الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
479 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " . رواه مالك ، والترمذي ، والنسائي وابن ماجه والدارمي .

التالي السابق


479 - ( وعن أبي هريرة قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنا نركب البحر ) أي : مراكبه من السفن ( ونحمل معنا القليل من الماء ) : أي : ماء الحلو ( فإن توضأنا به عطشنا ) : بكسر الطاء ( أفنتوضأ بماء البحر ؟ ) وهو ضد البر ، يعني : أو نتيمم ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو " ) أي : البحر ( " الطهور " ) : أي : المطهر ( " ماؤه " ) : لأنهم سألوه عن تطهير مائه لا عن طهارته ، والحصر فيه قلت : للمبالغة ، وهذا يدل على أن التوضؤ بماء البحر جائز مع تغير طعمه ولونه ، كذا قاله ابن الملك ، وفيه أن طعمه ولونه جبليان لا أنهما متغيران على ما هو الظاهر ، مع أن التغير باللبث لا يضر . قال الطيبي نقلا عن الزجاج : إن الطهور هو الماء الذي يتطهر به ، ولا يجوز إلا أن يكون طاهرا في نفسه مطهرا لغيره ; لأن عدولهم عن صيغة الفاعل إلى فعول أو فعيل لزيادة معنى ; لأن اختلاف المباني لاختلاف المعاني كما في : شاكر وشكور ، لكن زيادة الطهارة ليست بالنسبة إلى طاهر آخر هو أطهر منه ، بل بالقياس إلى ما يتطهر به ، ففيه معنى الطهارة والتطهير ، بخلاف طاهر ، وإن كان القياس تعتبر زيادة الطهارة ; لأنه فعل لازم . وفي شرح السنة في الحديث : أن الطهور هو المطهر ; لأنهم سألوه عن التطهير ، وقال مالك : الطهور ما يتكرر فيه التطهير كالصبور ، فجوز الوضوء بالمستعمل اهـ .

وهو احتمال ضعيف لا يصلح أن يكون حجة على الخصم ؛ ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر ، وعلم جهلهم بحكم مائه قاس جهلهم بحكم صيده مع عموم قوله تعالى : حرمت عليكم الميتة فزاد في الجواب إرشادا وهداية ، كما هو حال الحكيم العارف بالداء والدواء ، قال : ( " الحل ميتته " ) : فالميت من السمك حلال بالاتفاق ، وفيما عداه خلاف محله كتب الفقه ( رواه مالك ، والترمذي ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، والدارمي ) : قال السيد : هذا حديث صحيح . وقال ابن حجر : سنده صحيح ، ومنه يؤخذ مع الخبر الصحيح ، وهو من لم يطهره ماء البحر فلا طهره الله أنه لا كراهة في الطهارة به ، وإن كرهه جماعة من الصحابة ، وخبر : " تحت البحر نار ، وتحت النار بحر " حتى عد سبعة ، ضعيف اتفاقا ، على أنه لو صح لم يكن دليلا للكراهة .




الخدمات العلمية