اقتداء بالقرآن العظيم ، وتخلقا بأخلاق العزيز العليم ، واقتفاء للنبي الكريم ، حيث قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355455nindex.php?page=treesubj&link=27366كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر " أي : قليل البركة ، أو معدومها ، وقيل : إنه من البتر ، وهو القطع قبل التمام والكمال ، والمراد بذي البال ذو الشأن في الحال ، أو المآل ، رواه
الخطيب بهذا اللفظ في ( كتاب الجامع ) واختلف السلف الأبرار في كتابة البسملة في أول كتب الأشعار ، فمنعه
الشعبي nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، وأجازه
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب البغدادي ، والأحسن التفصيل بل هو الصحيح ، فإن الشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح ، فيصان إيراد البسملة في الهجويات والهذيان ومدائح الظلمة ونحوها ، كما تصان في حال أكل الحرام ، وشرب الخمر ، ومواضع القاذورات وحالة المجامعة وأمثالها ، والأظهر أنه لا يكتب في أول كتب المنطق على القول بتحريم مسائلها ، وكذا في القصص الكاذبة بجميع أنواعها ، والكل مستفاد من قوله : " ذي بال " والله أعلم بحقيقة الحال ، ثم إنه ورد الحديث بلفظ : " كل كلام ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم " رواه
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي في ( عمل اليوم والليلة ) . وبلفظ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355456كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ، والتوفيق بينهما أن المراد منهما الابتداء بذكر الله سواء يكون في ضمن البسملة ، أو الحمدلة ; بدليل أنه جاء في حديث رواه
الرهاوي في ( أربعينه ) ، وحسنه
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ولفظه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355457كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أقطع " ، أو يحمل حديث البسملة على الابتداء الحقيقي بحيث لا يسبقه شيء ، وحديث الحمدلة على الابتداء الإضافي ، وهو ما بعد البسملة ، قيل : ولم يعكس لأن حديث البسملة أقوى في المنهال بكتاب الله الوارد على هذا المنوال ويخطر بالبال والله أعلم بالحال . إن توفيق
nindex.php?page=treesubj&link=27366الافتتاح بالبسملة لما كان من النعم الجزيلة ناسب أن تكون الحمدلة متأخرة عنها لتكون متضمنة للشكر على هذه المنحة الجميلة ، هذا وقد يقال : إن المراد بالابتداء افتتاح عرفي موسع ممدود يطلق على ما قبل الشروع في المقصود كما يقال : أول الليل وأول النهار وأول الوقت وأول الديار ، وحينئذ لا يرد على المصنف أنه جاء في رواية : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355458كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بذكر الله ثم بالصلاة علي فهو أقطع ممحوق من كل بركة " أخرجه
الرهاوي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا ، وإن قيل بضعفه .
وجاء في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وحسنه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355459كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء " على رواية ضم الخاء ، وهو الظاهر من صنيع
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي حيث أورده في ( باب خطبة النكاح ) ، وكذا يفهم من اعتراض الشيخ
ابن حجر العسقلاني على
البخاري في تركه الشهادة أول كتابه ، مع أنه قد يجاب عنه بعدم صحة الحديث عنده ، أو بأن روايته كسر الخاء لا ضمه والله أعلم .
[ ص: 4 ] ثم الباء جاء لأربعة عشر معنى ، والمناسب هاهنا منها الإلصاق ، والاستعانة ، وهي متعلقة بمقدر وأخر على المختار تحقيقا لحقيقة الابتداء ، وتعظيما للاسم الخاص عن الانتهاء ، وإفادة للاهتمام ، وإرادة لمقام الاختصاص الذي هو المرام ؛ وردا لدأب المشركين حيث كانوا يبتدئون بالأصنام ، ويفتتحون بذكر الله في بعض الكلام .
لكن قال
العارف الجامي :
nindex.php?page=treesubj&link=24407حقيقة الابتداء باسمه سبحانه عند العارفين أن لا يذكر باللسان ، ولا يخطر بالجنان في الابتداء غير اسمه سبحانه لا إثباتا ، ولا نفيا ، فإن صورة نفي الغير ملاحظة للغير فهو أيضا ملحوظ في الابتداء ، فليس الابتداء مختصا باسمه سبحانه فلا حاجة إلى تقدير المحذوف مؤخرا إلا أن يكون اسم الله سبحانه في التقدير أيضا مقدما كما أنه في الذكر مقدم اهـ .
والمعنى باسم الله أبدأ تصنيفي ، أو ابتدائي في جميع أموري متبركا باسمه ومستعينا برسمه ، والاسم من الأسماء التي بني أوائلها على السكون ، فعند الابتداء بها يزيدون همزة الوصل ، والأصح أنه من الأسماء المحذوفة العجز كيد ودم ; بدليل تصاريفه من سميت ونحوه ، واشتقاقه من السمو ، وهو العلو ؛ لأن التسمية تنويه بالمسمى ، ورفع لقدره . وعند الكوفية أصله : وسم : وهو العلامة ; لأنه علامة دالة على المسمى فحذف حرف العلة تخفيفا ، ثم أدخلت عليه همزة الوصل ، وسقطت كتابتها في
nindex.php?page=treesubj&link=28706_28971البسملة المختصة بالجلالة على خلاف رسم الخط لكثرة الاستعمال الكتبي وطولت الباء دلالة عليها قبل ذكر الاسم فرقا بين اليمين والتيمن . وقيل الاسم صلة ، وهو إن أريد به اللفظ فلا يصح القول بأنه عين المسمى ، وإن أريد به ذات الحق ، والوجود المطلق إذا اعتبر مع صفة معينة كالرحمن مثلا هو الذات الإلهية مع صفة الرحمة ، والقهار مع صفة القهر ، فهو عين المسمى بحسب التحقيق والوجود ، وإن كان غيره بحسب التعقل ، والأسماء الملفوظة هي أسماء هذه الأسماء ، والإضافة لامية ، والمراد بعض أفراده التي من جملتها الله ، والرحمن ، والرحيم ، أو يراد به هذه الأسماء بخصوصها بقرينة التصريح بها ، ويمكن أن تكون الإضافة بيانية بناء على ما تقدم ، هكذا قاله بعض المحققين .
واعلم أن هذه المسألة قد اختلف فيها على مذاهب : أحدها : أن الاسم عين المسمى ، والتسمية ، وثانيها : - وهو المنقول عن
الجهمية ،
والكرامية ،
والمعتزلة - غيرهما . قال العلامة
العز ابن جماعة : هو الحق ، وثالثها : عين المسمى وغير التسمية ، وهو المصحح عند بعض الحنفية ، وهو المراد بقول القائل : وليس الاسم غير المسمى ، ورابعها : لا عين ، ولا غير . والثالث هو المنقول عن
الأشعري ، لكن في اسم الله تعالى أعني : كلمة الجلالة خاصة ; لأن مدلول هذا الاسم الذات من حيث هي بخلاف غيره ، كالعالم فمدلوله الذات باعتبار الصفة . وقد نبه الإمامان ،
الرازي ،
والآمدي على أنه لا يظهر في هذه المسألة ما يصلح محلا لنزاع العلماء ، والله أعلم .
وفى التعرف أجمعوا : أن الصفات ليست هي هو ، ولا غيره وأجمعوا أنها لا تتغاير ، وليس علمه قدرته ، ولا غير قدرته ، ولا قدرته علمه ، ولا غير علمه ، وكذلك جميع صفاته من السمع ، والبصر وغيرهما .
واختلفوا في الأسماء ، فقال بعضهم : أسماء الله - تعالى - ليست هي الله ، ولا غير الله كما قالوا في الصفات ، وقال بعضهم : أسماء الله هي الله ، والله أعلم .
[ ص: 5 ] ثم اعلم أنه تحير العلماء في تدقيق اسم الله كما تحير العرفاء في تحقيق مسماه ، سبحان من تحير في ذاته سواه ! فقيل : إنه عبري ; لأن أهل الكتاب كانوا يقولون : إلاها ، فحذفت العرب الألف الأخيرة للتخفيف ، كما فعلوا في النور ، والروح ، واليوم ; فإنها في اللغة العبرانية كانت نورا وروحا ويوما ، وهذا وجه من قال إنه معرب ، والحق أنه عربي ; لأن ما ذكروه من توافق اللغتين لا يدل على كون إحداهما متأخرة عن الأخرى مأخوذة عنها ، ثم اختلفوا : اسم هو أم صفة مشتقة وعليه الأكثر ، أو غير مشتق ؟ علم ، أو غير علم ؟ وما أصله على تقدير اشتقاقه ؟ ! ومختار صاحب ( الكشاف ) أنه كان في الأصل اسم جنس ، ثم صار علما وأن أصله الإله وأنه مشتق من أله بمعنى : تحير فالله متحير فيه ; لأنهم لا يحيطون به علما .
وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه والمبرد عن
الخليل أن الله : اسم خاص علم لله غير مشتق من شيء وليس بصفة ، فعلى هذا يكون جامعا لأسمائه ونعوته وصفاته ، وقيل : إنه مأخوذ من ألهت إلى فلان إذا فزعت إليه عند الشدائد قال :
ألهت إليكم في بلايا تنوبني فألفيتكم فيها كريما ممجدا
فإن الخلق يفزعون إليه عند الشدائد . أو من أنه الفصيل ، والفصيل : ولد الناقة إذا ولع بأمه ; لأن العباد يولهون به وبذكره . وقيل : من تألهت أي : تضرعت فالإله هو الذي يتضرع إليه .
وقيل : من قولهم لاه يلوه لوها ولاها إذا احتجب وارتفع قال :
لاه ربي عن الخلائق طرا فهو الله لا يرى ويرى هو
.
وقيل : من ألهت بالمكان إذا قمت به ومعناه الذي لا يتغير عن صفته كما أن المقيم لا يتحول عن بقعته ، ومنه قول الشاعر :
ألهنا بدار لا تبين رسومها كأن بقاياها وشام على الأيدي
وقيل : الإله أصله ولاه ، فهو من الوله كما قيل في أسادة وأشاح وأجوه : وسادة ووشاح ووجوه ، ومعناه أن العباد يولهون عند ذكر الإله أي : يطربون منه ، ومنه قول
الكميت :
ولهت نفسي الطروب إليكم ولها حال دون طعم الطعام
وقيل : الوله : المحبة الشديدة . وقيل : مشتق من أنه بمعنى عبد ، فالإله : فعال بمعنى المعبود كالكتاب بمعنى المكتوب ، ويدل عليه قراءة
ابن عباس : ( ويذرك وإلاهتك ) أي : عبادتك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : الأصل في قولنا : الله إله فلما حذفت همزته عوضت في أوله الألف واللام ، ثم عوضا لازما فقيل : الله . وقال
المبرد : الأصل في لاه لوه على وزن دور فقلبوا الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار : لاه - على وزن دار - ثم أدخلوا عليه لام التعريف .
وقال
أبو الهيثم الرازي : الأصل في الله هو الإله خففت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام الساكنة قبلها ، وحذفت فصارت : اللاه ، ثم أجريت الحركة العارضة مجرى الأصلية ، وأدغمت اللام الأولى في الثانية ، قيل : هاهنا إشكال صرفي ، وهو أنه إن نقلت حركة الهمزة إلى ما قبلها أولا على ما هو القياس ، ثم حذفت فيلزم أن يكون وجوب الإدغام غير قياسي ، لما تقرر في محله من أن المثلين المتحركين لا يجب فيهما الإدغام إذا كانا من كلمتين نحو : ما سلككم ، ومناسككم ، وإن حذفت الهمزة مع حركتها فيلزم مخالفة القياس في تخفيفها ، وإن كان لزوم الإدغام على القياس ، ومن ثم قيل : هذا الاسم خارج عن مقتضى القياس كما أن مسماه خارج عن دائرة قياس الناس ، وأجيب باختيار الأول ، ومنع كون الإدغام في كلمتين بأنه لما جعل اللام عوضا عن الهمزة وصار بمنزلتها ، صار كأنه في كلمة واحدة على أنه يجوز أن يكون وجوب الإدغام بعد العلمية فيكون الاجتماع في
[ ص: 6 ] كلمة واحدة قطعا ، قلت : التحقيق أنه كما أن النقل فيه قياس غير مطرد فكذلك الإدغام في كلمتين ، ويكفي جوازه ، ولا يحتاج إلى وجوبه ، مع أن الإدغام في كلمتين اتفق عليه القراء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=11لا تأمنا ) . والحق أنه نظير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لكنا هو الله ربي ) فإن الأصل : لكن أنا ، فحولوا الفتحة إلى ما قبلها من النون فاجتمعت نونان متحركتان ، فأسكنوا الأولى وأدغموها في الثانية ، وهذا القول محكي عن
الفراء . وقيل : الأصل فيه هاء الكناية عن الغائب ; وذلك أنهم أثبتوا موجودا في نظر عقولهم وأشاروا إليه بحرف الكناية ، ثم زادوا فيه لام الملك ; لما علموا أنه خالق الأشياء ومالكها فصار ( له ) ، ثم قصروا الهاء وأشبعوا فتحة اللام فصار : ( لاه ) ، وخرج عن معنى الإضافة إلى الاسم المفرد ; فزيدت فيه الألف واللام للتعريف تعظيما وفخموه تأكيدا لهذا المعنى ، فصار ( الله ) كما ترى ، وهذا أقرب بإشارات الصوفية من تحقيق اللغة العربية ، وقيل : ليس هو بمشتق بل هو علم ابتداء لذاته المخصوصة من غير ملاحظة معنى من المعاني المذكورة ، ويلائم هذا المذهب ما ذكره بعض العارفين من أنه اسم للذات الإلهية من حيث هي على الإطلاق ، لا باعتبار اتصافها بالصفات ، ولا باعتبار لا اتصافها بها ، ولذا قال الجمهور : إنه الاسم الأعظم . قال القطب الرباني الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=14603عبد القادر الجيلاني :
nindex.php?page=treesubj&link=27906الاسم الأعظم هو الله ، لكن بشرط أن تقول : الله ، وليس في قلبك سواه ، وقد خص هذا الاسم بخواص لا توجد في غيره كما ذكره أهل العربية منها : أنه تنسب سائر الأسماء إليه ، ولا ينسب هو إلى شيء منها ، ومنها : أنه لم يسم به أحد من الخلق بخلاف سائر الأسماء . ومنها : أنهم حذفوا لفظة ياء من أوله وزادوا ميما في آخره فقالوا : اللهم ، ولم يفعل ذلك لغيره . ومنها : أنهم ألزموه الألف واللام عوضا لازما عن همزته ، ولم يفعل ذلك في غيره . ومنها : أنهم قالوا : يا ألله فقطعوا همزته . ومنها : أنهم جمعوا بين يا التي للنداء وبين الألف واللام ولم يفعل ذلك في غيره حال سعة الكلام . ومنها : تخصيصهم إياه في القسم بإدخال ( التاء وايمن وايم ) في قولهم : تالله ، وايمن الله ، وايم الله .
ومنها : تفخيم لامه إذا انفتح ما قبله ، أو انضم ; سنة ورثتها العرب كابرا عن كابر وتواتر النقل عن القراء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحذف ألفه لحن تفسد به الصلاة .
و ( الرحمن ) : فعلان ، من رحم كغضبان من غضب على أنه صفة مشبهة بجعل الفعل المتعدي لازما ، فينقل إلى فعل بضم العين فيشتق منه الصفة المشبهة . وأما ( الرحيم ) : فإن جعل صيغة مبالغة كما نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في قولهم : هو رحيم فلا إشكال ، وإن جعل من الصفات المشبهة كما يشعر به كلام ( الكشاف ) فالوجه ما ذكر في الرحمن ثم في الرحمن زيادة مبالغة من الرحيم ; لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، وهي إما بحسب شموله للدارين واختصاص الرحيم بالدنيا كما وقع في بعض الآثار : (
يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ) ، وإما بحسب كثرة أفراد المرحومين وقلتها كما ورد : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355461يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة ) وإما بحسب جلالة النعم ودقتها . وبالجملة : ففي الرحمن مبالغة في معنى الرحمة ليست في الرحيم فيقصد به رحمة زائدة بوجه ما ، فلا ينافي ما يروى عن قولهم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=2004158يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ) لجواز حملهما على الجلائل والدقائق . وقيل : رحمة الرحمن تتعلق بالمؤمن والكافر في الدنيا ورحمة الرحيم تختص بالمؤمنين في العقبى ، ولا يجوز إطلاق الرحمن على غيره تعالى بخلاف الرحيم ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) ولذا قيل : الرحمن : خاص اللفظ عام المعنى ، والرحيم : عام اللفظ خاص المعنى ، ثم
nindex.php?page=treesubj&link=19958الرحمة في اللغة : رقة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ، وهي من الكيفيات التابعة للمزاج ، والله سبحانه منزه عنها ، فإطلاقها عليه سبحانه إنما هو باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي من الانفعالات ، فهي
[ ص: 7 ] عبارة عن الإنعام فتكون من صفات الأفعال ، أو عن إرادة الإحسان فتكون من صفات الذات ، فإن كل واحد منهما مسبب عن رقة القلب والانعطاف ; فتكون مجازا مرسلا من باب إطلاق السبب على المسبب ، وقدم الرحمن على الرحيم مع أن القياس الترقي في الصفات من الأدنى إلى الأعلى بناء على أن الرحيم كالتتمة والرديف للرحمن ، أو لزيادة شبهه بالله حيث اختص به سبحانه حتى قيل : إنه علم له ، أو لتقدم رحمة الدنيا ، وفي الاكتفاء بهاتين الصفتين من صفات الجمال وعدم ذكر صفة من صفات الجلال إشعار بقوله تعالى في الحديث القدسي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355462غلبت رحمتي غضبي " وفي الختم بالرحيم إيماء بحسن خاتمة المؤمنين ، وأن العاقبة للمتقين بعد حصول رحمته لعموم الخلق أجمعين .
nindex.php?page=treesubj&link=33144 ( الحمد لله ) : قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=29484الحمد ، والمدح ، والشكر ألفاظ مترادفة ، والمحققون بينها يفرقون ويقولون : إن الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري من نعمة وغيرها ، والمدح يعم الاختياري وغيره ، ولذا يقال : مدحته على حسنه ، ولا يقال : حمدته عليه ، والشكر فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بمقابلة النعمة سواء يكون باللسان ، أو الجنان ، أو الأركان ، فمورد الحمد خاص ومتعلقه عام ، والشكر بخلافه ، وحقيقة الشكر ما روي عن
الجنيد أنه صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله ، ورفعه بالابتداء وخبره لله ، وأصله النصب وقرئ به ، وإنما عدل به إلى الرفع دلالة على الدوام والثبات ، وقرئ بإتباع الدال اللام وبالعكس تنزيلا لهما لكثرة استعمالهما معا منزلة كلمة واحدة ، ثم الجملة خبرية لفظا إنشائية معنى ; لتسمية قائلها بها حامدا ولو كانت خبرية معنى لم يسم إلا مخبرا ، ومعلوم أنه لا يشتق للمخبر اسم فاعل من ذلك الشيء إذ لا يقال لمن قال : الضرب مؤلم : ضارب ، فإن قيل : جاز أن يعد الشرع المخبر بثبوت الحمد له تعالى حامدا أجيب : فإنه خلاف الأصل ، والأصل عدمه . واللام للاستغراق أي : كل حمد صدر من كل حامد ، فهو ثابت لله ، أو للجنس ، ويستفاد العموم من لام الاختصاص . وعلى التقديرين : فجميع أفراد الحمد مختص له تعالى حقيقة وإن كان قد يوجد بعضها لغيره صورة ، أو الحمد مصدر بمعنى الفاعل ، أو المفعول أي : الحامدية ، والمحمودية ثابتان له تعالى ، فهو الحامد ، وهو المحمود ، أو للعهد فإن حمده لائق له ، ولذا أظهر العجز أحمد الخلق عن حمده وقال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355463لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) .
( نحمده ) : استئناف فأولا : أثبت الحمد له بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام ، سواء حمد ، أو لم يحمد ، فهو إخبار متضمن للإنشاء . وثانيا : أخبر عن حمده وحمد غيره معه بالجملة الفعلية التي للتجدد والحدوث بحسب تجدد النعماء وتعدد الآلاء وحدوثها في الآناء ، أو المراد نشكره إما مطلقا ، أو على توفيق الحمد سابقا . ( ونستعينه ) أي : في الحمد وغيره من الأمور الدنيوية ، أو الأخروية ، فيكون تبريا من الحول والقوة النفسية ، وفيه إشارة إلى رد
القدرية كما أن فيما قبله ردا على
الجبرية ، ولم يقل : وإياه نستعين ; لأن مقام الاختصاص لا يدركه إلا الخواص ، ولذا قال
ابن دينار : لولا وجوب قراءة الفاتحة لما قرأتها لعدم صدقي فيها .
( ونستغفره ) أي : من السيئات ، والتقصيرات ولو في الحمد والاستعانة وسائر العبادات ( ونعوذ بالله ) أي : نلتجئ ونعتصم بعونه وحفظه ( من شرور أنفسنا ) أي : من ظهور السيئات الباطنية التي جبلت الأنفس عليها
[ ص: 8 ] قيل : منها الحمد مع الرياء ، والسمعة وكذا مع إثبات الحول ، والقوة ( ومن سيئات أعمالنا ) أي : من مباشرة الأعمال السيئة الظاهرة التي تنشأ عنها ، وفيه اعتراف بأن البواطن والظواهر مملوءة من العيوب ومحشوة من الذنوب ، ولذا قيل : وجودك ذنب لا يقاس به ذنب . قيل : منها التصنيف بلا إخلاص وعدم رؤية التوفيق والاختصاص ، ولولا حفظه تعالى مع توفيقه لما استقام أحد على طريقه ، لولا الله ما اهتدينا ، ولا تصدقنا ولا صلينا ( من يهده الله ) أي : من يرد الله هدايته الموصلة إليه وعنايته المقربة لديه . ( فلا مضل له ) أي : فلا أحد يقدر على إضلاله من المضلين من شياطين الإنس ، والجن أجمعين ، ( ومن يضلل ) أي : من يرد الله جهالته وعن الوصول إلى الحق ضلالته ( فلا هادي له ) أي : فلا أحد يقدر على هدايته من الهادين من الأنبياء ، والمرسلين . قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) وفيه إيذان بأن
nindex.php?page=treesubj&link=30454_28783الأمر كله لله وليس لما سواه إلا ما قدر به وقضاه من الكسب والاختيار ، وربك يخلق ما يشاء ويختار ، ولظهور قصور عقولنا الفانية عن إدراك أسرار الحكم البالغة الباقية ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - كرم الله وجهه - : " لا يظهر سر القضاء والقدر إلا يوم القيامة " . ثم اعلم أن الضمير البارز ثابت في ( يهده ) ، وأما في ( يضلل ) فغير موجود في أكثر النسخ ، وهو عمل بالجائزين ، والأول أصل وفيه وصل ، والثاني فرع وفيه فصل ، وفيه نكتة أخرى لا تخفى على أرباب الصفا ( وأشهد ) أي : أعلم وأبين ( أن لا إله ) أي : معبود ، أو لا مقصود ، أو لا موجود في نظر أرباب الشهود ( إلا الله ) أي : الذات الواجب الوجود صاحب الكرم والجود . قال
الطيبي : أفرد الضمير في مقام التوحيد ؛ لأنه إسقاط الحدوث وإثبات القدم ، فأشار أولا إلى التفرقة وثانيا إلى الجمع اهـ .
وقد يقال : إن الأفعال المتقدمة أمور ظاهرية يحكم بوجودها على الغير أيضا بخلاف
nindex.php?page=treesubj&link=28664_28665الشهادة فإنه أمر قلبي غيبي لا يعلم بحقيقته إلا هو ( شهادة ) : مفعول مطلق موصوف بقوله : ( تكون ) أي : بخلوصها ( للنجاة ) أي : الخلاص من العذاب في الدارين على تقدير الاكتفاء بها ( وسيلة ) أي : سببا لا علة ( ولرفع الدرجات ) أي : العاليات في الجنات الباقيات ( كفيلة ) أي : متضمنة ملتزمة . والمعنى : أن الشهادة إذا تكررت وأنتجت ارتكاب الأعمال الصالحة واجتناب الأفعال الطالحة ، صارت سببا لعلو الدرجات ، وكانت مانعة عن الوقوع في الدركات ، وبما قررناه اندفع ما يرد على المصنف من أن دخول الجنة بالإيمان ورفع الدرجات بالأعمال ، ولكون التوفيق على هذا السبب من فضله لا ينافي قوله - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355464لن ينجى منكم أحد بعمله " . ( وأشهد أن
محمدا ) : هو في الأصل اسم مفعول من حمد مبالغة حمد نقل من الوصفية إلى الاسمية ، سمي به ، والأسماء تنزل من السماء لوصوله إلى المقام المحمود الذي يحمده الأولون ، والآخرون ( عبده ) : إضافة تشريف وتخصيص إشارة إلى كمال مرتبته في مقام العبودية بالقيام في أداء حق الربوبية ; وقدمه ؛ لأنه أشرف أوصافه
[ ص: 9 ] وأعلاها وأفضلها وأغلاها ، ولذا ذكره الله تعالى بهذا الوصف في كثير من المواضع فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده ما أوحى ) ولله در القائل :
لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائيا
وما أحسن قول
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض :
ومما زادني عجبا وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
( ورسوله ) : إشارة إلى أن أعلى مراتب القرب ، وأولى منازل الحب ، وهو الفرد الأكمل ، والواصل إلى المقام الأفضل ، وفي الجمع بين الوصفين تعريض للنصارى حيث غلوا في دينهم ، وأطروا في مدح نبيهم . ثم قيل : النبي ، والرسول مترادفان ، والأصح : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29634النبي إنسان ذكر حر من بني آدم ، أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه ، فإن أمر به فرسول أيضا ، الثاني أعم من الأول ، فكل رسول نبي ، ولا عكس ، وذكر الأخص في هذا المقام أنص على معنى المرام . ( الذي بعثه ) أي : الله ، كما في نسخة أي : أرسله إلى الثقلين . وقيل : إلى الملائكة أيضا .
وقيل : إلى سائر الحيوانات . وقيل : إلى جميع المخلوقات كما يدل عليه خبر
مسلم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355465وأرسلت إلى الخلق كافة ) . ( وطرق الإيمان ) : من الأنبياء ، والكتب ، والعلماء . ( قد عفت آثارها ) أي : اندرست أخبارها ، والجملة حالية ، والمعنى : أن الله تعالى أرسله وأظهره في حال كمال احتياج الناس إليه - عليه الصلاة والسلام - ; فإنهم كانوا في غاية من الضلالة وغاية من الجهالة ; إذ لم يكن حينئذ على وجه الأرض من يعرفها إلا أفراد من أتباع
عيسى - عليه الصلاة والسلام - استوطنوا زوايا الخمول ورءوس الجبال ، وآثروا الوحدة ، والأفول عن الخلق بالاعتزال . ( وخبت أنوارها ) أي : خفيت وانطفأت بحيث لا يمكن اقتباس العلم المشبه بالنور في كمال الظهور . ( ووهت ) أي : ضعفت حتى انعدمت ( أركانها ) : من أساس التوحيد ، والنبوة ، والإيمان بالبعث ، والقيامة . وقيل : المراد الصلوات ، والزكوات ، وسائر العبادات . ( وجهل ) : بصيغة المجهول ( مكانها ) : مبالغة في ظهور ظلمة الجهل ، وغلبة الفسق ، وكثرة الظلم ، وقلة العدل ( فشيد ) أي : رفع وأعلى وأظهر ، وقوى بما أعطيه من العلوم ، والمعارف التي لم يؤتها أحد مثله فيما مضى . ( صلوات الله ) أي : أنواع رحمته ، وأصناف عنايته نازلة ( عليه ) ، وفائضة لديه ، ومتوجهة إليه . وفي نسخة منسوبة إلى السيد عفيف الدين : زيادة . ( وسلامه عليه ) : يعني جنس السلامة من كل آفة في الدارين ، وهي جملة معترضة إخبارية ، أو دعائية ، وهي الأظهر ( من معالمها ) جمع المعلم ، وهو العلامة ( ما عفا ) : ما : موصولة ، أو موصوفة مفعول شيد ، ومن : بيانية متقدمة . والمعنى : أظهر ، وبين ما اندرس ، وخفي من آثار طرق الإيمان ، وعلامات أسباب العرفان ، والإيقان ، ( وشفى ) : عطف على شيد ( من العلل ) : بيان مقدم لمن رعاية للسجع ( في تأييد التوحيد ) أي : تأكيده ، وتقويته ، ونصرته ، وإعانته متعلق
[ ص: 10 ] بشفى ، ومفعوله قوله : ( من كان على شفا ) أي : وخلص من كان قريبا من الوقوع في حفرة الجحيم ، والسقوط في بئر الحميم إشارة إلى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وكنتم على شفا ) أي : طرف (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103حفرة من النار فأنقذكم منها ) وقيل : من للتبعيض أي : أبرأ من جملة المعلولين من كان على إشراف من الهلاك ، إيماء إلى أنه طبيب العيوب ، وحبيب القلوب . وفي الكلام صنعة جناس : وهو تشابه الكلمتين لفظا ، وصنعة طباق : وهو الجمع بين الضدين في الجملة ، وأغرب
السيد جمال الدين حيث قال : والعليل بعين مهملة في أصل سماعنا ، وجميع النسخ الحاضرة ، ويجوز أن يقرأ بغين معجمة ، ويكون من الغل بمعنى الحقد ، ووجه غرابته : إما لفظا : فلفوت المناسبة بين الشفاء ، والعلة ، وإما معنى : فلذهاب عموم العلل المستفاد من جنس العليل واقتصاره على علة الحقد فقط مع عدم ملاءمته للمقام ( وأوضح سبيل الهداية ) أي : بين ، وعين طريق الاهتداء إلى المطلوب ، وسبيل الوصول إلى المحبوب . ( لمن أراد أن يسلكها ) : والسبيل يذكر ، ويؤنث أي : لمن طلب ، وشاء من نفسه أن يدخل فيها ، وإرادة العبد تابعة لإرادة الله تعالى ، وما تشاءون إلا أن يشاء الله ( وأظهر كنوز السعادة ) أي : المعنوية ، وهي المعارف ، والعلوم ، والأعمال العلية ، والأخلاق ، والشمائل ، والأحوال البهية المؤدية إلى الكنوز الأبدية ، والخزائن السرمدية . ( لمن قصد أن يملكها ) أي : بملكة يتوصل بها إلى ملكها ، ويتوسل بها إلى ملكها قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=20وإذا رأيت ثم رأيت نعيما ) أي : كثيرا (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=20وملكا كبيرا ) وفي قوله أراد وقصد إشارة إلى ما قال بعض المشايخ لا بد من السعي ، ولا يحصل بالسعي ، ووجه التخصيص أنهم المنتفعون بالإيضاح ، والإظهار كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى للمتقين ) ثم قيل : يرد عليه بناء على النسخة المشهورة في الاكتفاء بالصلاة دون السلام - ما نقله
النووي عن العلماء من كراهة إفراد أحدهما عن الآخر ، لكن يحتمل أن محل الكراهة فيمن اتخذه عادة ، وهو ظاهر ، أو يحمل على أنه جمع بينهما بلسانه ، واقتصر على كتابة أحدهما ، وهذا بعيد ، أو الكراهة بمعنى خلاف الأولى لإطلاقها عليه كثيرا ، وهو الأولى .
اقْتِدَاءً بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَتَخَلُّقًا بِأَخْلَاقِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، وَاقْتِفَاءً لِلنَّبِيِّ الْكَرِيمِ ، حَيْثُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355455nindex.php?page=treesubj&link=27366كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَبْتَرُ " أَيْ : قَلِيلُ الْبَرَكَةِ ، أَوْ مَعْدُومُهَا ، وَقِيلَ : إِنَّهُ مِنَ الْبَتْرِ ، وَهُوَ الْقَطْعُ قَبْلَ التَّمَامِ وَالْكَمَالِ ، وَالْمُرَادُ بِذِي الْبَالِ ذُو الشَّأْنِ فِي الْحَالِ ، أَوِ الْمَآلِ ، رَوَاهُ
الْخَطِيبُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي ( كِتَابِ الْجَامِعِ ) وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ الْأَبْرَارُ فِي كِتَابَةِ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِ كُتُبِ الْأَشْعَارِ ، فَمَنَعَهُ
الشَّعْبِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ ، وَأَجَازَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ، وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14231الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ ، وَالْأَحْسَنُ التَّفْصِيلُ بَلْ هُوَ الصَّحِيحُ ، فَإِنَّ الشِّعْرَ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ ، فَيُصَانُ إِيرَادُ الْبَسْمَلَةِ فِي الْهَجَوَيَّاتِ وَالْهَذَيَانِ وَمَدَائِحِ الظَّلَمَةِ وَنَحْوِهَا ، كَمَا تُصَانُ فِي حَالِ أَكْلِ الْحَرَامِ ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، وَمَوَاضِعِ الْقَاذُورَاتِ وَحَالَةِ الْمُجَامَعَةِ وَأَمْثَالِهَا ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُكْتَبُ فِي أَوَّلِ كُتُبِ الْمَنْطِقِ عَلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ مَسَائِلِهَا ، وَكَذَا فِي الْقِصَصِ الْكَاذِبَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِا ، وَالْكُلُّ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ : " ذِي بَالٍ " وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ ، ثُمَّ إِنَّهُ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ : " كُلُّ كَلَامٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ " رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ فِي ( عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ) . وَبِلَفْظِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355456كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا الِابْتِدَاءُ بِذِكْرِ اللَّهِ سَوَاءٌ يَكُونُ فِي ضِمْنِ الْبَسْمَلَةِ ، أَوِ الْحَمْدَلَةِ ; بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ
الرَّهَاوِيُّ فِي ( أَرْبَعِينِهِ ) ، وَحَسَّنَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنُ الصَّلَاحِ وَلَفْظُهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355457كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ " ، أَوْ يُحْمَلُ حَدِيثُ الْبَسْمَلَةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ بِحَيْثُ لَا يَسْبِقُهُ شَيْءٌ ، وَحَدِيثُ الْحَمْدَلَةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ الْإِضَافِيِّ ، وَهُوَ مَا بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ ، قِيلَ : وَلَمْ يُعْكَسْ لِأَنَّ حَدِيثَ الْبَسْمَلَةِ أَقْوَى فِي الْمِنْهَالِ بِكِتَابِ اللَّهِ الْوَارِدِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ وَيَخْطُرُ بِالْبَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ . إِنَّ تَوْفِيقَ
nindex.php?page=treesubj&link=27366الِافْتِتَاحِ بِالْبَسْمَلَةِ لَمَّا كَانَ مِنَ النِّعَمِ الْجَزِيلَةِ نَاسَبَ أَنْ تَكُونَ الْحَمْدَلَةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْهَا لِتَكُونَ مُتَضَمِّنَةً لِلشُّكْرِ عَلَى هَذِهِ الْمِنْحَةِ الْجَمِيلَةِ ، هَذَا وَقَدْ يُقَالُ : إِنَّ الْمُرَادَ بِالِابْتِدَاءِ افْتِتَاحٌ عُرْفِيٌّ مُوَسَّعٌ مَمْدُودٌ يُطْلَقُ عَلَى مَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ كَمَا يُقَالُ : أَوَّلُ اللَّيْلِ وَأَوَّلُ النَّهَارِ وَأَوَّلُ الْوَقْتِ وَأَوَّلُ الدِّيَارِ ، وَحِينَئِذٍ لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنَّفِ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355458كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ ثُمَّ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ فَهُوَ أَقْطَعٌ مَمْحُوقٌ مِنْ كُلِّ بَرَكَةٍ " أَخْرَجَهُ
الرَّهَاوِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ، وَإِنْ قِيلَ بِضَعْفِهِ .
وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355459كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ " عَلَى رِوَايَةِ ضَمِّ الْخَاءِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ صَنِيعِ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ أَوْرَدَهُ فِي ( بَابِ خُطْبَةِ النِّكَاحِ ) ، وَكَذَا يُفْهَمُ مِنَ اعْتِرَاضِ الشَّيْخِ
ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ عَلَى
الْبُخَارِيِّ فِي تَرْكِهِ الشَّهَادَةَ أَوَّلَ كِتَابِهِ ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ ، أَوْ بِأَنَّ رِوَايَتَهُ كَسْرُ الْخَاءِ لَا ضَمُّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[ ص: 4 ] ثُمَّ الْبَاءُ جَاءَ لِأَرْبَعَةَ عَشَرَ مَعْنًى ، وَالْمُنَاسِبُ هَاهُنَا مِنْهَا الْإِلْصَاقُ ، وَالِاسْتِعَانَةُ ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُقَدَّرٍ وَأُخِّرَ عَلَى الْمُخْتَارِ تَحْقِيقًا لِحَقِيقَةِ الِابْتِدَاءِ ، وَتَعْظِيمًا لِلِاسْمِ الْخَاصِّ عَنِ الِانْتِهَاءِ ، وَإِفَادَةً لِلِاهْتِمَامِ ، وَإِرَادَةً لِمَقَامِ الِاخْتِصَاصِ الَّذِي هُوَ الْمَرَامُ ؛ وَرَدًّا لِدَأْبِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ كَانُوا يَبْتَدِئُونَ بِالْأَصْنَامِ ، وَيَفْتَتِحُونَ بِذِكْرِ اللَّهِ فِي بَعْضِ الْكَلَامِ .
لَكِنْ قَالَ
الْعَارِفُ الْجَامِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=24407حَقِيقَةُ الِابْتِدَاءِ بِاسْمِهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْعَارِفِينَ أَنْ لَا يُذْكَرَ بِاللِّسَانِ ، وَلَا يَخْطُرَ بِالْجَنَانِ فِي الِابْتِدَاءِ غَيْرُ اسْمِهِ سُبْحَانَهُ لَا إِثْبَاتًا ، وَلَا نَفْيًا ، فَإِنَّ صُورَةَ نَفْيِ الْغَيْرِ مُلَاحَظَةٌ لِلْغَيْرِ فَهُوَ أَيْضًا مَلْحُوظٌ فِي الِابْتِدَاءِ ، فَلَيْسَ الِابْتِدَاءُ مُخْتَصًّا بِاسْمِهِ سُبْحَانَهُ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ الْمَحْذُوفِ مُؤَخَّرًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ اسْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي التَّقْدِيرِ أَيْضًا مُقَدَّمًا كَمَا أَنَّهُ فِي الذِّكْرِ مُقَدَّمٌ اهـ .
وَالْمَعْنَى بِاسْمِ اللَّهِ أَبْدَأُ تَصْنِيفِي ، أَوِ ابْتِدَائِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي مُتَبَرِّكًا بِاسْمِهِ وَمُسْتَعِينًا بِرَسْمِهِ ، وَالِاسْمُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي بُنِيَ أَوَائِلُهَا عَلَى السُّكُونِ ، فَعِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِهَا يَزِيدُونَ هَمْزَةَ الْوَصْلِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمَحْذُوفَةِ الْعَجُزِ كَيَدٍ وَدَمٍ ; بِدَلِيلِ تَصَارِيفِهِ مِنْ سَمَيْتُ وَنَحْوِهِ ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ السُّمُوِّ ، وَهُوَ الْعُلُوُّ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَنْوِيهٌ بِالْمُسَمَّى ، وَرَفْعٌ لِقَدْرِهِ . وَعِنْدَ الْكُوفِيَّةِ أَصْلُهُ : وَسْمٌ : وَهُوَ الْعَلَامَةُ ; لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الْمُسَمَّى فَحُذِفَ حَرْفُ الْعِلَّةِ تَخْفِيفًا ، ثُمَّ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ هَمْزَةُ الْوَصْلِ ، وَسَقَطَتْ كِتَابَتُهَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28706_28971الْبَسْمَلَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْجَلَالَةِ عَلَى خِلَافِ رَسْمِ الْخَطِّ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الْكَتْبِيِّ وَطُوَّلَتِ الْبَاءُ دَلَالَةً عَلَيْهَا قَبْلَ ذِكْرِ الِاسْمِ فَرْقًا بَيْنَ الْيَمِينِ وَالتَّيَمُّنِ . وَقِيلَ الِاسْمُ صِلَةٌ ، وَهُوَ إِنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ فَلَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ عَيْنُ الْمُسَمَّى ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتُ الْحَقِّ ، وَالْوُجُودُ الْمُطْلَقُ إِذَا اعْتُبِرَ مَعَ صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَالرَّحْمَنِ مَثَلًا هُوَ الذَّاتُ الْإِلَهِيَّةُ مَعَ صِفَةِ الرَّحْمَةِ ، وَالْقَهَّارِ مَعَ صِفَةِ الْقَهْرِ ، فَهُوَ عَيْنُ الْمُسَمَّى بِحَسَبِ التَّحْقِيقِ وَالْوُجُودِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ بِحَسَبِ التَّعَقُّلِ ، وَالْأَسْمَاءُ الْمَلْفُوظَةُ هِيَ أَسْمَاءُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ ، وَالْإِضَافَةُ لَامِيَّةٌ ، وَالْمُرَادُ بَعْضُ أَفْرَادِهِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا اللَّهُ ، وَالرَّحْمَنُ ، وَالرَّحِيمُ ، أَوْ يُرَادُ بِهِ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ بِخُصُوصِهَا بِقَرِينَةِ التَّصْرِيحِ بِهَا ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، هَكَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى مَذَاهِبَ : أَحَدُهَا : أَنَّ الِاسْمَ عَيْنُ الْمُسَمَّى ، وَالتَّسْمِيَةِ ، وَثَانِيهَا : - وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ
الْجَهْمِيَّةِ ،
وَالْكَرَّامِيَّةِ ،
وَالْمُعْتَزِلَةِ - غَيْرُهُمَا . قَالَ الْعَلَّامَةُ
الْعِزُّ ابْنُ جَمَاعَةَ : هُوَ الْحَقُّ ، وَثَالِثُهَا : عَيْنُ الْمُسَمَّى وَغَيْرُ التَّسْمِيَةِ ، وَهُوَ الْمُصَحَّحُ عِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ : وَلَيْسَ الِاسْمُ غَيْرَ الْمُسَمَّى ، وَرَابِعُهَا : لَا عَيْنَ ، وَلَا غَيْرَ . وَالثَّالِثُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ
الْأَشْعَرِيِّ ، لَكِنْ فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْنِي : كَلِمَةَ الْجَلَالَةِ خَاصَّةً ; لِأَنَّ مَدْلُولَ هَذَا الِاسْمِ الذَّاتُ مِنْ حَيْثُ هِيَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، كَالْعَالِمِ فَمَدْلُولُهُ الذَّاتُ بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ . وَقَدْ نَبَّهَ الْإِمَامَانِ ،
الرَّازِيُّ ،
وَالْآمِدِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا يَصْلُحُ مَحَلًّا لِنِزَاعِ الْعُلَمَاءِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفَى التَّعَرُّفِ أَجْمَعُوا : أَنَّ الصِّفَاتِ لَيْسَتْ هِيَ هُوَ ، وَلَا غَيْرُهُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا تَتَغَايَرُ ، وَلَيْسَ عِلْمُهُ قُدْرَتَهُ ، وَلَا غَيْرَ قُدْرَتِهِ ، وَلَا قُدْرَتُهُ عِلْمَهُ ، وَلَا غَيْرَ عِلْمِهِ ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ صِفَاتِهِ مِنَ السَّمْعِ ، وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهِمَا .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَسْمَاءِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَسْمَاءُ اللَّهِ - تَعَالَى - لَيْسَتْ هِيَ اللَّهَ ، وَلَا غَيْرَ اللَّهِ كَمَا قَالُوا فِي الصِّفَاتِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَسْمَاءُ اللَّهِ هِيَ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[ ص: 5 ] ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تَحَيَّرَ الْعُلَمَاءُ فِي تَدْقِيقِ اسْمِ اللَّهِ كَمَا تَحَيَّرَ الْعُرَفَاءُ فِي تَحْقِيقِ مُسَمَّاهُ ، سُبْحَانَ مَنْ تَحَيَّرَ فِي ذَاتِهِ سِوَاهُ ! فَقِيلَ : إِنَّهُ عِبْرِيٌّ ; لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كَانُوا يَقُولُونَ : إِلَاهًا ، فَحَذَفَتِ الْعَرَبُ الْأَلِفَ الْأَخِيرَةَ لِلتَّخْفِيفِ ، كَمَا فَعَلُوا فِي النُّورِ ، وَالرُّوحِ ، وَالْيَوْمِ ; فَإِنَّهَا فِي اللُّغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ كَانَتْ نُورًا وَرُوحًا وَيَوْمًا ، وَهَذَا وَجْهُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مُعَرَّبٌ ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ ; لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَوَافُقِ اللُّغَتَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ إِحْدَاهُمَا مُتَأَخِّرَةً عَنِ الْأُخْرَى مَأْخُوذَةً عَنْهَا ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا : اسْمٌ هُوَ أَمْ صِفَةٌ مُشْتَقَّةٌ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، أَوْ غَيْرُ مُشْتَقٍّ ؟ عَلَمٌ ، أَوْ غَيْرُ عَلَمٍ ؟ وَمَا أَصْلُهُ عَلَى تَقْدِيرِ اشْتِقَاقِهِ ؟ ! وَمُخْتَارُ صَاحِبِ ( الْكَشَّافِ ) أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ اسْمَ جِنْسٍ ، ثُمَّ صَارَ عَلَمًا وَأَنَّ أَصْلَهُ الْإِلَهُ وَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ أَلَهَ بِمَعْنَى : تَحَيَّرَ فَاللَّهُ مُتَحَيَّرٌ فِيهِ ; لِأَنَّهُمْ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا .
وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَالْمُبَرِّدُ عَنِ
الْخَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ : اسْمٌ خَاصٌّ عَلَمٌ لِلَّهِ غَيْرُ مُشْتَقٍّ مِنْ شَيْءٍ وَلَيْسَ بِصِفَةٍ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ جَامِعًا لِأَسْمَائِهِ وَنُعُوتِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَلَهْتُ إِلَى فُلَانٍ إِذَا فَزَعْتَ إِلَيْهِ عِنْدَ الشَّدَائِدِ قَالَ :
أَلَهْتُ إِلَيْكُمْ فِي بَلَايَا تَنُوبُنِي فَأَلْفَيْتُكُمْ فِيهَا كَرِيمًا مُمَجَّدًا
فَإِنَّ الْخَلْقَ يَفْزَعُونَ إِلَيْهِ عِنْدَ الشَّدَائِدِ . أَوْ مِنْ أَنَّهُ الْفَصِيلُ ، وَالْفَصِيلُ : وَلَدُ النَّاقَةِ إِذَا وَلِعَ بِأُمِّهِ ; لِأَنَّ الْعِبَادَ يُولَهُونَ بِهِ وَبِذِكْرِهِ . وَقِيلَ : مِنْ تَأَلَّهْتُ أَيْ : تَضَرَّعْتُ فَالْإِلَهُ هُوَ الَّذِي يُتَضَرَّعُ إِلَيْهِ .
وَقِيلَ : مِنْ قَوْلِهِمْ لَاهَ يَلُوهُ لَوْهًا وَلَاهًا إِذَا احْتَجَبَ وَارْتَفَعَ قَالَ :
لَاهَ رَبِّي عَنِ الْخَلَائِقِ طُرًّا فَهُوَ اللَّهُ لَا يُرَى وَيَرَى هُو
.
وَقِيلَ : مِنْ أَلَهْتُ بِالْمَكَانِ إِذَا قُمْتَ بِهِ وَمَعْنَاهُ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ عَنْ صِفَتِهِ كَمَا أَنَّ الْمُقِيمَ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ بُقْعَتِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
أَلَهْنَا بِدَارٍ لَا تَبِينُ رُسُومُهَا كَأَنَّ بَقَايَاهَا وِشَامٌ عَلَى الْأَيْدِي
وَقِيلَ : الْإِلَهُ أَصْلُهُ وِلَاهُ ، فَهُوَ مِنَ الْوَلَهِ كَمَا قِيلَ فِي أُسَادَةٍ وَأُشَاحٍ وَأُجُوهٍ : وَسَادَةٌ وَوِشَاحٌ وَوُجُوهٌ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعِبَادَ يُولَهُونَ عِنْدَ ذِكْرِ الْإِلَهِ أَيْ : يَطْرَبُونَ مِنْهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
الْكُمَيْتِ :
وَلِهَتْ نَفْسِيَ الطَّرُوبُ إِلَيْكُمْ وَلَهًا حَالَ دُونَ طَعْمِ الطَّعَامِ
وَقِيلَ : الْوَلَهُ : الْمَحَبَّةُ الشَّدِيدَةُ . وَقِيلَ : مُشْتَقٌّ مِنْ أَنَّهُ بِمَعْنَى عَبْدٍ ، فَالْإِلَهُ : فِعَالٌ بِمَعْنَى الْمَعْبُودِ كَالْكِتَابِ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ
ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَيَذَرُكَ وَإِلَاهَتَكَ ) أَيْ : عِبَادَتَكَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : الْأَصْلُ فِي قَوْلِنَا : اللَّهُ إِلَهٌ فَلَمَّا حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ عُوِّضَتْ فِي أَوَّلِهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ ، ثُمَّ عِوَضًا لَازِمًا فَقِيلَ : اللَّهُ . وَقَالَ
الْمُبَرِّدُ : الْأَصْلُ فِي لَاهَ لَوِهَ عَلَى وَزْنِ دَوِرَ فَقَلَبُوا الْوَاوَ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا فَصَارَ : لَاهَ - عَلَى وَزْنِ دَارَ - ثُمَّ أَدْخَلُوا عَلَيْهِ لَامَ التَّعْرِيفِ .
وَقَالَ
أَبُو الْهَيْثَمِ الرَّازِيُّ : الْأَصْلُ فِي اللَّهِ هُوَ الْإِلَهُ خُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ بِإِلْقَاءِ حَرَكَتِهَا عَلَى اللَّامِ السَّاكِنَةِ قَبْلَهَا ، وَحُذِفَتْ فَصَارَتْ : اللَّاهَ ، ثُمَّ أُجْرِيَتِ الْحَرَكَةُ الْعَارِضَةُ مَجْرَى الْأَصْلِيَّةِ ، وَأُدْغِمَتِ اللَّامُ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ ، قِيلَ : هَاهُنَا إِشْكَالٌ صَرْفِيٌّ ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إِلَى مَا قَبْلَهَا أَوَّلًا عَلَى مَا هُوَ الْقِيَاسُ ، ثُمَّ حُذِفَتْ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْإِدْغَامِ غَيْرَ قِيَاسِيٍّ ، لِمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ مِنْ أَنَّ الْمِثْلَيْنِ الْمُتَحَرِّكَيْنِ لَا يَجِبُ فِيهِمَا الْإِدْغَامُ إِذَا كَانَا مِنْ كَلِمَتَيْنِ نَحْوَ : مَا سَلَكَكُمْ ، وَمَنَاسِكَكُمْ ، وَإِنْ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ مَعَ حَرَكَتِهَا فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الْقِيَاسِ فِي تَخْفِيفِهَا ، وَإِنْ كَانَ لُزُومُ الْإِدْغَامِ عَلَى الْقِيَاسِ ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ : هَذَا الِاسْمُ خَارِجٌ عَنْ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ كَمَا أَنَّ مُسَمَّاهُ خَارِجٌ عَنْ دَائِرَةِ قِيَاسِ النَّاسِ ، وَأُجِيبَ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ ، وَمَنْعِ كَوْنِ الْإِدْغَامِ فِي كَلِمَتَيْنِ بِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ اللَّامَ عِوَضًا عَنِ الْهَمْزَةِ وَصَارَ بِمَنْزِلَتِهَا ، صَارَ كَأَنَّهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْإِدْغَامِ بَعْدَ الْعَلَمِيَّةِ فَيَكُونُ الِاجْتِمَاعُ فِي
[ ص: 6 ] كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ قَطْعًا ، قَلْتُ : التَّحْقِيقُ أَنَّهُ كَمَا أَنَّ النَّقْلَ فِيهِ قِيَاسٌ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فَكَذَلِكَ الْإِدْغَامُ فِي كَلِمَتَيْنِ ، وَيَكْفِي جَوَازُهُ ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى وُجُوبِهِ ، مَعَ أَنَّ الْإِدْغَامَ فِي كَلِمَتَيْنِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقُرَّاءُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=11لَا تَأْمَنَّا ) . وَالْحَقُّ أَنَّهُ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي ) فَإِنَّ الْأَصْلَ : لَكِنْ أَنَا ، فَحَوَّلُوا الْفَتْحَةَ إِلَى مَا قَبْلَهَا مِنَ النُّونِ فَاجْتَمَعَتْ نُونَانِ مُتَحَرِّكَتَانِ ، فَأَسْكَنُوا الْأُولَى وَأَدْغَمُوهَا فِي الثَّانِيَةِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَحْكِيٌّ عَنِ
الْفَرَّاءِ . وَقِيلَ : الْأَصْلُ فِيهِ هَاءُ الْكِنَايَةِ عَنِ الْغَائِبِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا مَوْجُودًا فِي نَظَرِ عُقُولِهِمْ وَأَشَارُوا إِلَيْهِ بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ ، ثُمَّ زَادُوا فِيهِ لَامَ الْمِلْكِ ; لَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ وَمَالِكُهَا فَصَارَ ( لَهُ ) ، ثُمَّ قَصَرُوا الْهَاءَ وَأَشْبَعُوا فَتْحَةَ اللَّامِ فَصَارَ : ( لَاهُ ) ، وَخَرَجَ عَنْ مَعْنَى الْإِضَافَةِ إِلَى الِاسْمِ الْمُفْرَدِ ; فَزِيدَتْ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلتَّعْرِيفِ تَعْظِيمًا وَفَخَّمُوهُ تَأْكِيدًا لِهَذَا الْمَعْنَى ، فَصَارَ ( اللَّهُ ) كَمَا تَرَى ، وَهَذَا أَقْرَبُ بِإِشَارَاتِ الصُّوفِيَّةِ مِنْ تَحْقِيقِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَقِيلَ : لَيْسَ هُوَ بِمُشْتَقٍّ بَلْ هُوَ عَلَمٌ ابْتِدَاءً لِذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ ، وَيُلَائِمُ هَذَا الْمَذْهَبَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعَارِفِينَ مِنْ أَنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ الْإِلَهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، لَا بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهَا بِالصِّفَاتِ ، وَلَا بِاعْتِبَارِ لَا اتِّصَافِهَا بِهَا ، وَلِذَا قَالَ الْجُمْهُورُ : إِنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ . قَالَ الْقُطْبُ الرَّبَّانِيُّ الشَّيْخُ
nindex.php?page=showalam&ids=14603عَبْدُ الْقَادِرِ الْجِيلَانِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=27906الِاسْمُ الْأَعْظَمُ هُوَ اللَّهُ ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَقُولَ : اللَّهُ ، وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ سِوَاهُ ، وَقَدْ خُصَّ هَذَا الِاسْمُ بِخَوَاصَّ لَا تُوْجَدُ فِي غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ مِنْهَا : أَنَّهُ تُنْسَبُ سَائِرُ الْأَسْمَاءِ إِلَيْهِ ، وَلَا يُنْسَبُ هُوَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا ، وَمِنْهَا : أَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ . وَمِنْهَا : أَنَّهُمْ حَذَفُوا لَفْظَةَ يَاءٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَزَادُوا مِيمًا فِي آخِرِهِ فَقَالُوا : اللَّهُمَّ ، وَلَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ . وَمِنْهَا : أَنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ الْأَلِفَ وَاللَّامَ عِوَضًا لَازِمًا عَنْ هَمْزَتِهِ ، وَلَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ . وَمِنْهَا : أَنَّهُمْ قَالُوا : يَا أَللَّهُ فَقَطَعُوا هَمْزَتَهُ . وَمِنْهَا : أَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ يَا الَّتِي لِلنِّدَاءِ وَبَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَلَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ حَالَ سِعَةِ الْكَلَامِ . وَمِنْهَا : تَخْصِيصُهُمْ إِيَّاهُ فِي الْقَسَمِ بِإِدْخَالِ ( التَّاءِ وَايْمُنُ وَايْمُ ) فِي قَوْلِهِمْ : تَاللَّهِ ، وَايْمُنُ اللَّهِ ، وَايْمُ اللَّهِ .
وَمِنْهَا : تَفْخِيمُ لَامِهِ إِذَا انْفَتْحَ مَا قَبْلَهُ ، أَوِ انْضَمَّ ; سُنَّةً وَرِثَتْهَا الْعَرَبُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ وَتَوَاتَرَ النَّقْلُ عَنِ الْقُرَّاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحَذْفُ أَلِفِهِ لَحْنٌ تَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ .
وَ ( الرَّحْمَنُ ) : فَعْلَانُ ، مِنْ رَحِمَ كَغَضْبَانَ مِنْ غَضِبَ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ بِجَعْلِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي لَازِمًا ، فَيُنْقَلُ إِلَى فَعُلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ فَيُشْتَقُّ مِنْهُ الصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ . وَأَمَّا ( الرَّحِيمُ ) : فَإِنْ جُعِلَ صِيغَةَ مُبَالَغَةٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ : هُوَ رَحِيمٌ فَلَا إِشْكَالَ ، وَإِنْ جُعِلَ مِنَ الصِّفَاتِ الْمُشَبَّهَةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ ( الْكَشَّافِ ) فَالْوَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي الرَّحْمَنِ ثُمَّ فِي الرَّحْمَنِ زِيَادَةُ مُبَالَغَةٍ مِنَ الرَّحِيمِ ; لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَبْنَى تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى ، وَهِيَ إِمَّا بِحَسَبِ شُمُولِهِ لِلدَّارَيْنِ وَاخْتِصَاصِ الرَّحِيمِ بِالدُّنْيَا كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ : (
يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَ الدُّنْيَا ) ، وَإِمَّا بِحَسَبِ كَثْرَةِ أَفْرَادِ الْمَرْحُومِينَ وَقِلَّتِهَا كَمَا وَرَدَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355461يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ ) وَإِمَّا بِحَسَبِ جَلَالَةِ النِّعَمِ وَدِقَّتِهَا . وَبِالْجُمْلَةِ : فَفِي الرَّحْمَنِ مُبَالَغَةٌ فِي مَعْنَى الرَّحْمَةِ لَيْسَتْ فِي الرَّحِيمِ فَيُقْصَدُ بِهِ رَحْمَةٌ زَائِدَةٌ بِوَجْهٍ مَا ، فَلَا يُنَافِي مَا يُرْوَى عَنْ قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=2004158يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا ) لِجَوَازِ حَمْلِهِمَا عَلَى الْجَلَائِلِ وَالدَّقَائِقِ . وَقِيلَ : رَحْمَةُ الرَّحْمَنِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فِي الدُّنْيَا وَرَحْمَةُ الرَّحِيمِ تَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي الْعُقْبَى ، وَلَا يَجُوزُ إِطْلَاقُ الرَّحْمَنِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الرَّحِيمِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) وَلِذَا قِيلَ : الرَّحْمَنُ : خَاصُّ اللَّفْظِ عَامُّ الْمَعْنَى ، وَالرَّحِيمُ : عَامُّ اللَّفْظِ خَاصُّ الْمَعْنَى ، ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19958الرَّحْمَةُ فِي اللُّغَةِ : رِقَّةُ الْقَلْبِ وَانْعِطَافٌ يَقْتَضِي التَّفَضُّلَ وَالْإِحْسَانَ ، وَهِيَ مِنَ الْكَيْفِيَّاتِ التَّابِعَةِ لِلْمِزَاجِ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْهَا ، فَإِطْلَاقُهَا عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْغَايَاتِ الَّتِي هِيَ أَفْعَالٌ دُونَ الْمَبَادِئِ الَّتِي هِيَ مِنَ الِانْفِعَالَاتِ ، فَهِيَ
[ ص: 7 ] عِبَارَةٌ عَنِ الْإِنْعَامِ فَتَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ ، أَوْ عَنْ إِرَادَةِ الْإِحْسَانِ فَتَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبَّبٌ عَنْ رِقَّةِ الْقَلْبِ وَالِانْعِطَافِ ; فَتَكُونُ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ ، وَقُدِّمَ الرَّحْمَنُ عَلَى الرَّحِيمِ مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ التَّرَقِّي فِي الصِّفَاتِ مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّحِيمَ كَالتَّتِمَّةِ وَالرَّدِيفِ لِلرَّحْمَنِ ، أَوْ لِزِيَادَةِ شَبَهِهِ بِاللَّهِ حَيْثُ اخْتَصَّ بِهِ سُبْحَانَهُ حَتَّى قِيلَ : إِنَّهُ عَلَمٌ لَهُ ، أَوْ لِتَقَدُّمِ رَحْمَةِ الدُّنْيَا ، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ مِنْ صِفَاتِ الْجَمَالِ وَعَدَمِ ذِكْرِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ إِشْعَارٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355462غَلَبَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي " وَفِي الْخَتْمِ بِالرَّحِيمِ إِيمَاءٌ بِحُسْنِ خَاتِمَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ بَعْدَ حُصُولِ رَحْمَتِهِ لِعُمُومِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ .
nindex.php?page=treesubj&link=33144 ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) : قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=29484الْحَمْدُ ، وَالْمَدْحُ ، وَالشُّكْرُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ ، وَالْمُحَقِّقُونَ بَيْنَهَا يُفَرِّقُونَ وَيَقُولُونَ : إِنَّ الْحَمْدَ هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْ نِعْمَةٍ وَغَيْرِهَا ، وَالْمَدْحُ يَعُمُّ الِاخْتِيَارِيَّ وَغَيْرَهُ ، وَلِذَا يُقَالُ : مَدَحْتُهُ عَلَى حُسْنِهِ ، وَلَا يُقَالُ : حَمِدْتُهُ عَلَيْهِ ، وَالشُّكْرُ فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ بِمُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ سَوَاءٌ يَكُونُ بِاللِّسَانِ ، أَوِ الْجَنَانِ ، أَوِ الْأَرْكَانِ ، فَمَوْرِدُ الْحَمْدِ خَاصٌّ وَمُتَعَلِّقُهُ عَامٌّ ، وَالشُّكْرُ بِخِلَافِهِ ، وَحَقِيقَةُ الشُّكْرِ مَا رُوِيَ عَنِ
الْجُنَيْدِ أَنَّهُ صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ إِلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ ، وَرَفْعُهُ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ للَّهِ ، وَأَصْلُهُ النَّصْبُ وَقُرِئَ بِهِ ، وَإِنَّمَا عُدِلَ بِهِ إِلَى الرَّفْعِ دَلَالَةً عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ ، وَقُرِئَ بِإِتْبَاعِ الدَّالِّ اللَّامَ وَبِالْعَكْسِ تَنْزِيلًا لَهُمَا لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمَا مَعًا مَنْزِلَةَ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ، ثُمَّ الْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إِنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى ; لِتَسْمِيَةِ قَائِلِهَا بِهَا حَامِدًا وَلَوْ كَانَتْ خَبَرِيَّةً مَعْنًى لَمْ يُسَمَّ إِلَّا مُخْبِرًا ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَقُّ لِلْمُخْبِرِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ إِذْ لَا يُقَالُ لِمَنْ قَالَ : الضَّرْبُ مُؤْلِمٌ : ضَارِبٌ ، فَإِنْ قِيلَ : جَازَ أَنْ يُعَدَّ الشَّرْعُ الْمُخْبِرُ بِثُبُوتِ الْحَمْدِ لَهُ تَعَالَى حَامِدًا أُجِيبَ : فَإِنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ . وَاللَّامُ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ : كُلُّ حَمْدٍ صَدَرَ مِنْ كُلِّ حَامِدٍ ، فَهُوَ ثَابِتٌ لِلَّهِ ، أَوْ لِلْجِنْسِ ، وَيُسْتَفَادُ الْعُمُومُ مِنْ لَامِ الِاخْتِصَاصِ . وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ : فَجَمِيعُ أَفْرَادِ الْحَمْدِ مُخْتَصٌّ لَهُ تَعَالَى حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ قَدْ يُوجَدُ بَعْضُهَا لِغَيْرِهِ صُورَةً ، أَوِ الْحَمْدُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ ، أَوِ الْمَفْعُولِ أَيْ : الْحَامِدَيَّةُ ، وَالْمَحْمُودِيَّةُ ثَابِتَانِ لَهُ تَعَالَى ، فَهُوَ الْحَامِدُ ، وَهُوَ الْمَحْمُودُ ، أَوْ لِلْعَهْدِ فَإِنَّ حَمْدَهُ لَائِقٌ لَهُ ، وَلِذَا أَظْهَرَ الْعَجْزَ أَحْمَدُ الْخَلْقِ عَنْ حَمْدِهِ وَقَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355463لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ) .
( نَحْمَدُهُ ) : اسْتِئْنَافٌ فَأَوَّلًا : أَثْبَتَ الْحَمْدَ لَهُ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الثُّبُوتِ وَالدَّوَامِ ، سَوَاءٌ حَمِدَ ، أَوْ لَمْ يَحْمَدْ ، فَهُوَ إِخْبَارٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْإِنْشَاءِ . وَثَانِيًا : أَخْبَرَ عَنْ حَمْدِهِ وَحَمْدِ غَيْرِهِ مَعَهُ بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الَّتِي لِلتَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ بِحَسَبِ تَجَدُّدِ النَّعْمَاءِ وَتَعَدُّدِ الْآلَاءِ وَحُدُوثِهَا فِي الْآنَاءِ ، أَوِ الْمُرَادُ نَشْكُرُهُ إِمَّا مُطْلَقًا ، أَوْ عَلَى تَوْفِيقِ الْحَمْدِ سَابِقًا . ( وَنَسْتَعِينُهُ ) أَيْ : فِي الْحَمْدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، أَوِ الْأُخْرَوِيَّةِ ، فَيَكُونُ تَبَرِّيًا مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ النَّفْسِيَّةِ ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى رَدِّ
الْقَدَرِيَّةِ كَمَا أَنَّ فِيمَا قَبْلَهُ رَدًّا عَلَى
الْجَبْرِيَّةِ ، وَلَمْ يَقُلْ : وَإِيَّاهُ نَسْتَعِينُ ; لِأَنَّ مَقَامَ الِاخْتِصَاصِ لَا يُدْرِكُهُ إِلَّا الْخَوَاصُّ ، وَلِذَا قَالَ
ابْنُ دِينَارٍ : لَوْلَا وُجُوبُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لَمَا قَرَأْتُهَا لِعَدَمِ صِدْقِي فِيهَا .
( وَنَسْتَغْفِرُهُ ) أَيْ : مِنَ السَّيِّئَاتِ ، وَالتَّقْصِيرَاتِ وَلَوْ فِي الْحَمْدِ وَالِاسْتِعَانَةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ ( وَنَعُوذُ بِاللَّهِ ) أَيْ : نَلْتَجِئُ وَنَعْتَصِمُ بِعَوْنِهِ وَحِفْظِهِ ( مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ) أَيْ : مِنْ ظُهُورِ السَّيِّئَاتِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي جُبِلَتِ الْأَنْفُسُ عَلَيْهَا
[ ص: 8 ] قِيلَ : مِنْهَا الْحَمْدُ مَعَ الرِّيَاءِ ، وَالسُّمْعَةِ وَكَذَا مَعَ إِثْبَاتِ الْحَوْلِ ، وَالْقُوَّةِ ( وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ) أَيْ : مِنْ مُبَاشَرَةِ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْهَا ، وَفِيهِ اعْتِرَافٌ بِأَنَّ الْبَوَاطِنَ وَالظَّوَاهِرَ مَمْلُوءَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ وَمَحْشُوَّةٌ مِنَ الذُّنُوبِ ، وَلِذَا قِيلَ : وَجُودُكَ ذَنْبٌ لَا يُقَاسُ بِهِ ذَنْبٌ . قِيلَ : مِنْهَا التَّصْنِيفُ بِلَا إِخْلَاصٍ وَعَدَمُ رُؤْيَةِ التَّوْفِيقِ وَالِاخْتِصَاصِ ، وَلَوْلَا حِفْظُهُ تَعَالَى مَعَ تَوْفِيقِهِ لَمَا اسْتَقَامَ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقِهِ ، لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا ( مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ ) أَيْ : مَنْ يُرِدِ اللَّهُ هِدَايَتَهُ الْمُوَصِّلَةَ إِلَيْهِ وَعِنَايَتَهُ الْمُقَرِّبَةِ لَدَيْهِ . ( فَلَا مُضِلَّ لَهُ ) أَيْ : فَلَا أَحَدَ يَقْدِرُ عَلَى إِضْلَالِهِ مِنَ الْمُضِلِّينَ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ ، وَالْجِنِّ أَجْمَعِينَ ، ( وَمَنْ يُضْلِلْ ) أَيْ : مَنْ يُرِدِ اللَّهُ جَهَالَتَهُ وَعَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْحَقِّ ضَلَالَتَهُ ( فَلَا هَادِيَ لَهُ ) أَيْ : فَلَا أَحَدَ يَقْدِرُ عَلَى هِدَايَتِهِ مِنَ الْهَادِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِينَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) وَفِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30454_28783الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ وَلَيْسَ لِمَا سِوَاهُ إِلَّا مَا قَدَّرَ بِهِ وَقَضَاهُ مِنَ الْكَسْبِ وَالِاخْتِيَارِ ، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ، وَلِظُهُورِ قُصُورِ عُقُولِنَا الْفَانِيَةِ عَنْ إِدْرَاكِ أَسْرَارِ الْحِكَمِ الْبَالِغَةِ الْبَاقِيَةِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - : " لَا يَظْهَرُ سِرُّ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ الْبَارِزَ ثَابِتٌ فِي ( يَهْدِهِ ) ، وَأَمَّا فِي ( يُضْلِلْ ) فَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ ، وَهُوَ عَمَلٌ بِالْجَائِزَيْنِ ، وَالْأَوَّلُ أَصْلٌ وَفِيهِ وَصْلٌ ، وَالثَّانِي فَرْعٌ وَفِيهِ فَصْلٌ ، وَفِيهِ نُكْتَةٌ أُخْرَى لَا تَخْفَى عَلَى أَرْبَابِ الصَّفَا ( وَأَشْهَدُ ) أَيْ : أَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ ( أَنْ لَا إِلَهَ ) أَيْ : مَعْبُودَ ، أَوْ لَا مَقْصُودَ ، أَوْ لَا مَوْجُودَ فِي نَظَرِ أَرْبَابِ الشُّهُودِ ( إِلَّا اللَّهُ ) أَيِ : الذَّاتُ الْوَاجِبُ الْوُجُودِ صَاحِبُ الْكَرَمِ وَالْجُودِ . قَالَ
الطِّيبِيُّ : أَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي مَقَامِ التَّوْحِيدِ ؛ لِأَنَّهُ إِسْقَاطُ الْحُدُوثِ وَإِثْبَاتُ الْقِدَمِ ، فَأَشَارَ أَوَّلًا إِلَى التَّفْرِقَةِ وَثَانِيًا إِلَى الْجَمْعِ اهـ .
وَقَدْ يُقَالُ : إِنَّ الْأَفْعَالَ الْمُتَقَدِّمَةَ أُمُورٌ ظَاهِرِيَّةٌ يُحْكَمُ بِوُجُودِهَا عَلَى الْغَيْرِ أَيْضًا بِخِلَافِ
nindex.php?page=treesubj&link=28664_28665الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ غَيْبِيٌّ لَا يَعْلَمُ بِحَقِيقَتِهِ إِلَّا هُوَ ( شَهَادَةً ) : مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مَوْصُوفٌ بِقَوْلِهِ : ( تَكُونُ ) أَيْ : بِخُلُوصِهَا ( لِلنَّجَاةِ ) أَيِ : الْخَلَاصِ مِنَ الْعَذَابِ فِي الدَّارَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ الِاكْتِفَاءِ بِهَا ( وَسِيلَةً ) أَيْ : سَبَبًا لَا عِلَّةً ( وَلِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ ) أَيِ : الْعَالِيَاتِ فِي الْجَنَّاتِ الْبَاقِيَاتِ ( كَفِيلَةً ) أَيْ : مُتَضَمِّنَةً مُلْتَزِمَةً . وَالْمَعْنَى : أَنَّ الشَّهَادَةَ إِذَا تَكَرَّرَتْ وَأَنْتَجَتِ ارْتِكَابَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَاجْتِنَابَ الْأَفْعَالِ الطَّالِحَةِ ، صَارَتْ سَبَبًا لِعُلُوِّ الدَّرَجَاتِ ، وَكَانَتْ مَانِعَةً عَنِ الْوُقُوعِ فِي الدَّرَكَاتِ ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ بِالْإِيمَانِ وَرَفْعَ الدَّرَجَاتِ بِالْأَعْمَالِ ، وَلِكَوْنِ التَّوْفِيقِ عَلَى هَذَا السَّبَبِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355464لَنْ يُنَجَّى مِنْكُمْ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ " . ( وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا ) : هُوَ فِي الْأَصْلِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ حَمِدَ مُبَالَغَةَ حَمْدٍ نُقِلَ مِنَ الْوَصْفَيَّةِ إِلَى الِاسْمِيَّةِ ، سُمِّيَ بِهِ ، وَالْأَسْمَاءُ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ لِوُصُولِهِ إِلَى الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَحْمَدُهُ الْأَوَّلُونَ ، وَالْآخِرُونَ ( عَبْدُهُ ) : إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَتَخْصِيصٍ إِشَارَةً إِلَى كَمَالِ مَرْتَبَتِهِ فِي مَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ بِالْقِيَامِ فِي أَدَاءِ حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ ; وَقَدَّمَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ أَوْصَافِهِ
[ ص: 9 ] وَأَعْلَاهَا وَأَفْضَلُهَا وَأَغْلَاهَا ، وَلِذَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الْوَصْفِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) وَللَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ :
لَا تَدْعُنِي إِلَّا بِيَا عَبْدَهَا فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائِيَا
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14961الْقَاضِي عِيَاضٍ :
وَمِمَّا زَادَنِي عَجَبًا وَتِيهًا وَكِدْتُ بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ يَا عِبَادِي وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيًّا
( وَرَسُولُهُ ) : إِشَارَةً إِلَى أَنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْقُرْبِ ، وَأَوْلَى مَنَازِلِ الْحُبِّ ، وَهُوَ الْفَرْدُ الْأَكْمَلُ ، وَالْوَاصِلُ إِلَى الْمَقَامِ الْأَفْضَلِ ، وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ تَعْرِيضٌ لِلنَّصَارَى حَيْثُ غَلَوْا فِي دِينِهِمْ ، وَأَطْرَوْا فِي مَدْحِ نَبِيِّهِمْ . ثُمَّ قِيلَ : النَّبِيُّ ، وَالرَّسُولُ مُتَرَادِفَانِ ، وَالْأَصَحُّ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29634النَّبِيَّ إِنْسَانٌ ذَكَرٌ حُرٌّ مِنْ بَنِي آدَمَ ، أُوحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ ، فَإِنْ أُمِرَ بِهِ فَرَسُولٌ أَيْضًا ، الثَّانِي أَعَمُّ مِنَ الْأَوَّلِ ، فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ ، وَلَا عَكْسَ ، وَذِكْرُ الْأَخَصِّ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَصُّ عَلَى مَعْنَى الْمَرَامِ . ( الَّذِي بَعَثَهُ ) أَيِ : اللَّهُ ، كَمَا فِي نُسْخَةٍ أَيْ : أَرْسَلَهُ إِلَى الثَّقَلَيْنِ . وَقِيلَ : إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَيْضًا .
وَقِيلَ : إِلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ . وَقِيلَ : إِلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ
مُسْلِمٍ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355465وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً ) . ( وَطُرُقُ الْإِيمَانِ ) : مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْكُتُبِ ، وَالْعُلَمَاءِ . ( قَدْ عَفَتْ آثَارُهَا ) أَيِ : انْدَرَسَتْ أَخْبَارُهَا ، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَهُ وَأَظْهَرَهُ فِي حَالِ كَمَالِ احْتِيَاجِ النَّاسِ إِلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي غَايَةٍ مِنَ الضَّلَالَةِ وَغَايَةٍ مِنَ الْجَهَالَةِ ; إِذْ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَنْ يَعْرِفُهَا إِلَّا أَفْرَادٌ مِنْ أَتْبَاعِ
عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَوْطَنُوا زَوَايَا الْخُمُولِ وَرُءُوسَ الْجِبَالِ ، وَآثَرُوا الْوَحْدَةَ ، وَالْأُفُولَ عَنِ الْخَلْقِ بِالِاعْتِزَالِ . ( وَخَبَتْ أَنْوَارُهَا ) أَيْ : خَفِيَتْ وَانْطَفَأَتْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ اقْتِبَاسُ الْعِلْمِ الْمُشَبَّهِ بِالنُّورِ فِي كَمَالِ الظُّهُورِ . ( وَوَهَتْ ) أَيْ : ضَعُفَتْ حَتَّى انْعَدَمَتْ ( أَرْكَانُهَا ) : مِنْ أَسَاسِ التَّوْحِيدِ ، وَالنُّبُوَّةِ ، وَالْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ ، وَالْقِيَامَةِ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ الصَّلَوَاتُ ، وَالزَّكَوَاتُ ، وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ . ( وَجُهِلَ ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( مَكَانُهَا ) : مُبَالَغَةً فِي ظُهُورِ ظُلْمَةِ الْجَهْلِ ، وَغَلَبَةِ الْفِسْقِ ، وَكَثْرَةِ الظُّلْمِ ، وَقِلَّةِ الْعَدْلِ ( فَشَيَّدَ ) أَيْ : رَفَعَ وَأَعْلَى وَأَظْهَرَ ، وَقَوَّى بِمَا أُعْطِيَهُ مِنَ الْعُلُومِ ، وَالْمَعَارِفِ الَّتِي لَمْ يُؤْتَهَا أَحَدٌ مِثْلُهُ فِيمَا مَضَى . ( صَلَوَاتُ اللَّهِ ) أَيْ : أَنْوَاعُ رَحْمَتِهِ ، وَأَصْنَافُ عِنَايَتِهِ نَازِلَةٌ ( عَلَيْهِ ) ، وَفَائِضَةٌ لَدَيْهِ ، وَمُتَوَجِّهَةٌ إِلَيْهِ . وَفِي نُسْخَةٍ مَنْسُوبَةٍ إِلَى السَّيِّدِ عَفِيفِ الدِّينِ : زِيَادَةُ . ( وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ) : يَعْنِي جِنْسَ السَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ فِي الدَّارَيْنِ ، وَهِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ إِخْبَارِيَّةٌ ، أَوْ دُعَائِيَّةٌ ، وَهِيَ الْأَظْهَرُ ( مِنْ مَعَالِمِهَا ) جَمْعُ الْمَعْلَمِ ، وَهُوَ الْعَلَامَةُ ( مَا عَفَا ) : مَا : مَوْصُولَةٌ ، أَوْ مَوْصُوفَةٌ مَفْعُولُ شَيَّدَ ، وَمِنْ : بَيَانِيَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ . وَالْمَعْنَى : أَظْهَرَ ، وَبَيَّنَ مَا انْدَرَسَ ، وَخَفِيَ مِنْ آثَارِ طُرُقِ الْإِيمَانِ ، وَعَلَامَاتِ أَسْبَابِ الْعِرْفَانِ ، وَالْإِيقَانِ ، ( وَشَفَى ) : عَطْفٌ عَلَى شَيَّدَ ( مِنَ الْعِلَلِ ) : بَيَانٌ مُقَدَّمٌ لِمِنَ رِعَايَةً لِلسَّجْعِ ( فِي تَأْيِيدِ التَّوْحِيدِ ) أَيْ : تَأْكِيدُهُ ، وَتَقْوِيَتُهُ ، وَنُصْرَتُهُ ، وَإِعَانَتُهُ مُتَعَلِّقٌ
[ ص: 10 ] بِشَفَى ، وَمَفْعُولُهُ قَوْلُهُ : ( مَنْ كَانَ عَلَى شَفَا ) أَيْ : وَخَلَّصَ مَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي حُفْرَةِ الْجَحِيمِ ، وَالسُّقُوطِ فِي بِئْرِ الْحَمِيمِ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا ) أَيْ : طَرَفِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ) وَقِيلَ : مِنْ لِلتَّبْعِيضِ أَيْ : أَبْرَأَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعْلُولِينَ مَنْ كَانَ عَلَى إِشْرَافٍ مِنَ الْهَلَاكِ ، إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ طَبِيبُ الْعُيُوبِ ، وَحَبِيبُ الْقُلُوبِ . وَفِي الْكَلَامِ صَنْعَةُ جِنَاسٍ : وَهُوَ تَشَابُهُ الْكَلِمَتَيْنِ لَفْظًا ، وَصَنْعَةُ طِبَاقٍ : وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَأَغْرَبَ
السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ حَيْثُ قَالَ : وَالْعَلِيلُ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا ، وَجَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ، وَيَكُونُ مِنَ الْغِلِّ بِمَعْنَى الْحِقْدِ ، وَوَجْهُ غَرَابَتِهِ : إِمَّا لَفْظًا : فَلِفَوَتِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الشِّفَاءِ ، وَالْعِلَّةِ ، وَإِمَّا مَعْنًى : فَلِذَهَابِ عُمُومِ الْعِلَلِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ جِنْسِ الْعَلِيلِ وَاقْتِصَارِهِ عَلَى عِلَّةِ الْحِقْدِ فَقَطْ مَعَ عَدَمِ مُلَاءَمَتِهِ لِلْمَقَامِ ( وَأَوْضَحَ سَبِيلَ الْهِدَايَةِ ) أَيْ : بَيَّنَ ، وَعَيَّنَ طَرِيقَ الِاهْتِدَاءِ إِلَى الْمَطْلُوبِ ، وَسَبِيلَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَحْبُوبِ . ( لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْلُكَهَا ) : وَالسَّبِيلُ يُذَكَّرُ ، وَيُؤَنَّثُ أَيْ : لِمَنْ طَلَبَ ، وَشَاءَ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا ، وَإِرَادَةُ الْعَبْدِ تَابِعَةٌ لِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ( وَأَظْهَرَ كُنُوزَ السَّعَادَةِ ) أَيِ : الْمَعْنَوِيَّةَ ، وَهِيَ الْمَعَارِفُ ، وَالْعُلُومُ ، وَالْأَعْمَالُ الْعَلِيَّةُ ، وَالْأَخْلَاقُ ، وَالشَّمَائِلُ ، وَالْأَحْوَالُ الْبَهِيَّةُ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى الْكُنُوزِ الْأَبَدِيَّةِ ، وَالْخَزَائِنِ السَّرْمَدِيَّةِ . ( لِمَنْ قَصَدَ أَنْ يَمْلِكَهَا ) أَيْ : بِمَلَكَةٍ يَتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى مِلْكِهَا ، وَيَتَوَسَّلُ بِهَا إِلَى مِلْكِهَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=20وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا ) أَيْ : كَثِيرًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=20وَمُلْكًا كَبِيرًا ) وَفِي قَوْلِهِ أَرَادَ وَقَصَدَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَا بُدَّ مِنَ السَّعْيِ ، وَلَا يَحْصُلُ بِالسَّعْيِ ، وَوَجْهُ التَّخْصِيصِ أَنَّهُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِالْإِيضَاحِ ، وَالْإِظْهَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ) ثُمَّ قِيلَ : يُرَدُّ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى النُّسْخَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالصَّلَاةِ دُونَ السَّلَامِ - مَا نَقَلَهُ
النَّوَوِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ مِنْ كَرَاهَةِ إِفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ ، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ فِيمَنِ اتَّخَذَهُ عَادَةً ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِلِسَانِهِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَى كِتَابَةِ أَحَدِهِمَا ، وَهَذَا بَعِيدٌ ، أَوِ الْكَرَاهَةُ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى لِإِطْلَاقِهَا عَلَيْهِ كَثِيرًا ، وَهُوَ الْأَوْلَى .