الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
433 - وعن أم سلمة رضي الله عنها ، قالت : قالت أم سليم : يا رسول الله ، إن الله لا يستحيي من الحق ، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ قال : " نعم ، إذا رأت الماء " فغطت أم سلمة وجهها ، وقالت : يا رسول الله ! أوتحتلم المرأة ؟ قال : ( " نعم تربت يمينك ، فبم يشبهها ولدها ؟ " . متفق عليه .

التالي السابق


433 - ( وعن أم سلمة قالت : قالت أم سليم ) : هي أم أنس بن مالك بنت ملحان ، بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة ، وفي اسمها خلاف ، تزوجها مالك بن النضر أبو أنس بن مالك ، فولدت له أنسا ، ثم قتل عنها مشركا فأسلمت ، فخطبها أبو طلحة وهو مشرك ، فأبت ، ودعته إلى الإسلام فأسلم ، وقالت : إني أتزوجك ولا آخذ منك صداقا لإسلامك . فتزوجها أبو طلحة ، روى عنها خلق كثير . ( يا رسول الله ، إن الله لا يستحيي ) : بياءين على الأصل بعد سكون الحاء ، ولا يجوز تفسير الحديث إذا ثبت روايته ، وإن جاء في لغة أخرى : لا يستحي بكسر الحاء بعدها ياء واحدة بنقل حركة الياء الأولى إلى ما قبلها ، ثم حذفها لالتقاء الساكنين ، قال ابن حجر : ويجوز حذف الأولى التي هي عين الفعل تخفيفا . ثم قوله : ويجوز في اسم الفاعل مستحي بوزن مستفل ومستحي بوزن مستفع ، ومستح بوزن مستف غير مستقيم ; لأنه لا يجوز النطق بالأول كما لا يقال : قاضي بالتنوين على الياء . نعم أصل مستحي بوزن مستفع مستحيي بوزن مستفعل لا أنه لغات ثلاث ، هذا وليس لذكره ضرورة في المقام إلا تطويل الكلام ، والله أعلم بالمرام .

هذا والحياء تغير لخوف ما يعاب وهو مستحيل في حقه تعالى ، فالمراد لازمه أي : لا يمتنع ( من الحق ) : أي : بيانه ولا يتركه ترك الحيي منا . قالته اعتذارا عن التصريح مما ذكرته في حضرة الرسالة ، كما لا تسمح جبلتهن بذكره عند غيره لإشعاره بنزول منيها الدال على شدة شهوتها للرجال أي : أن الله تعالى بين لنا أن الحق لا يستحيا منه ، وسؤالها من ذلك الحق الذي ألجأت إليه الضرورة . قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : نعم النساء نساء الأنصار ؛ لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين . رواه أبو داود ، تعني أنا أيضا لا أستحيي من سؤال هو حق ( فهل على المرأة من غسل ) : بزيادة من للتأكيد أي : نوع من الغسل ، وفي نسخة : غسل ( إذا احتلمت ؟ ) أي : إذا رأت في الحلم بالضم المجامعة قال : ( " نعم " ) : عليها الغسل ( " إذا رأت الماء " ) : أي : المني في بدنها أو ثوبها بعد اليقظة ، وفي معناه المذي عندنا ( فغطت ) أي : سترت ( أم سلمة وجهها ) : من استحياء ما سألت أم سليم . قال الأزهري : قوله : فغطت قيل من كلام زينب الراوية عن أم سلمة ، فالحديث ملفق ، وقيل : من أم سلمة على سبيل الالتفات ، كأنها جردت من نفسها أخرى وأسندت إليها التغطية . ( وقالت : يا رسول الله ، أوتحتلم ) : بالواو . وقال الطيبي : في نسخ المصابيح بالهمزة وفي الصحيحين وكتاب الحميدي وجامع الأصول بغير الهمزة ( المرأة ؟ ) : أي : ويكون لها مني ويخرج منها كالرجل ، وأغرب ابن حجر واعتمد على نسخة غير صحيحة عنده من نسخ المشكاة بالهمزة فقال : أي : أتقول ذلك وتحتلم المرأة ؟ ثم اعترض على المصنف بقوله ، وتبع المصنف في ذكر الهمزة المصابيح ، والذي في الصحيحين وغيرهما بحذفها اهـ .

[ ص: 424 ] وهذا إنما نشأ من عدم الأصل المعتمد إما بسماعه من حافظ أو تصحيحه من نسخة قرئت على بعض المحدثين ( قال : " نعم تربت يمينك " أي : ما أصبت ، وهو في الأصل كناية عن شدة الفقر ، أو إخبار أو دعاء . قال الطيبي : ترب الشيء بالكسر أصابه التراب ، لم يرد به الدعاء عليها ، وإنما خرجت مخرج التعجب من سلامة صدرها ( " فبم يشبهها ولدها ؟ ! " ) : أي : في بعض الأحيان ، وهو استدلال على أن لها منيا كما للرجل ، والولد مخلوق منهما ، إذ لو لم يكن لها ماء وخلق من مائه فقط لم يشبهها قاله الطيبي . وقال بعضهم : أي إن لم يكن لها مني فبأي سبب يشبهها ؟ إذ الشبه بسبب ما بينهما من الشركة في المزاج الأصلي المعد لقبول التشكلات من خالقه تبارك وتعالى . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية