الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
65 - وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يأتي الشيطان أحدكم ، فيقول : من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغه ، فليستعذ بالله ، ولينته " . متفق عليه .

التالي السابق


65 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( يأتي الشيطان ) أي : يوسوس إبليس ، أو أحد أعوانه من شياطين الإنس والجن على طريق التلبيس ( أحدكم فيقول : من خلق كذا ؟ ) : يعني السماء مثلا ( من خلق كذا ؟ ) : يعني الأرض ، وغرضه أن يوقعه في الغلط ، والكفر ، ويكثر السؤال على هذا المنوال ( حتى يقول : من خلق ربك ؟ ) : وهو قديم خالق كل شيء ( فإذا بلغه ) : ضمير الفاعل لأحدكم ، وضمير المفعول راجع إلى مصدر يقول أي : إذا بلغ أحدكم هذا القول يعني من خلق ربك ، أو التقدير بلغ الشيطان هذا القول ( فليستعذ بالله ) : طردا للشيطان إشارة إلى قوله تعالى : ( إلا عبادك منهم المخلصين ) وإيماء إلى قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) فإن العبد بحوله ، وقوته ليس له قوة المغالبة مع الشيطان ، ومجادلته ، فيجب عليه أن يلتجئ إلى مولاه ، ويعتصم بالله من الشيطان الذي أوقعه في هذا الخاطر الذي لا أقبح منه ؛ فيقول بلسانه : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ويلوذ بجنابه إلى جنابه أن يدفع عنه شره ، وكيده ، فإنه مع اللطف الإلهي لا أضعف منه ، ولا أذل ، فإنه مشبه بالكلب الواقف على الباب ، ولذا قال تعالى : ( إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) أي : بالنسبة إلى القوة الإلهية فلا ينافي قوله تعالى حكاية : ( إن كيدكن عظيم ) ( ولينته ) : بسكون اللام ، وتكسر ؛ أي : ليترك التفكر في هذا الخاطر ، وليشتغل بأمر آخر ؛ لئلا يستحوذ عليه الشيطان ، فإنه إنما أوقعه فيه رجاء أن يقف معه ، ويتمكن في نفسه فيحصل لها شك وريب في تنزيهه تعالى عن سمات الحدوث ، وإن دقت وخفيت ، فمن تنبه ، وكف عن الاسترسال مع ذلك الخاطر ، وأشغل نفسه حتى انصرفت عنه فقد خلص ، ومن لا فقد ارتبك فيخشى عليه مزلة القدم في قعر جهنم ، وإنما أمر بذينك دون الاحتجاج [ ص: 138 ] والتأمل لأمرين : أحدهما : أن العلم باستغناء الله تعالى عن المؤثر ، والموجد ضروري لا يقبل احتجاجا ، وإنما ذلك شيء يلقيه الشيطان إما ليحجك إن جادلته ؛ لأنه مسلط على القلوب بإلقاء الوساوس عليها ليختبر إيمانها ، ووساوسه غير متناهية فمتى عارضته بمسلك وجد مسلكا آخر إلى ما يريده من المغالطة ، والتشكيك ، وإما ليضيع وقتك ، ويكدر عيشك إن استرسلت معه ، وإن حججته فلا أخلص لك من الإعراض عنه جملة ، والالتجاء إلى الله تعالى بالاستعاذة منه كما قال عز من قائل ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ) ثانيهما : أن الغالب في موارد هذه الخواطر أنه إنما ينشأ من ركود النفس ، وعدم اشتغالها بالمهمات المطلوبة منها ، فهذا لا يزيده فكره في ذلك إلا الزيغ عن الحق ، فلا علاج له إلا الالتجاء بحول الله وقوته ، والاعتصام بكتاب الله ، وسنة رسوله . قال الخطابي : لو أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في محاجته لكان الجواب سهلا على كل موحد أي : بإثبات البراهين القاطعة على أن لا خالق له تعالى بإبطال التسلسل ، ونحوه كاستحضار أن جميع المخلوقات داخلة تحت اسم الخلق ، فلو جاز أن يقال : من خلق الخالق لأدى إلى ما لا يتناهى ، وهو باطل قطعا ، وفيه إشعار بمذمة علم الكلام ، ودلالة على حرمة المراء ، والمجادلة فيما يتعلق بذات الله ، وصفاته ، وإيماء إلى صحة إيمان المقلد . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية