الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
120 - وعن أبي نضرة رضي الله عنه ، أن رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له : أبو عبد الله - دخل عليه أصحابه يعودونه ، وهو يبكي ، فقالوا له : ما يبكيك ؟ ألم يقل لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( خذ من شاربك ، ثم أقره حتى تلقاني ؟ ) قال : بلى ، ولكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن الله عز وجل قبض بيمينه قبضة ، وأخرى باليد الأخرى ، وقال : هذه لهذه ، وهذه لهذه ، ولا أبالي ) ، ولا أدري في أي القبضتين أنا رواه أحمد .

التالي السابق


120 - ( وعن أبي نضرة ) : هو ابن المنذر بن مالك العبدي ، عداده في تابعي البصرة ، مات قبل الحسن بقليل ، سمع ابن عمر ، وأبا سعيد ، وابن عباس ، وروى عنه إبراهيم التيمي ، وقتادة ، وسعيد بن زيد . ( أن رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له أبو عبد الله - ) : وجهالة الصحابي لا تضر حيث كلهم عدول ( دخل عليه أصحابه ) أي : من الصحابة ، أو التابعين ، والأول أظهر لما سيأتي ( يعودونه ) : من العيادة التي هي أفضل من العبادة لفظا ومعنى ( وهو يبكي ) : الجملة حالية ( فقالوا له : ما يبكيك ؟ ) أي : أي شيء جعلك باكيا ، وما السبب ، والباعث لبكائك ( ألم يقل لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( خذ من شاربك ) أي : بعضه يعني قصه ، وهو مقدار ما يساوي الشفة ( ثم أقره ) : بفتح الهمزة ، وكسر القاف ، وتشديد الراء أي : دم عليه ( حتى تلقاني ؟ ) ، أي : في الحوض ، أو غيره ، وحتى تحتمل الغاية والعلة . قال الطيبي : الهمزة للإنكار دخلت على النفي فأفادت التقرير ، والتعجب أي : كيف تبكي ، وقد تقرر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعد بأنك تلقاه لا محالة ، ومن لقيه راضيا عنه مثلك لا خوف عليه ( قال : بلى ) أي : أخبرني بذلك ( ولكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الله عز وجل قبض ) أي : بعض الذرية بيمينه قبضة ؟ ) أي : واحدة ( وأخرى ) أي : وقبض قبضة أخرى لبعض الذرية الأخرى ( باليد الأخرى ) : لم يقل بيساره أدبا ، ولذا ورد في حديث آخر : ( وكلتا يديه يمين ) . وفي هذا تصوير لجلال الله ، وعظمته لتعاليه عن الجسم ، ولوازمه ( وقال : هذه ) أي : القبضة التي قبضها باليمين يعني من فيها ، أو هذه المقبوضة ( لهذه ) أي : للجنة ( وهذه ) أي : القبضة التي قبضها بالأخرى ( لهذه ) أي : للنار ( ولا أبالي ) أي : في الحالتين ( ولا أدري ) أي : ولا أعلم ( في ) : وفي نسخة : من ( أي القبضتين أنا ) ، وحاصل الجواب أني أخاف من عدم الاحتفال والاكتراث في قوله : ولا أبالي . كذا قاله الطيبي يعني غلب علي الخوف بالنظر إلى عظمته وجلاله بحيث منعني عن التأمل في رحمته وجماله ، فإنه تعالى لذاته وعدم مبالاته له أن يفعل ما يريد ، ولا يجب عليه شيء للعبيد ، وأيضا لغلبة الخوف قد ينسى البشارة والرجاء بها مع أن البشارة مقيدة بالثبات والدوام والإقامة على طريق السنة والاستقامة ، وهو أمر دقيق ، وبالخوف حقيق ، والله أعلم . قال الطيبي : وفي الحديث إشارة إلى أن قص الشارب من السنن المتأكدة ، والمداومة عليه موصلة إلى قرب دار النعيم في جوار سيد المرسلين ، فيعلم أن من ترك سنة أي سنة فقد حرم خيرا كثيرا ، فكيف المواظبة على ترك سائرها فإن ذلك قد يؤدي إلى الزندقة . ( رواه أحمد ) .

[ ص: 196 ]



الخدمات العلمية