الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5575 - وعنه ، قال : أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بلحم فرفع إليه الذراع ، وكانت تعجبه ، فنهس منها نهسة ، ثم قال : " أنا سيد الناس يوم القيامة ، يوم يقوم الناس لرب العالمين ، وتدنو الشمس ; فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ، فيقول الناس : ألا تنظرون من يشفع لكم ؟ فيأتون آدم " . وذكر حديث الشفاعة وقال : فأنطلق فآتي تحت العرش ، فأقع ساجدا لربي ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ، ثم قال : يا محمد ! ارفع رأسك ، وسل تعطه ، واشفع تشفع ، فأرفع رأسي فأقول : أمتي يا رب ، أمتي يا رب ، أمتي يا رب ، فيقال : يا محمد ! أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة ، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب " . ثم قال : " والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر " . متفق عليه .

التالي السابق


5575 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( قال : أتي النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ) أي : جيء ( بلحم فرفع إليه الذراع ، وكانت ) أي : الذراع ( تعجبه ، فنهس ) : بالمهملة ، وقيل بالمعجمة ، أي : فأخذ بمقدم أسنانه ( منها ) أي : من الذراع يعني مما عليها ( نهسة ) ، قال القاضي عياض - رحمه الله : أكثر الرواة رووه بالسين المهملة ، ورواه ابن هامان بالمعجمة ، والنهس بالمهملة الأخذ بأطراف الأسنان ، وبالمعجمة الأخذ بالأضراس ( ثم قال : أنا سيد الناس ) أي : جميعهم من الأنبياء وغيرهم ( يوم القيامة ) أي : حيث يحتاجون إلى شفاعتي ذلك اليوم ; لكرامتي عند الله تعالى ، فإذا اضطروا أتوا إلي طالبين لشفاعتي ، ويؤيده حديث : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ) ، على ما رواه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه عن أبي سعيد . ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) ، قال الطيبي - رحمه الله : بدل من قوله : يوم القيامة . وقال ابن الملك : يحتمل أن يكون جواب سائل قال : ما يوم القيامة ؟ قلت : ويمكن أن يكون منصوبا بأعني مقدارا ، أو مرفوعا بتقدير مبتدأ محذوف هو هو وفتح يوم على الحكاية . ( وتدنو الشمس ) أي : تقرب من رءوس الناس ( فيبلغ الناس ) : بالنصب أي : فيلحقهم ، وفي نسخة بالرفع أي : فيصلون ( من الغم ) أي : من أجله وسببه ( والكرب ) : وهو الهم الشديد الحاصل من القيام ودنو الشمس المترتب عليه الحر التام الموجب للعرق على وجه الإلجام ( ما لا يطيقون ) أي : ما لا يقدرون على الصبر عليه ; فيجزعون ويفزعون ، ( فيقول الناس ) أي : بعضهم لبعض ( ألا تنظرون ) أي : ألا تتأملون ولا تتفكرون ، أولا تبصرون ( من يشفع لكم إلى ربكم ) ؟ أي : ليريحكم من هذا الهم والغم ( فيأتون آدم - عليه السلام - وذكر ) أي :

[ ص: 3546 ] أبو هريرة أو النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ( حديث الشفاعة ) أي : بطوله كما سبق ( وقال : فأنطلق ) أي : فأذهب ( فآتي ) : بالمد أي : فأجيء ( تحت العرش ) ، قيل : وجه الجمع بينه وبين حديث أنس - رضي الله تعالى عنه : على ربي في داره ، أن يقال : داره الجنة والجنة تحت العرش ، وقيل حديث أنس في الجنة ، وحديث أبي هريرة في الموقف . ( فأقع ساجدا لربي ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ، ثم قال : يا محمد ! ارفع رأسك ، وسل تعطه ) : جملة مستأنفة ( واشفع تشفع ، فأرفع رأسي فأقول : أمتي يا رب ، أمتي يا رب ) ثلاث مرات للتأكيد والمبالغة ، أو إشارة إلى طبقات العصاة ( فيقال : يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة ، وهم ) أي : من لا حساب عليهم ( شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ) أي : ليسوا ممنوعين من سائر الأبواب ، بل هم مخصوصون للعناية بذلك الباب ( ثم قال : والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين ) : بكسر الميم ، أي : البابين المضروبين على مدخل واحد ( من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر ) : بفتحتين مصروفا وقد لا يصرف ، ففي الصحاح هجر : اسم بلد مذكر مصروف ، وقال شارح : هي قرية من قرى البحرين ، وقيل : من قرى المدينة ، والأول هو المعمول . قال المظهر : المصراعان البابان المغلقان على منفذ واحد ، والمصراع مفعال من الصرع ، وهو الإلقاء ، وإنما سمي الباب المغلق مصراعا لأنه كثير الإلقاء والدفع . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية