الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
847 - وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب بسورة ( الأعراف ) ، فرقها في ركعتين ، رواه النسائي .

التالي السابق


847 - ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب بسورة الأعراف ) : قال التوربشتي : وجه هذا الحديث أن نقول : إنه عليه السلام لم يزل يبين للناس معالم دينهم بيانا يعرف به الأتم الأكمل والأولى ، ويفصل تارة بقوله ، وتارة بفعله ما يجوز عما لا يجوز ، ولما كان صلاة المغرب أضيق الصلوات وقتا اختار فيها التجوز والتخفيف ، ثم رأى أن يصليها في الندرة على ما ذكر في الحديث ليعرفهم أن أداء تلك الصلاة على هذه الهيئة جائز ، وإن كان الفضل في التجوز فيها ، ويبين لهم أن وقت المغرب يتسع لهذا القدر من القراءة ، وقال الخطابي : فيه إشكال ؛ لأنه إذا قرأ الأعراف على التأني يدخل وقت العشاء ، وتأويله أن يقرأ في الركعة الأولى قليلا من هذه السورة ليدرك ركعة من المغرب في الوقت ، ثم قرأ باقيها في الثانية ، ولا بأس بوقوعها خارج الوقت ، ويحتمل أن يراد بالسورة بعضها اهـ .

قال ميرك : وهذا الاحتمال لا يلائم قول الراوي ( فرقها في ركعتين ) : وفي نسخة : في الركعتين ، قال : والأول بعيد يعني لتطويل الآخرة ، اللهم إلا أن يقال دعته إليه ضرورة ، قلت : لا يظهر وجه الضرورة ، ولو قلنا : إن وقت المغرب يضيق كما قال به قوم مع عدم ملائمة حمل فعله عليه السلام على مذهب بعض ، والحال أنه مرجوح ، ثم قال ميرك : ويحتمل أنه قرأها بتمامها في الركعتين في الوقت على طريق طي اللسان والمعجزة .

قلت : قراءة تمامها في الركعتين بأن يكون بعضها في ركعة ، وبعضها في أخرى ليس خارقة للعادة إذ الوقت يسع أكثر منها ، فإنها بكمالها جزء وربع من الأجزاء القرآنية ، ونحن نتدارس جزأين فيما بين الوقتين ، اللهم إلا أن يراد به الوقت المضيق ، وسيأتي في الفصل الثالث أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صلى الصبح فقرأ فيها سورة البقرة في الركعتين كلتيهما وهي جزءان وقريب نصف جزء .

قال ابن حجر : وفي الحديث بناء على ضيق وقتها وهو واضح ، وكذا على امتداده نظرا إلى أنه عليه السلام كان يكثر التدبر في قراءته ، وقراءة الأعراف كذلك تستغرق وقت المغرب غالبا ، أوضح دليل لمذهبنا أنه يجوز لمن دخل في الصلاة أول وقتها مثلا أن يمدها بالقراءة ، وكذا غيرها قياسا عليها بجامع أنه ما دام في الصلاة هو في عبادة إلى أن يخرج الوقت ، وإن لم يوقع فيها ركعة منها فهي قضاء لا إثم فيه ، وعلل ذلك أبو بكر رضي الله عنه لما فعله في الصبح فقيل له : يا خليفة رسول الله كادت الشمس أن تطلع ، فقال : إنها إن طلعت لم تجدنا غافلين اهـ .

فدل على أن أبا بكر بالغ في الإسفار ، ولا دلالة فيه على بطلان الصلاة وصحتها ، والقياس السابق إنما هو الفارق ، فإن خروج وقت المغرب مستلزم لدخول وقت صلاة أخرى ، بل كل منهما وقت للصلاتين على ما ذهب إليه بعض العلماء بخلاف وقت الصبح ، نعم القياس الصحيح خروج وقت الظهر ، وهو في الصلاة ، ثم قال : وبما قررته في الحديث يندفع قول الخطابي ، ووجه اندفاعه أن الظاهر أنه مد لبيان جواز المد ، ولبيان أنه لا يشترط في جواز المد وقوع ركعة في الوقت ، أقول : لا دلالة في الحديث على الوقوع ، ولا على اللاوقوع ، وكان البيهقي أخذ التقييد من حديث آخر ، وهو من أدرك ركعة من الصبح فقد أدرك ، ومن أدرك ركعة من العصر فقد أدرك ، غاية الأمر أن علماءنا فرقوا بين الصبح والعمل بما قدمناه ، والله أعلم ، ( رواه النسائي ) : قال : ميرك وإسناده حسن .




الخدمات العلمية