي نسخة بنصبها ، وما في قوله : ( ما يجعل أحدكم ) : مصدرية أي : مثل جعل أحدكم ( أصبعه ) : وفي الجامع : بزيادة هذه ، والظاهر أن المراد بها أصغر الأصابع ( في اليم ) أي : مغموسا في البحر المفسر بالماء الكثير ( فلينظر ) أي : فليتأمل أحدكم ( بم يرجع ) أي : بأي : شيء يرجع أصبع أحدكم من ذلك الماء ، واعلم أن قوله يرجع ضبط بالتذكير في أكثر الأصول . وفي بعض النسخ بالتأنيث وهو الأظهر ، لأن ضميره يرجع إلى الأصبع وهو مؤنث ، وقد يذكر على ما في القاموس ، والمعنى [ ص: 3226 ] فليتفكر بأي مقدار من البلة الملتصقة من اليم يرجع أصبعه إلى صاحبه ، اللهم إلا أن يقال المعنى بم يرجع الحال وينتقل المآل ؟ وحاصله أن منح الدنيا ومحنها في كسب الجاه والمال من الأمور الفانية السريعة الزوال ، فلا ينبغي لأحد أن يفرح ويغتر بسعتها ، ولا يجزع ويشكو من ضيقها ، بل يقول في الحالتين : لا عيش إلا عيش الآخرة ! فإنه قاله - صلى الله عليه وسلم - مرة في يوم الأحزاب ، وأخرى في حجة الوداع وجمعية الأصحاب ، ثم يعلم أن الدنيا مزرعة الآخرة ، وأن الدنيا ساعة فيصرفها في الطاعة . قال الطيبي رحمه الله : وضع موضع قوله فلا يرجع بشيء كأنه - صلى الله عليه وسلم - يستحضر تلك الحالة في مشاهدة السامع ، ثم يأمره بالتأمل والتفكر هل يرجع بشيء أم لا ؟ وهذا تمثيل على سبيل التقريب وإلا فأين المناسبة بين المتناهي وغير المتناهي ؟ ( رواه مسلم ) : وكذا أحمد ، وابن ماجه .




الخدمات العلمية