الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
308 - وعن بريدة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ، ومسح على خفيه ، فقال له عمر : لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه ! فقال : ( عمدا صنعته يا عمر ) رواه مسلم .

التالي السابق


308 - ( وعن بريدة ) : أي ابن أبي الحصيب بضم الحاء المهملة آخر من مات من الصحابة بخراسان كذا في التهذيب وقال المؤلف : هو أسلمي أسلم قبل بدر ولم يشهدها وبايع بيعة الرضوان ، وكان من ساكني المدينة ثم تحول إلى البصرة ، ثم خرج منها إلى خراسان غازيا فمات بمرو زمن يزيد بن معاوية سنة اثنتين وستين ، وروى عنه جماعة ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصلوات ) : أي الخمس المعهودة ( يوم الفتح ) : أي : يوم فتح مكة ( بوضوء واحد ومسح ) : حال بتقدير قد ( على خفيه ) : فيه دليل على أن الوضوء لكل صلاة ليس من خصوصياته خلافا لمن قال به مستدلا بما رواه البخاري عن عمرو بن عامر عن أنس كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة . قلت : كيف كنتم تصنعون ؟ قال : يجزئ أحدنا ما لم يحدث . ( فقال له عمر لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه ؟ فقال : ( عمدا صنعته يا عمر ) : الضمير راجع إلى المذكور ، وهو الصلوات الخمس بوضوء واحد والمسح على الخفين وعمدا تمييز [ ص: 362 ] أو حال من الفاعل فقدم اهتماما لشرعية المسألتين في الدين أو اختصاصا ردا لزعم من لا يرى جواز المسح على الخفين ، وفيه دليل على أن من قدر أن يصلي صلوات كثيرة بوضوء واحد لا تكره صلاته إلا أن يغلب عليه الأخبثان ، كذا ذكره الشراح ، لكن رجع الضمير إلى مجموع الجمع المذكور والمسح على الخفين يوهم أنه لم يكن يمسح على الخفين قبل الفتح ، والحال إنه ليس كذلك ، فالوجه أن يكون الضمير إلى الجمع فقط تجريدا عن الحال فإنه بيان للقضية الواقعة في نفس الأمر ، وغايته أنه يفيد استمرار حكم المسح إلى آخر الإسلام فينتفي توهم نسخه ، والله أعلم ( رواه مسلم ) .

ولعل المناسبة بين هذا الحديث والباب أنه يدل على أن كل ما أريد القيام إلى الصلاة لا يجب الوضوء على ما يتوهم من ظاهر الآية ، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - : ( عمدا صنعته يا عمر ) وقال العلماء : تقدير الآية إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فاغسلوا إلخ . وأما ما ذهب إليه ابن حجر من أن وجوب الوضوء كان لكل فرض وإن لم يحدث ، ثم نسخ بهذا الحديث فبعيد من السياق واللحاق ، مع إنه لم يقل به أحد ، ويرده أيضا حديث البخاري عن أنس على ما قدمناه .




الخدمات العلمية