الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2463 - ( وعن ابن عباس ، - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : ( اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون ) . متفق عليه .

التالي السابق


2463 - ( وعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول اللهم لك ) أي : لا لغيرك ( أسلمت ) أي : انقيادا ظاهرا ( وبك آمنت ) أي : تصديقا باطنا ( وعليك توكلت ) أي : اعتمدت في أموري أولا وآخرا ، أو معناه أسلمت جميع أموري لتدبرها فإني لا أملك نفعها ولا ضرها ( وبك آمنت ) أي : بتوفيقك آمنت بجميع ما يجب الإيمان به وعليك توكلت في سائر أموري ، وأغرب ابن حجر بقوله في عليك تجوز وإن ضمن توكلت باعتمدت لتعذر تعديه بعلى بدون التضمين ، وقد تقدم بعض الكلام عليه مما يرجع الفطن إليه ومجمله : أن التوكل لا يتعدى إلا بعلى على ما يشهد عليه الكتاب والسنة ودفاتر اللغة ولا فرق بينه وبين الاعتماد في التعدية والاستناد ، فلا وجه لتضمينه . فإنه بعينه يفيد الاستعلاء على زعمه وإنما كان يصح التضمين لو كان الغالب استعماله بغير على ثم استعمل بعلى فيحتاج إلى تضمين فعل لا يستعمل إلا بعلى كما لا يخفى على أرباب النهى وأصحاب العلا ( وإليك أنبت ) أي : رجعت من المعصية إلى الطاعة أو من الغفلة إلى الذكر أو من الغيبة إلى الحضور ( وبك ) بإعانتك ( خاصمت ) أي : [ ص: 1708 ] حاربت أعداءك ( اللهم إني أعوذ بعزتك ) أي : بغلبتك فإن العزة لله جميعا ( لا إله إلا أنت ) فلا موجود ولا معبود ولا مقصود إلا أنت ولا سؤال إلا منك ولا استعاذة إلا بك ( أن تضلني ) متعلق بأعوذ ، وكلمة التوحيد معترضة لتأكيد العزة أي : أعوذ من أن تضلني بعد إذ هديتني ووفقتني للانقياد الظاهر والباطن في حكمك وقضائك وللإنابة إلى جنابك والمخاصمة مع أعدائك والالتجاء في كل حال إلى عزتك ونصرتك ، وفيه إيماء إلى قوله تعالى : ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ( أنت الحي الذي لا يموت ) بالغيبة ، وفي الحصن أنت الحي لا تموت بالخطاب وبدون الموصول وفيه تأكيد العزة أيضا ، وأبعد ابن حجر حيث قال : قوله أن تضلني أي : تغيبني عن حضرتك طرفة عين بل اجعلني دائم الشهود لك ، أو عن القيام بأوامرك ونواهيك بل اجعلني دائم التعبد لك ، أو عن الإيمان بك بل اجعلني دائم التصديق بما جاء من عندك اهـ . ولا يخفى أن معنى كلامه أن تضلني ليس من مادة الإضلال الذي هو ضد الهداية بل متعدي ضل بمعنى غاب كما توهم فيما سبق ، ثم أخطأ في الترتيب بين فقرات كلامه إذ يجب تقدم الإيمان عن الإسلام والإحسان على ما عرفه أهل العرفان ، ثم قال ولما كان في الإضلال بكل هذه المعاني الثلاثة نوع من الأمانة المعنوية عقب بما يوجب ضده من الحياة الأبدية فقال : أنت الحي إلخ . وفيه مع قطع النظر عن تكلفه وتعففه أن الأمانة المعنوية ضدها الحياة الحقيقة وضد الحياة الفانية الحياة الأبدية وإنما تبين الأشياء بأضدادها ( والجن والإنس يموتون ) خصا بالذكر لأنهما المكلفان المقصودان بالتبليغ فكأنهما الأصل ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية