الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
817 - وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه ، أنه رأى رسول الله يصلي صلاة قال : الله أكبر كبيرا ، الله أكبر كبيرا ، الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، والحمد لله كثيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا " . أعوذ بالله من الشيطان ، من نفخه ونفثه وهمزه ، رواه أبو داود ، وابن ماجه ، إلا أنه لم يذكر : " والحمد لله كثيرا ، وذكر في آخره : " من الشيطان الرجيم ، وقال عمر رضي الله عنه : نفخه الكبر ، ونفثه الشعر ، وهمزه الموتة .

التالي السابق


817 - ( وعن جبير بن مطعم ) : بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ( أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة قال ) ، أي : عقب تكبيرة الإحرام قاله ابن حجر ، والظاهر أنه هو عين التحريمة مع الزيادة ، والله أعلم ، ( الله أكبر ) : بالسكون ويضم ( كبيرا ) : حال مؤكدة ، وقيل منصوب على القطع من اسم الله ، وقيل بإضمار " أكبر " ، وقيل صفة لمحذوف أي تكبيرا كبيرا ( الله أكبر كبيرا ، الله أكبر كبيرا ) : لعل التكرار للتأكيد ، أو الأول للذات ، والثاني للصفات ، والثالث للأفعال ، وأفعل لمجرد المبالغة أو معناه أعظم من أن يعرف عظمته ، قال ابن الهمام : إن أفعل وفعيلا في صفاته تعالى سواء ؛ لأنه لا يراد بأكبر إثبات الزيادة في صفته بالنسبة إلى غيره بعد المشاركة ؛ لأنه لا يساويه أحد في أصل الكبرياء ( والحمد لله كثيرا ) : صفة لموصوف مقدر ، أي : حمدا كثيرا ( والحمد لله كثيرا ، والحمد لله كثيرا ) : على النعم الظاهرة والباطنة في الدنيا والعقبى وما بينهما ( وسبحان الله بكرة وأصيلا ) : أي في أول النهار ، وآخره منصوبان على الظرفية ، والعامل سبحان ، وخص هذين الوقتين لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيهما ، كذا ذكره الأبهري ، وصاحب المفاتيح ، ويمكن أن يكون وجه التخصيص تنزيه الله تعالى عن التغير في أوقات تغير الكون والله أعلم ، وقال الطيبي : الأظهر أن يراد بهما الدوام كما في قوله تعالى : ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ( ثلاثا ) : قيدا لكل ، كذا في المفاتيح ، ويحتمل أن يكون قيدا للأخير بل هو الظاهر لاستغناء الأولين عن التقييد لهما بتلفظه ثلاثا ولذا قال ابن حجر : ثلاثا كالذي قبله ، وفي حديث مسلم : أنه صلى الله عليه وسلم قال عقب هؤلاء الكلمات : " عجبت لها فتحت لها أبواب السماء " اهـ .

[ ص: 679 ] ولعل المراد بها الأفلاك التسعة على وفق عدد المرات المذكورة ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، من نفخه ) : بدل اشتمال أي : من كبره المؤدي إلى كفره ( ونفثه ) ، أي : سحره ( وهمزه ) ، أي : وسوسته ، قال الطيبي : النفخ كناية عن الكبر ، كان الشيطان ينفخ فيه بالوسوسة فيعظمه في عينه ويحقر الناس عنده ، والنفث عبارة عن الشعر ؛ لأنه ينفثه الإنسان من فيه كالرقية اهـ ، وقيل : " من نفخه " ، أي : تكبره يعني : مما يأمر الناس به من التكبر ، " ونفثه " مما يأمر الناس بإنشاء الشعر المذموم مما فيه هجر مسلم أو كفر أو فسق ، " وهمزه " ، أي : من جعله أحدا مجنونا بنخسه وغمزه ، ( رواه أبو داود ) : وقال ابن حجر : ورواه أحمد ، وقال ميرك : وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ( وابن ماجه إلا أنه ) ، أي : ابن ماجه لم يذكر : ( والحمد لله كثيرا ) : ولا يضر ؛ لأنه زيادة ثقة لا تعارض المزيد عليه فتقبل ( وذكر في آخره : " من الشيطان الرجيم ) : وهي زيادة يعمل بها كذلك بأن يجمع بين الروايات بلحوق الزيادات أو باعتبار التارات ، ( وقال عمر ) : قال ميرك : صوابه عمرو بالواو ( نفخه ) : بالرفع على الإعراب وبالجر على الحكايات ( الكبر ، ونفثه الشعر ) ، أي : المذموم لخبر أبي داود : إن من الشعر حكمة ، أي : مواعظ وأمثالا ، وفي البخاري : إن من الشعر حكمة ، أي : قولا صادقا مطابقا للحق ، وروى البخاري في الأدب ، أنه عليه السلام استنشد من الشريدي شعر أمية بن أبي الصلت ، فأنشده مائة قافية وردوا بهذا على من كره الشعر مطلقا ، واحتجاجه بقول ابن مسعود : الشعر مزامير الشيطان ، والخبر : إن إبليس لما هبط إلى الأرض قال : رب اجعل لي قرآنا ، قال : قرآنك الشعر ، مردود بأن الحديث ضعيف ، وبفرض صحته محمول على الإفراط فيه ، كذا ذكره ابن حجر ، والأظهر أنه على تقدير صحته تحمل اللام على العهد وهو الشعر المذموم ، أو على الجنس ، ويستثنى منه المحمود جمعا بين الوارد والمورود والله أعلم ، ( وهمزه الموتة ) : بالضم وفتح التاء ، نوع من الجنون والصرع يعتري الإنسان ، فإذا أفاق عاد عليه كمال عقله كالنائم والسكران قال الطيبي .

وقال أبو عبيدة : الجنون سماه همزا ؛ لأنه يحصل من الهمز والنخس ، وكل شيء دفعته فقد همزته ، ثم قال الطيبي : إن كان هذا التفسير من متن الحديث ، فلا معدل عنه ، وإن كان من بعض الرواة فالأنسب أن يراد بالنفث السحر لقوله تعالى : ومن شر النفاثات وأن يراد بالهمز الوسوسة لقوله تعالى : وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وهي خطراتهم ، فإنهم يغرون الناس على المعاصي كما تهمز الركضة والدواب بالمهماز اهـ .

وفيه نظر ، إذ السحر لا يتوقف على قول ، وإن وجد في بعض أفراده ، وحينئذ فلا شاهد له في الآية لابن حجر ، وهو ظلم في حق الطيبي ، فإنه يكفيه أن النفث جاء بمعنى السحر في الآية ، فهو أولى بالمراد من القول بالشعر ، فإنه ما جاء مطلقا بمعنى الشعر لا في الآية ولا في غيرها ، ولم يدع الطيبي أن السحر لا يكون إلا بالنفث ليرد عليه ما ذكره من نظره ، هذا وأصل النفث في اللغة أن يكون بالفم شبيه النفخ ، وهو أقل من التفل ، وهذا بمعنى السحر أظهر ، وأما قول صاحب القاموس : ونفث الشيطان الشعر ، فهو مأخوذ من تفسير الصحابي ؛ ولذا قال في النهاية : فسر النفث في الحديث بالشعر ؛ لأنه ينفث من الفم اهـ .

والتحقيق أن هذا أيضا يرجع إلى معنى السحر ، فإن الشيطان بسحره يلقى الشاعر في شعره ، ويؤيده أن إسناد الشعر إلى الشيطان مجازي بخلاف إسناد السحر إليه ، والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية