الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3713 - وعن أبي ذر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ستة أيام اعقل يا أبا ذر ما يقال لك بعد فلما كان اليوم السابع قال أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته وإذا أسأت فأحسن ولا تسألن أحدا شيئا وإن سقط سوطك ولا تقبض أمانة ولا تقض بين اثنين .

التالي السابق


3713 - ( وعن أبي ذر قال : قال لي ) ; أي خصوصا ، أو خطابا ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة أيام ) ظرف القول ، والمقول قوله : ( اعقل يا أبا ذر ما يقال لك ) ; أي تفكر وتأمل واحفظ واعمل بمقتضى ما أقول لك ; ( بعد ) ; أي بعد هذا اليوم ، ومنه قوله تعالى : وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون وقيل : ( ستة أيام ) ظرف ( اعقل ) ; وقوله : ما يقال جواب لقوله أي شيء أعقل بستة أيام ، والأول هو الظاهر ، ( فلما كان اليوم السابع قال : أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته ) قال الطيبي - رحمه الله - : وإنما فعل ذلك ; لينبه أن ما يقوله بعد معنى يجب تلقيه بالقبول ، والقيام بحقه ، ولعمري إن الكلمة الأولى لو أدى حقها لكفى بها كلمة جامعة ، قلت : ولهذا قال الله تعالى : ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وعنه عليه الصلاة والسلام : ( إني أعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب الآية فما زال يقرأها ويعيدها ) وجاء في حديث ( أوصيك بتقوى الله فإنه رأس كل شيء ) وفي رواية ( فإنه رأس الأمر كله ) قال الطيبي : ومنه قوله تعالى : اتقوا الله حق تقاته ; أي تنزه عما يشغل سرك عن الحق وتوجه بسرائرك إليه تبتيلا ، وهذه هي التقوى الحقيقية التي لا نهاية لها ، وقوله : ( وإذا أسأت فأحسن ) إشارة إلى أن الإنسان مجبول على الشهوات ، ومقتضى البهيمية ، والسبعية ، والملكية ، فإذا ثارت من تلك الرذائل رذيلة يطفئها بمقتضى الملكية ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) وهو يحتمل معنيين ; أحدهما : أنه إذا فعل معصية يحدثها توبة ، أو طاعة ، وإذا أساء إلى شخص أحسن إليه ، ومنه قوله تعالى : ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن الآية ( ولا تسألن أحدا ) ; أي من المخلوقين ( شيئا ) فيه انتهاء درجة التوكل عليه ، وتفويض الأمور إليه ، وقوله : ( وإن سقط سوطك ) تتميم له ، ووجهه أن هذا السؤال ذل ، ولا يجوز إلا للعزيز الكريم ، وقيل : إنه حرام لغير ضرورة ، لاشتماله على الشكاية من الرب الرحيم ، ولذا كان يقول الإمام أحمد في دعائه : اللهم كما صنت وجهي عن سجود غيرك فصن وجهي عن مسألة غيرك . وفي حديث : إن كنت لا بد سائلا فسل الصالحين . رواه أبو داود والنسائي عن الفراسي ( ولا تقبض أمانة ) ; أي من الناس بلا ضرورة مخافة الخيانة ولكونها [ ص: 2417 ] مظنة التهمة ففيه دلالة على ثقل محملها ، وصعوبة أدائها ، ولذلك مثل الله تعالى ما له من التكليفات على المخلوقات بقوله : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ( ولا تقض بين اثنين ) ; أي لا تحكم بين شخصين ، فضلا عن أن يكون زائدا ، وفيه إشارة إلى معنى قوله عليه الصلاة والسلام : ( من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين ) وسيأتي ، ويمكن أنه صلى الله تعالى عليه وسلم إنما نهى أبا ذر عن قبض الأمانة ، والحكم في الخصومة ; لضعفه عن القيام بها كما سبق في الفصل الأول ، أنه لما طلب الإمارة ; قال له صلى الله تعالى عليه وسلم : " يا أبا ذر إني أراك ضعيفا لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم " .




الخدمات العلمية