الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2439 - وعن ابن عمر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر فأقبل الليل قال : ( يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك وشر ما يدب عليك ، وأعوذ بالله من أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن شر ساكن البلد ومن والد وما ولد ) . رواه أبو داود .

التالي السابق


2439 - ( وعن ابن عمر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر فأقبل الليل ) أي : أمسى ( قال : يا أرض ) خاطب الأرض وناداها على الاتساع وإرادة الاختصاص ذكره الطيبي ، وتعقبه ابن حجر بأن هذا في حق غيره - صلى الله عليه وسلم - لا في حقه لأن الجمادات تكلمه وتخاطبه فهي صالحة لخطابه اهـ . وفيه أنه لا منافاة له بالاتساع فإن وضع النداء حقيقة لأولي العلم فإذا استعمل في غيره يكون مجازا واتساعا أما ترى في قوله تعالى : يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي قالوا : نوديا بما ينادى به أولو العلم تمثيلا لكمال قدرته ، مع أن المخاطبة المذكورة ليس إلا وقت خرق العادة وهو غير ظاهر في المقام ( ربي وربك الله ) يعني : إذا كان خالقي وخالقك هو الله فهو المستحق أن تلجأ إليه ويتعوذ به ( أعوذ بالله من شرك ) أي : من شر ما حصل من ذلك من الخسف والزلزلة والسقوط عن الطريق والتحير في الفيافي ذكره الطيبي ، وأما قول ابن حجر : فلا أعثر بك أنا ولا دابتي ، فبعيد أنه من شر ما حصل من ذاتها بل يحصل عن غفلة منه أو من دابته ، وعلى ظني الفرض والتقدير فهو لا ينافي ما ذكره الطيبي حتى عبر عنه بقيل ، بل في الحقيقة نسبة الشر إلى ذات الأرض مجازية وإلا فالخسف ونحوه كله من عند الله ( وشر ما فيك ) أي : من الضرر بأن يخرج منك ما يهلك أحدا من ماء أو نبات ، ولعل هذا معنى قول الطيبي أي : ما استقر فيك من الصفات والأحوال الخاصة بطبائعك أي : العادية كالحرارة والبرودة على ما ذكره ابن حجر وأغرب فقال : وضدهما والصواب وغيرهما وإلا فمذهب الطبيعيين باطل بإجماع المسلمين ( وشر ما خلق فيك ) أي : من الهوام وغيرها من الفلذات ، قال الطيبي : أي من أجناس الأرض وحشراتها وما يعيش من الثقب وأجوافها ( وشر ما يدب ) بكسر الدال أي : يمشي ويتحرك ( عليك ) أي من الحيوانات والحشرات مما فيه ضرر ( وأعوذ بالله ) وفي المصابيح وأعوذ بك ، قال شارح له : الخطاب مع الله تعالى ، وفيه انتقال من الغيبة إلى الحضور للمبالغة ومزيد الاعتناء وفرط الحاجة إلى العوذ مما يعده بعد ولذلك خصها بالذكر ، وهي مندرجة فيما خلق في الأرض ( من أسد وأسود ) بلا انصراف قيل : هو الصواب ، وقال الطيبي : حكي في أسود هنا وجهان الصرف وعدمه وقال التوربشتي أسود هنا منصرف لأنه اسم جنس وليس فيه شيء من الوصفية كما هو معتبر في الصفات الغالبة عليها الاسمية في منع الصرف ولذا يجمع على أساود ، والمسموع من أفواه المشايخ والمضبوط في أكثر النسخ بالفتح غير منصرف ، وعن بعضهم الوجه أن لا ينصرف لأن وصفيته أصلية وإن غلب عليه الاسمية ، وأغرب ابن حجر حيث قال : والقياس جواز كل منهما نظير ما قالوه في الرحمن لتعارض الأصل وهو الصرف والغالب وهو عدمه ، ووجه غرابته أن الرحمن باق على وصفيته عند الكل ، والقول بعلميته ضعيف جدا ، مع أن الخلاف فيه متفرع على اشتراط وجود فعلي ، أو انتفاء فعلانة في وصف زيد فيه الألف والنون ، وعلى القول بالعلمية لا شك أنه غير منصرف كسلمان وعثمان ، وهو الحية الكبيرة التي فيها سواد خصها بالذكر وجعلها جنسا آخر برأسها ثم عطف عليها الحية لأنها أخبث الحيات ، وذكر أنها تعارض الركب وتتبع الصوت إلى أن تظفر بصاحبه ، وقيل المراد به اللص لملابسته الليل ، أو لملابسته السواد من اللباس ، أو لأن غالب قطاع الطريق في بلاد الغرب هم السودان ( ومن الحية ) تعميم بعد تخصيص ، وقول الطيبي : من في قوله من الحية بيانية إنما يستقيم لو لم تكن الواو العاطفة داخلة عليها ولكنها موجودة في النسخ المصححة والأصول المعتدة ( والعقرب ) وفي معناها سائر الهوام السميات ( ومن شر ساكن البلد ) قيل : الساكن هو الإنس سماهم بذلك لأنهم يسكنون البلاد غالبا ، أو لأنهم بنوا البلدان واستوطنوها ، وقيل : الجن ، والمراد بالبلد الأرض قال تعالى : والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه وفي نسخة ساكني البلد بصيغة الجمع مضافا ( ومن والد ) أي : آدم أو إبليس ( وما ولد ) أي : ذريتهما ، وقيل : هما عامان لجميع ما يوجد في التوالد من الحيوانات ، وفيه تنبيه على أن العياذ إنما يفيد ويحسن إذا كان بمن لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ( رواه أبو داود ) وكذا النسائي والحاكم .

[ ص: 1693 ]



الخدمات العلمية