الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
290 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء . فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ) متفق عليه .

التالي السابق


290 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أمتي ) : يعني أمة الإجابة بل الخواص منهم وهم أهل العبادة ( يدعون يوم القيامة ) أي : يسمون ( غرا محجلين ) وقيل ينادون : أيها الغر المحجلون هلموا إلى الجنة ، وقيل يدعون على رءوس الأشهاد ، أو يطلبون إلى الموقف أو إلى الجنة حال كونهم غرا محجلين . قال الأشرف : الغر جمع الأغر وهو الأبيض الوجه ، والمحجل من الدواب التي قوائمها بيض مأخوذ من الحجل ، وهو القيد كأنها مقيدة بالبياض ، وأصل هذا في الخيل ، ومعناه أنهم إذا دعوا على رءوس الأشهاد أو إلى الجنة كانوا على هذه الصفة ، وانتصابهما على الحال إذا كان يدعون بمعنى ينادون أو يطلبون ويحتمل أن يكون غرا مفعولا ثانيا ليدعون بمعنى يسمون كما يقال : فلان يدعى ليثا ، والمعنى أنهم يسمون بهذا الاسم لما يرى عليهم من آثار الوضوء والمعنى هو الأول ، ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام : ( يأتون يوم القيامة غرا محجلين ) لأنها العلامة الفارقة بين هذه الأمة وسائر الأمم وقيل : لا يبعد التسمية باعتبار الوصف الظاهر كما يسمى رجل به حمرة أحمر للمناسبة وهو أظهر لأن القصد هو الشهرة والتمييز ( من آثار الوضوء ) : بفتح الواو ، وهو الماء الذي وصل إلى أعضاء المتوضئ ، وقيل بالضم قال في الأزهار : ويجوز فتحها ، ولكن الفتح هو أصل السيد وهو أظهر معنى ( فمن استطاع منكم أن يطيل غرته ) : أي : وتحجيله بإيصال الماء إلى أكثر من محل الفرض وحذف اكتفاء ( فليفعل ) قال المنذري : قوله : فمن استطاع إلخ مدرج من كلام أبي هريرة موقوف عليه ، ذكره غير واحد من الحفاظ اهـ .

وقال العسقلاني ، قال أبو نعيم : لا أدري قوله : من استطاع إلخ . من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من قول أبي هريرة ، ولم أر هذه الجملة من رواية أحمد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية أبي نعيم هذه وقول ابن حجر : ودعوى أن : فمن . . إلخ ، من كلام أبي هريرة فلا يسن غرة ولا تحجيل ، يردها أنه لم يصح ما يدل على الإدراج والأصل عدمه إذ لو كان ثمة إدراج لبينه أبو هريرة في طريق من الطرق [ ص: 351 ] واحتماله لا يجدي بل لا بد من تحققه كلام من ليس عنده تحقق من اصطلاح المحققين من المحدثين والأصوليين المستدلين ، أما أولا فلأن كون قوله : فمن استطاع . . إلخ . من كلام أبي هريرة لا يلزم منه أن لا يسن غرة ولا تحجيل فإن استحبابه علم من قوله عليه الصلاة والسلام ( يدعون غرا محجلين ) ويعلم إطالته من الحديث الآتي . وأما ثانيا فلأن حفاظ الحديث إذا قالوا في كلام أنه مدرج أو موقوف وجب على الفقهاء متابعتهم ، بل إذا ترددوا أنه موقوف أو مرفوع فلا يصح جعله مرفوعا مجزوما به مرتبا عليه المسألة الفقهية ، وأما ثالثا فلأن قوله : لبينه أبو هريرة ، غير متجه إذ الكلام أنه من قوله ، فكيف يبين أنه قوله أو قول غيره ، وإنما بينه من بعده ، ويكفي تردد من رواه عنه بغير واسطة وهو نعيم أنه من قوله موقوفا أو مرفوعا ، مع ما يدل عليه من شذوذه وانفراده عمن روى عن أبي هريرة ، وعن سائر الطرق الواصلة إلى حد العشرة الكاملة . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية