الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 76 ] 9 - وعن العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ) رواه مسلم .

التالي السابق


9 - ( وعن العباس بن عبد المطلب ) أي عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان أسن من النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين ، ومن لطافة فهمه ومتانة علمه أنه لما سئل : أنت أكبر أم النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : هو أكبر ، وأنا أسن . وأمه أول امرأة كست الكعبة الحرير والديباج وأصناف الكسوة ، وذلك أن العباس ضل وهو صبي فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت الحرام ، فوجدته ففعلت ذلك ، وكان العباس رئيسا في الجاهلية ، وإليه كانت عمارة المسجد الحرام والسقاية . أما السقاية فهي معروفة بسقاية الحاج ، وأما العمارة فإنه كان يحمل قريشا على عمارته وبالخير وترك السباب فيه وقول الهجر . قال مجاهد : عتق العباس عند موته سبعين مملوكا ، ولد قبل سنة الفيل ، ومات يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من رجب سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين ، ودفن بالبقيع ، وكان أسلم قديما وكتم إسلامه ، وخرج مع المشركين يوم بدر مكرها ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ ( من لقي العباس فلا يقتله فإنه خرج مكرها ) ] فأسره أبو اليسير كعب بن عمر ، ففادى نفسه ، ورجع إلى مكة ، ثم أقبل إلى المدينة مهاجرا ، وروى عنه جماعة . [ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ذاق طعم الإيمان ) ] أي : نال وأدرك وأصاب ووجد حلاوته ولذته ، وأصل الذوق وجود أدق طعم في الفم ، والمراد به الذوق المعنوي ، وأغرب ابن حجر حيث قال : ذوقا حسيا أو معنويا . [ ( من رضي ) ] أي : قنع نفسه ، وطاب قلبه ، وانشرح صدره ، واكتفى [ ( بالله ربا ) ] أي : مالكا وسيدا ومتصرفا ، ونصبه على التمييز ، وكذا أخواته ، [ ( وبالإسلام ) ] أي الشامل للإيمان [ ( دينا ) ] : عطف عام على خاص [ ( وبمحمد ) ] - صلى الله عليه وسلم - : والظاهر أنه ملحق ، وليس لفظ النبوة [ ( رسولا ) ] عطف خاص على عام ، والمقصود من الرضا الانقياد الباطن والظاهر ، والكمال أن يكون صابرا على بلائه ، وشاكرا على نعمائه ، وراضيا بقدره وقضائه ، ومنعه وإعطائه ، وأن يعمل بجميع شرائع الإسلام بامتثال الأوامر ، واجتناب الزواجر ، وأن يتبع الحبيب حق متابعته في سنته ، وآدابه ، وأخلاقه ، ومعاشرته ، والزهد في الدنيا ، والتوجه الكلي إلى العقبى . ( رواه مسلم ) وكذا أحمد والترمذي ، وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عمر مرفوعا : ( ألظوا ألسنتكم قول لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وأن الله ربنا ، والإسلام ديننا ، ومحمد نبينا فإنكم تسألون عنها في قبوركم ) . قال السيوطي : في سنده عثمان بن مطر .




الخدمات العلمية