الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
814 - وعن أنس رضي الله عنه - أن رجلا جاء فدخل الصف ، وقد حفزه النفس فقال : الله أكبر ، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال : أيكم المتكلم بالكلمات ؟ فأرم القوم ، فقال : أيكم المتكلم بالكلمات ؟ " فأرم القوم ، فقال أيكم المتكلم بها ؟ فإنه لم يقل بأسا ، فقال رجل : جئت وقد حفزني النفس فقلتها ، فقال : لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها ، رواه مسلم .

التالي السابق


814 - ( وعن أنس أن رجلا جاء فدخل الصف ، وقد حفزه ) : بالفاء والزاي أي جهده وضاق به ( النفس ) : يعني : حركة النفس من كثرة السرعة في الطريق إلى الصلاة لإدراكه كذا في المفاتيح ، وقال التوربشتي : أي اشتد به ، والحفز : تحريك الشيء من خلفه يريد النفس الشديد المتتابع كأنه يحفزه ، أي : يدفعه من السباق إلى الصلاة اهـ ، ففي كلام التوربشتي لا إشكال .

وأما كلام الطيبي أن سببه شدة عدوه حذرا من أن تفوته الجماعة فينافيه قوله عليه السلام : ( إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، بل ائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة والوقار ، فما أدركتم فأتموا وما فاتكم فاقضوا " فأجاب ابن حجر بأنه محمول على ما ذهب إليه بعض أئمتنا من أن محل الكراهة فيمن علم أنه يدرك الجماعة لو لم يسع ، أما من علم أنه لا يدركها إلا أن يسعى فلا يكره له السعي ، ثم قال : والأرجح عندنا أنه لا فرق ، وعدم إنكاره - عليه السلام - على تقدير علمه بالعدو ، إنما يدل على الجواز لا على نفي الكراهة ، والكلام في غير الجمعة ، أما هي فيجب السعي إذا توقف عليه إدراكها ، وهو إنما يحصل بإدراك ركوع الركعة الثانية اهـ .

( فقال ) ، أي : الرجل ( الله أكبر ، الحمد لله حمدا كثيرا ) ، أي : يترادف مدده ولا تنتهي مدده ، قال الطيبي : منصوب بمضمر يدل عليه الحمد ، ومحتمل أن يكون بدلا منه جاريا على محله ، وقوله " طيبا " : وصف له ، أي : خالصا عن الرياء والسمعة ، وقوله " مباركا فيه " : يقتضي بركة وخيرا كثيرا يترادف إرفاده ويتضاعف إمداده ، قال ابن الملك : أي حمدا جعلت البركة فيه يعني حمدا كثيرا غاية الكثرة ، وقيل : مباركا بدوام ذاته وكمال غاياته ( فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : أي أدى ( صلاته قال : " أيكم المتكلم بالكلمات ) ، أي : المذكورات المسموعة آنفا ( فأرم القوم ) : قال محيي السنة : هو بفتح الراء المهملة وتشديد الميم ، أي : سكتوا ، وفي النهاية هذا هو المشهور ، وقال القاضي عياض : وقد روي في غير صحيح مسلم بالزاي المفتوحة وتخفيف الميم من الأزم وهو الإمساك ، وهو صحيح معنى اهـ ، وهو كذا في نسخة وأخطأ ابن حجر حيث قال بفتح الزاي وتشديد الميم ، وفي رواية في غير مسلم بالراء المفتوحة وتخفيف الميم من الأرم وهو الإمساك اهـ ، ( قال : " أيكم المتكلم بها ) : وفي نسخة صحيحة فقال : " أيكم المتكلم بالكلمات ( فأرم القوم قال : أيكم المتكلم بها ) : اعلم أن في نسخة الشيخ عفيف الدين الكازروني بلفظ : فأرم القوم مرة واحدة ولفظ : أيكم المتكلم بها ، وفي نسخة الشيخ نور الدين الإيجي " بالكلمات " بدل " بها " ، وفي نسخة الشيخ عبد الرحمن : أيكم المتكلم بالكلمات فأرم القوم مذكور مرتين ، ثم [ ص: 677 ] في المرة الثالثة : أيكم المتكلم بها ( فإنه لم يقل بأسا ) : قال الطيبي : يجوز أن يكون مفعولا به ، أي : لم يتفوه بما يؤخذ عليه ، وأن يكون مفعولا مطلقا ، أي : ما قال قولا يشدد عليه ( فقال رجل ) : الظاهر فقال الرجل : ( جئت وقد حفزني النفس فقلتها ) ، أي : الكلمات ( فقال : " لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها ) ، أي : ثواب هذا الكلمات ، قال ابن الملك : يعني يسبق بعضهم بعضا في كتب هذه الكلمات ، ورفعها إلى حضرة الله لعظمها وعظم قدرها ، وتخصيص المقدار يؤمن به ، ويفوض إلى علمه تعالى اهـ .

ويمكن أن يكون إشارة إلى عدد الكلمات فإنها اثنتا عشرة كلمة ، والله أعلم ( أيهم يرفعها ) : مبتدأ وخبر ، والجملة في موضع نصب ، أي : يبتدرونها ويستعجلون أيهم يرفعها ، قال أبو البقاء في قوله تعالى : إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم أيهم مبتدأ وخبر في موضع نصب ، أي : يقترعون أيهم ، فالعامل فيه ما دل عليه يلقون ، كذا ذكره الطيبي ، وقيل : المراد أيهم يرفعها أول ، ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية