الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

512 - عن امرأة من بني عبد الأشهل رضي الله عنها ، قالت : قلت : يا رسول الله ، إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة ، فكيف نفعل إذا مطرنا ؟ فقال : " أليس بعدها طريق هي أطيب منها ؟ " قلت : بلى . قال : " فهذه هذه " . رواه أبو داود والبخاري .

التالي السابق


الفصل الثالث

512 - ( عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت : قلت : يا رسول الله ، إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة ) أي : ذات نجسة ، والطريق يذكر ويؤنث أي : فيها أثر الجيف والنجاسات ( فكيف نفعل إذا مطرنا ؟ ) على بناء المجهول أي : إذا جاءنا المطر ، ومررنا على تلك النجاسات بأذيالنا المنسحبة على الأرض ( قالت : فقال : " أليس بعدها " ) أي : أسفل منها ( " طريق هي أطيب منها ؟ ) : أي : أطهر . بمعنى الطاهر ( قلت : بلى ، قال : " فهذه بهذه " ) : أي : ما حصل التنجس بتلك يطهره انسحابه على تراب هذه الطيبة . قيل : معنى هذا الحديث وحديث أم سلمة قريبان . الخطابي ، قال أحمد : ليس معناه إذا أصابه بول ، ثم مر بعده على الأرض أنها تطهره ، ولكنه يمر بالمكان فيقذره ثم يمر بمكان أطيب منه ، فيكون هذا بذاك ، ليس على أنه يصيبه منه شيء .

وقال مالك فيما روى : إن الأرض يطهر بعضها بعضا إنما هو أن يطأ الأرض القذرة ثم يطأ الأرض اليابسة النظيفة ، فإن بعضها يطهر بعضا ، وأما النجاسة مثل البول ونحوه يصيب الثوب أو بعض الجسد ، فإن ذلك لا يطهره إلا الغسل إجماعا ، كذا ذكره الطيبي .

قلت : الحديثان متباعدان لا كما قيل إنهما متقاربان ، فإن الأول مطلق قابل أن يقيد باليابس ، وأما الثاني فصريح في الرطب ، وما قال مالك وأحمد من التأويل لا يشفي العليل ، بل يكفي الكليل ، وتأويل الإمام الشافعي المتقدم في حديث أبي هريرة بعيد جدا عن المرام في هذا المقام ، ولو حمل على أنه من باب طين الشارع ، وأنه طاهر أو معفو لعموم البلوى لكان له وجه وجيه ، لكن لا يلائمه قوله : أليس بعدها . . . إلخ . فالمخلص ما قال الخطابي من أن في إسناد الحديثين معا يعني حديث أم سلمة في الفصل الثاني ، وفي هذا الحديث مقالا ; لأن أم ولد إبراهيم وامرأة من بني عبد الأشهل مجهولتان لا يعرف حالهما في الثقة والعدالة ، فلا يصح الاستدلال بهما ، والله أعلم . ( رواه أبو داود ) .

قال ميرك شاه : سكوت أبي داود في سننه ، والترمذي في جامعه يدل على أنهما عندهما صالحان للحجية . أقول : الناطق أقوى من الصامت ، كما أن المنطوق أقوى من المفهوم ، ومن الغريب قول ابن حجر : وزعم أن جهالة تلك المرأة تقتضي رد حديثها ليس في محله ; لأنها صحابية ، وجهالة الصحابة لا تضر ; لأن الصحابة كلهم عدول ، فإنه عدول عن الجادة ; لأنها لو ثبت أنها صحابية لما قيل إنها مجهولة .




الخدمات العلمية