الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1329 - وروى الترمذي عن أبي رافع نحوه .

التالي السابق


1329 - ( وروى الترمذي ، عن أبي رافع نحوه ) : وقال الترمذي : حديث غريب ، وقال : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة التسبيح غير حديث ، ولا يصح منه كثير شيء ، قال : وفي الباب عن ابن عباس وعبد الله بن عمر ، والفضل بن عباس ، وروى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح ، وذكروا الفضل فيها ، نقله ميرك ، وقال ابن حجر : وممن رواه أيضا الطبراني في معجمه ، والخطيب ، والآجري ، وأبو سعيد السمعاني ، وأبو موسى المديني ، اختلف المتقدمون والمتأخرون في تصحيح هذا الحديث ، وصححه ابن خزيمة ، والحاكم وحسنه جماعة اهـ .

وقال العسقلاني : هذا حديث " حسن " ، وقد أساء ابن الجزري بذكره في الموضوعات ، وقال الدارقطني : أصح شيء ورد في فضائل السور فضل ( قل هو الله أحد ) وأصح شيء ورد في فضائل الصلوات فضل صلاة التسبيح ، وقال عبد الله بن المبارك : صلاة التسبيح مرغب فيها يستحب أن يعتادها في كل حين ، ولا يتغافل عنها قال : ويبدأ في الركوع بسبحان ربي العظيم ثلاثا ، وفي السجود سبحان ربي الأعلى ثلاثا ، ثم يسبح التسبيحات المذكورة ، وقيل له : إن سها في هذه الصلاة هل يسبح في سجدتي السهو عشرا عشرا ؟ قال : لا إنما هي ثلاثمائة تسبيحة .

[ ص: 996 ] قلت : ومفهومه أنه إن سها ونقص عددا من محل معين يأتي به في محل آخر تكملة للعدد المطلوب .

وذكر الترمذي عن ابن المبارك أنه قال : إن صلاها ليلا فأحب إلي أن يسلم من كل ركعتين ، وإن صلاها نهارا فإن شاء سلم ، وإن شاء لم يسلم ، غير أن التسبيح الذي يقوله بعد الفراغ من السجدة الثانية يؤدي إلى جلسة الاستراحة . وكان عبد الله بن المبارك يسبح قبل القراءة خمس عشرة مرة ، ثم بعد القراءة عشرا ، والباقي كما في الحديث ، ولا يسبح بعد الرفع من السجدتين ، قاله الترمذي ، قال السبكي : وجلالة ابن المبارك تمنع من مخالفته ، وإنما أحب العمل بما تضمنه حديث ابن عباس ، ولا يمنعني من التسبيح بعد السجدتين الفصل بين الرفع والقيام ، فإن جلسة الاستراحة حينئذ مشروعة في هذا المحل ، وينبغي للمتعبد أن يعمل بحديث ابن عباس تارة ، ويعمل بحديث ابن المبارك أخرى ، وأن يفعلها بعد الزوال قبل صلاة الظهر ، وأن يقرأ فيها تارة بالزلزلة ، والعاديات ، والفتح ، والإخلاص ، وتارة ب ( ألهاكم ، والعصر ، والكافرون ، والإخلاص ) وأن يكون دعاؤه بعد التشهد قبل السلام ، ثم يسلم ويدعو لحاجته ، ففي كل شيء ذكرته وردت سنة ، أما كونها بعد الزوال فقد أخرج أبو داود ، عن أبي الجوزاء عن رجل له صحبة يروي أن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ائتني غدا أحبوك وأثيبك وأعطيك " حتى ظننت أنه يعطيني عطية ، أي حسية ، والحال أنها معنوية ، قال : " إذا زالت الشمس فقم فصل أربع ركعات " فذكر نحوه ، وقال : " ثم ترفع رأسك فاستو جالسا ولا تقم حتى تسبح عشرا ، وتكبر عشرا ، وتهلل عشرا ، ثم تصنع ذلك في الأربع الركعات فإنك لو كنت أعظم أهل الأرض ذنبا غفر لك " .

قلت : فإن لم أستطع أن أصليها في تلك الساعة ؟ قال : صلها من الليل والنهار ، وقال في الإحياء : إنه يقول في أول الصلاة : بسبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ، ثم يسبح خمس عشرة قبل القراءة ، وعشرا بعدها ، والباقي عشرا عشرا كما في الحديث ، ولا يسبح بعد السجدة الأخيرة قاعدا ، وهذا هو الأحسن وهو اختيار عبد الله بن المبارك ، ثم قال : وإن زاد بعد التسبيح : ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فحسن ، وقد ورد ذلك في بعض الروايات .

وأما الدعاء فقال الترمذي في كتاب اللمعة في رغائب يوم الجمعة لابن أبي الصيف اليمني ، نزيل مكة المشرفة : يستحب صلاة التسبيح عند الزوال يوم الجمعة ، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة التكاثر ، وفي الثانية والعصر ، وفي الثالثة الكافرون ، وفي الرابعة الإخلاص ، فإذا كملت الثلاثمائة تسبيحة قال بعد فراغه من التشهد قبل أن يسلم : اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى ، وأعمال أهل اليقين ، ومناصحة أهل التوبة ، وعزم أهل الصبر ، وحذر أهل الخشية ، وتعبد أهل الورع ، وعرفان أهل العلم ، حتى أخافك . اللهم إني أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك ، وحتى أعمل بطاعتك عملا أستحق به الرضا ، وحتى أناصحك في التوبة خوفا منك ، وحتى أخلص لك النصيحة حبا لك ، وحتى أتوكل عليك في الأمور كلها حسن ظن بك ، سبحان خالق النور ، ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، ثم يسلم ، والأقرب من الاعتدال للمؤمن أن يصليها من الجمعة إلى الجمعة ، وهذا الذي كان عليه حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، فإنه كان يصليها عند الزوال يوم الجمعة ، ويقرأ فيها ما تقدم اهـ . كذا ذكره شيخنا المرحوم قطب الدين المفتي بالحرم الأمين في رسالته أدعية الحج نفعنا الله به . وقد ذكر شيخ مشايخنا جلال الدين السيوطي في الكلم الطيب ، عن الإمام أحمد ، أنه يقول بعد صلاة التسبيح قبل السلام ولفظه : اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى ، وأعمال أهل اليقين ، ومناصحة أهل التوبة ، وعزم أهل الصبر ، وجد أهل الخشية ، وطلب أهل الرغبة ، وتعبد أهل الورع ، وعرفان أهل العلم ، حتى أخافك . اللهم إني أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك ، وحتى أعمل بطاعتك عملا أستحق به رضاك ، وحتى أناصحك بالتوبة خوفا منك ، وحتى أخلص لك النصيحة حياء منك ، وحتى أتوكل عليك في الأمور كلها حسن ظن بك سبحان خالق النار اهـ . وهو أولى مما قبله باعتبار حسن سنده كما لا يخفى .




الخدمات العلمية